ملخص
خلال سنوات تأسيسها، بقيت "فينتيد" إلى حد كبير خلف "إيباي" و"ديبوب"، لكنها شهدت في الآونة الأخيرة نمواً كبيراً. في 2020 و2021، تكبدت الشركة خسائر مالية، ولكن بحلول عام 2023، سجلت صافي أرباح بلغ 19.5 مليون دولار أميركي، مع زيادة الإيرادات بنسبة 61 في المئة
عندما وصل طرد غامض مغلف بكيس حفاضات أطفال إلى عتبة باب صوفي، تساءلت عما إذا كان هذا مجرد مزحة أو إن كانت في مشكلة مع أسوأ أعدائها، وهذا يتوقف على ما ستجده داخل الطرد. إلا أنها سرعان ما اكتشفت أن الطرد كان في الواقع القميص المستعمل الذي اشترته عبر موقع "فينتيد" Vinted، ولكن لسبب ما كان الطرد مغلفاً بطريقة غريبة جداً. ["فينتيد" هو موقع تسوق إلكتروني للقطع المستعملة، ومعروف خصيصاً في مجال الملابس، إذ يستطيع مستخدمو الموقع شراء القطع أو بيعها].
يمكن اعتبار "فينتيد" نسخة محدثة من موقع "إيباي" eBay للهواتف المحمولة، فيمكنك مقايضة وبيع الملابس والأكسسوارات المستعملة مع الغرباء. وإن كان الأمر يبدو سهلاً إلا أنه ليس بهذه البساطة. كل من استخدم التطبيق لديه في الأقل قصة واحدة غريبة، مثل المشترية التي وصلتها مجوهرات مستعملة داخل زجاجة عصير، أو المشتري الذي تأخر طرده لأن البائع كان "منزعجاً" بسبب انفصال مولي ماي هيغ وتومي فيوري [مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي وملاكم، ازدادت شهرتهما بعد مشاركتهما في برنامج تلفزيون الواقع "جزيرة الحب" Love Island] فلم يتمكن من إرسال الطرد في الوقت المحدد، حتى إن بعض المستخدمين رأوا إعلانات لبيع جوارب متسخة مقابل خمس جنيهات استرلينية [6.5 دولار أميركي].
بدأت باستخدام "فينتيد" عام 2022، عندما عرفت أن الشركة - على عكس منافستها الأولى "ديبوب" Depop - لا تأخذ عمولة من مبيعاتي. منذ أن بدأت باستخدامه، حصلت على أكثر من ألف جنيه استرليني من بيع ملابسي المستعملة، وبصورة عامة كانت تجربتي إيجابية جداً. استخدام التطبيق أسهل بكثير من استخدام "ديبوب" أو "إيباي"، فالتطبيق يولّد ملصق الشحن ويقوم تلقائياً باحتساب كلف الشحن قبل محاسبة المشتري. ولكن خلال الأشهر الأخيرة لاحظت مشكلة جديدة في آداب اللباقة بين مستخدمي الموقع، وكأنهم توقفوا عن احترام الحدود الاجتماعية والآداب العامة.
تلقيت رسائل سلبية وعدوانية من مشترية غاضبة، كانت منزعجة من عدم وصول الطرد في الوقت المناسب قبل حدث خاص، على رغم أن الأمر خارج سيطرتي ومرتبط بشركات التوصيل الكثيرة التي تتعامل معها "فينتيد". شخص آخر ادعى أن القطعة التي أرسلتها كانت مليئة بالثقوب، على رغم أنها كانت في حال ممتازة عندما أرسلتها. في مثال آخر، اشتكى مشترٍ محتمل من أنني لم أردّ على رسائله بسرعة، لذلك أغرقني بوابل من رسائل "؟؟؟؟؟" إلى أن أجبته عن رسائله.
أما صوفي، فأخبرتني أنه باستثناء حادثة الحفاضات، كانت تعاملاتها مع مستخدمي "فينتيد" طبيعية نسبياً. لكن على رغم ذلك فإن التعاملات الشائكة والغريبة بقيت بارزة. تقول: "تلقيت رسائل من أشخاص يطالبونني بشحن القطعة في اليوم نفسه لأنهم بحاجة إليها في اليوم التالي، على رغم أنه لدي وظيفة خلال النهار. الناس بإمكانهم أن يكونوا متسلطين بصورة عامة... لن تعامل موظفاً في متجر فعلي بهذه الطريقة، لكنني أعتقد بأن الناس يختبئون خلف الشاشات".
بعض القصص أسوأ من غيرها. أخبرتني ريانون بيكتون-جيمس أنها طلبت محفظة مستعملة مقابل 20 جنيهاً استرلينياً عبر "فينتيد". والمحفظة كانت من العلامة التجارية الفاخرة "أوسبري" Osprey لذلك بدت وكأنها صفقة رابحة في ذلك الوقت. ولكن الأمور سارت بصورة سيئة عندما وصلها طرد يحوي ساعة "غوتشي" Gucci مكسورة، ولم تصل المحفظة. وأقرت البائعة بأنها أرسلت القطعة الخطأ من دون قصد، ولكنها لم تكُن لطيفة حول تصحيح خطئها.
وتقول ريانون: "أرسلت لي المرأة سيلاً من الرسائل تقول فيها إنها أبلغت الشرطة عني وسجلت الساعة على أنها مسروقة. وقالت إنه إذا أخذت الساعة في أي وقت لتغيير البطارية، فسيعرفون أنني لصة!"، ولم تستطع شركة "فينتيد" مساعدتها لأن المعاملة كانت قد انتهت [الفترة التي يمكن خلالها للمشتري أو البائع إثارة القضايا أو النزاعات المتعلقة بمعاملة ما]. وقامت ريانون بإعادة إرسال الساعة إلى عنوان منزل البائعة، على أمل في أن تحصل على المحفظة التي طلبتها. وفي النهاية عندما وصلتها المحفظة، بعد أربعة أسابيع، كانت في حال سيئة ولونها قد تغير. وتقول ريانون: "كانت سيئة جداً، لذلك رميتها مباشرة في سلة المهملات. أنا أكره الموضة السريعة [الأزياء التي تُنتج بسرعة وبأسعار منخفضة استجابةً للاتجاهات الجديدة في السوق، وغالباً ما تكون ذات جودة أقل وعمر قصير]، لكنني كنت أتمنى لو اشتريت واحدة من محال "إتش أند أم" H&M بدلاً من كل هذا الإزعاج".
تواصلت "اندبندنت" مع شركة "فينتيد" من أجل التعليق على الحادثة.
ولأن هذه المعاملات تتم عبر الإنترنت، ومن دون أي تعامل وجهاً لوجه، يعني أنه ليس هناك ما قد يمنع الناس من التصرف بصورة سيئة، أو اختلاق كذبة لتبرير خدمتهم السيئة. والقصص الغريبة الأقل خطورة والأكثر إثارة للسخرية موثقة على حساب @dmdrama الشهير على "إنستغرام" Instagram الذي يشارك لقطات شاشة لأكثر المحادثات غرابة بين المشترين والبائعين على التطبيق.
وتضمنت المراسلات (وإن لم يتم التحقق منها) التي تمت مشاركتها على حساب "إنستغرام" أعذاراً غريبة لعدم إرسال الطرود في الوقت المحدد، مثلاً صديق شخص ما "علق إصبعه في علبة من عصير الليمون" أو امرأة "حُبست في حجرة الأمان داخل صالة الألعاب الرياضية لأكثر من خمس ساعات". وفي محادثة أخرى نُشرت على الحساب، تستفسر مشترية محتملة بأدب عن مقاس التنورة، لترد البائعة: "لا أستطيع القيام بذلك – أنا مشغولة بحجز عطلتي". بالنسبة إلى المشترين والبائعين، فإن هذه الألفة المضحكة أحياناً والمزعجة أحياناً أخرى، أصبحت جزءاً من التعامل عبر "فينتيد".
أسست ميلدا ميتكوتي مع غوستاس جانوسكاس شركة "فينتيد" في ليتوانيا عام 2008، بعدما أدركت ميتكوتي حاجتها إلى طريقة لبيع ملابسها الفائضة. خلال سنوات تأسيسها، بقيت "فينتيد" إلى حد كبير خلف "إيباي" و"ديبوب"، لكنها شهدت في الآونة الأخيرة نمواً كبيراً. في 2020 و2021، تكبدت الشركة خسائر مالية، ولكن بحلول عام 2023، سجلت صافي أرباح بلغ 17.8 مليون يورو [19.5 مليون دولار أميركي]، مع زيادة الإيرادات بنسبة 61 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وللتنافس مع "فينتيد"، قامت "إيباي" بتخفيض الرسوم على معاملاتها، وظهر "تأثير فينتيد" على نطاق أوسع في مجال القطع المستعملة، فأصبح "ديبوب" يخصص بصورة منتظمة أياماً لإجراء التعاملات من دون أي رسوم. والآن تقدر قيمة سوق الأزياء المستعملة بعشرات مليارات الدولارات سنوياً في آسيا وأميركا الشمالية وأوروبا، وفقاً لتقرير حديث صادر عن شركة تجارة التجزئة المستعملة الأميركية "ثريد-أب" ThredUp. وفي المملكة المتحدة، أنفق المستهلكون خلال العام الماضي 2.4 مليار جنيه استرليني على الملابس والأحذية المستعملة، إذ اشترى نحو نصف المستهلكين غرضاً مستعملاً، بحسب دراسة جديدة. وفي الواقع، لقد نجح "فينتيد" بقوة لدرجة أن منسقي ومصممي الأزياء الراقية يستخدمون التطبيق للحصول على قطعهم. خلال أسبوع الموضة في باريس في سبتمبر (أيلول) الماضي، قيل إن مصمماً يعمل لدى العلامة التجارية الفرنسية الفاخرة "كوبرني" Coperni اشترى كنزة قديمة تحمل صورة دونالد داك مقابل ثمانية يوروات فقط (6.71 جنيه استرليني، 8.78 دولار أميركي) عبر موقع "فينتيد"، بعد أن تفاوض لتخفيض السعر من تسعة يوروات، لتُعرض الكنزة خلال عرض الأزياء في اليوم التالي.
تجارياً، يُعدّ موقع "فينتيد" ناجحاً، لكن الإشكالية تكمن في التعامل بين المستخدمين في الأسواق الرقمية واعتبارهم أشخاصاً بالغين لن يستغلوا بعضهم بعضاً. وكما توضح أزمة ريانون مع ساعة "غوتشي"، ربما يكون من الصعب إيجاد هذا التوازن. تبذل الشركة قصارى جهدها لكبح مستخدميها الطامعين في بعض الأحيان، فتحدد أن على البائعين إرسال سلعهم في علب متينة، مثل صندوق من الورق المقوى، وباستخدام حشوات داخلية مناسبة مثل "الغلاف الفقاعي، أو الورق، أو الصحف، أو الورق المضلّع من أجل حماية السلعة". وتحظر الشركة أيضاً السلوكيات غير اللائقة، بما في ذلك نشر "تعليقات مهينة، أو مضايقة الأعضاء الآخرين، أو التصرف بصورة احتيالية [عندما يخدعك شخص ما لمشاركة معلوماتك الشخصية للاحتيال عليك]". ولكن الشركة لا تستطيع فحص كل محادثة أو معاملة لمعرفة من يقول الحقيقة في نزاع معقد.
هناك جانب مضحك لهذه التعاملات ولطرق التغليف الغريبة التي تتركنا بجوار صناديق البريد في حيرة من أمرنا، وهذا هو السبب وراء وجود آلاف المتابعين لحساب @dmdrama. لكن بعض الأشخاص يتصرفون ضمن هذه المساحة الإلكترونية وكأنه لا توجد قواعد على الإطلاق، مما يحوّل المنصة القيمة إلى منطقة فوضوية لا يحكمها أي قانون. قد لا تكون هناك مكافأة على لطفك واحترافيتك في التعامل مع شخص يشتري منك قميصك، لكن بالتأكيد لا يوجد ضرر في المحاولة، أليس كذلك؟
© The Independent