"يمكنني بيعك سيارة بحال جيدة وبسعر رخيص جداً، ولكن "مشطوبة" (أي أنها غير صالحة للسير في الشارع، وقيادتها مخالِفة للقانون) أو "هناك حملة للسيارات المشطوبة، لا تخرج بمركبتك اليوم"، هذه أجزاء من محادثات يتم تناقلها بين أصدقاء في القرى الفلسطينية يبحثون عن سيارة بسعر جيد، لاستخدامها في موسم الزيتون، بحمل المعدات ونقل المحصول ما بين الجبل والمعصرة وغيره، أو يحذرون بعضهم بعضاً من أن الشرطة تجمع السيارات غير القانونية، التي تشمل السيارات المشطوبة أو المسروقة من إسرائيل، وهي ظاهرة تنتشر في الأراضي الفلسطينية، إذ قد ترى سيارة بلا رقم، أو تحمل لوحة صفراء، يقودها شخص من دون أن يمتلك هوية أو ترخيصاً أو أوراقاً تخوله قيادة تلك المركبة.
بالنسبة إلى مجموعة أخرى، تُعَد هذه السيارات غير آمنة وتشكل خطراً على حياتهم، إذ إن التأمينات والأوراق القانونية غائبة، ما يعني مشاكل كبيرة في حال تعرضت هذه السيارة لحادث سير، أو أصابت أحداً، لذلك يحاولون تجنبها وعدم التعامل معها، عدا عن أنها تتيح المجال للمراهقين لقيادتها، لأن هذا الأمر لا يتطلب التسجيل القانوني في دوائر السير، ما يشكل خطراً على حياتهم، وحياة المارة في الشارع.
ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، توفيت طفلة (3 سنوات) إثر انقلاب سيارة غير قانونية، كان يقودها شقيقها (11 سنة) في الطريق المؤدي إلى إحدى المدارس في محافظة الخليل، وهذه ليست حالة الوفاة الأولى، فبحسب الشرطة الفلسطينية، تسببت هذه السيارات بموت 20 شخصاً خلال العام الماضي، إذ تشكل ما نسبته 25 أو 30 في المئة من العدد الكلي لحوادث السيارات، عدا عن أنه لا يتم فيها دفع تكاليف علاج المصابين من دون قرار من المحكمة، ويتكفل السائق بذلك على حسابه الشخصي، ما يسبب خسائر للسلطة الفلسطينية تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات سنوياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تنتشر في منطقة "ج" لغياب الشرطة
وقال أرزيقات إنه في هذا العام تناقصت أعداد السيارات غير القانونية في منطقتَي "أ" و"ب"، ولكن يصعب التنبؤ بها في منطقة "ج"، بسبب عدم وجود سيطرة للشرطة الفلسطينية على القرى والبلدات فيها التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية بحسب اتفاقية أوسلو. لكن العدد التقريبي بحسب أرزيقات، يتراوح ما بين 60 و80 ألف سيارة، وليس سهلاً ضبط هذه الظاهرة والحد منها في هذه المناطق مثل ضواحي القدس وغيرها، بسبب صعوبة دخول الشرطة إليها وملاحقة تجارها والمتعاملين بها.
وأشار المتحدث باسم الشرطة إلى أن "ظاهرة السيارات تلك تشكل خطراً كبيراً على صعد عدة، أبرزها الصعيد الاجتماعي بسبب حوادث السير، وارتكاب جرائم القتل والسرقات وغيرها، والصعيد الاقتصادي نتيجة الخسائر التي تُحدثها على الصعيد الشخصي أو خزينة الدولة، والبيئي بسبب الحيز الذي تشغله في الأراضي".
تجارة مستمرة على الرغم من الجهود المبذولة
تحاول الحكومة الفلسطينية والشرطة وضع حد لهذه الظاهرة لما تسببه من مشاكل، إذ تتلف الشرطة المركبات غير القانونية التي تضبطها بشكل دوري. وأتلفت الشرطة خلال عام 2018 حوالى 11 ألف سيارة، بينما تولت منذ بداية هذا العام تلف أكثر من 7500 مركبة، إضافة إلى حملات التوعية التي تقيمها في المدارس وعبر وسائل الإعلام، وفي سبتمبر (أيلول) الماضي أصدرت الحكومة قراراً يحظر على موظفيها استخدام السيارات "المشطوبة"، وفي حال تجاوز أحدهم هذا القرار، فإنه سيعرّض نفسه للمساءلة القانونية، وفي حزيران (يونيو) الماضي، قررت سلطة الترخيص في وزارة المواصلات، سحب رخصة أي شخص يقود مركبة غير قانونية. وعلى الرغم من كل الجهود التي تبذل ميدانياً وقانونياً وتوعوياً، إلا أن التجارة بهذه السيارات مستمرة، فهناك مجموعات عدة على فيسبوك تُعرض فيها هذه السيارات علناً لبيعها في المدن والقرى الفلسطينية، عدا عن الإعلانات على شبكة الإنترنت. ثم إن هناك مَن يقتني هذه السيارات وعندما تنظم الشرطة حملةً للتخلص منها، يبيعها بشكل قطع، أو يخفيها في مكان ما حتى تنتهي الحملة ويعود إلى استخدامها مجدداً.