Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

متى تحولت قراءة الكتب إلى عمل استعراضي؟

من حسابات "إنستغرام" إلى موضة "ركن القراءة" في عالم الديكور يبدو أن المُتباهين باتوا في كل مكان ومع ذلك يمكننا تحويل هذا المشهد إلى ظاهرة تحمل جانباً إيجابياً

ما الضرر في هذه الظاهرة إذا أعادت القراء الشباب إلى المكتبات؟ (غيتي)

ملخص

من "إنستغرام" إلى زوايا الديكور، تحولت القراءة إلى عرض جمالي أكثر من كونها هواية فكرية. انتشار الكتب المستعملة، وموضة الحقائب المخصصة لها، يعكس ثقافة استعراضية جديدة، لكنها على رغم ذلك تعيد الكتب إلى دائرة الضوء في زمن يهيمن عليه الشاشات.

ليس من المفروض أن تكون القراءة للاستعراض، فجلوس المرء مع كتاب، ويفضل في مكان هادئ بعيد من الضجيج، كان من الأنشطة القليلة التي تمنحنا فسحة من الراحة والابتعاد عن الضوضاء الرقمية في عالمنا المهووس بالشاشات.

تمنحنا الكتب شعوراً بالأمان بين صفحاتها، فهي مساحة بعيدة من منشورات منسقة بعناية دقيقة لإعلان أحدهم خبر خطبته أو تفاخر آخر بعطلة في المالديف حصل عليها كهدية. القراءة هي فرصة للإبداع والعزلة والسلام، أو في الأقل، كانت كذلك. أما اليوم، فيبدو أن الكتب تقدم لنا شيئاً خاضعاً لشيء من التنقيح: على غرار فلتر ’فالنسيا‘ الشهير في "إنستغرام"، الذي يضفي على الصور دفئاً وإشراقاً لتصبح أكثر جاذبية.

مرحباً بكم في عالم القراءة الاستعراضية: أسلوب لاستهلاك الكتب أصبح أقل ارتباطاً بالكلمات وأكثر تركيزاً على الجماليات. المؤلفون سعداء بهذا التوجه، الفكرة ببساطة هي انتقاء كتاب تريد أن يراك الناس وأنت تقرؤه، كإشارة للعالم على ذكائك، سواء كان ذلك أحدث إصدار فخم لأحد الكتب، أو نسخة مهترئة من إصدارات دار بينغوين الكلاسيكية.

وقد ارتبط هذا التوجه بصورة كبيرة بالرجال، كما يظهر في حساب "إنستغرام" الشهير "هوت دودز ريدينغ" hotdudesreading، لكن يبدو أن كثيرين منا أصبحوا يشاركون في هذا الأمر، أو الأداء إن صح التعبير، أو يحاولون في الأقل العثور على الكتب الأجمل مظهراً، وغالباً يحصلون على ضالتهم في النسخ المستعملة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تشير منصة "ڤينتد" Vinted [منصة إلكترونية لإعادة بيع الأشياء المستعملة] إلى أن مبيعات الكتب المستعملة وصلت إلى مستويات قياسية، حيث تجاوزت قيمة سوق الكتب "المحبوبة مسبقاً" مليار جنيه استرليني عام 2024. وقد لاحظت المنصة أن سلاسل كتب الفانتازيا والإصدارات الخاصة الموجهة لهواة الجمع تحظى بإقبال كبير، مع قيام بعض الهواة ببيع نسخ دار بينغوين أورانج الكلاسيكية المتميزة بغلافها البرتقالي الأيقوني، والتي تعود إلى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.

بالطبع، لا يتم شراء كل هذه الكتب بغرض التباهي، فالبعض يسعى ببساطة لتوفير المال أو للقراءة بطريقة أكثر استدامة. تقول باندورا سايكس، التي عينت حديثاً كأول منسقة كتب في المملكة المتحدة لدى منصة "ڤينتد"، في ضوء الانتعاش الكبير لسوق الكتب المستعملة: "يعرف معظم الناس (ڤينتد) كمكان لشراء الأغراض المستعملة، لكن قليلين يعرفون مدى روعة الكتب التي توفرها المنصة... أنا أحب شراء الكتب المستعملة، فهي أرخص بنسبة تصل إلى 90 في المئة، ويمكنك العثور على أغلفة نسخ قديمة لطيفة، في مرحلة تشهد ارتفاع أسعار الكتب وانخفاض معدل القراءة أكثر من أي وقت مضى".

لا تقتصر الأهمية على الكتب التي تختارها فحسب، بل تمتد لتشمل المكان الذي تقرؤها فيه حيث أصبح جزءاً من الاستعراض نفسه. تمت تسمية صيف هذه السنة بـ"صيف الفتاة المثقفة"، مع تصريح مجلة الموضة ’إيل‘ Elle بأن الحقيبة الأساسية التي لا بد من اقتنائها هذا الموسم هي حقيبة كتف تكفي فقط لحمل كتاب. جاءت الحقائب المطرزة من مجموعة "سين لايبراري" Seen Library، وهي مجموعة من عشاق الكتب الذين "يتواصلون ويتحدثون" مع بعضهم بعضاً من خلال اللقاءات المباشرة، والفعاليات الصغيرة، ومنشورات منسقة ومنقحة بعناية شديدة على "إنستغرام".

يشير المهتمون بصيحات الديكور أيضاً إلى أن "الأركان المريحة" و"زوايا القراءة" أصبحت من أبرز الميزات المطلوبة في المنازل المستقبلية، حيث لفت اتحاد محترفي العقارات في بريطانيا الانتباه إلى الطلب المرتفع على "مقاعد النوافذ المزينة بوسائد كبيرة والزوايا التي تحولت إلى ملاذات للقراءة". ربما سنرى ممرات المطابخ تتبع هذا التوجه قريباً؟

يشكل هذا التحول فرصة مثيرة لصناعة النشر، ومن المؤكد أن له تأثيراً في مبيعات الكتب. فبينما قد يكون انتعاش القراءة بين الفتيات الراقيات خبراً ساراً، إلا أنه إذا فقدت الكتب الجديدة والمجلدة بريقها الثقافي مقارنة بقراءة نسخة قديمة من رواية "غاتسبي العظيم" The Great Gatsby، فقد يضطر الناشرون لإعادة التفكير في كيفية الاستفادة من هؤلاء الباحثين عن الأناقة الذين يشترون الكتب المستعملة من مصادر خارج المكتبات التقليدية. وفي حين أن الأمر ربما يتعلق بتوفير المال والحفاظ على البيئة في المقام الأول، إلا أنه من الصعب التغلب على الشك في أن ما يجذب بعض الناس إلى الكتب المستعملة يرتبط غالباً بمظهرها الجمالي أكثر من محتواها.

لأي سبب كان، الخيار الأخير يوحي بصورة شخص شديد الثقافة، انظر كم مرة قرأ ذلك الكتاب! لا بد أنه ذكي للغاية! ويزداد الانطباع قوة إذا كان الكتاب من فئة فيتزكارالدو Fitzcarraldo المذكورة سابقاً [توصيف لكتب غامضة، ثقيلة، نخبوبة يقرؤها الناس لا بدافع المتعة، بل لإظهار عمق ثقافي مصطنع] ومترجماً من لغة أخرى: انظروا إلى مدى تخصص اهتماماًت هذا الشخص! لا بد أنه ثوري ومتفرد!

سواء عن حسن نية أم لا، فإن مجتمع الإنترنت وجد متعة كبيرة في فكرة القراءة الاستعراضية، بخاصة أنها مرتبطة على ما يبدو بنوع محدد جداً من الرجال: الحساس والرقيق والمنغمس في الذات، الذي يعشق أفلام غريتا غيرويغ ويقتبس من كتابات سيلفيا بلاث. هذا الرجل أشبه بالسراب، أصبح مرادفاً لسلوكيات الصبي المتلاعب، حيث تختبئ القسوة العابرة خلف صورة نسوية مصقولة بعناية.

ويبدو أن عديداً من النساء تعلقن بهذه الفكرة، لذا لم يكن مفاجئاً أن يحظى زي "الرجل الاستعراضي" بشعبية كبيرة في موسم الهالوين، حيث ارتدت النساء ملابس مستوحاة من ميم واسع الانتشار، مع سماعات سلكية، وحقائب كتف تحمل شعار دار دونت بوكس للنشر، وكاميرات تصوير قديمة، وأدوات أخرى لتظهر قيمهن النسوية الأنيقة الجذابة جداً بصرياً. وبالطبع، كان للكتاب المستعمل المهترئ دور أساس في الزي، حيث قامت النساء بحمل نسخ مثل "الناقوس الزجاجي" The Bell Jar لسيلفيا بلاث، أو "كل شيء متعلق بالحب" All About Love لبيل هوكس، أو أي عمل لسالي روني. الفكرة باتت واضحة.

قد يكون كل هذا مجرد نتيجة طبيعية لمجتمع يطالبنا بمشاركة كثير من تفاصيل حياتنا، وما يعنيه ذلك من ضرورة تنقيحها. بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحنا جميعاً نتصرف كأننا نجوم برامج واقع خاصة بنا. لقد امتد تأثير هذا إلى كل جانب من حياتنا، من الأماكن التي نرتادها إلى الطعام الذي نأكله. نشارك كل شيء، ونختار أين نذهب وماذا نفعل وفقاً لذلك. فلم يكن مستغرباً إذاً أن يمتد هذا السلوك ليطال ما نقرؤه أيضاً.

وفي مجتمع يسميه البعض "مجتمع ما بعد القراءة"، أعتبر هذا تطوراً إيجاباً. فزيادة عدد القراء - سواء كان ذلك بهدف الاستعراض أم لا - يعد خطوة إلى الأمام. النظر إلى صفحة كتاب بدل الشاشة لن يفيد صحة أعيننا فحسب، بل سيمنح عقولنا المنهكة من الإفراط الرقمي فسحة من الراحة. وسط ثقافة لا يستطيع الطلاب فيها إنهاء الكتب، ويفسد الذكاء الاصطناعي أدمغتنا، وينخفض عدد من يقرؤون بغرض المتعة بنسبة 40 في المئة، يبدو أن عودة الكتب إلى دائرة الاهتمام ظاهرة تستحق الترحيب.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من كتب