Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"دروب التهريب"... خريطة الإرهاب العابر بين مصر وليبيا

قوات البلدين تُحكم قبضتها على المهربين... وتُوقف 70% من عمليات المخدرات والبشر والسلاح في 2018

على امتداد نحو 1100 كيلو متر، يبقى خط الحدود الفاصل بين مصر وليبيا أحد المصادر التي تؤرق دوما الدولة المصرية، لما يمثله من مصدر نشط للتهريب بأنواعه كافة (سلاح وبشر ومخدرات)، رغم النجاحات التي حققتها القوات الأمنية المصرية خلال العامين الأخيرين من تقليل نسب التهريب، وهو ما انعكس بدوره على خفوت العمليات الإرهابية في الجزء الغربي من مصر، والتي وصلت معدلات غير مسبوقة بعد عام 2013، وفق مصدر أمني مصري رفيع المستوى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بيئة خصبة وانفلات أمني

طبيعة الحدود الجغرافية الشاسعة بين مصر وليبيا وما تحتويه من صحارٍ وجبال وكهوف وكثبان رملية، كانت بيئة خصبة لعمليات التهريب، وإنْ زادت حدتها وباتت أكثر عنفا بُعيد الأحداث التي شهدتها المنطقة، وأسفرت عن سقوط نظامي حسني مبارك في القاهرة، ومعمر القذافي في ليبيا، في العام 2011.

ومنذ ذلك التاريخ، ومع انفلات أمني في البلدين المتجاورين، شكّل الانتشار غير المقنن للسلاح، وانتشار عصابات التهريب على حدوديهما خطرا على الأمن القومي لكليهما، ونشطت عمليات التهريب بشكل غير مسبوق.

 

 

6 ملايين قطعة سلاح

وفي تقديرات أممية بُعيد 2011، قُدرت قطع السلاح المنتشرة في ليبيا، والخارجة عن سيطرة الدولة بنحو 6 ملايين قطعة سلاح، لتتجاوز مخاطر الخط الفاصل أمن البلدين، إلى أمن المنطقة بأكملها، وهو ما استدعى معه تحذيرات مصرية رسمية ومتكررة ومن أعلى المستويات مطالبة بضرورة الحذر، وتعزيز سلطة الدولة في تلك المنطقة، وهو ما قاد إلى توجيه القوات المسلحة المصرية أكثر من ضربة وعملية واسعة الانتشار بها.

ووفق دراسة نشرت في "شاتام هاوس"، في العام 2017، "فإن الجماعات المسلحة والمهربين، تمكنوا في فترة الانفلات التي شهدتها حدود البلدين، من اتخاذ مسارات جديدة للوصول إلى الأراضي المصرية، رغم تشديد الإجراءات الأمنية من قبل القاهرة على حدودها الغربية، لمنع أي عمليات تسلل".

3 طرق للتهريب

بحسب الدراسة، كانت مسارات التهريب في تلك المنطقة محصورة في 3 طرق، أولها من الجهة الشمالية بين منطقتي إمساعد في ليبيا ومدينة السلوم المصرية، والثانية في المنطقة الوسطى من الحدود من واحة الجغبوب الليبية باتجاه منطقة الخارجة في الوادي الجديد في مصر، والمسار الثالث جنوب الحدود الغربية عند جبل العوينات بين مصر وليبيا والسودان.

من التجارة إلى التهريب

وفق موسوعة "بريتانيكا" الإنجليزية، "لم تكن ثقافة العبور في الطرق الوعرة المميزة للحدود المصرية الليبية، سمة جديدة على قاطني جانبيها، فمن قديم الأزل تحمل الحدود المصرية في غرب البلاد تاريخاً عميقاً، كان طرفاه القبائل الليبية وحكام مصر على مر العصور، وتبلورت آثار الحركة المتبادلة على مدى أزمنة طويلة من الهجرة التي تفرضها الجغرافيا".

