ملخص
بعد تهديد بوتين الصارخ وتصاعد عدوانية موسكو، تجد أوروبا نفسها أمام اختبار مصيري: هل تكفي وحدتها وقوتها الاقتصادية لتعويض تفوق روسيا العسكري، وسط انقسام شعبي واعتماد مفرط على واشنطن، أم أن القارة ستواجه حرباً طويلة تهدد أمنها واستقرارها؟
وجه فلاديمير بوتين تهديداً مرعباً لأوروبا الثلاثاء الماضي، إذ حذرها من أن روسيا ليست فقط "مستعدة" لخوض حرب في القارة، بل يمكنها شنها بدرجة من القوة بحيث تنتهي "من دون أن يتبقى أحد للتفاوض معه على السلام".
وفي خضم المحادثات اليائسة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، قال الرئيس الروسي إنه لا يسعى إلى الدخول في صراع آخر، لكنه لن يتردد في شن هجوم إذا ما استفزته الدول الأوروبية الداعمة لكييف.
وادعى بوتين أن جيشه يتصرف "بدقة" في أوكرانيا. لكنه أضاف أن هذا الجيش لن يمارس ضبط النفس ذاته في حال مواجهة مع حلف "الناتو".
وعلى رغم كل الاستعراضات والمناورات على الحدود الأوروبية الشرقية، فإن الجيش الروسي منهك بسبب الحرب الطويلة في أوكرانيا. ومع ذلك، فإنه لا يزال الأكبر حجماً في أوروبا، ومستعداً لمتطلبات الحرب الحديثة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحلل "اندبندنت" ما إذا كانت أوروبا تمتلك حالياً القوة العسكرية والاقتصادية اللازمة لتحقيق النصر على روسيا في ساحة المعركة.
كيف هي حال الجيشين؟
تضخم الجيش الروسي ليصل إلى 1.32 مليون فرد في الخدمة الفعلية خلال الحرب، على رغم تكبده خسائر فادحة في ساحة المعركة. وهذا الرقم يتفوق على أي جيش نظامي آخر في القارة.
سمحت الحرب لبوتين بسن تشريعات تهدف إلى توسيع جيشه ثلاث مرات منذ عام 2022. وهو يسعى إلى تأسيس ثاني أكبر جيش في العالم، بعد الصين، من خلال بناء جيش نظامي قوامه 1.5 مليون فرد، ويبلغ عديده 2.38 مليون فرد بعد انضمام عناصر الاحتياط إليه.
في المقابل، بدأت أوروبا الآن تدرك قصورها في مجال الدفاع، بسبب التهديد الملحوظ على حدودها ووجود إدارة في البيت الأبيض تتردد في الاستمرار بتحمل كلف الدفاع. وقد انخفض الإنفاق الدفاعي بشكل عام منذ نهاية الحرب الباردة، لذا فإن قوتها تكمن في وحدتها.
يمكن لحلف "الناتو" أن يجمع 3.14 مليون فرد في الخدمة الفعلية و2.75 مليون عنصر احتياط، أي ما يصل مجموعه إلى 5.89 مليون فرد. ويمتلك الحلف أكثر من 14 ألف دبابة ونحو 21 ألف طائرة. ويمكن لروسيا حالياً الاعتماد على ما يقارب مليوني عنصر احتياط، فيصل عدد قواتها الإجمالي إلى 3.32 مليون فرد. وهي تمتلك نحو 12 ألف دبابة و4500 طائرة. وكلا الجانبين يمتلك أسلحة نووية.
الفروق في الإنفاق
إن دونالد ترمب محق في أن حلف "الناتو" يعتمد بصورة كبيرة وغير متناسبة على الولايات المتحدة لمده بالقوة- على رغم أن هذا الوضع يتغير شيئاً فشيئاً. كان من المتوقع أن يصل إجمال إنفاق الحلفاء إلى 1.59 تريليون دولار عام 2025، فيما كانت واشنطن تسير باتجاه تغطية 980 مليار دولار من هذا المبلغ.
إن لم تنضم واشنطن إلى حرب أوروبية مع روسيا، فسيترتب على حلف "الناتو" اليوم تأمين ما قدره 608 مليارات دولار (457 مليار جنيه استرليني) مقابل نحو 145 مليار دولار (109 مليارات جنيه استرليني) تنفقها روسيا سنوياً على الدفاع. قال المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) إن مبلغ الإنفاق الروسي قد يصل إلى أكثر من 460 مليار دولار (345 مليار جنيه استرليني) بعد تعديل القوة الشرائية.
كذلك فإن الاختلافات في التكتيكات والتكنولوجيا بين الدول الأوروبية ستسفر عن عدم الكفاءة، وهي مشكلة لن تواجهها روسيا الموحدة.
انقسام التأييد الشعبي في أوروبا
سيعتمد أي دعم شعبي إلى حد كبير على الطرف الذي يشن الهجوم أولاً. ولكن في حين أن روسيا قد حشدت قواتها بالفعل، فإن الديمقراطيات الأوروبية ستواجه صعوبة أكبر في العثور على متطوعين مستعدين للقتال.
في الشهر الماضي فحسب، أثار جنرال فرنسي ضجة كبيرة عندما قال إن فرنسا يجب أن تكون "مستعدة لفقدان أبنائها" وتحمل معاناة اقتصادية في حال نشوب حرب.
عندما اقترح رئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك خطة لخدمة العلم عام 2024 - وهي أقل بكثير من التجنيد الإجباري - لم يؤيدها سوى 47 في المئة من الجمهور. والأهم من ذلك، أن الغالبية الساحقة من الشباب الذين من الضروري مشاركتهم في الحرب عارضوا هذه الخطة.
وبعد ذلك لدينا مسألة الكلفة. لا تزال الشركات الأوروبية تتعافى من جائحة كوفيد في وقت ترتفع فيه الإيجارات وأسعار الطاقة، والأخيرة ترتبط أساساً بالحرب في أوكرانيا. قد تؤدي التعبئة إلى انتعاش موقت للاقتصادات الراكدة، لكن من شأن أي صراع مطول أن يعطل التجارة ويثبط الاستثمار.
من ناحية أخرى، كان لدى روسيا في الأقل ما يناهز العقد من الزمن لتشديد قبضتها على السياسات النقدية والمالية بين ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 وغزو أوكرانيا عام 2022.
© The Independent