Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الإدارة الدولية" للبنان تسعى إلى تذليل عقبات عودة الحريري

بري قرّر ترحيل دياب لطرحه الانتخابات المبكرة وتحديات أجبرت عون و"حزب الله" على الانسجام مع المطلب الشعبي

يتّجه لبنان نحو ما يشبه "الإدارة الدولية"، ليس فقط لإغاثته من الكارثة الزلزالية التي أصابته بانفجار الرابع من أغسطس (آب) في مرفأ بيروت، الذي دمّر جزءًا من العاصمة، بل أيضاً لوضعه السياسي، الذي هو أقرب إلى الفراغ في السلطة، نظراً إلى عجز الطبقة السياسية الحاكمة عن انتشاله من تداعيات الكارثة، بعد أن ثبت قصورها عن وضع مسار لإنقاذه من الانهيار الاقتصادي الذي سبق المأساة التي وقع فيها.

طرح اسم ميقاتي

وتؤكد مصادر سياسية رفيعة المستوى لـ"اندبندنت عربية"، أن "الإدارة الدولية" لأوضاع لبنان، التي تجلّت بالمؤتمر الدولي الذي بادر للدعوة إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد الماضي في التاسع من الحالي، من أجل إعادة الإعمار وتأمين المساعدات الغذائية والطبية، ستتجلّى في آلية لتوزيع المساعدات مباشرة عبر المنظمات غير الحكومية والصليب الأحمر إما بإشراف مباشر، أو بإشراف الأمم المتحدة والبنك الدولي في ما يخص أموال إعادة الإعمار، التي لن تدخل بأي شكل إلى خزينة الدولة اللبنانية، بسبب غياب الثقة بأداء الطبقة الحاكمة.

لكن هذه الإدارة الدولية التي تقوم على توافق فرنسي - أوروبي - أميركي، بدليل امتداح الرئيس دونالد ترمب لدور ماكرون وعلاقة فرنسا الخاصة بلبنان، بدأت التفتيش عن بدائل للحكومة المستقيلة. وعلمت "اندبندت عربية" في هذا المجال، أن المشاورات الدولية أدت بداية إلى طرح اسم الرئيس نجيب ميقاتي لترؤس الحكومة، لكن تقديم فكرة حكومة الوحدة الوطنية، أعاد خيار الرئيس سعد الحريري.

وفرضت المأساة بداية تغييراً سياسياً في السلطة مع استقالة رئيس الحكومة حسان دياب بعد طول مخاض. ومع أن هذه الاستقالة كانت منذ أشهر مطلب القوى السياسية المعارضة، فإنّ تمسّك "حزب الله" ورئيس الجمهورية ميشال عون وصهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل ببقائها كل لأسبابه، ولأنها مطواعة برئيسها وبعدد من الوزراء للفريقين، تنفّذ ما يطلبونه، حال دون طرح تغييرها في شكل جدي، بحجة صعوبة تأمين البديل عنها.

تشبّث دياب دفعه إلى الغلطة التي عجلت إزاحته

وتتحدّث الأوساط التي واكبت مداولات سرية في هذا المجال، عن أن الأيام التي تلت زيارة ماكرون إلى بيروت في السادس من أغسطس شهدت ولا تزال، اتصالات مع فرقاء لبنانيين وعواصم غربية وعربية تتناول تذليل العقبات من أمام حكومة لبنانية جديدة، تتولّى القيام بالإصلاحات المطلوبة والإشراف على الخطوات الداخلية لإنقاذ البلد من الهوّة التي هو فيها، جراء كارثة بيروت والوضع الاقتصادي، والغضب الشعبي ضد الحكام والطبقة السياسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما تشخص الأنظار إلى الجهود الدولية لضمان تركيبة بديلة، وهي جهود بدأت عشية زيارة الرئيس الفرنسي إلى بيروت، وتأكدت بعد أن حطّت طائرته فيها، بدعوته العلنية وخلال لقاءاته مع جميع من التقى بهم، إلى حكومة الوحدة الوطنية، فإن تشبّث رئيس الحكومة المستقيلة بالبقاء، فرض عملية ضاغطة كي "يزيح من الطريق" من أجل إتاحة المجال لتركيبة حكومية مختلفة. وأسهم جموح دياب وتشبّثه بكرسي الرئاسة الثالثة، في التعجيل بتغيير موقف "حزب الله" بين ليلة وضحاها بسبب إعلانه يوم السبت الثامن من أغسطس، أنه سيقترح في جلسة مجلس الوزراء التي كان دعا إليها الاثنين في العاشر من الشهر الحالي، مشروع قانون لتقصير ولاية البرلمان تمهيداً لانتخابات نيابية مبكّرة. اعتقد دياب أنه بهذا الموقف يرضي الشارع الغاضب على الطبقة الحاكمة وثوار 17 أكتوبر (تشرين الأول)، الذين صعّدوا مطالبهم بوجوب استقالة رئيس الجمهورية والحكومة وإجراء الانتخابات النيابية المبكّرة (مطلب طرحوه منذ الخريف الماضي وأيّدته قوى المعارضة بما فيها زعيم تيار "المستقبل" رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في بيان استقالته آنذاك). كما توهّم دياب أن بهذه الطريقة يمكنه الاستمرار في الحكم، بحيث يشرف هو على الانتخابات المبكّرة، وأنه يرمي بهذا الموقف ورقة شعبية تحمي بقاءه. لكن تبيّن أن هذا الوهم غلطة كبرى عجّلت بتعديل موقف "حزب الله"، خصوصاً أنه أطلق مبادرته من دون التنسيق مع الأخير أو حتى مع الرئيس عون.

عون والحزب كانا يتهيّئان لتعيين بدلاء عن المستقيلين

وتقول رواية مصدر سياسي بارز واكب كواليس الاتصالات، التي قادت إلى إعلان دياب استقالته في خطاب هاجم فيه "منظومة الفساد" لـ"اندبندنت عربية"، أن فكرة دياب هذه أثارت حفيظة رئيس البرلمان نبيه بري وغضبه الشديدَيْن، وقرّر الخروج من مراعاته لموقف حليفه "حزب الله" بتأييد بقاء الحكومة طوال الأشهر القليلة الماضية، وانتقل إلى الإصرار على رحيلها، فأعلن في اليوم التالي، الأحد التاسع من أغسطس، أنه دعا المجلس النيابي إلى "جلسات مفتوحة للمجلس النيابي قبل ظهر يوم الخميس 13 أغسطس، لمناقشة الحكومة على الجريمة المتمادية التي لحقت بالعاصمة والشعب وتجاهلها". هذه الدعوة حملت خياراً حاسماً أخذه بري بأن الحكومة إذا لم تستقل، على وقع المطالبات وإعلان وزيرَيْن ذلك النهار، هما وزيرة الإعلام منال عبد الصمد ووزير البيئة والإصلاح الإداري دميانوس قطار استقالتهما، فإن كتلته النيابية (17 نائباً) ستنضم إلى المعارضة في طرح الثقة بها وإسقاطها في البرلمان. فبري اعتبر أن دياب أطلق فكرة الانتخابات المبكّرة كي يكرّس شرعية حكومته ويسقط شرعية البرلمان وهذا ما لا يمكنه القبول به. هذا فضلاً عن أن رئيس البرلمان لم يكن يوماً متحمّساً لتولّي دياب الرئاسة الثالثة، نظراً إلى معرفته بطريقة عمله وقلة إنتاجه واعتماده على المستشارين منذ كان وزيراً للتربية خلال الأعوام 2011-2013، لكنه قبل به على مضض مسايرةً للحزب.

وفي جلسة وزارية لبحث العمليات الإغاثية للأحياء المنكوبة في بيروت، ترأسها دياب يوم الأحد، أي اليوم الذي استقالت فيه عبد الصمد وقطار، وتهيّأ غيرهما لمغادرة الحكومة، أبلغه وزير المال غازي وزني بأنه كتب استقالته، وأنه عليه ألّا ينتظر وقتاً إضافياً لتقديم استقالته لأن الحكومة ستتعرّض للهجوم ونزع الثقة في جلسة الخميس النيابية، لكن دياب لم يستجب ولم يلتقط الرسالة. فهو راهن على إمكان إقناع بري بتغيير موقفه عن طريق "حزب الله" وعون. فالأخيران والنائب باسيل كانوا حتى بعد ظهر الأحد الماضي، يتهيّأون لتعيين وزيرَيْن مكان عبد الصمد وقطار. والأخير لم يخضع للضغوط كي يحجم عن الاستقالة. وفضلاً عن قوله لدياب إنه لا يمكنه البقاء في الحكومة بعد أن قضى رفاق لأولاده في الانفجار الزلزالي الذي أصاب بيروت، قال لأصدقاء له إنه لم يعد بإمكانه الاستمرار في التركيبة الحكومية الراهنة لأنها غير منتجة، وإن تدخلات باسيل في الوزارات يشمل وزارة البيئة التي عجزت عن إيجاد حلّ لمشكلة النفايات، وإن رئيس "التيار الوطني الحر" يقوم بحملة عليه ويحاصره، وإن سياسة الحكومة لا يمكن الدفاع عنها بعد النقمة عليها. كما أن قطار يراعي موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي دعا منذ خمسة أسابيع إلى اعتماد سياسة الحياد التي يؤيّدها هو ضمناً. وأوضح قطار أنه إضافةً إلى ذلك، فإن "شبيهي في الحكومة ناصيف حتي (وزير الخارجية الذي استقال قبل أسبوع وتم تعيين شربل وهبة مكانه) استقال فلماذا أبقى"؟ لكن باسيل تمكّن من إقناع وزيرَيْن حضّرا استقالتهما، هما وزير الاقتصاد راوول نعمة ووزيرة العدل ماري كلود نجم، التي كانت وراء فكرة اقتراح الحكومة تقصير ولاية البرلمان لإجراء انتخابات مبكّرة في مايو (أيار) 2021 .

بري رفض العودة عن جلسة طرح الثقة بالحكومة

وحين اتصل عون ببري متمنياً عليه تأجيل جلسة المساءلة النيابية للحكومة، رفض رئيس المجلس النيابي. وعندما قال له عون إن هذا سيؤدي إلى إسقاط الحكومة، أجابه بري "... لا أسف عليها". ولمّا دعا "حزب الله" بري إلى التريّث في خطوته لم يقبل، وأبلغ قيادته بأن حركة دياب تؤدي إلى تحميل الثنائي الشيعي عبر حلّ البرلمان مسؤولية ما حصل وكل التدهور في البلد، لتنفيس احتقان الشارع بإسقاط المجلس النيابي، فيما الآخرون سيبدون أنهم أبرياء، ما أقنع الحزب بوجوب التضحية بالحكومة بدلاً من التضحية بالبرلمان. وفوّض الحزب بري أن يتصرف وفقاً لهذه القناعة وأبلغ عون بها. حاول دياب إجراء مقايضة غير قابلة للصرف بأن اقترح أن يتراجع بري عن جلسة طرح الثقة بحكومته، مقابل تراجعه هو عن اقتراح إقرار مشروع قانون لتقصير ولاية البرلمان، لكن بري كان حسم أمره وأوفد إليه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ليؤكد له أن لا تغيير في موقفه، ما دفع عون أيضاً إلى رفع يده عن دياب، وطلب نقل جلسة مجلس الوزراء من القصر الرئاسي إلى السرايا الحكومية ليترأسها دياب بنفسه. وفجأة أخذ الوزراء المحسوبون على عون و"التيار الوطني الحر" يقفزون من مركب الحكومة، داعين إلى استقالة جماعية بدل الإفرادية، فيما تغيّر موقف وزيرَيْ الحزب حمد حسن وعماد حب الله، من الإصرار على استمرار الحكومة إلى الدعوة إلى رحيلها.

تذليل العقبات من أمام عودة الحريري

لكن ما فرض التغيير في الحكومة ليس موقف بري وحده، على أهميته، بل الوضع الناشئ عن كارثة المرفأ والتحدّيات الهائلة التي نتجت منها. وهي تحديات أجبرت عون و"حزب الله" على الانسجام مع مطلب شعبي سياسي بالتغيير الحكومي، ودفعت الحزب الذي مهما بدا أنه الطرف الأقوى في البلد، يعجز عن استيعاب تداعيات الكارثة وسط المعادلة السياسية المضطربة التي تمّس نفوذه في السلطة، ما دفعه إلى امتداح زيارة ماكرون ودوره، وانخراطه في البحث عن الحكومة البديلة، التي تردّد أنه أبلغ الرئيس الفرنسي قبل مغادرته بيروت الخميس الماضي، بأنه مع عودة الحريري إلى ترؤسها. فالحزب كان يرغب في إبقاء ورقة رحيل الحكومة في يده للمساومة عليها في عملية التشكيل الجديدة وضمان اشتراكه فيها مقابل المطالبات الدولية بألّا تضم أحزاباً.

وتشير أوساط القوى السياسية المواكبة للاتصالات الخارجية الجارية في هذا الصدد إلى أنها تسعى إلى معالجة ثلاثة عوامل: حسم الموقف من تأييد بعض الدول التي لديها أسئلة حول مدى قدرة الحريري على تجاوز العقبات، التي حالت بين حكومتَيْه السابقتين وبين الإصلاحات، اللتين لم تتمكّنا من الخروج عن دائرة نفوذ "حزب الله"، ثانياً إصرار عون على أن يتمثّل باسيل في أي حكومة برئاسة الحريري وإلّا لن يوقع مرسوم تولّيه الرئاسة الثالثة، وأخيراً كيفية معالجة موقف الشارع الرافض لعودة أي من رموز الحكم السابقين ومنهم الحريري إلى رئاسة الحكومة.

تطورات الاثنين الماضي سرّعت الحركة الخارجية في شأن البدائل الحكومية بشكل دفع ماكرون إلى الاتصال هاتفياً بالرئيسين عون وبري قبيل استقالة الحكومة، للاستفسار عن المعطيات الجديدة.

المزيد من تحلیل