تقول الموسوعة ذاتها، "إن التداخل الطبيعي للحركة عبر حدود البلدين قاد إلى أن تنتشر القبائل، فتداخلت بين جانبى الحدود، وقبل عشرينيات القرن العشرين لم يكن ثمة فاصل أو مانع من التواصل بين أهالي مناطق شرق ليبيا وغرب مصر، بل كانت المنطقة امتدادا طبيعيا واحدا ليس جغرافيا فحسب، بل ديموغرافيا أيضا، حيث يعود أهالي المنطقة الممتدة غربي النيل وحتى إقليم برقة بليبيا، إلى أصول واحدة، وينتشرون في الحواضر المنتشرة على الشريط الساحلي للبحر المتوسط والواحات المتناثرة في الصحراء الكبرى، وبقيت المنطقة، إضافة إلى كونها موطناً للعديد من القبائل العربية، ممراً وطريقاً للقوافل التجارية وقوافل الحجاج والفاتحين".

وفي أبريل (نيسان) سنة 1920 وقّعت كل من بريطانيا وإيطاليا، باعتبارهما دولتين مستعمرتين لمصر وليبيا على التوالي، ما عُرف باتفاق (ملنر-شالويا) بين وزير المستعمرات البريطانية الڤايكونت ملنر ووزير الخارجية الإيطالي ڤيتوريو شالويا، والتي أفضت إلى وضع حدود وهمية بين ليبيا ومصر حيث وافقت إيطاليا في المذكرة المقدمة من بريطانيا، على أن تكون نقطة بداية الحد الشمالي من حدود مصر‏-برقة غرب السلوم بمسافة عشرة كيلومترات واعتبار المنطقة التي يحتويها خط الحدود مناسبة تماما، طالما دخلت واحة الجغبوب ضمن الأراضي الإيطالية‏، وهو ما لاقى قبول الجانب البريطاني، لتعتمد بذلك الحدود بين البلدين لأول مرة، والتي امتدت بطول يزيد على 1000 كيلومتر.

ونظرا للتداخل الديموغرافي والامتداد الطبيعي بين أهالي البلدين استمرت حركة التنقل والهجرة والتجارة بين البلدين، الأمر الذي تجلى في أبهى صوره، حتى العام 1931 (حيث أُعدم شيخ المجاهدين عمر المختار في سبتمبر (أيلول) 1931)، إذ يذكر الأرشيف الحربي الإيطالي "أن المقاومة والمجاهدين الليبيين اعتمدوا على العمق المصري خلال فترة مقاومة الاستعمار الإيطالي، وتلقى الليبيون دعماً وتسليحاً عبر الحدود المصرية قدر بأكثر من ثلاثة آلاف قطعة سلاح شهريا"‏.

 

وبعد موجة الاستقلال التي شهدتها المنطقة خلال فترة الخمسينيات والستينيات انتظمت العلاقة بين ليبيا ومصر بشكل مباشر بعيدا عن وصاية الاحتلال، وبدأت تظهر إلى جانب الأنشطة الرسمية عمليات التهريب في العقود الأخيرة بدءا من تهريب البضائع، مرورا بتهريب المخدرات والبشر، وصولا إلى السلاح والمسلحين.

وفي عام 2011 ومع سقوط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، نشطت عصابات التهريب المحلية والدولية على الحدود الليبية مع دول الجوار الست إضافة إلى شاطئ البحر، حتى "أن كل دول الجوار الليبي دون استثناء أصبحت حدودها مع ليبيا قضية حية وملفاً مفتوحاً، وهاجساً يؤرقها"، بحسب "أحمد قذاف الدم"، أحد رموز نظام القذافي، في حديث مع "اندبندنت عربية". وهو الأمر الذي لطالما شغل حيزاً كبيراً من المخاطر التي هددت مصر على صعيد أمنها القومي خلال السنوات الأخيرة وزيادة العمليات الإرهابية وتسلل المسلحين والسلاح عبر تلك المناطق الوعرة، تزامن مع جهود أمنية مكثفة لمواجهة الظاهرة، والتي وصلت في الفترة ما بين عامي 2016 و2017 لتدمير أكثر من "ألف سيارة دفع رباعي حاولت التسلل من ليبيا إلى المدن المصرية"، بحسب تصريح سابق للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مايو (أيار) 2017 أعقاب حادثة تعرض حافلة أقباط بالمنيا (جنوب مصر) لهجوم إرهابي.

وذكر قذاف الدم "أن واحدة من أكثر الدول التي تضررت من الأزمة الليبية هي مصر، إذ لا يزال يمر عبر منافذها ودروبها السلاح والمسلحون من الداخل الليبي وإليه"، مضيفا، "في مصر تسعى الحكومة لعقد جلسات حوار مكثفة بين الأطراف الليبية لتوحيد الشعب الليبي، ودعم قواته المسلحة، ومحاربة الإرهاب والتطرف، ومع هذا فإنه، ووفق اتصالاته، مع أغلب الأطراف الليبية ودول الجوار الليبي، لا يزال هناك تدفق في الأسلحة والمسلحين والمرتزقة من وإلى ليبيا من كل حدب وصوب".

دروب التهريب

بحسب مسؤول أمني رفيع المستوى "يستخدم المهربون، بنشاطاتهم المختلفة، سيارات الدفع الرباعي ووسائل اتصال خاصة وأحيانا مشفرة، ويسلكون الدروب الصحراوية بالصحراء الغربية، قادمين من منطقة الكفرة وطبرق في ليبيا إلى الجنوب وواحة الجغبوب الموازية لواحة سيوة المصرية، بعدها يتم الانطلاق عبر الواحات ومنها إلى طرق شركات البترول بالعلمين، متجهين إما ناحية الشمال الشرقي لمحافظات أسيوط والمنيا، أو ناحية الجنوب بمعاونة من قصاصي الأثر تفاديا للضربات الأمنية التي تنفذها أجهزة الأمن والجيش المصريين".

وبينما تعذر التواصل مع "أي من المهربين عبر الحدود المصرية الليبية، فإن مصدراً قبلياً، تحدث لنا شريطة عدم الكشف عن اسمه، وأخبرنا "بأن أخطر ممرات التهريب في الوقت الراهن هي تلك التي يديرها خارجون عن القانون، ومطلوبون لدى العدالة في مصر".

وأوضح المصدر "أن من بين تلك الممرات الجزء الجنوبي الغربي من الفرافرة وحتى الحدود التشادية والسودانية، حيث يتجه نحو جنوب شرق العوينات ثم منطقة الشب ودرب الأربعين"، مضيفاً "هذا المسار يتفرع شمالا للواحات الخارجة ومنها لأسيوط (جنوب) وشرقا لمحافظات قنا والأقصر وأسوان (جنوب) ومنها للبحر الأحمر والصحراء الشرقية شرق البلاد"، موضحا "أنها الأصعب والآمن في الوقت الحالي".

ويبلغ طول الصحراء الغربية، من الجنوب إلى الشمال نحو ألف كيلومتر، ومن الغرب إلى الشرق ستمائة كيلومتر، وتبلغ مساحتها الكلية نحو 681 ألف كيلومتر مربع من إجمالي مساحة مصر الكلية التي تتجاوز قليلا المليون كيلو متر مربع، ويصفها البعض بأنها صحراء وهضاب ومنخفضات.

وباستثناء السلوم وسيوة، تفتقر خطوط الحدود المصرية الليبية لأي تجمعات سكنية، في وقت تعد فيه منطقة بحر الرمال، بمحاذاة الحدود مع ليبيا، التي يبلغ طولها نحو 150 كيلومترا وعرضها نحو 75 كيلومترا، أصعب ممر للعبور إلى داخل مصر.

المصدر الأمني أوضح "في السنوات الأخيرة، كانت الأسلحة والمسلحون الإرهابيون، أهم ما يُهرب من ليبيا إلى مصر، والعكس"، مضيفاً، "في بعض السنوات قدّرت السلطات الرسمية المصرية أن أكثر من 80% من الأسلحة المهربة إلى مصر تأتي من ليبيا، كما تأتي نشاطات تهريب البشر في مرتبة متقدمة من بين نشاطات التهريب بين البلدين، وتتمثل في تهريب المهاجرين غير الشرعيين"، وتابع: "وإلى جانب تهريب الأسلحة والبشر تأتي بقية أنشطة التهريب التقليدية المتمثلة في الاتجار بالممنوعات كالمخدرات والبضائع المدعومة التي يتم نقلها من ليبيا إلى مختلف دول الجوار".

مصدر أمني آخر، ذكر أن "رحلات التهريب كانت غالباً ما تبدأ، وحتى العام 2015 تقريبا، من المناطق الشرقية بليبيا، بداية من مدينة بنغازي التي تبعد عن الحدود المصرية ما يقارب من 700 كم، حتى تصل إلى جنوب منفذ السلوم البري على ساحل البحر المتوسط، وحتى جنوب واحة سيوة بطول ما يقرب من 200 كيلومتر"، مشيرا إلى "وجود أكثر من 45 دربا صحراوياً (وهي الطرق الوعرة التي يقصدها المهربون بعيداً عن أعين الأمن) في هذه المسافة، ويتم من خلالها تهريب البضائع السلاح والمخدرات.

المصدر الأمني ذاته ذكر "في السنوات الأخيرة ومع التضييق الأمني المتواصل على جماعات التهريب في المنطقة دائما ما يلجأ المهربون إلى طرق بديلة، ورغم الوصول إليها أيضا إلا أنه تبقى العمليات قائمة، ولكن بصورة خافتة وأقل حدة". مشيراً، إلى "أن القوات الأمنية التي كثفت مجهوداتها في تلك المناطق والدروب والطرق، بعد اتساع العمليات الإرهابية التي نفذها الإرهابيون في مصر في الفترة ما بين 2013/2017".

 

من جانبه وبحسب الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء جمال مظلوم فإنه "رغم وجود معسكرات أو تجمعات إرهابية دائمة في تلك المناطق، فإن الطبيعة الجغرافية الخاصة لتلك المساحة الكبيرة من مصر والتي تبلغ أكثر من 80% من المساحة الكلية للبلد، تشكل بين الحين والآخر منطلقا مناسبا لترتيب عمليات إرهابية متنوعة على معظم المحافظات المصرية"، مضيفاً "تكمن خطورة تلك المنطقة بالأساس لكونها ملاصقة للحدود المصرية مع ليبيا، التي تشهد صراعات أمنية وسياسية منذ عدة سنوات، سمحت للمسلحين من الجماعات الإرهابية وغيرها المنتشرة بشكل مكثف هناك، بالعبور إلى مصر وتهريب مختلف أنواع الأسلحة". ما يعني أنه و"على الرغم من التشديد الأمني واهتمام السلطات المصرية بعد 30 يونيو (حزيران) 2013، والإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فإن نشاطات جماعات التهريب والمسلحين تبقى مرتبطة بوجود الحدود ذاتها وأن خفتت حدتها في السنتين الأخيرتين".

وأعادت هجمات إرهابية كبرى الأنظار إلى خطورة عمليات التهريب عبر الحدود المصرية الليبية، وانتقال السلاح والإرهابيين، حيث شهدت مصر في الفترة ما بين 2014/2017، 8 عمليات إرهابية كبرى، كان "الانفلات" وتسلل العناصر المنفذة، عبر الحدود الليبية المصرية، سببا مباشرا أو غير مباشر في إتمامها، وفق إعلان السلطات الأمنية المصرية، إلى أن بدأت القوات المسلحة المصرية، منذ فبراير (شباط) 2018، تنفيذ عملية عسكرية عبر تدخل جوي وبحري وبري وشرطي و"بصورة شاملة"، لـ"مواجهة عناصر مسلحة شمال ووسط سيناء، ومناطق أخرى بدلتا مصر (شمال)، والظهير الصحراوي غرب وادي النيل".

ووصفت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، العام 2018، بـ"عام احتضار الإرهاب"، مشيرةً إلى أنه شهد "8 عمليات إرهابية هزيلة" مقابل 222 عملية في 2014.

 وذكر تقرير الهيئة التابعة لرئاسة الجمهورية، "جاءت الحصيلة النهائية للعمليات الإرهابية في عام 2018، الأقل طوال السنوات الخمس السابقة". مشيرة إلى أنه "وقعت في عموم مصر خلال 2018 ثماني عمليات إرهابية فقط، جاءت خمس منها بعبوات ناسفة غير متطورة الصنع". فيما ذكر أن "العام 2014 شهد ما يقرب من 222 عملية إرهابية، تراجعت إلى 199 في 2016، في حين لم تتجاوز الـ50 في 2017".

انفلات الحدود

سُلطت الأنظار الداخلية والدولية إلى الصحراء الغربية، بوصفها مسرح توتر وبؤرة للعمليات الإرهابية، مع ظهور خلية إرهابية أُطلق عليها اسم "جنوب الجيزة"، تابعة لتنظيم "أنصار بيت المقدس" في سيناء، كان يقودها هشام علي عشماوي، الضابط المفصول من القوات المسلحة المصرية، وذلك حين نفذت هذه الخلية أضخم عملياتها في 19 يوليو (تموز) 2014، باستهداف "كمين الفرافرة" بالكيلو 100 في مدينة الفرافرة، بمحافظة الوادي الجديد (جنوب غرب). وأسفر الهجوم حينها عن مقتل 21 ضابطا وجنديا.

وفي أغسطس (آب) 2015، وأثناء ملاحقة مسلحين، جنوب شرق واحة سيوة (أقصى الغرب)، تحطمت طائرة تابعة للقوات الجوية المصرية، وأعلن رسميا حينها أن التحطم جاء نتيجة عطل فني مفاجئ أثناء العملية. ويومذاك قتل في الحادث أربعة من عناصر القوات الجوية وأصيب اثنان آخران. وأعلن الجيش حينها أن "القوات تمكنت من تدمير أربع عربات للمسلحين". وفي الشهر نفسه، أعلن تنظيم "ولاية سيناء"، الإرهابي، ذبح رهينة كرواتي يدعى توميسلاف سلوبك، كان مسلحون قد اختطفوه من مدينة السادس من أكتوبر، أثناء توجهه إلى عمله بأحد المواقع البترولية في منطقة الواحات.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2015، وأثناء عملية عسكرية استمرت لمدة 48 ساعة في الظهير الصحراوي لمحافظة أسيوط، داخل الصحراء الغربية، أعلنت الداخلية المصرية مقتل 20 من العناصر المسلحة والقبض على 22 آخرين.

وبينما هدأت الأمور بشكل لافت خلال عام 2016 في الصحراء الغربية، حين كان مقتل ضابطين وأربعة مجندين في هجوم لعصابات تهريب مسلحة بمركز الفرافرة، الحادث الأبرز في 2017، ليشكل العمليات الإرهابية النوعية في تلك المنطقة. إذ بدأ العام بهجوم مسلح استهدف كمين النقب الواقع على طريق الوادي الجديد - أسيوط السياحي، وقتل فيه ثمانية من عناصر الشرطة وأصيب اثنان.

وفي نهاية مايو (أيار) 2017، وقع الهجوم الأكثر دموية، حين استهدف مسلحون ينتمون لتنظيم "داعش" حافلة تقل مواطنين مسيحيين، أثناء مرورها بإحدى الطرق الفرعية الصحراوية، قرب الطريق الصحراوي الغربي، ما أسفر عن مقتل 28 قبطيا. وعلى إثر ذلك، نفذ الجيش المصري ضربات جوية ضد ما قال إنه "تجمعات من العناصر الإرهابية بالأراضي الليبية تأكد من اشتراكهم في التخطيط والتنفيذ لحادث المنيا الإرهابي"، حيث تركزت الضربات الجوية المصرية على مدينتي درنة والجفرة.

 وفي الشهر ذاته، لقي أربعة من أفراد القوات المسلحة حتفهم في منطقة الواحات الغربية حينما انفجر أحد الأحزمة الناسفة الخاصة بالعناصر الإرهابية، عند تمشيطهم المكان.

وفي 20 أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2017، جاء أحد أبرز العمليات الإرهابية في ذلك العام، وهو ما بات يعرف بـ"هجوم الواحات"، وذلك عندما قتل 11 ضابطا وأربعة مجندين وفرد شرطة، فضلا عن إصابة 13 من الضباط والجنود، كما فقد أحد الضباط، في عملية مداهمة "خلية إرهابية" بمنطقة الواحات البحرية (جنوب الجيزة)، وذلك في وقت أعلنت فيه الداخلية المصرية، أنها قتلت 15 من المسلحين.

وعلى مدار العامين الأخيرين، خفتت حدة العمليات الإرهابية في تلك المنطقة، بالتزامن مع تحقيق قوات الجيش الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، القريب من مصر، نجاحات واسعة وتقدماً في الشرق الليبي. ورغم هذا أعلنت السلطات المصرية إحباطها العشرات من عمليات تهريب أسلحة وسيارات دفع رباعي عبر الحدود مع ليبيا، فضلا عن تنفيذ عدد كبير من الطلعات الجوية، بالتزامن مع أعمال تمشيط ومداهمة للدروب والمناطق الجبلية.

 

 

هل نجحت الجهود المصرية في "وأد" التهريب؟

وفق مصدر أمني مصري "أسفرت الجهود المبذولة من قبل القوات المسلحة والشرطة المصرية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع الجانب الليبي، عن تقليل حدة مخاطر هروب المسلحين إلى حدوده الدنيا"، مشيراً، إلى "أنه في العام 2018 تم إيقاف نحو ما يزيد على 70% من عمليات التهريب بكافة أنواعة عبر الحدود مع ليبيا، مقارنة بـ25% في عام 2017. وبعد الإشارة إلى زيادة النسبة في العام الحالي، فضلا عن الإحباط  الفعلي لأغلب عمليات التهريب، إذ أحبطت القوات الأمنية بالتنسيق مع حرس الحدود تسلل آلاف المهاجرين غير الشرعيين، فضلا عن إحباط آلاف عمليات التهريب بمختلف أشكالها".

وبحسب تقارير محلية وأجنبية، تمكنت القاهرة وفي السنوات الأخيرة، من استيراد صفقات عسكرية ضخمة بينها أجهزة رقابة ومسح حديثة ومتطورة من عدد من الدول الغربية. ووفق دبلوماسي غربي في القاهرة، "كانت بمثابة نقلة في قدرة مصر على محاربة عصابات التهريب، والمهربين بكافة أنواعهم على مدار السنوات الأخيرة".

ومتطابقا في الحديث مع الدبلوماسي الغربي، قال السفير الألماني بالقاهرة،  يوليوس جيورج، إن "بلاده تقف بجانب مصر في مكافحة الاٍرهاب وهناك برامج للتدريب والتعاون وتبادل المعلومات وتسلمت مصر أخيراً أجهزة للكشف عن الأشخاص بالكامل واكتشاف المتفجرات الحديثة".

وأوضح يوليوس، في لقاء صحافي، عقده بمناسبة قرب انتهاء مهام عمله بالقاهرة، إنه "توجد دورات تدريبية لتدريب العناصر الفنية التي تفرغ الصور في أجهزة المراقبة وبرامج لكشف مخططات إرهابية في المطارات والموانئ وإحباطها قبل وقوعها".

