اتهمت أحزاب المعارضة ومجموعات ناشطين وزراء بريطانيين بـ "النفاق" في ما خص سلوكهم تجاه العاملين في "خدمة الصحة الوطنية" NHS والرعاية الاجتماعية، فيما تسعى الحكومة إلى فرض قيود أشد على الهجرة إلى المملكة المتحدة.
تريد الحكومة التي يرأسها بوريس جونسون إنهاء قواعد حرية التنقل من خلال مشروع قانون الهجرة، الذي تخطى الأسبوع الماضي العقبة الأولى على طريق إقراره في مجلس العموم، وهو جزء من التحول إلى نظام للهجرة يقوم على النقاط (شبيه بالنظام الأسترالي).
وعلى الرغم من أن وزارة الداخلية لم تعلن بعد التفاصيل التي سيعمل وفقها هذا النظام، من المتوقع إصدار تأشيرة عمل جديدة للأطباء والممرضين والمهنيين في قطاع الصحة تسمح لهم بالمجيء من دول أخرى للعمل لدى "خدمة الصحة الوطنية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غير أن خبراءً حذروا من أن النظام الجديد القائم على النقاط سيحظّر قدوم العاملين الذين يُعتبرون ذوي "مهارات متدنية"، على الرغم من أدائهم أدواراً حاسمة في الخطوط الأمامية لحماية حياة البريطانيين خلال جائحة فيروس كورونا.
إذن إلى أي حد تعتمد المملكة المتحدة بالضبط على الكوادر الصحية والعاملين في مجال الرعاية القادمين من الخارج؟ وماذا سيحدث إذا فُرضت قيود لكبح تدفق العاملين الأجانب الأساسيين في هذا القطاع؟
كم عدد الأجانب الذين يعملون في "خدمة الصحة الوطنية" والرعاية الاجتماعية؟
يبلغ عدد العاملين غير البريطانيين لدى "خدمة الصحة الوطنية -إنجلترا" حوالى 153 ألف شخص، وهذا يشكل نسبة 13.1 في المئة من قوة العمل الإجمالية لديها، بحسب تقرير برلماني استند إلى بيانات الهيئة نفسها ونُشر عام 2019. غير أنه لم تسجَّل جنسيات جميع العاملين في "خدمة الصحة الوطنية".
في هذه الأثناء، أصدر مركز "نافيلد ترست" Nuffield Trust البحثي بيانات تحليلية مفصلة بشكل أكبر تناولت المملكة المتحدة كلها. وأظهرت هذه البيانات التي ارتكزت على أرقام "مكتب الإحصاءات الوطنية" ONS المتعلقة بالعاملين الأجانب في مجال الصحة والرعاية الاجتماعية، المدى الحقيقي لاعتماد المملكة المتحدة على أشخاص ولدوا خارجها.
فهناك 818 ألف شخص ولدوا في الخارج ويشكلون 19 في المئة من العدد الإجمالي للعاملين في مجالي الصحة والرعاية الاجتماعية في أنحاء المملكة المتحدة كافة عام 2018-2019، وهي نسبة تمثل خمس عدد العاملين الإجمالي في هذا القطاع.
ويقدم الوافدون مساهمة بالغة الأهمية في المستشفيات. وبحسب ما جاء في بيانات مركز "نافيلد ترست" التحليلية، فإن 23 في المئة، أي واحداً من كل أربعة تقريباً، من جميع العاملين في المستشفيات البريطانية هم في الحقيقة من الأجانب الذين ولدوا خارج المملكة المتحدة.
هل أصبحت المملكة المتحدة أكثر، أم أقل، اعتماداً على العاملين الأجانب الأساسيين؟
يشكل العمال ذوو الأصول الأجنبية حوالى 50 في المئة من الزيادة في قوة العمل داخل المملكة المتحدة في قطاع الصحة والرعاية الاجتماعية بين عامي 2009-2010 و 2018-2019، بحسب بيانات مركز "نافيلد ترست".
وكانت الإجراءات الصارمة التي اتخُّذت في عام 2010 قد تسببت في إبطاء قدوم العاملين من خارج أوروبا، لكن قطاع "خدمة الصحة الوطنية" والرعاية الاجتماعية كان قادراً على الاستعانة بأوروبيين لسد النقص بفضل حرية تنقل العمالة في المنطقة الاقتصادية الأوروبية.
تنامى هذا القطاع خلال العقد الماضي إذ التحق به آنذاك أكثر من 446 ألف عامل جديد شكل أولئك الذين ولدوا خارج المملكة المتحدة ما يزيد على 221 ألف عامل منهم. وإذ يمثل الأشخاص الذين ولدوا في دول الاتحاد الأوروبي ربع تلك الزيادة، فإن الذين تعود أصولهم إلى بقية أنحاء العالم يشكلون ربعها الآخر.
ماذا يحدث إذا كُبح تدفق العاملين الأساسيين من الخارج؟
جادل حزب العمال بأن العتبة الدنيا المقررة للرواتب، وهي 25600 جنيه إسترليني سنوياً، توجه رسالة فحواها أن أي شخص يكسب أقل من هذا الرقم هو "غير ماهر"، و"غير مرحَّب به" للقدوم إلى بريطانيا والعمل فيها.
في هذا السياق، حذر مارك دايان، وهو محلل السياسات في مركز "نافيلد ترست"، من أن التغييرات يمكنها أن تتسبب في إبطاء مضر للهجرة. فمن دون العمال الأجانب، ستعاني "خدمة الصحة الوطنية" ودور الرعاية نقصاً في كوادرها "يكاد يكون من المستحيل تصوره" إذا حُرمت من الوافدين.
وقال دايان لصحيفة "الاندبندنت" إن "النظام القائم على النقاط سيكون عائقاً كبيراً وذلك سيبقى مصدر قلق حقيقي". وأضاف "بالنسبة إلى الأطباء والممرضات الذين يستوفون شروط الأجور والتأهيل... ستبقى هناك عوامل تردعهم من القدوم إلى المملكة المتحدة، مثل إمكانية أن يدفعوا آلاف الجنيهات للحصول على تأشيرة الدخول إلى بريطانيا، إذا كان لديهم أطفال".
من جانب آخر، كشف بحث جديد أجراه "معهد بحوث السياسات العامة" IPPR أن 66 في المئة من الوافدين القادمين من دول الاتحاد الأوروبي الذين يعملون حالياً في قطاع الصحة والرعاية الاجتماعية في المملكة المتحدة سيكونون غير مؤهلين للحصول على تأشيرة الدخول المخصصة للعمالة الماهرة، وفقاً لخطط الحكومة البريطانية.
هل يمكن أن تخسر "خدمة الصحة الوطنية" الأجانب الذين يعملون لديها حالياً؟
منحت وزارة الداخلية في مارس (آذار) الماضي تمديداً مجانياً لتأشيرة الدخول لـ 12 شهراً، لبعض كوادر "خدمة الصحة الوطنية"، لكنها لم تشمل فئات أخرى من العاملين مثل العتالين والمنظفين الذين يترتب عليهم أن يدفعوا آلاف الجنيهات كي يبقوا في المملكة المتحدة. ويطالب النشطاء المدافعون بتمديد تأشيرات الإقامة مجاناً لجميع العاملين الأساسيين لتجنب فقدان كوادر توشك تأشيراتهم على النفاد.
في هذا الصدد قال ساتبير سينغ، وهو الرئيس التنفيذي لـ "المجلس المشترك لرعاية المهاجرين" Joint Council for the Welfare of Immigrants (JCWI) إنه "قبل أسابيع قليلة فقط كانت هذه الحكومة تشير إلى أولئك المستبعدين بأنهم ذوو مهارات متدنية وغير مرحَّب بهم. لكنهم أثبثوا خلال الأشهر القليلة الأخيرة أنهم العمود الفقري لمجتمعنا".
وتفيد تقارير بأن الجمهور بشكل عام يتفق مع هذه الرؤية. فحسب استطلاع أجراه مركز "يوغوف" YouGov لصالح "المجلس المشترك لرعاية المهاجرين" أيد حوالى 54 في المئة من المشاركين تخفيف قيود الهجرة على العاملين في مجالات حيوية.
© The Independent