Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مآلات الانكسار الإيراني

عدم التماسك الهرمي يتجلى في التناقضات المتتالية التي يرتكبها النظام

روحاني يوقع في طهران سجلاً يحمل أسماء ضحايا الطائرة الأوكرانية التي أُسقطت بصاروخين إيرانيين (أ. ف. ب.)

شكّلت تصفية قائد "فيلق القدس" الإرهابي قاسم سليماني، والرد العسكري الإيراني الباهت، والاعتراف الفاضح للحرس الثوري بإسقاط الطائرة الأوكرانية، وتمدد الحراك الشعبي بالتظاهرات والاحتجاجات، وصمود المنتفضين في العراق ولبنان ضد وكلاء إيران، والتزام السعودية بمواجهة المشروع الإيراني، وثبوت سياسة الردع الأميركية، حالة انكسار للنظام الإيراني بائنة للعالم بأسره.

إن الوضع التراجعي وعدم التماسك الهرمي يتجلى في التناقضات المتتالية التي يرتكبها النظام الإيراني، إذ أظهرت تفاوتاً ملحوظاً في تصريحات مسؤوليه على المستويات السياسية والعسكرية والإعلامية. ودفع ذلك زعيم "المعارضة الخضراء" مهدي كروبي إلى مطالبة المرشد الأعلى علي خامنئي بالتنحي وترك منصبه.

وجاء في رسالة كروبي من مقر إقامته الجبرية إلى خامنئي ما يلي "لا تمتلك صفات القيادة وعليك التنحي، لأن لا أحد يعلم حضرتك كقائد عام للقوات المسلحة، أين كنت صبيحة حادث إسقاط الطائرة؟ لماذا لم تصرح بشيء؟ لِمَ الانكار وكيل الأكاذيب لثلاثة أيام؟". وأضاف "هذه ليست الفضيحة الوحيدة التي تتحمل فيها المسؤولية المباشرة، هناك فضائح أخرى"، ذكر منها، "عدم فتح تحقيقات في سلسلة الاغتيالات التي جرت في تسعينيات القرن الماضي، والقمع الدموي للمتظاهرين في مرات عدة، فأي قائد عديم المسؤولية أنت". وختم رسالته بالقول "أرى أنك تفتقر إلى الحكمة والشجاعة والإدارة والقوة اللازمة للريادة، وعليك التنحي".
 

تظاهرات شعبية

عندما تصدح حناجر المتظاهرين بهتافات ضد خامنئي، وبجرأة أكثر من تظاهرات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، من بينها "الموت للولي الفقيه" و"قاتل وحكمهُ باطل" و"النظام يرتكب الجرائم وخامنئي يبرر" و"أنت داعش"، علاوةً على هتافات مناهضة للنظام والحرس الثوري، واصفين إياه بـ"المستبد"، وتمزيق صور تجمع بين خامنئي وسليماني (وكالة "فارس" المقربة من "الحرس" عرضت صوراً لسليماني مزّقها المتظاهرون)، فإن ما تشدق به إعلام النظام بأن مقتل سليماني وحدّ الداخل الإيراني، كلام زائف ومنافٍ للواقع.

كما أن اتساع وتمدد التظاهرات من العاصمة طهران إلى أصفهان وشيراز وتبريز ومشهد وقزوين وفي أكثر من 50 مدينة في محافظات إيران، وانقطاع وسائل التواصل الاجتماعي، يعني أن هناك احتجاجات شعبية آخذة بالتبلور السريع لتصبح انتفاضة عارمة، ليست بسبب طيش النظام وسياسته المدمرة فحسب، بل جراء المعاناة التي يأن تحت نيرها كل الشعوب والقوميات في إيران على مدى أربعة عقود.

وفي هذا الصدد غرد الرئيس الأميركي دونالد ترمب باللغة الفارسية دعماً للاحتجاجات التي عمّت مناطق عدة من إيران، جاء فيها "إلى الشعب الإيراني الشجاع الذي يعاني منذ مدة طويلة، أنا بجانبكم... نحن نتابع تظاهراتكم عن كثب". وحذر النظام الإيراني قائلًا "لا يمكن أن تكون هناك مجزرة أخرى بحق المتظاهرين السلميين".

كما أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن "صوت الشعب الإيراني واضح وهو مستاء من كذب النظام، فهو سئم وحشية الحرس الثوري وفساده". وأكد بومبيو "نقف مع الشعب الإيراني الذي يستحق مستقبلاً أفضل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


احتجاز السفير البريطاني
 

وبخطوة متهورة، أقدم الأمن الإيراني على احتجاز السفير البريطاني روب ماكير يوم السبت الموافق 11 يناير (كانون الثاني) الحالي، لثلاث ساعات بتهمة "التحريض ضد الحكومة". أما ماكير فقال "شاركت في وقفة تضامنية مع ضحايا الطائرة الأوكرانية المنكوبة، ومن الطبيعي أن أحضر تلك الوقفة، فبعض الضحايا بريطانيين". وأشار ماكير أيضاً، إلى أنه غادر المكان بعد خمس دقائق من ترديد هتافات مناهضة للحكومة.

وأصدر وزير الخارجية البريطاني، دومنيك راب بياناً جاء فيه أن "الحكومة الإيرانية في لحظة فارقة، بإمكانها الاستمرار في وضع المنبوذ مع كل ما يستتبع ذلك من عزلة سياسية واقتصادية أو اتخاذ خطوات لوقف تصعيد التوتر وانتهاج طريق دبلوماسي مستقبلاً".

وبعد مرور ثلاثة، أعلنت طهران مغادرة السفير البريطاني ماكير. وأياً كان الموقف الإيراني الرسمي، فإنه يعكس حالة العبث وعدم الاتزان نتيجة الشعور بالانكسار السياسي، وحالة من الارباك الأمني، فعندما تحتجز القوات الأمنية السفير البريطاني وتتوسط الخارجية الإيرانية لإطلاق سراحه، ذلك يعني فقدان التنسيق الحكومي قبل الحدث، ومثل هذا الوضع يدل على خلل في هرم وسلوكية السلطة.
 

الطائرة المنكوبة

  

إن اعتراف "الحرس الثوري" بمسؤوليته عن اسقاط طائرة بوينغ 737، الرحلة بي أس 752 التابعة للخطوط الجوية الأوكرانية، بعد إقلاعها من مطار طهران في 8 يناير الحالي، جاء مُكذّباً ومُدّحضاً لكل التصريحات السابقة التي أدلى بها مسؤولون إيرانيون دعوا إلى انتظار اكتمال التحقيقات لمعرفة سبب السقوط.

والصياغة التبريرية التي نسجها قائد سلاح الجو في الحرس الثوري، أمير علي حاجي زاده والتي قال فيها إن "الولايات المتحدة هددت بضرب 52 هدفاً في إيران، لذلك كانت كل الوحدات الهجومية والدفاعية في حالة تأهب، وكان النظام الدفاعي يعمل تحت الظروف ذلك"، تعكس حالة الارباك العسكري غير المتجانس بين قياداته، التي يظهر من خلالها انكساراً نفسياً وسياسياً.

إن كلام حاجي زاده عن أن "مسؤول الدفاع الجوي الذي أطلق الصاروخ على الطائرة لم يستطيع التحقق من هوية الطائرة بسبب خلل طرأ على منظومة الاتصال لديه"، يوضح أكثر إن قادة الحرس الثوري في حالة ارتباك واضطراب، ما يؤشر إلى وجود سبب خفي وراء استهداف الطائرة، التي أثار انفجارها غضب العالم.    

إن النظام الإيراني يحصد ما زرعه في الداخل والخارج، وما يمر به اليوم من سخط محلي وإقليمي ودولي نتيجة طبيعية ومنطقية لسياساته الإرهابية، التي طالت دولاً عدة في شرق وغرب المعمورة.

من هنا، فإن البيان المشترك الصادر عن فرنسا وألمانيا وبريطانيا، يؤكد على أن الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس يزعزعان المنطقة. كما ألمح البيان إلى إمكانية إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران، داعياً إياها "إلى الامتناع عن أي أعمال عنف جديدة" من أجل الحفاظ على استقرار المنطقة.

باختصار، النظام الإيراني يعاني انكساراً واضحاً، تمثل بانزواء خامنئي لأكثر من 72 ساعة، وتضارب التصريحات بين الرئيس حسن روحاني والحرس الثوري، وتواري قيادات الجيش النظامي عن المشهدين الإعلامي والسياسي.

المزيد من آراء