لماذا ينشط التهريب في تلك المنطقة؟

يُرجع مراقبون رواج التهريب بكافة أشكاله عبر الحدود المصرية الليبية، إلى "المصاعب الاقتصادية التي يعانيها شباب البلدين، فضلا عن انتشار الأفكار التكفيرية لدى بعض الجماعات، وحالة الانفلات الأمني التي كانت تشهدها المنطقة، وما يجنيه القائمون على تلك الأنشطة من مكاسب ضخمة".

مصاعب اقتصادية

يقول أحمد عبد العليم، شاب ثلاثيني يقيم بإحدى قرى محافظة سوهاج في صعيد مصر "أفكر كثيراً في العودة إلى ليبيا للعمل مرة أخرى فى مجال البناء والإعمار خاصة بعد خوض التجربة من قبل خلال عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، حيث كان الدخول بطرق غير شرعية أمرا سهلا بعكس ما هو الحال عليه الآن".

ويشير عبد العليم إلى "أنه سافر في عام 2010 بطريقة غير شرعية إلى الأراضي الليبية للبحث عن فرصة عمل، خاصة بعد أن خاض التجربة عددٌ من أصدقاء قريته، ونجحوا في جلب الأموال التي تمكّنهم من الزواج وتأسيس مشروعات تسهم في تأمين العيش الكريم لهم ولأفراد أسرهم".

ويؤكد عبد العليم "أنه كان يعمل في مجال البناء بمدينة بنغازي بداية من عام 2010 وحتى عام 2015"، مشيرا إلى "أن عددا من المهربين ساعدوه على الدخول إلى الأراضي الليبية من خلال مدينة سيدي براني القريبة من الحدود الليبية، إذ أسهم المهربون في دخول عبد العليم إلى ليبيا بعد تقاضي مبلغ مالي وصل في عام إلى 2010 إلى خمسة آلاف جنيه (نحو 1000 دولار أميركي حالياً)، وتمت عملية التهريب عبر الصحراء الممتدة على الحدود بين البلدين، ومن خلال سيارات دفع رباعي تمكّن عبد العليم من تجاوز الحدود بين ليبيا ومصر دون الحاجة إلى المرور على المنافذ الرسمية".

أما محمد عبد الرازق، وهو شاب في أواخر العقد الثاني من العمر، فيقول "إنه سافر إلى ليبيا بطريقة غير شرعية في عام 2014 للعمل في مجال البناء بعد أن ضاق الحال عليه داخل قريته في محافظة البحيرة"، ويصف حسين طريقة دخوله إلى الأراضي الليبية مشيرا إلى "أنه دفع إلى أحد المهربين الذي يتردد على قريته مبلغ 10 آلاف جنيه (نحو 2000 دولار أميركي حالياً) لإتمام مهمة دخوله إلى ليبيا".

وأضاف عبدالرازق "سهّل المهربون دخولنا إلى ليبيا عبر طرق غير شرعية تمر بدروب داخل الصحراء اجتازتها سيارات دفع رباعي وضعنا داخلها المهربون حتى وصلنا إلى مدينة طبرق، إذ يوجد تنسيق بين المهربين المصريين وآخرين من ليبيا يُسهلون عملية الوصول إلى الأراضي الليبية".

ويوضح عبد الرازق "أنه التحق بقافلة خرجت من حدود الوادي الجديد منها إلى صحراء مطروح. ليدخل ممراً جبلياً آخر وسط صحراء الوادي الجديد يبعد عن الطريق الأول بمسافة تتجاوز 150 كيلومتراً على الحدود الدولية بين مصر وليبيا"، مشيرا إلى "أنه عاد بعد حادث ذبح المصريين على يد تنظيم داعش"، منوها إلى "أنه يفكر مرة أخرى في العودة إلى ليبيا في ظل تحسن الأوضاع هناك".

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة