Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تقود "الاستراتيجية الدفاعية" بريطانيا نحو النمور الآسيوية؟

لندن تسعى لتقوية انخراطها بمنطقة المحيط الهادي والاستفادة من ثقلها الدولي لمعالجة جراحها الأوروبية

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون  (أ ف ب)

أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أخيراً استراتيجية دفاعية جديدة، من أبرز سماتها رفع عدد الرؤوس النووية. وكشفت الخطة عن رغبة إنجليزية في التحرك خارج حدودها لنسج علاقات أقوى من ذي قبل، خصوصاً بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. وتضمنت خطته بالتوجه شرقاً، البدء بزيارة الهند. كما كشفت المملكة المتحدة عن رغبتها في شراكة واسعة مع رابطة دول آسيان مع تزايد قوتها العسكرية والناعمة في المنطقة وتعيينها مبعوثاً لها لدول آسيان للمرة الأولى لتحظى بعلاقات رفيعة المستوى مع الرابطة ولتعزيز التعاون العملي بشأن مختلف القضايا السياسية وتأكيد وجودها في الأرخبيل. لكن الدور الجديد لبريطانيا في المحيطين قد يشكّل تقاطعاً مزعجاً للصين في وقت توترت العلاقة بين لندن وبكين. 

دور جديد

تسعى بريطانيا إلى إعادة دورها كدولة كبرى ذات صبغة عالمية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، ولذا راحت تراجع عدداً من سياسات الدفاع والأمن والسياسة الخارجية. وأشارت تقارير إنجليزية إلى رغبة المملكة المتحدة في توسيع تأثيرها في منطقة الهند، المحيط الهادي، وأطلقت على المنطقة اسم "المركز الجيوسياسي للعالم المتزايد" ووصفتها بـ"المنطقة الحيوية" للمصالح البريطانية. كما جاء في تقرير "معهد تشاتام هاوس" البريطاني، أن لندن تفترض تقويض عضويتها السابقة في الاتحاد الأوروبي لدورها العالمي، وتسعى الآن إلى ممارسة دورها هذا والاستفادة من ثقلها الدولي في التوسط بين خلافات الدول والمساعدة في إيجاد حلول للقضايا المعاصرة.

ووصفت الاستراتيجية الجديدة رغبة بريطانيا في أن تصبح "وسيطاً" سياسياً. ويرى البعض أن موقفها من التظاهرات في الهند جعلها محط شك. فقد شهد البرلمان البريطاني طلباً من أحد نوابه من ذوي الأصول الباكستانية بتوقيع عقوبات على نيودلهي بسبب موقفها الحقوقي، كما لم يقف مبعوث المملكة المتحدة بالمرصاد لهذه الدعوات، بل باركها مما يجعلها في موقف حرج مع الحكومة الهندية.

مصالح استراتيجية

ووفقاً للاستراتيجية البريطانية الأخيرة، فإن لندن تسعى إلى تقوية انخراطها في منطقة المحيط الهادي الهندي، هادفة لإنشاء وجود أعظم وأقوى بلد أوروبي آخر، والسعي الحثيث  لإقامة علاقات أقوى من ذي قبل مع كوريا الجنوبية ودول إقليمية كإندونيسيا وفيتنام وماليزيا وسنغافورة، وانتشارها العسكري عالمياً، إذ يبلغ عدد القواعد العسكرية البريطانية بحسب المصادر 145 موقعاً في 42 دولة، خمس قواعد منها في الشرق الآسيوي والمحيط الهادي في سنغافورة وبروناي وأستراليا ونيبال وأفغانستان.

ومع تلك الاستراتيجية الجديدة، تحوّل للمملكة المتحدة قبلتها إلى الشرق الآسيوي من خلال زيادة الروابط مع مستعمراتها السابقة والدول المجاورة لها. فبحسب تصريحات سابقة العام الماضي لريتشارد غراهام، المبعوث التجاري لبريطانيا في الفيليبين، أعرب عن رغبته وأمله في توقيع اتفاق التجارة الحرة بين البلدين قريباً.

وذكرت صحيفة "بانكوك بوست" التايلاندية في تقرير لها، أن المملكة المتحدة زادت من موظفي سفارتها بما يقرب من 40 في المئة، وافتتحت مكاتب لها خارج العاصمة الإندونيسية جاكرتا في إشارة لرغبة المملكة في زيادة نفوذها وتأكيد وجودها في الأرخبيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتذكر الصحيفة الاقتصادية "نيكي آسيا" أن قوة بريطانيا الناعمة في جنوب شرقي آسيا تتزايد، إذا ما قورنت بأي قوة ناعمة لأي بلد أوروبي آخر في الإقليم. فهي أكثر وجهة مفضلة للدراسة، إذ يتعلّم 70 في المئة من الطلاب بالدول الأوروبية في الجامعات والمعاهد والمدارس البريطانية. ولديها علاقة قوية ممتدة إلى عصور الاستعمار بالقارة الآسيوية. فكانت المستعمرات الإنجليزية تنتشر في الهند وميانمار وماليزيا وبروناي وسنغافورة الحالية. وحتى بعد الاستعمار، حافظت المملكة المتحدة على علاقة قوية مع دول شرق وجنوب شرقي آسيا. 

بريطانيا توقظ التنين

ومن المتوقع أن يكون الدور الذي تريد أن تلعبه بريطانيا في آسيا مزعجاً للصين، الدولة ذات النفوذ الأكبر في المنطقة. وشهدت العلاقات الصينية البريطانية بعض التوتر في الفترة الأخيرة، بخاصة مع سحب لندن ترخيص شبكة CGTN التابعة للحكومة الصينية، وكذلك فتحها الباب لبرنامج جديد يسمح بهجرة مواطني هونغ كونغ إليها، إضافة إلى انتقاداتها لتصرفات بكين في مستعمرتها السابقة. وتدين لندن الادعاءات بخرق قوانين حقوق الإنسان في التعامل مع الإيغور بالصين، إلى جانب توقيف حكومة المملكة المتحدة لشركة "هواوي" في البلاد، ونيّتها التخلص من كل معداتها بتقنية الجيل الخامس بحلول 2027.

كما تنظر بريطانيا إلى الصين باعتبارها تمثل خطراً على شركاتها التكنولوجية، فذكرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ضرورة حرص الشركات التقنية والرقمية من المخاطر القانونية والقيمة التجارية في الصين. وذكر رئيس الاستخبارات في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن الصين تمثل تهديداً كبيراً وطويل الأمد للمملكة، مشيراً إلى رغبة بكين في سرقة الملكية الفكرية للشركات البريطانية بما في ذلك شركات الأدوية والجامعات.

وفي إطار خطة المملكة المتحدة للتوجه نحو الشرق الآسيوي، فهناك تحركات نشيطة للبحرية البريطانية في بحر الصين الجنوبي خلال العامين الماضيين، وسط ترجيح إرسال حاملة الطائرات الملكة إليزابيث في مهمة بحرية مع القوات الأميركية واليابانية. فيما صرّح بوريس جونسون أن الصين تمثل خطراً كبيراً على المجتمعات المنفتحة كبلاده. 

آسيان فرص ذهبية

تسابق بريطانيا الزمن لزيادة الشراكة في مجال التقنية والتحول الرقمي مع آسيان. ففي يونيو (حزيران) الماضي، أسست المملكة المتحدة شبكة التجارة الرقمية لمنطقة آسيا والمحيط الهادي وتعهدت بتقديم 8 ملايين جنيه إسترليني لتعزيز التجارة الرقمية والاستثمار والشراكات في جنوب شرقي آسيا ضمن خطة لمواجهة الصين التي تصفها الاستراتيجية الجديدة بـ"التحدي المنهجي"، وذلك من خلال وسائل خارج المواجهة العسكرية، كتحويل المملكة إلى قوة عظمى في العلوم والتكنولوجيا مع نهاية العقد الحالي.

كما ترى بريطانيا أن منطقة آسيان هي من الفرص المهمة التي يمكن أن تقتنصها للاستفادة منها اقتصادياً واستراتيجياً. فوفقاً لصحيفة "نيكي آسيا"، يمكن للوجود البريطاني الفاعل والقوي في الناحية البحرية والعسكرية أن يعطي دول آسيان خيارات استراتيجية جديدة في جهودها لرسم مكانة جليلة لنفسها من خلال التوازن الدبلوماسي وبعيداً من الانحياز لأي من القوى الكبرى، وهي أميركا والصين في الوقت الحالي. كما ترتبط آسيان بعلاقات تجارية كبيرة مع بريطانيا، فهي من أكثر الدول الأوروبية تعاملاً مع المنطقة. 

وزاد حجم التبادل التجاري بين المملكة المتحدة وآسيان في 2019 بأكثر من 12 في المئة من إجمالي تجارة الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي، لكنها لا تزال في المركز الرابع من حيث التبادل التجاري بعد ألمانيا وهولندا وفرنسا. 

وذكر وزير الدولة للشؤون الخارجية دومينيك راب العام الماضي أن انخراط بريطانيا لتصبح من شركاء حوار آسيان، يمكنه تقوية قدرات البلاد على التعاون في منطقة المحيطين الهندي والهادي لتكون قوة مؤثرة في بداية التغير المناخي وحتى التغير في الاستقرار الإقليمي.

فيما عيّنت بريطانيا مبعوثاً لها لدول آسيان للمرة الأولى هو جون لامب وكان ذلك في نوفمبر عام 2019، تصديقاً على جهود لندن في تقوية علاقاتها مع الإقليم وتطلعها لمزيد من التعاون، في خطوة تثبت جديتها للوصول إلى أعلى مستويات التنسيق وتسريع الاتفاقيات بينهما. 

ويؤكد المفوض البريطاني الأعلى في بروناي ريتشارد ليندسي، أن بروناي ستكون لديها فرصة لتحصل على علاقات تجارية أقوى مع إنجلترا، إذا انضمت الأخيرة إلى الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة العابرة للمحيط الهادي، مما ينمّي العلاقات التجارية بين البلدين. ويذكر المحلل الاقتصادي التايلاندي سوماتشي باكاباسويوات أن بانكوك أقرب إلى اتفاقية للتجارة الحرة مع بريطانيا من احتمالية عقدها اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقّعت سنغافورة مع المملكة المتحدة اتفاقاً للتجارة الحرة بالتزامن مع اقتراب موعد خروج بريطانيا الرسمي من الاتحاد الأوروبي. وصرحت وزيرة التجارة حينها  بأن بلادها تسعى إلى تمهيد الطريق لمستقبل مضيء وفرص واحتمالات اقتصادية غنية بين الجانبين. وفي الشهر ذاته، وقّعت بريطانيا اتفاقاً للتجارة الحرة مع فيتنام، سيرفع بموجبه 99 في المئة من التعريفات الجمركية بين البلدين في غضون سبعة أعوام. وستوفر هذه الاتفاقية على فيتنام ما يعادل 151 مليون دولار من التعريفات الجمركية على سلعها المصدّرة إلى المملكة المتحدة حين تُطبّق بشكل كامل.

وأصبحت بريطانيا شريكاً حوارياً لرابطة جنوب شرقي آسيا، التي تسعى من خلالها إلى كسب علاقات رفيعة المستوى إلى الرابطة وتعزيز التعاون معها بشأن مختلف القضايا السياسية. وتتشارك الدول التي تدخل ضمن الشراكة الحوارية مع آسيان الرؤية والمهمات مع الرابطة. ويصير التعاون بينهما مبنياً على القرارات والخطط المشتركة وتنفيذ أنشطة تعاونية مشتركة، كما يركّز التعاون بين شركاء آسيان بشكل أكبر على البرامج ذات المنفعة المتبادلة. وكان اللقاء الأول الرسمي بين آسيان والمملكة المتحدة في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير