Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحزب الجمهوري هو المشكلة في أميركا

ترمب والطريق الطويل الذي أوصله إلى السادس من يناير 2021

أظهرت أعوام رئاسة ترمب أن الضمانات المؤسسية للديمقراطية أضعف بكثير مما يتخيله الخبراء (أ.ب)

في نظرة استرجاعية، يبدو الهجوم على مبنى الكابيتول [مقر الكونغرس الأميركي] في 6 يناير (كانون الثاني) كأنه كارثة سياسية متوقعة، إذ أعلن أنصار الرئيس دونالد ترمب مسبقاً ما سيفعلونه، ثم نفّذوا. وفي ذلك المجال، تميل التفسيرات التي تشرح كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد، للتركيز على الناس، سواء كان ترمب نفسه، مع قدرته على إلهام التفاني الشديد، أو المجموعات الغوغائية على "تويتر" و"فيسبوك" الآتية من العالم السفلي للإنترنت. في المقابل، لم يعطَ اهتمام كبير لدور مؤسسة قديمة جداً، أي الحزب السياسي.

في الواقع، المشكلة التي يجري تجاهلها في هذا السياق، يمثّلها الحزب الجمهوري، إذ إنه تخلّى عن الفكرة الأساسية القائلة إن الأحزاب في الديمقراطية، تحاول الحصول على دعم الغالبية من خلال برنامج جذاب. وفي داخل صفوفه، لم يترك مساحة للنقاش. بدلاً من أن يؤدّي الحزب دور المختبر الذي تُصمّم فيه السياسات الهادفة إلى معالجة المشكلات الفعلية، أصبح بمثابة عبادة لشخص ترمب. وفي سياق متصل، تتمثّل الأجندة الحقيقية الوحيدة التي تبنّاها زعيمه في شن حرب ثقافية بالنيابة عن الأميركيين "الحقيقيين" ضد أولئك الذين يُفترض أنهم شكلوا تهديداً وجودياً لهم، بدءاً من المهاجرين ووصولاً إلى من تُطلق عليهم تسمية أنصار العولمة.

بعد عام من حوادث السادس من يناير، لم يتغير شيء يذكر. وحاضراً، يصرّ الترمبيون [مؤيدو ترمب] على قمع الناخبين وتخريب الانتخابات التي لا تعجبهم نتائجها. وفيما تدقّ نواقيس الخطر، حان الوقت للاستلهام من ديمقراطيات أخرى وضعت ضمانات في أنظمتها السياسية من خلال تنظيم أحزابها. طالما أن حزباً واحداً في نظام الحزبين لم يعُد يلعب وفقاً لأبسط قواعد اللعبة الديمقراطية، ستبقى الجمهورية الأميركية في مهب الريح.

عبادة ترمب

وفقاً للمعتقد السائد خلال معظم القرن الماضي، شكّل نظام الحزبين تلقائياً حصناً ضد التطرف السياسي، إذ توجّب على أولئك الذين يتطلعون إلى الفوز في صناديق الاقتراع إنشاء خيمة أيديولوجية واسعة واختيار الاعتدال بغية جذب الناخبين الوسطيين. في الحقيقة، بدت هزائم الراديكاليين على غرار باري غولد ووتر (الذي قبل أن يكون المرشح الجمهوري للرئاسة عام 1964، معلناً أن "التطرف في الدفاع عن الحرية ليس رذيلة") كأنها تعزز التفوق المتأصل للديمقراطية الأميركية. وكذلك راج أن هذا النظام لا يضمن الاستقرار فحسب، بل المساءلة أيضاً. لأن مسؤولية الحكم تقع على حزب واحد، وليس على ائتلاف كبير، فإذا ثبت أن ما فعله شاغلو المناصب لا يحظى بشعبية لدى معظم الناس، فإن الغالبية سترفضهم وتمنح الطرف الآخر فرصة.

