Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بكين تعزز نفوذها في بحر الصين عسكريا بالقانون

سمحت لخفر السواحل بإطلاق النار على القوارب الأجنبية وتفتيشها ومخاوف من اشتعال التوتر بالمنطقة

وافق المجلس الوطني لنواب الشعب على قانون جديد ينذر بأزمة سياسية في بحر الصين (أ ف ب)

أقرّ المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني قانوناً جديداً يسمح لخفر السواحل بـ "إطلاق النار على القوارب الأجنبية"، وسط توقعات بزيادة الأزمة في منطقتَي بحر الصين الجنوبي والشرقي. وعلى الرغم من تأكيد بكين على تماشي القانون الجديد مع القوانين الدولية، فإن الحوادث السابقة في المنطقة "تنذر بأزمة سياسية متجددة" بينها وبين جيرانها حول بحر الصين الجنوبي.

نزاع متعدد الأطراف

يقع بحر الصين الشرقي في جزء من المحيط الهادئ، ويمتد من تايوان شمالاً إلى اليابان وكوريا، مروراً بمضيق فرموزا في بحر الصين الجنوبي. ويشهد البحر الذي تصل مساحته إلى مليون ومئتين وخمسين كيلومتراً نزاعاً بين الصين واليابان على جزر سينكاكو دياويو، التي تدعي كل منهما السيادة عليها، وهي تابعة الآن إلى طوكيو.

أما بحر الصين الجنوبي فيقع في غرب المحيط الهادئ بين منطقة جنوب شرقي آسيا وتايلاند والفيليبين وبورنيو، ويرتبط ببحر شرق الصين عبر مضيق تايوان، وهو أكبر البحار في العالم بعد المحيطات الخمسة. وتشهد منطقة بحر الصين الجنوبي نزاعاً بين عدد من دول المنطقة وبكين، إذ تطالب الأخيرة بأكثر من 80 في المئة منها، ويشمل الصراع بروناي وفيتنام وماليزيا والفيليبين وتايوان. ويعد البحر من أهم الممرات المائية في العالم، وجميع هذه الدول من دون الصين ترحب بوجود أميركي في المنطقة.

وتمثل المنطقتان ساحة نزاع للتنين الصيني الذي يسعى إلى فرض قوته البحرية والحصول على السيادة من خلال تقوية ذراعه البحرية. إذ تشير التقديرات إلى امتلاك بكين مئة وثلاثين زورقاً حتى نهاية 2019، إضافة إلى امتلاكها سفناً يزيد حجمها على 10 آلاف طن مزودة بمدافع عيار 76 ملم.

كما يقول مركز "تشينا باور" الأميركي إن البيانات تشير إلى اشتراك واحدة من الزوارق الصينية على الأقل في الحوادث السبعين الرئيسية في منطقة بحر الصين الجنوبي منذ عام 2010، وهو ما يدلل على الرغبة الصينية في توسيع نفوذ القوة البحرية. وتذكر صحيفة "جابان توداي" أن خفر السواحل الصيني الأقوى من نوعه في المنطقة، وأنه نشط في منطقة بحر الصين الشرقي المُتنازع عليه بين بكين وطوكيو ومنطقة بحر الصين الجنوبي.

قانون يثير القلق

مع إقرار الصين قانوناً جديداً يمنح خفر السواحل مزيداً من السلطات في الثاني والعشرين من يناير (كانون الثاني) الحالي، يسمح لهم بإطلاق النيران على السفن الأجنبية، ازداد التوتر في منطقة بحر الصين الجنوبي، الذي يشهد تقلبات بين فترة وأخرى.

يُنظر إلى القانون الجديد باعتباره استكمالاً لعملية تحويل خفر السواحل الصينية إلى "قوة شبه عسكرية"، وهو مشروع بدأته الصين منذ فترة، إذ صوّت المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني في عام 2018 على وضع خفر السواحل "ضمن قوات الشرطة الشعبية"، وهو القسم التابع بدوره مباشرة إلى اللجنة العسكرية المركزية للحزب الشيوعي الصيني.

وكانت السنوات الأخيرة قد شهدت كثيراً من حوادث المطاردة الصينية قوارب الصيد المقبلة من البلدان الأخرى، وفي بعض الأوقات كانت تصل إلى "إغراقها". وتجعل هذه الحوادث القانون الجديد مُثيراً للقلق بالنسبة إلى بلدان المنطقة، إذ يقضي باستخدام السلاح في حالات الضرورة، بناءً على طبيعة ودرجة الحالات وتقديرات الحرس المنطقية بإزالة القيود المفروضة على إطلاق النار الموجودة لدى دول أخرى.

وجاء في مسودة القرار أن ما يستدعي استخدام القوة، الأنشطة الاقتصادية غير القانونية، أو إعاقة تطبيق القانون في المياه الإقليمية الخاصة بالصين. كما يسمح القانون لخفر السواحل بـ "هدم أبنية بقية البلدان على الشعاب المرجانية" التي تدعي بكين سيادتها عليها، و"الصعود على متن السفن الأجنبية وتفتيشها في المياه" التي تقول إنها تابعة لها.

وظهرت المسودة الأولى للقرار في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، حين أعلن المجلس الوطني لنواب الشعب القانون الجديد، وسط ترقب لدى دول جنوب شرقي آسيا واليابان كذلك التي تشهد اعتراضاً حول النفوذ الصيني في تلك المناطق البحرية. إذ تذكر صحيفة "نيكي آسيا" أن القانون الصيني الجديد من شأنه أن يجعل لبكين "اليد العليا في النزاعات البحرية مع طوكيو"، التي يقيدها القانون بضرورة وجود أنشطة مريبة لإطلاق النار واستخدام الأسلحة ضد القوارب.

قلق وخطر مستقبلي

في الوقت الذي لم تصدر أي ردود فعل رسمية من جانب بلدان منطقة جنوب شرقي آسيا فإن محللين وساسة ينظرون إلى القانون الجديد، باعتباره "مصدراً للقلق". يقول أحد المحللين في البحرية الأميركية لـ"راديو فري آسيا"، إن الصين تحاول عن طريقه أن تخبر بقية الحكومات أنها "تهتم لمصلحتها فقط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحين ظهرت مسوّدة القانون سابقاً، عبّرت فيتنام عن قلقها منه في نوفمبر الماضي. وأكد نائب متحدث الخارجية الفيتنامي أن بلاده "تقف مع الحلول السلمية" التي تتوافق مع القانون الدولي في حلّ النزاع على الجزر المتنازع عليها مع بكين في بحر الصين الجنوبي. كما أعربت عن اعتراضها على إغراق السفن الفيتنامية على يد قوارب المراقبة الصينية في أبريل (نيسان) الماضي.

بينما يذكر ها هونج هوب، من منظمة إسياس يوسف إسحق السنغافورية، أن القانون الجديد "يقوّي من أخطار اشتعال الحوادث غير المقصودة في البحر"، إضافة إلى كونه "تحذيراً لواشنطن". كما تتوقع وكالة "بلومبيرغ" أن يؤدي إلى "مزيد من الوجود العسكري في منطقة بحر الصين الجنوبي".

وفي الفيليبين، أثار الأمر ردود فعل قوية رافضة بين المواطنين، إذ طالبت جماعة الصيادين المناضلين إدارة الرئيس دوتيرتي باستنكار القانون بشدة، ووصفوه بـ "الإجراء المتشدد" الذي يُفرض من قبل المعتدين الصينيين، وبمثابة إعلان حرب ضد البلدان التي لها الحق بينما تزعم الصين أنه إقليمها البحري.

كما حثت الجماعة ورئيسها بقية البلدان على تأكيد الإجماع على سيادتهم وحقوقهم ودعم نزع السلاح وحرية الملاحة في منطقة النزاع. وقال رئيس الجماعة "فيرناندو هيبكاب" إن القانون الجديد بمثابة تهديد جاد وخطير للصيادين الفيليبينيين الذين يؤدون مهام استكشافية وبعثات للصيد فيما وصفه رئيس الجماعة بمياه الفيليبين الإقليمية.

كما أوردت صحيفة "الإيكيورير" الفيلبينية في السادس والعشرين من يناير الحالي أن خفر السواحل الصينية حاول اعتراض سفينة صيد فيليبينية بالقرب من جزيرة باج آسا في غرب بحر الصين الفيليبيني، بعد بضعة أيام من صدور القرار الجديد.

كما ذكرت وسائل إعلام يابانية أن وزير الخارجية الياباني موتيجي توشيميتسو أعرب في لقائه مع مجلس الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، بعد أيام قليلة من إعلان القانون، عن رغبة بلاده في التعاون مع الاتحاد الأوروبي، لدعم الملاحة الحرّة في منطقة المحيط الهادئ الهندي. ولفت الوزير إلى التحديات في منطقة بحر الصين الشرقي والجنوبي، في إشارة إلى توسع نفوذ الصين في المنطقة.

ويقول راملي دولا، المتخصّص الأمني في جامعة صباح الماليزية، إن القانون من شأنه التأثير في العلاقات الماليزية الصينية في بحر الصين الجنوبي بقوة. وعلى جانب آخر، ذكرت متحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشون يينغ، أن القانون يتماشى مع الممارسات الدولية، وأكدت التزام بكين بحفظ السلام والاستقرار في المنطقة. وأوردت وكالة الأنباء الصينية الرسمية أن القانون يهدف لحماية السيادة والأمن الوطنيين وحفظ الحقوق البحرية.

أميركا في الطريق

في الفترة الأخيرة، سعت الصين إلى فرض سيادتها على أجزاء كبيرة من الجزر والشعاب المرجانية مع أماكن معدّة ومجهزة بالموانئ ومهابط الطائرات وملاجئ الصواريخ ومرافق الاتصالات، ما زاد من قدرتها على مراقبة الأنشطة في بحر الصين الجنوبي، وهو ما خلق توترات لبكين مع واشنطن التي ترى تحركات الأولى "تهديداً لاستقرار المنطقة وحرية الملاحة في البحر".

وبالتزامن مع إقرار القانون الجديد دخلت منطقة بحر الصين الجنوبي في الرابع والعشرين من يناير الحالي مجموعة من حاملات الطائرات الأميركية، تقودها حاملة الطائرات "يو إس إس ثيودور روزفيلت" بهدف الحفاظ على حرية الملاحة في البحر، وبناء الشراكة التي تُسهم في تعزيز الأمن البحري، ما قد يفاقم الوضع في المنطقة.

ورداً على الوجود الأميركي، وصف متحدث باسم الخارجية الصينية دخول حاملات الطائرات بـ "استعراض العضلات والقوة"، وأن هذا الوجود الأميركي "لا يفيد السلام والاستقرار في المنطقة". ولم يتوقف الردّ الصيني على الانتقاد الأميركي فحسب، بل أعلنت بكين في السادس والعشرين من يناير الحالي أنها "ستجري تدريبات عسكرية في بحر الصين الجنوبي هذا الأسبوع".

فيما ذكر المتخصّص الصيني في الاقتصاد تشين زاهو في مقال له على إحدى وسائل الإعلام المحلية أن التحرك الأميركي "يختبر إمكان الضغط على بكين" في منطقة بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، ويرى التهديد العسكري ضد الصين "دفعة سياسية إلى بايدن في موطنه".

المزيد من تقارير