Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قمة واشنطن ترسم ملامح الاقتصاد السعودي ما بعد النفط

الرياض تركز على الشرائح والذكاء الاصطناعي وطاقات المستقبل

الأمير محمد بن سلمان والرئيس دونالد ترمب خلال مشاركتها في منتدى الاستثمار الأميركي - السعودي الأربعاء (واس)

 

ملخص

تسير السعودية نحو مرحلة جديدة تتحول فيها إلى مركز إقليمي لصناعة الشرائح الإلكترونية بفضل التحالفات التقنية مع الشركات الأميركية الكبرى، وفي مجال الطاقة، قد تجمع الرياض بين المفاعلات النووية المتقدمة والهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية لتصبح قوة تصدير عالمية في التقنيات النظيفة.

لم تكن زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة مجرد محطة سياسية أو جولة دبلوماسية عادية، بل جاءت كخطوة استراتيجية محسوبة لإعادة تشكيل موقع السعودية في الاقتصاد العالمي لعقود مقبلة في ظل تحولات عميقة يشهدها العالم في مجالات الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي والتقنيات فائقة التعقيد.

وتعتبر هذه الزيارة فرصة لاستكمال المنظومة الاقتصادية وسلاسل الإمداد والانتقال من اقتصاد يعتمد على النفط إلى منظومة جديدة تقودها المعرفة والابتكار، لتجعل السعودية أكبر حليف للولايات المتحدة خارج "الناتو".

كشفت الزيارة عن رؤية واضحة بأن المستقبل السعودي لن يُكتب بالنفط وحده، بل بالتقنيات التي ستشكل قاعدة الاقتصاد العالمي في العقود المقبلة، وفي ظل هذا التحول، تبدو السعودية أكثر استعداداً من أي وقت مضى لقيادة مرحلة جديدة من النمو والصعود التكنولوجي.

تكمن أهمية هذه الزيارة في أنها جسدت انتقالاً واضحاً في طريقة تعامل السعودية مع الاقتصاد العالمي، فالرياض، للمرة الأولى، تربط مستقبلها مباشرة بالتكنولوجيا، وتبتعد عن الاعتماد الأحادي على النفط، كذلك وضعت الأساس لشراكات طويلة المدى مع شركات تمثل العمود الفقري لاقتصاد المستقبل، وفتحت الباب للوصول إلى تقنيات حساسة لا تُمنح إلا للحلفاء الاستراتيجيين، وهذا التحول يعكس رغبة سعودية جادة في بناء منظومة صناعية متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والطاقة الحديثة والتقنيات الدفاعية.

الممر التقني السعودي - الأميركي: تحالف عالمي تاريخي

من النتائج الأكثر أهمية في الزيارة تأسيس ما يمكن وصفه بـ"الممر التقني السعودي- الأميركي"، وهو إطار شراكة ممتدة يجمع بين أكبر اقتصادين مؤثرين في صناعة التكنولوجيا والطاقة، وهذا الممر لا يقتصر على نقل المعرفة أو توقيع اتفاقات تجارية، بل يمثل بداية شبكة معقدة من التعاون تشمل الطاقة النووية المتقدمة، والذكاء الاصطناعي والروبوتات والأمن السيبراني، وكذلك صناعة الشرائح وتقنيات الدفاع الحديثة.

وبناءً على هذا التطور، تتحول السعودية تدريجاً من دولة تستورد التكنولوجيا إلى دولة تمتلك القدرة على تطويرها وتوطينها وإعادة تصديرها، وسيكون هذا الممر، خلال العقدين المقبلين، أحد أهم الجسور التقنية بين الغرب والعالم العربي.

 

الذكاء الاصطناعي: منصة السعودية للصعود في عصر ما بعد النفط

كان الذكاء الاصطناعي الحاضر الأكبر في لقاءات ولي العهد مع قادة شركات التكنولوجيا الأميركية، فقد أدركت السعودية أن بناء اقتصاد المستقبل يتطلب امتلاك قدرات متقدمة في الحوسبة الفائقة، وتصميم الشرائح، وتطوير أنظمة البيانات الضخمة، وتدريب نماذج لغوية قادرة على تلبية حاجات المجتمع والأسواق العربية.

العشاء الذي جمع ولي العهد مع رؤساء شركات عمالقة  لم يكن مجرد اجتماع رفيع المستوى، بل عشاء لأكبر التجمعات الاقتصادية. فالقوة السوقية المجمعة للشركات التي يمثلها الضيوف تفوق10  تريليونات دولار، منها Nvidia  بـ4.41 تريليون دولار، وApple  بـ3.95 تريليون، ومجموع هذه القيم يساوي نحو 9 أضعاف الناتج المحلي للسعودية ونحو ثلث الناتج الأميركي، هذا يجعل العشاء واحداً من أغنى التجمعات في التاريخ.

وهذا يبين التزام سعودي بالانتقال من دور المستخدم للتقنيات إلى دور الشريك في صناعتها، وتشير المعطيات الحالية إلى أن السعودية تتحول إلى محور رئيس لحوسبة الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط، مع إنشاء مراكز بيانات سيادية ومنصات متقدمة للروبوتات والأنظمة الذكية.

أشار تقرير صادر عن مؤسسة RAND الأميركية، إحدى أبرز مراكز الأبحاث والسياسات في الولايات المتحدة، في يناير 2025 إلى أن إطار "نشر تقنيات الذكاء الاصطناعي" يركز على التحكم في انتقال قدرات الحوسبة المتقدمة مثل الشرائح عالية الأداء وبيانات النماذج الضخمة كأداة استراتيجية لإعادة تشكيل منظومة الذكاء الاصطناعي عالمياً بقيادة الولايات المتحدة. ويشير التقرير إلى أن التحكم في هذه التقنيات بات جزءاً من موازين القوة العالمية وليس مجرد قضية تكنولوجية بحتة.

مستقبل الطاقة: من النفط إلى المفاعلات المتقدمة

التفكير من الآن عن مصادر طاقة لمرحلة ما بعد النفط، وهو العمود الفقري لصناعة الذكاء الاصطناعي ويعتبر خطوة واضحة للاعتماد على اقتصاد الذكاء الاصطناعي بشكل رئيس، ففي الوقت الذي تتسابق فيه الدول نحو تطوير مصادر الطاقة النظيفة وبناء مفاعلات نووية صغيرة وآمنة، دخلت السعودية واشنطن بأجندة واضحة تهدف إلى اكتساب التكنولوجيا المتقدمة في مجال الطاقة النووية.

الاتفاق النووي المدني مع الولايات المتحدة لا يمثل خطوة تقنية فحسب، بل يشكل بداية لمرحلة جديدة يمكن أن تتحول فيها السعودية إلى مركز إقليمي لدراسات المفاعلات المتقدمة وتطوير أنظمة الطاقة البديلة، وهذا التحول يعني أن السعودية تسعى لأن تكون في الصفوف الأولى في سباق الطاقة العالمي، حيث سيصبح امتلاك المعرفة النووية أحد أهم أدوات النفوذ الاقتصادي خلال العقدين المقبلين.

تفيد دراسة أكاديمية منشورة عام 2024 تناولت سياسات الطاقة في السعودية بأن المملكة تبني إطاراً متدرجاً للانتقال نحو الطاقة النظيفة يربط بين مستهدفات "رؤية 2030" وتقنيات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والاقتصاد الدائري، مع التشديد على أهمية تطوير رأس المال البشري وتعزيز الشراكات الدولية. وتستند الدراسة إلى تحليلات بحثية شاركت في مراجعتها جهات أكاديمية أميركية، من بينها مؤسسة RAND، بوصفها مؤسسة بحثية أميركية مستقلة تُعنى بتحليل السياسات وتعد مرجعاً عالمياً في مجالات الأمن والاقتصاد والطاقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

آفاق المستقبل خلال 15 عاماً

تسير السعودية نحو مرحلة جديدة تتحول فيها إلى مركز إقليمي لصناعة الشرائح الإلكترونية بفضل التحالفات التقنية مع الشركات الأميركية الكبرى، وفي مجال الطاقة، قد تجمع الرياض بين المفاعلات النووية المتقدمة والهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية لتصبح قوة تصدير عالمية في التقنيات النظيفة.

وبحسب تقرير نشرته منصة Energy Digital المتخصصة في تحولات الطاقة والتقنيات المتقدمة، تتجه السعودية إلى لعب دور محوري في صناعة الشرائح الإلكترونية والذكاء الاصطناعي في المنطقة، مستفيدة من استثمارات ضخمة وشراكات مع شركات أميركية رائدة. ويوضح التقرير أن هذه الخطوة تأتي ضمن رؤية المملكة 2030 التي تعمل على تنويع الاقتصاد وتعزيز القدرات الصناعية المحلية، مع التركيز على تطوير بنية تحتية للحوسبة المتقدمة، ومراكز بيانات سيادية، وتقنيات تصنيع شرائح عالية الكفاءة، بما يجعل السعودية منافساً إقليمياً في قطاع أشباه الموصلات.

أما الممر التقني السعودي- الأميركي، فيتوقع له أن يتحول إلى محور رئيس في سلاسل الإمداد العالمية للذكاء الاصطناعي والطاقة والتقنيات المتقدمة.

المزيد من تحلیل