Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انهيار المستشفيات والمراكز الطبية يفاقم معاناة المرضى في دارفور

وصلت أعداد المحتاجين إلى رعاية صحية إلى 1000 حالة يومياً في ظل نقص الكوادر المؤهلة والمعامل وخدمات التمريض والسعة السريرية

أثرت الحرب في إمكانات وزارة الصحة السودانية بسبب ما طاول مرافقها من حرق ونهب وسلب (رويترز)

ملخص

بحسب أطباء في ولاية شمال دارفور، فإن المرافق الطبية التي تتبع التأمين الصحي توقفت تماماً، عدا مستشفى جبل مرة، فضلاً عن توقف المرافق الصحية والمراكز بمدينة الفاشر، بينما تعرضت مراكز غسل الكلى للتخريب والنهب مما أدى إلى خروجها عن الخدمة، إضافة إلى أن معظم المرافق الطبية تقدم خدمات صحية أولية نسبة لغياب الكوادر، ولا سيما المتخصصة منها، فضلاً عن شح الإمكانات والأدوية وتوقف المستشفيات الريفية عن العمل.

لا تزال معاناة سكان إقليم دارفور تتفاقم وتأخذ أبعاداً مروعة، بخاصة بعد تقلص عدد المستشفيات والمراكز الصحية إلى أقل من 40 في المئة، مما خلف فصولاً مأسوية أبرزها ما يعانيه المرضى والمصابون العاجزون عن الوصول إلى المرافق القليلة التي تعمل بسبب صعوبة التنقل والوضع الأمني، ناهيك بارتكاب قوات "الدعم السريع" جرائم ومجازر وانتهاكات واسعة. وإزاء هذا الوضع الكارثي اضطرت بعض المنظمات الدولية التي تعمل في المجال الصحي، وعلى رأسها "أطباء بلا حدود"، إلى تعليق أعمالها في بعض المناطق، مما فاقم الأزمات المتدهورة.

وبات أصحاب الأمراض المزمنة العالقون في ولاية شمال دارفور مهددين بالموت بسبب انهيار المنظومة الصحية، إضافة إلى فقدان الأدوية المنقذة للحياة إلى جانب المعينات الطبية.

وبحسب أطباء في ولاية شمال دارفور فإن المرافق الطبية التي تتبع التأمين الصحي توقفت تماماً، عدا مستشفى جبل مرة، فضلاً عن توقف المرافق الصحية والمراكز بمدينة الفاشر، بينما تعرضت مراكز غسل الكلى للتخريب والنهب مما أدى إلى خروجها عن الخدمة، إضافة إلى أن معظم المرافق الطبية تقدم خدمات صحية أولية نسبة لغياب الكوادر، ولا سيما المتخصصة منها، فضلاً عن شح الإمكانات والأدوية وتوقف المستشفيات الريفية عن العمل.

أوضاع مقلقة

في السياق يقول المواطن السوداني سامي بشير الذي يتلقى العلاج في منطقة كرنوي بولاية شمال دارفور إن "الأوضاع الصحية في الإقليم مقلقة للغاية والمخاوف تمتد لتشمل الأطفال الذين يموتون بسبب الأمراض المعدية، بخاصة الحصبة، إلى جانب سوء التغذية الناتج من الجوع، وعدم قدرة الأسر على توفير الغذاء وسط غلاء فاحش في الأسعار بظل عدم توفر فرص العمل، فضلاً عن ظهور مرض الكوليرا وحمى الضنك". وأضاف أن "مناطق عدة تفتقد مقومات الحياة في الوقت الحالي، بخاصة في جانب الرعاية الصحية مع انتشار الأمراض مثل الملاريا، وتتمثل في أعراض مميتة منها الحمى والصداع والقيء وفقدان الشهية وتكسير الجسم، فكل هذه الأعراض تؤدي إلى فقر دم حاد وتسببت بمئات الوفيات".

وأوضح بشير أنه "كان من الممكن الشفاء من الحميات، لكن غالبية المستشفيات والمراكز الطبية باتت خارج الخدمة مع محدودية العلاج في بعضها، مما أدى إلى بقاء عشرات المصابين في المنازل مع عدم الدراية بالمرض والخبرة في التعامل معه، إذ يتلقون العلاجات البلدية وهي بالتأكيد غير مجدية ولا يمكن أن تحد من تفاقم المرض".

 

أضرار وتدهور

من جانبه أشار الناشط في المجال الإنساني بمنطقة كتم (شمال دارفور) نادر خليفة إلى أن "القطاع الصحي في ولايات دارفور الخمس لا يختلف عن غيره من القطاعات التي تأثرت بالحرب الدائرة بالبلاد، بل أكثرها تضرراً لارتباطه الوثيق بحياة المواطنين، وزاد انهياره الأزمة الإنسانية سوءاً، لا سيما في مجال تقديم الخدمات الطبية عبر المستشفيات والمراكز الصحية المتخصصة التي دأبت على خدمة المرضى المصابين بالأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والكلى والأورام والجهاز الهضمي".

ولفت إلى أنه "قبل الأحداث المتصاعدة في الفاشر والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، واستهداف المستشفيات، كانت تتم معاينة نحو 300 مريض في اليوم، ووصلت أعداد المرضى إلى 1000 حالة في ظل نقص الكوادر المؤهلة والمعامل وخدمات التمريض والسعة السريرية في بقية مدن ومناطق ولاية شمال دارفور". وبيّن خليفة أن "معدلات الوفيات آخذة في التصاعد المريع نتيجة انهيار القطاع الصحي بعد تعمد "الدعم السريع" تدمير المستشفيات وقتل وخطف الكوادر الطبية، في انتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني".

وفيات الحوامل

من ضمن مناطق السودان المختلفة يقع إقليم دارفور ضمن مناطق الشدة في وفيات الحوامل، بحسب تقرير أصدرته منظمة" أطباء بلا حدود" في سبتمبر (أيلول) 2024، ويقول إن نسبة وفيات الأمهات بين يناير (كانون الثاني) وأغسطس (آب) من ذلك العام في مستشفيين بولاية جنوب دارفور وحدها تجاوزت نسبة 7 في المئة من إجمال وفيات الأمهات التي سجلتها جميع مرافق "أطباء بلا حدود" في العالم خلال عام 2023.

ووفقاً للتقرير ذاته، سُجلت 114 وفاة بين الأمهات في مستشفيي "نيالا" التعليمي و"كاس" الريفي بجنوب دارفور في الفترة نفسها، حيث وقعت 78 في المئة من هذه الوفيات خلال الـ24 ساعة الأولى من دخول المستشفى.

ويُعزى ذلك إلى ندرة المرافق الصحية العاملة وكلف النقل الباهظة، مما يضطر عديد من النساء إلى الولادة في ظروف غير صحية، ويزيد من خطر الإصابة بالمضاعفات والإنتان، وهي حال تهدد الحياة بسبب تدمير الجسم لأنسجته عند استجابته للعدوى وعجز الأعضاء عن القيام بوظائفها بصورة سليمة وطبيعية بحسب الأطباء.

وفي هذا الصدد ذكرت مدير الصحة الإنجابية بولاية جنوب دارفور طيبة بخيت، أن "الحرب أثرت في إمكانات وزارة الصحة بسبب ما طاول مرافقها من حرق ونهب وسلب".

وأشارت إلى أن "الوزارة كان لديها 164 مرفقاً صحياً يعمل في مجال تقديم الرعاية الصحية للنساء الحوامل، لكن بعد الحرب تقلص عددها إلى 44 فقط، وكان هناك نحو 14 مستشفى ريفياً في مجال الأمومة والطفولة قبل الحرب تقلصت إلى 7 مستشفيات فقط من دون إمكانات".

وأوضحت بخيت أن "الوزارة أجرت مسوحات في بعض معسكرات النازحين وتوصلت إلى نتيجة مفادها زيادة أعداد وفيات الحوامل وحديثي الولادة، لكن لم تستطع إجراء المسوحات في غالب المناطق بسبب استمرار القتال وانعدام وسائل الحركة وانقطاع الإنترنت".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

آثار صحية

على الصعيد نفسه نوهت اختصاصية النساء والولادة تهاني فقيري بأن "وضع النساء الحوامل في إقليم دارفور سيئ للغاية لعدم توافر الغذاء الكافي للأم وجنينها، فالنساء أثناء الحمل لديهن متطلبات غذائية عالية، وضمان حصولهن على وجبات غذائية متوازنة وكافية أمر أساس، وبفقدان هذا العنصر نرى أن هناك زيادة في حالات الإجهاض والوفاة وسط الحوامل". وأضافت "بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الحرب وانهيار المرافق الصحية، فإن الحوامل في القرى أصبحن يفضلن الرعاية المنزلية حتى مرحلة الولادة، ولكن تحيط بهذا الخيار أيضاً مصاعب منها نزوح أو لجوء القابلات وعدم توافر المعينات الصحية اللازمة بالمنازل وحدوث طارئ يؤثر في سلامة الأم وجنينها". وبينت "إذا كان سوء التغذية هو أحد المشكلات الرئيسة التي تضعف فيها الوظيفة الجسدية للفرد إلى الحد الذي لا يستطيع معه الحفاظ على الوظائف الحيوية الكافية مثل النمو ومقاومة الأمراض أو التعافي منها فإن حاجة الجسم بالنسبة إلى الحوامل تكون أكبر".
وأوضحت فقيري أن "سوء التغذية لدى النساء الحوامل في مدن ومناطق عدة بالإقليم أدى إلى آثار صحية خطرة، إذ تعرضت العشرات للإصابة بالإجهاض التلقائي وفقر الدم أثناء الحمل وخطر وفاة الأم، ويتعرض الجنين لخطر تأخر النمو داخل الرحم، وصغر حجمه، والولادة المبكرة، وأحياناً وفاته داخل الرحم".

حوادث القصف

خلال عام 2025، جرى استهداف مستشفيات عدة بالقصف المدفعي والجوي، وبحسب شبكة أطباء السودان ومجموعة "محامو الطوارئ"، وناشطين في المجال الطبي، استهدفت قوات "الدعم السريع" المستشفى السعودي في الفاشر، في حين استهدف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني مستشفى نيالا.

ودعا المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس إلى وقف الهجمات على البنى التحتية الصحية من دون أن يحدد هوية المسؤول عن الهجوم.

من جهتها قالت مديرة منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" كاثرين راسل، إن "الهجمات على مستشفيات السودان انتهاك جسيم يعرض حياة الأطفال للخطر ويعوق وصولهم إلى الرعاية الصحية"، وأشارت إلى أنه "تم توثيق أكثر من 90 هجوماً على المستشفيات والمدارس في السودان خلال عام 2024".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير