ملخص
يتجه حزب العمال نحو مراجعة واقعية لبريكست بعد اتضاح كلفته الاقتصادية والسياسية، مع إقرار متزايد داخل القيادة بأن إصلاح العلاقة مع الاتحاد الأوروبي وإزالة الحواجز التجارية سيخدمان الاقتصاد البريطاني وقطاع الأعمال. الرهان يقوم على خطوات تدريجية مثل برنامج تنقّل الشباب، تحظى بدعم شعبي واسع، مقابل تحمّل هجوم سياسي متوقع من أنصار الخروج، في ظل قناعة بأن مكاسب بريكست لم تعوض خسائره.
أخيراً، يبدو أن حزب العمال بدأ يدرك حجم الضرر الذي ألحقه بريكست ببريطانيا، ويبدو عازماً على القيام بشيء حياله.
ينطوي هذا التحول على قدر من البراغماتية السياسية، إذ تقول غالبية واضحة من الناخبين اليوم إنها تعتبر الخروج من الاتحاد الأوروبي خطأً. وبالنسبة إلى حزب يسعى جاهداً إلى وضع مسافة فاصلة بينه وبين حزب "ريفورم"، وكذلك "المحافظين"، فإن في ذلك مكسباً سياسياً واضحاً. فالفاصل الأيديولوجي هنا واسع وواضح، ويسهل طرحه والدفاع عنه أمام الناخبين.
بطبيعة الحال، هناك ماضٍ لا بد من التعامل معه. فحزب العمال ساير قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، مدركاً أن المحافظين المؤيدين لبريكست كانوا يحققون تقدماً في معاقله العمالية. وهناك أيضاً الحاضر، إذ يصر كير ستارمر ووزيرة الخزانة رايتشل ريفز على أنهما كانا ولا يزالان يصغيان إلى قطاع الأعمال، في وقت كان فيه مجتمع الأعمال بأكمله تقريباً، ولا يزال، معارضاً لبريكست. والأسوأ من ذلك أنهما أقدما على فرض زيادات ضريبية وجهت ضربة قاسية لقطاع الأعمال.
ومع ذلك، يبدو أنهما توصلا أخيراً إلى قناعة بأن بريكست كان خطأً اقتصادياً كارثياً، فرضته بريطانيا على نفسها، وأن البلاد ستكون في وضع أفضل بكثير لو جرى إصلاح العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وإزالة الحواجز التي أُقيمت أمام حرية تنقّل السلع والأشخاص.
هذا الأسبوع، وجّه ستارمر انتقادات حادة إلى "الوعود الجامحة" التي أطلقها أنصار بريكست، وقال إن المملكة المتحدة "لا تزال تتعامل مع تبعاتها حتى اليوم، في الاقتصاد وفي الثقة". وأضاف أن "الفكرة القائلة إن مغادرة الاتحاد الأوروبي كانت الحل لجميع همومنا ومشكلاتنا ثبت بوضوح أنها خاطئة".
ومع ذلك، وكعادته، أرفق ستارمر تصريحاته بنبرة حذرة، مؤكداً أنه "سيحترم دائماً" نتيجة الاستفتاء.
في المقابل، كان نائب رئيس الوزراء ديفيد لامي أكثر صراحة، إذ قال إن تركيا، المرتبطة باتحاد جمركي جزئي مع الاتحاد الأوروبي، "تبدو مستفيدة وتشهد نمواً في اقتصادها". وأضاف أن العودة إلى الاتحاد الجمركي "ليست مطروحة في الوقت الراهن"، لكنه أقرّ بأن بريكست "ألحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد".
قد تكون الخطوة الأولى نحو اتحاد جمركي ولو جزئي هي إطلاق برنامج لتنقّل الشباب، يتيح للشباب البريطانيين ومواطني الاتحاد الأوروبي التنقل بسهولة للعيش والعمل في بلدان بعضهم بعضاً. وهي فرصة حُرم منها البريطانيون منذ الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه ستتمكن الشركات من توظيف العمالة التي تحتاج إليها وسد النقص الذي تعجز عن تغطيته محلياً.
وعليه، يشكّل برنامج تنقّل الشباب مكسباً متبادلاً، فضلاً عن أنه يحظى بتأييد أكثر من 70 في المئة من الناخبين، وهي نسبة سيكون من غير الحكمة تجاهلها، لا سيما في ظل التراجع الحالي في شعبية حزب العمال.
وتجري حالياً محادثات بين الحكومة البريطانية ونظرائها في الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع فرض سقف زمني لمدة الإقامة – يُقال إنه عامان – إلى جانب وضع قيود على الأعداد، يُرجح أن تكون في حدود عشرات الآلاف.
ومن المقرر أن يلتقي نك توماس - سيموندز، وزير شؤون مجلس الوزراء والمكلف قيادة المفاوضات مع أوروبا، نظيره في الاتحاد الأوروبي ماروش شيفتشوفيتش، في بروكسل يوم الأربعاء، لبحث التقدم المحرز.
تبدو المؤشرات إيجابية. وإذا مضى الاتفاق قدماً، فسيُنظر إليه على أنه يفتح الباب أمام تفاهمات أخرى في مجالات مختلفة خلال الأشهر المقبلة. أما أرباب العمل، فسيستقبلونه بترحيب واسع، بعد ست سنوات من المطالب والمناشدات التي لم تجد آذاناً صاغية.
غير أن هذا التوجه لا يزال غير محسوم، إذ يقيّد حزب العمال تعهّد انتخابي بعدم العودة إلى الاتحاد الجمركي أو السوق الموحدة خلال هذه الدورة البرلمانية، فضلاً عن وجود آراء داخل الاتحاد الأوروبي قد لا تنظر بعين الرضا إلى هذه الخطوة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رغم ذلك، يتضح أن اتجاهاً جديداً آخذ في التشكل. وهو رهان سياسي من حزب العمال، المستعد لخسارة بعض مؤيدي الخروج من الاتحاد الأوروبي، مقابل كسب دعم كافٍ من بقية الناخبين، بما يجعل هذا التحول مجدياً.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن هذا السيناريو محتمل، رغم العاصفة السياسية المتوقعة. إذ من المرجح أن يتهم حزب "ريفورم" والمحافظون حزب العمال بتقويض الديمقراطية، والسعي إلى إعادة بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي بطريقة غير مباشرة. وستُستعاد، عندها، الحجج التقليدية حول ما يُقال إنه تقييد للحريات البريطانية، والارتهان مجدداً لقواعد بروكسل.
في المقابل، يصعب تحديد ما الذي جناه البريطانيون فعلياً من الاستقلال عن الاتحاد الأوروبي. صحيح أن بريطانيا سلكت في بعض المجالات، مثل الذكاء الاصطناعي، مساراً تنظيمياً أقل صرامة، لكن المكاسب ظلت محدودة، فيما باتت دول أخرى في الاتحاد الأوروبي تضاهي بريطانيا في مجالي التطوير والاستثمار.
كما أبرمت لندن اتفاقات تجارية لم تكن ممكنة قبل الخروج من الاتحاد الأوروبي، غير أن أثر هذه الاتفاقات يبقى محدوداً، ولا يقترب من تعويض الخسائر التجارية التي ترتبت على مغادرة الاتحاد.
وسيدور كثير من الجدل حول التوقيت، في وقت تحاول فيه بريطانيا كبح الهجرة عبر القنال الإنجليزي، بينما تسمح في المقابل بدخول حاملي جوازات الاتحاد الأوروبي. ولهذا تحديداً، تكتسب القيود أهمية بالغة، ويتعيّن على الحكومة أن تُظهر بوضوح أن صافي الهجرة الدائمة لن يتأثر سلباً.
وسيُقال أيضاً إن الاتحاد الأوروبي يواجه صعوبات اقتصادية، وإن ألمانيا، أكبر اقتصاد في القارة، تمر بمرحلة صعبة، وكذلك فرنسا. وهذا صحيح، لكن القضية هنا تتعلق بتحقيق مكاسب ملموسة لبريطانيا ولقطاع الأعمال فيها، عبر إعادة الارتباط بكتلة تجارية حرة واسعة النطاق اختارت بريطانيا الانسحاب منها.
على ستارمر وزملائه أن يحافظوا على تماسكهم، إذ يقف قطاع الأعمال، في هذه المسألة تحديداً، إلى جانبهم.
© The Independent