وفي مقلب مغاير، أظهرت العقود القليلة الماضية، وليس أعوام رئاسة ترمب فحسب، أن الواقع يمكن أن يكون مختلفاً إلى حد ما، والضمانات المؤسسية للديمقراطية أضعف بكثير مما يتخيله الخبراء. في الحقيقة، تعود بعض المشكلات البنيوية إلى زمن البداية، إذ لم يخلق المؤسسون نظام الحزبين، بل أرادوا تجنّب ما سخروا منه ووصفوه بـ"الفصائل". في المقابل، لقد كتبوا دستوراً يضمن عدم تساوي جميع الأصوات. وفي ذلك الإطار، تُعتبر المناطق الريفية ممثّلة تمثيلاً زائداً بشكل كبير، بالتالي يستطيع الجمهوريون بسهولة كسب الغالبية في مجلس الشيوخ، حتى لو صوّت لمصلحتهم عدد أقل بكثير من الناس. وبفضل خصائص الهيئة الانتخابية، يمكنهم الفوز بالرئاسة على أساس دعم الأقلية فحسب في البلاد ككل. ويضاف إلى ذلك التغيير المتواصل في تقسيم الدوائر الانتخابية، الذي يخلق ملاعب أيديولوجية للمتطرفين، وعالماً إعلامياً يمينياً منغلقاً على ذاته، يتمثّل هدفه الرئيس في إثبات نفسه سياسياً. وفي المحصلة، تأتي النتيجة الإجمالية على هيئة شيء يخشاه المؤسسون بقدر خشيتهم من استبداد الغالبية، بمعنى طغيان أقلية يعتقد أفرادها أنهم وحدهم الأميركيون الحقيقيون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستطراداً، الحزب الجمهوري اليوم عبارة عن صدفة جوفاء، إذ يتمثل أحد عيوبه الرئيسة في افتقاره إلى ما يسمّيه علماء السياسة "الديمقراطية داخل الحزب"، أي الدرجة التي يتيح بها الحزب التداول حول السياسة واختيار القادة بطريقة ديمقراطية وتحميلهم المسؤولية. في الواقع، تبدو الديمقراطية الحزبية كأنها مطلب متبتّل بعيد المنال من النوع الذي يعطي المنظرين الديمقراطيين سمعة سيئة بين السياسيين المتشددين. (ويعيد هذا إلى الأذهان سخرية أوسكار وايلد المزعومة التي أشار فيها إلى أن "مشكلة الاشتراكية هي أنها تستغرق أمسيات كثيرة"). ولكن في المقابل، من المرجح أن الأحزاب التي تعمل بشكل ديمقراطي في داخلها، تولّد سياسات مبتكرة وتعزز المواقف المتسامحة والديمقراطية بين أفرادها. صحيح أن الناس يتعاونون سياسياً لأنهم يؤمنون بمبادئ معينة وليس لأنهم يريدون أن يكونوا متسامحين بلا حدود، لكن المبادئ لا تطبق نفسها، وكذلك لا تولّد بطريقة سحرية استراتيجيات سياسية فعلية. في المقابل، يحتاج المرء إلى الجدال حول تلك الأمور، ما يعني أنه من الناحية المثالية، يعتاد على فكرة أن أولئك الذين يخالفونه الرأي قد يكونون على حق. نتيجة لذلك، يمكن لأولئك الذين يخسرون معركة أن يتبنّوا موقف المعارضة المخلصة داخل منظمة تعمل على أساس المبادئ المشتركة.

في منحى مقابل، هناك شيء إشكالي بطبيعته حول الأحزاب التي تتألف من عضو واحد فحسب. ومثلاً، في هولندا، يضم الحزب الشعبوي اليميني بزعامة خيرت فيلدرز عضواً واحداً لا غير هو فيلدرز نفسه، بمعنى أن نواب الحزب في البرلمان هم مجرد ممثلين عن الحزب وليسوا أعضاء فعليين فيه. من المرجح أيضاً أن تتصرف الأحزاب الاستبدادية داخلياً بطرق سلطوية بمجرد أن تسيطر على مقاليد السلطة. ليس من قبيل المصادفة أن يعمل الشعبويون الاستبداديون اليمينيون المتطرفون، بمن فيهم فيكتور أوربان في المجر، وناريندرا مودي في الهند، ورجب طيب أردوغان في تركيا، بقيادة أحزابهم بطريقة ديكتاتورية للغاية. إذاً، بدلاً من أن يشكّل تفكك الحزب خطراً على الديمقراطية، يُعتبر ما يمكن وصفه بشكل إيجابي أكثر بـ"التعددية الداخلية"، شرطاً مسبقاً لسلامة الديمقراطية.

واستطراداً، يشكّل ذلك الأمر السبب في أن دساتير بعض الديمقراطيات، كإسبانيا وألمانيا، تتضمن توصيفاً حتى عن الديمقراطية داخل الحزب. كذلك توضح القوانين تفاصيل معيّنة مثل عدد المرات التي تُجرى الانتخابات الداخلية فيها. وكذلك، تحدد تلك القوانين أيضاً أسباباً موضوعية لحظر الأحزاب. في ذلك السياق، حظرت إسبانيا حزباً باسكياً في 2003 لدعمه الإرهاب ضمنياً. وعلى نحو مماثل، قطعت المحكمة الدستورية الألمانية التمويل العام عن حزب نازي جديد في 2017 لأن أهدافه اعتُبرت معادية للدستور الألماني.

تجدر الإشارة إلى أن ترمب نجح في تحويل الحزب الجمهوري إلى عبادة الفرد. بالتالي، أصبح أي شيء كالولاء النقدي للحزب، لا للشخص، إضافة إلى المعارضة الصريحة، أمراً مستحيلاً. وهكذا، لا يمكن للمرء ببساطة أن يكون جمهورياً يتمتع بسمعة طيبة ومنتقداً قوياً للرئيس السابق. والنتيجة؟ لم تكُن هناك قيود حقيقية على ترمب في الفترة التي سبقت 6 يناير. على الرغم من أن داعمي ترمب القدامى، كزعيم الغالبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، وهو جمهوري من كنتاكي، اعترف بانتصار جو بايدن في ديسمبر (كانون الأول) 2020، لم يجرؤ أحد على المطالبة بقوة بإنهاء مهزلة "أوقفوا السرقة". كذلك نُفي المنشقون القلائل إلى قفر سياسي، أو طُردوا من الحزب تماماً. وبعد أن صوّتت ليز تشيني، العضوة الوحيدة في مجلس النواب عن ولاية وايومنغ، لمصلحة قرار عزل ترمب بسبب الدور الذي نهض به في هجوم 6 يناير، قرر الحزب الجمهوري في الولاية عدم الاعتراف بها بوصفها جمهورية.

لماذا بيّنت نخب الحزب الجمهوري استعدادها للتوافق مع ترمب؟ ترتبط انتهازيتها بالتأكيد بعجز الحزب الجمهوري الطويل الأمد عن صياغة برنامج حزبي حقيقي. في الواقع، في المؤتمر الذي عُقد في أغسطس (آب) 2020، رفض الجمهوريون إصدار برنامج جديد، وبدلاً من ذلك أكدوا ببساطة ولاءهم للرئيس. وفي سياق متصل، أطلق عالما السياسة جاكوب هاكر وبول بيرسون على برنامج الجمهوريين الحالي اسم "الشعبوية البلوتوقراطية" [معنى كلمة بلوتوقراطية، هو حكم طبقة الأثرياء]، علماً أن ذلك البرنامج يُعتبر غير شعبي ومفلساً فكرياً في آن معاً، إذ إنه باستثناء التخفيضات الضريبية للأثرياء، لا يتضمن ذلك البرنامج ببساطة أي شيء له معنى. وبحسب ما أشار هاكر وبيرسون، يمكن لهذا النهج، جنباً إلى جنب مع العوامل البنيوية التي تحفّز استبداد الأقلية، أن يؤدي بالتأكيد إلى انتصارات انتخابية. كذلك يمكن أن يتشتت انتباه المواطنين بسبب الحروب الثقافية التي لا نهاية لها، أو التحريض الصريح على الكراهية ضد الليبراليين والأقليات من أصحاب البشرة السوداء أو السمراء، بدعوى الدفاع عن معقل مزعوم للمسيحيين البيض. لكن، في نهاية المطاف، لا ترقى "الشعبوية البلوتوقراطية" إلى مستوى برنامج متماسك يمكن الدفاع عنه بثقة في العلن.

مرة أخرى، مهما بدت مطالبة أصحاب النظريات الديمقراطية ببرامج حزبية منسجمة، شيئاً مغرقاً في التعالي العقلي، إلا أن غيابها أسهم بوضوح في حدوث 6 يناير. وفي ذلك الإطار، يمكن للأحزاب السياسية المناسبة أن تتعامل مع خسارة الانتخابات، لأنها تملك التزامات مبدئية وجداول تنفّذها على مدى أزمنة متطاولة. على النقيض من ذلك، يجب أن يُحسب حساب عبادة الشخص حتماً، وفق فترة حياة الزعيم، إذ إن رجلاً في العقد السابع من عمره لا يملك أهدافاً واضحة غير الهيمنة الاجتماعية والإثراء الذاتي، يفكر في خسارة الانتخابات بشكل مختلف عما يفكر فيه حزب يديره قادة متعاقبون يتطلعون إلى تحقيق معتقدات الحزب الأساسية عبر فترات طويلة من الزمن.

البرنامج الحالي للجمهوريين غير شعبي ومفلس فكرياً

لن يحدث مطلقاً مرة أخرى

ما الذي ينبغي فعله؟ أول شيء هو إدراك خطورة التحدي. في بلدان حيث يمكن للمحاكم حظر الأحزاب المعادية للديمقراطية، على غرار إسبانيا وألمانيا، كان من المحتمل أن يكون الحزب الجمهوري محظوراً الآن، نظراً إلى أن عدداً من شخصياته القيادية رفض إدانة أعمال العنف التي وقعت في 6 يناير. ومع تنحية مسألة مدى قانونية مثل ذلك الحظر جانباً، فإن فكرة التعصب السياسي من أجل الدفاع عن الديمقراطية ليست غريبة على الولايات المتحدة. في الواقع، سعى قانون السيطرة الشيوعية Communist Control Act عام 1954 إلى حظر الحزب الشيوعي في الولايات المتحدة على أساس أنه يهدف إلى "إطاحة الحكومة". واستطراداً، يمكن للمرء أن يتساءل عما إذا كانت المكارثية توفر نموذجاً جيداً عن حماية نظام الحكم الذاتي [بمعنى أن يحكم الشعب نفسه بنفسه]، لكن ما لا جدال فيه هو أن حظر حزب واحد في نظام الحزبين، قد يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية.

في المقابل، هذا لا يبرر الانهزامية. يمكن للجنة المختارة التي تحقق في ما حدث أثناء 6 يناير، أن تؤمّن أقصى قدر من الوضوح بشأن حوادث ذلك اليوم، وتمارس أقصى قدر من الضغط على أولئك المسؤولين حتى بشكل غير مباشر. كذلك يجب على وزارة العدل ألّا تلاحق جنود العصيان فحسب، بل أن تكشف أيضاً عن المؤامرات والدعم الذي جاء من القمة، ثم تنهض بأمر التقاضي وفقاً لذلك. وعلى مستوى أقل رسمية، ينبغي على عدد من الفاعلين ممن لا يزالون يتعاملون مع الحزب الجمهوري كما أنه حزب ديمقراطي عادي، على وجه الخصوص، الصحافيين الذين يسعون إلى تحقيق نوع من التوازن المناسب لنظام ديمقراطي تقليدي ثنائي الحزب، [ينبغي عليهم] أن يغيّروا منظارهم ويبذلوا مزيداً من الجهد سعياً إلى محاسبة قادة الحزب. ولا يعني ذلك أنه يجب اعتبار كل سياسة جمهورية غير ديمقراطية، لكنه يعني إجبار شخصيات الحزب على الإفصاح عن علاقتها بترمب. وفي ذلك الإطار، تُعتبر طريقة وصفها [تلك الشخصيات] لـ6 يناير، اختباراً حاسماً شأن أي اختبار آخر. إذا وصف أحد الجمهوريين حوادث ذلك اليوم على أنها احتجاج وطني سلمي، ينبغي على الصحافيين الإفصاح عن ذلك، مع الإشارة إلى أن السياسيين الذين ينشرون مثل تلك الأكاذيب اليوم من المرجح أن يقوّضوا الديمقراطية أكثر غداً.

وتجدر الإشارة إلى أن إعادة تجميع الحركات المناهضة للديمقراطية على المستوى المحلي، تحتاج إلى مراقبة عن كثب. ومثلاً، حوّلت جماعة "براود بويز" Proud Boys [أبناء فخورون] تركيزها إلى مجالس المدن ومجالس المدارس. في الديمقراطيات التي تسمح بحظر الأحزاب السياسية، من المسلّم به على نطاق واسع أنه حتى لو لم تنتخب الجماعات المتطرفة قادة للحكومة الوطنية، يبقى بإمكانها زرع الكراهية والتحريض على العنف محلياً. وبالاستناد إلى قانون أقرّه الكونغرس في 1871 لمكافحة منظمة "كو كلوكس كلان" [منظمة عنصرية مارست القتل والاضطهاد ضد السود الأميركيين، اتّخذ كارل راسين، المدعي العام في واشنطن العاصمة، قراراً حكيماً برفع دعوى مدنية ضد "براود بويز" و"أوث كيبرز" Oath Keepers [المحافظين على القَسم]. في الواقع، يمنع التعديل 14 [في الدستور الأميركي] أولئك الذين أقسموا يميناً على حماية الدستور ثم "انخرطوا في عصيان أو تمرد" على الرغم من ذلك، من تولّي المنصب مرة أخرى. ويمكن استخدام هذا البند، بل ينبغي استخدامه، ضد السياسيين المسؤولين عن 6 يناير.

السياسيون الذين يقوضون الديمقراطية أو يدمرونها يجب استبعادهم من مناصبهم 

وإذا شكّلت الترمبية طائفة [إشارة إلى انتشار عبادة الزعيم بين صفوفها]، يمكن الاستفادة من بعض الدروس المتعلقة بطريقة خروج الناس من الطوائف، أو كيفية اعترافهم لأنفسهم بأن القادة الذين وضعوا ثقة غير مشروطة بهم قد خدعوهم. كذلك، يجب التفكير أكثر في مسألة طريقة توفير مساحات آمنة لأتباع ترمب كي يعترفوا لأنفسهم وللآخرين بأنهم تعرّضوا للخداع، سواء تعلق الأمر بالمساهمات التي انتهى بها الأمر للتو إلى إثراء الرئيس وأعوانه، أو بإنكار فيروس كورونا الذي أدّى إلى قتل أصدقائهم وعائلاتهم. في الممارسة العملية، يعني ذلك تنظيم لقاءات في الأحياء يمكن للناس التحدث فيها إلى من يثقون بهم، بدلاً من المشاحنات المسممة على "تويتر" و"فيسبوك". في المقابل، لا يعني ذلك أن كل ناخب جمهوري يشكّل حالة يجب معالجتها من قبل "مُعيدي برمجة" ديمقراطيين، [أي عدم اعتبار أن الناخب الجمهوري يجب أن تُعاد برمجة أفكاره على يد متمرسين في الديمقراطية]، إذ تجدر الإشارة إلى أن الأشخاص الذين يشعرون بتهديد وجودي كبير لدرجة أنهم مستعدون لحمل السلاح، على غرار عدد كبير من الجمهوريين، يملكون قواسم مشتركة مع المتعاطفين مع المنظمات الإرهابية، أكثر من امتلاكهم قواسم مشتركة مع الحزبيين الملتزمين ممن يعملون ضمن ديمقراطية فاعلة.

إذا حانت لحظة أكثر هدوءاً وعقلانية من الناحية السياسية، ستتمكّن الولايات المتحدة أخيراً من معالجة القضايا البنيوية الملحّة أيضاً، إذ لا ينص الدستور على التلاعب في حدود الدوائر الانتخابية، ولا توجد دوائر ممثّلة بعضو واحد. وحتى لو لم يجرِ إلغاء الهيئة الانتخابية، أو على الأقل ربما جرى التقليل من مشكلة حكم الأقلية من خلال تحويل واشنطن العاصمة وبورتوريكو إلى ولايتين، فثمة طرق تُمكّن من تقديم حوافز إلى جميع الأحزاب بهدف الفوز بالغالبية. في ذلك الإطار، يجب على الولايات المتحدة تجربة التصويت التصنيفي (أي ترتيب المرشحين بحسب الأفضلية التي يعطيها الناخبون) في الدوائر التي ينتخب عنها عدد ممن يتولّون تمثيلها، كذلك ينبغي أن تنتقل [الولايات المتحدة] بشكل شامل إلى اعتماد لجان مستقلة، بدلاً من المجالس التشريعية للولايات، بهدف تحديد شكل تلك الدوائر. لا أحد يستطيع إجبار الجمهوريين على امتلاك برنامج حزبي حقيقي، لكن يمكن تقديم حوافز كثيرة لهم كي تستميل الغالبية منهم.

أخيراً، هناك نهج أكثر مباشرة يجب تجربته، إذ يجب استبعاد السياسيين الذين يتآمرون سعياً إلى تقويض الديمقراطية أو تدميرها تماماً، من تولّي مناصبهم، سواء كان ذلك عبر الإقالة أو الإدانة في المحاكم. إن أفضل مرشح لتلقّي طريقة المعاملة تلك هو الرجل الذي تقع عليه معظم المسؤولية عن 6 يناير، أي دونالد ترمب.

 

يان فيرنر مولر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة برينستون ومؤلف كتاب "قواعد الديمقراطية".

فورين آفيرز

يناير (كانون ثاني)/ فبراير (شباط) 2022

المزيد من تحلیل