ملخص
عشرات آلاف السودانيين وصلوا إلى المملكة المتحدة في مواسم هجرة مختلفة، يحاول أبناء الجالية تعزيز تنظيمهم كي يترسخ اندماجهم في بريطانيا ويزداد تأثيرهم في الوطن الأم، لكن مأساة السودان المستمرة منذ نحو 3 أعوام تقيد أحلامهم.
السودانيون في بريطانيا وصلوا عبر موجات هجرة متعددة بدأت في القرن الماضي، وتتواصل حتى يومنا هذا. ثمة مصادر تقول إن أبناء الجيل الأول جاؤوا بحارة أو طلبة قبل أن تشتعل الحروب في الوطن الأم ويتوافدون كلاجئين، وبحسب إحصائيات غير رسمية يصل تعداد أبناء الجالية إلى 50 ألفاً، نصفهم في لندن والبقية موزعين على مدن المملكة المتحدة.
مثل بقية العرب سعى السودانيون إلى مظلة تجمع أبناء الوطن الأم في المهجر، لكنهم مضوا في التنظيم خطوة أوسع وصنعوا تكتلاً يضم 11 جالية، في حديث مع "اندبندنت عربية" يقول الأمين العام لاتحاد الجاليات السودانية، محمد الفاتح النعيم، إن التكتل نشأ عام 2018 ثم أعيد ترتيبه بنسخته الحالية في 2020، ويهدف إلى العمل المشترك وتبادل المعرفة والمنفعة ومساعدة أبناء الجالية في المدن المختلفة، عبر أجندة وآلية ورئاسة دورية.
والمهاجرون السودانيون كبقية أقرانهم العرب يتأثرون بأحوال الوطن الأم، فتنعكس أوضاعه عليهم وحدة تارة وانقساماً تارة أخرى، تقول رئيسة الجالية في لندن أميمة الطيب، إن "الحرب في السودان خلقت شرخاً كبيراً بين المهاجرين وانقسم الناس إلى فريقين"، منوهة في حديث مع "اندبندنت عربية" بأن الجالية تحاول الوقوف على الحياد وتوحيد الجميع عبر التواصل مع مختلف المجموعات وعدم التدخل لمصلحة طرف أو تبني توجهات سياسية".
العلاقة مع السودان لم تتغير مع الأجيال، لكن تأثر الآباء والأجداد بما يدور هناك كان سياسياً أما الأبناء فيتفاعلون من منطلق إنساني، المتخصصة في إدارة الأعمال والتقنية نسرين عبدالعزيز، قالت في حديث مع "اندبندنت عربية"، إن "أي شخص خلق هنا لا يستوعب ما يجري في السودان، كيف يتقاتل أبناء البلد الواحد؟ كيف يقع هذا القتل والأزمات؟ هذه أشياء يصعب فهمها، الاندماج في بريطانيا لم يؤثر في العلاقة مع السودان، والأجيال الجديدة أكثر شجاعة من السابقة، لا يشعرون بالخوف ويقولون ما يشاؤون في بلد حر".
بريطانيا بالنسبة إلى الوافدين الجدد ليست محطة عابرة كما تعامل معها أسلافهم، فهي بيئة حاضنة للأحلام ومشجعة للنجاح والإبداع، يقول اللاجئ السوداني عبدالله حامد في حديث مع "اندبندنت عربية" إن البريطانيين وفروا له سبل الحياة التي احتاج إليها، وأعطوه فرصة للدراسة من أجل تحقيق حلمه، برأيه هذه البلاد يمكن أن تفعل للإنسان الناجح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الذين يولدون في بريطانيا ينظرون إلى الحياة بطريقة مختلفة ومعايير جديدة، ولجذب هؤلاء إلى أحضان الجالية ولدت مبادرة نادي الشباب، التي قدمت لأفراد هذه الفئة كثيراً من الأنشطة والمحفزات للانتظام في صفوف الجالية.
بغض النظر عن مدة الإقامة والعمر والنظرة للمكان، تأثر السودانيون جميعهم ببريطانيا في مجالات الحياة المختلفة ومن بينها السياسة، في حديث مع "اندبندنت عربية" تقول عضو مجلس بلدي عن حزب "الخضر"، منى آدم، إن معظم السودانيين كانوا يؤيدون حزب العمال الحاكم لأنه يدعم الأقليات والمجتمعات المحلية، لكن الأزمات الدولية غيرت المشهد الداخلي، وقد خذل "العمال" الأقليات في حربي السودان وغزة، فتغيرت توجهات أبناء الجالية وتحولوا إلى أحزاب أخرى تؤيد القضايا التي تهمهم.
رياح التأثير هبت على المثقفين السودانيين في المهجر أيضاً، فانعكست في كتاباتهم ومؤلفاتهم وترجمت في فعاليات وأحداث جمعتهم، تلفت الباحثة والكاتبة السودانية، سعاد مصطفى، إلى أن الجانب الثقافي للجالية في بريطانيا ليس حديثاً وإنما منذ زمن بعيد، مشيرة في حديث مع "اندبندنت عربية" إلى وجود كثير من المنصات والجمعيات الثقافية للجالية تهتم بقضايا عدة وبطرق مختلفة في المجال من بينها الندوات والأيام الثقافية ومناقشة كتب وجلسات شعرية.
التأثر ببريطانيا على اختلاف درجاته وأشكاله ليس جدلياً بالنسبة إلى الجالية السودانية ما دام أنه لا يلغي الهوية أو يتنكر للأصل الجغرافي إن جاز التعبير، وحتى عندما تثار المناقشات حول الوطن الأم لا ينسى السودانيون في المهجر أن مشاركة بعضهم بعضاً في الأفراح والأحزان يجب أن تعلو فوق أي خلافات سياسية وأيديولوجية.