Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما سبب خوف الديمقراطيات الليبرالية الشديد من إنقاذ نفسها؟

إن قلة تقديرنا للأخطار التي نواجهها حالياً يكاد لا يُصدق

متظاهرون يرفعون لافتات كُتب عليها (من اليسار) "حكم القانون"، "محكمة غير دستورية" و"لا لبوليكسيت" [انسحاب بولندا من الاتحاد الاوروبي] خلال تظاهرة في وارسو (غيتي)

في معرض وصفه للأزمة التي تواجه الأنظمة الديمقراطية حين تهددها أطراف تستخدم قوانينها الخاصة بغية تقويضها، كتب القاضي الراحل في المحكمة العليا في الولايات المتحدة روبرت جاكسون في العام 1947 "لا يتعين الاختيار بين النظام والحرية. بل الخيار المطروح هو بين الحرية التي يحكمها النظام والفوضى التامة التي يغيب فيها الأمران، ويكمن الخطر في أن تحول المحكمة شرعة الحقوق الدستورية إلى اتفاق انتحاري، إن لم تلين منطقها الفقهي ببعض الحكمة العملية".

كان القاضي جاكسون يعترض على قرار المحكمة بعدم معاقبة كاهن يميني متطرف أشعلت خطاباته العنصرية أعمال شغب في شيكاغو، وما عناه القاضي الذي حاكم مجرمي الحرب النازيين الذين وصلوا إلى سدة الحكم بطريقة ديمقراطية، خلال محاكمات نورمبيرغ، أن من واجب الديمقراطية الليبرالية إرساء هيكليات لحماية نفسها عندما تتعرض للخطر، حتى لو كان ذلك يعني التضحية بحرية التعبير أو اللجوء إلى وسائل غير ليبرالية.

 ساد مفهوم "الديمقراطية المقاومة" وأصبح القاعدة الأساس في معظم دول أوروبا خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لا سيما تلك الدول التي كانت تخرج من تحت نير الأنظمة الديكتاتورية مثل ألمانيا وإسبانيا والبرتغال وبولندا والتشيك وسلوفاكيا. وُضعت أدوات جديدة كما أعيد إحياء أخرى قديمة. ولكن ما لا يُصدق هو أن الديمقراطيات الليبرالية اليوم تثبت عجزها أو عدم استعدادها للتوسل بمجموعة الأدوات المتنوعة المتاحة لها من أجل إبعاد أخطار اليمين المتطرف. وفي هذه الأثناء، لا يكل اليمين المتطرف والمتشدد من محاولة التلاعب بقوانين الديمقراطيات الليبرالية من أجل تقويضها.

الأسبوع الماضي، كشف موقع بوليتيكو تسجيلاً مسرباً لرئيس جامعة أمريكية تنتمي إلى اليمين المتطرف وهو يحض المؤسسة على ترشيح مزيد من الناس لتبوء مناصب حكومية، على الرغم من وجود قوانين تحظر انخراط المؤسسات المعفاة من الضرائب في الحملات الانتخابية بهذه الطريقة السافرة. ويقول جيري بريفو، رئيس جامعة ليبرتي، في التسجيل "أعرف كيف أتعامل مع هذا الموضوع من دون أن أتورط في مشكلات. حاول مجتمع المثليين الجنسيين أن يقضي علي طوال 30 عاماً مضت، ولكنه لم ينجح يوماً لأنني أعرف كيف أستخدم (قانون الضرائب)".  

وفيما لا تكف الديمقراطيات الليبرالية عن اللجوء إلى الوسائل غير الليبرالية عند محاربتها المقاتلين الإسلاميين، تحجم عن استخدام أدوات شبيهة لمواجهة أطراف تهاجم الديمقراطية بشكل مباشر، فالعديد من البلدان قد سن مثلاً قوانين تمنع الأحزاب السياسية والسياسيين الذين يجاهرون بسعيهم إلى تقويض الديمقراطية من ترسيخ موقعهم ومكانتهم. ولكن وحدها ألمانيا، التي شهدت انتحار ديمقراطيتها الناشئة خلال ثلاثينيات القرن الماضي، طبقت هكذا قوانين.

ومثلاً، بإمكان فرنسا أن تمنع عضو اليمين المتطرف الصاعد إريك زمور من الترشح لمنصب الرئاسة بكل سهولة، بتطبيق القوانين التي تحظر على المدانين بأحكام تحريض الترشح لشغل منصب وطني.

وما زال دونالد ترمب يمثل خطراً واضحاً وآنياً بالنسبة للديمقراطية الأميركية، ويمكن استخدام التصريحات التي أدلى بها يوم 6 يناير (كانون الثاني) وقبل ذلك، لاتهامه بإشعال الفتنة أو التحريض عليها. غالباً ما يهدد أعضاء الحزب الجمهوري الذي يقودهم بحكم الأمر الواقع بالإقدام على العنف السياسي باسمه، وهم يعيدون فعلياً كتابة قوانين الانتخابات لكي يعطوا أنفسهم أفضلية في أي انتخابات مقبلة، مما يثير خوف ناشطي المجتمع المدني في كل أرجاء البلاد.

كتبت مجموعة من المفكرين الأميركيين من كل الأطياف السياسية الأسبوع الماضي رسالة مفتوحة مذهلة جاء فيها، "تستند الديمقراطية الليبرالية إلى الانتخابات الحرة والعادلة واحترام حقوق الآخر وحكم القانون والالتزام بالحقيقة والتسامح في خطابنا العلني. تواجه كل هذه العوامل خطراً حقيقياً الآن. ومصدر الخطر الرئيس هو أحد الحزبين القوميين الرئيسيين، أي الحرب الجمهوري، الذي ما زال واقعاً تحت تأثير دونالد ترمب ونهجه الاستبدادي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع ذلك، تنتاب السلطات الأميركية حساسية شديدة من تطبيق القانون بالكامل على الحزب الجمهوري وترمب بسبب تصرفاتهما. لا يبالي القضاة عندما يرمون شباناً سود البشرة في السجن سنوات طويلة على خلفية بيع كميات صغيرة من المخدرات، ولكن في هذه الأثناء رفض قاضٍ أن يسجن ليونارد غروبو المتمرد والمحارب السابق الذي شارك في أحداث السادس من يناير شهراً واحداً حتى، نزولاً عند طلب المدعين العامين الوديع.

وقال المدعي العام وفقاً لصحافي كان يغطي جلسة الاستماع في المحكمة، "خالف السيد غروبو أوامر عناصر ضبط الأمن ثلاث مرات. وخدمته العسكرية السابقة سبب يدعو إلى سجنه، فقد أقسم بالدفاع عن الدستور، ولكنه أضر بسمعتنا كديمقراطية أمام العالم".

لم يتأثر القاضي بهذا الكلام، بل أشار إلى أن والده خدم في القوات المسلحة. وحكم على غروبو الذي اعتذر عما بدر منه بقضاء فترة حجر منزلي مدتها 90 يوماً، ووضعه قيد المراقبة لفترة سنتين كما أعطاه غرامة قيمتها 500 دولار أميركي.

يرى زيد العلي، الباحث الدستوري الذي يعمل مع المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات (IDEA)، ذراع الأمم المتحدة لتعزيز الديمقراطية "أحد أسباب (ترددهم) هو غياب التوافق بين الجهات المعنية، ومن الأسباب الأخرى إساءة تقدير الأخطار والاستخفاف بها بكل بساطة، والتركيز الدائم على الأولويات القصيرة الأمد التي تحجب الرؤية عن الأخطار البعيدة الأمد".

كان الإحباط والتوتر واضحين في بروكسل حيث رفع البرلمان الأوروبي دعوى قضائية على اللجنة الأوروبية لعدم التزامها بقوانينها الخاصة وعدم قطع التمويل عن قادة هنغاريا وبولندا اليمينيين بسبب توجههم نحو الاستبداد.

ويقول الباحث الدستوري الفرنسي في جامعة باريس نانتير توماس هوشمان "يمتلك الاتحاد الأوروبي بعض الأدوات لمحاربة الأنظمة غير الليبرالية، ولكن التاريخ الحديث يظهر أنه كثير التردد في استخدامها".

ربما تلعب الجهات الخارجية مثل روسيا دوراً في هذه النقطة، إذ تخلق الخلافات الداخلية وتؤججها لكي تفاقم الخطر الناجم عن اتخاذ أي خطوة ضد العملاء المشبوهين، ويكمن القلق في أن يؤدي التحرك ضد شخص مثل ترمب أو زمور، أو إقصاء الأنظمة في هنغاريا وبولندا، إلى إثارة غضب مناصريهم الذين قد يستشرسون أكثر ويصبحون أخطر.

ومع ذلك، أسهمت المرة الوحيدة التي أقدمت أوروبا فيها على التصرف حين طردت اليونان من المجلس الأوروبي عام 1974 بعد انقلاب عسكري نفذه اليمين، في الضغط على أثينا لكي تعود إلى طريق الديمقراطية. أما الأحكام التي أصدرتها ألمانيا عبر السنين من أجل حل عدة أحزاب سياسية يمينية فلم تؤد إلى أي رد فعل سياسي سلبي.

من جهتها، حظرت فرنسا بين العامين 1945 و2005 أكثر من 70 مؤسسة سياسية تعد تهديداً على الديمقراطية أو الأمن من دون أن يتسبب ذلك بأي عواقب كبيرة.

وهذا ما يثير احتمالاً آخر لتلكؤ من يحتم عليهم عملهم حماية الديمقراطية في تطبيق قوانينهم الخاصة على الشخصيات اليمينية المتطرفة الصاعدة أخيراً، فهم يشعرون بالرهبة أمام هالة الممسكين بالسلطة السياسية، فالسياسيون والمحاكم والمدعون العامون والإعلام والباحثون يعتقدون بأنهم محصنون مما يضمن صعودهم أكبر بعد.

ويقول هوشمان، "قد تكون هذه الأدوات مخالفة للديمقراطية، لكن إن انتظرتم اقترابهم من السلطة إلى هذا الحد قبل أن تستخدموها، ربما تجدون أن الأوان قد فاتكم بالفعل".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء