Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأسواق المعولمة وسلاسل الإمداد في "كوب حليب"

كتاب جديد لعالم اقتصاد بريطاني يتساءل: كيف نفهم التصنيع من سمكة أنشوجة وتفاوت الدخول من دجاجة؟

لم يترك المؤلف وهماً من أوهام الـ "نيو ليبرالية" إلا وكشف عواره وسبل ترشيده في الآن نفسه (أ ف ب)

يحكي ها جون تشانج عالم الاقتصاد البريطاني الجنسية الكوري الجنوبي الأصل والخبير السابق في البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي وبنك الاستثمار الأوروبي و"أوكسفام" وعدد من وكالات الأمم المتحدة، ومؤلف عدد من الكتب الرائجة في الاقتصاد قائلاً، "كنت أنا وأختي يونهي وأخي هاسوك كلما تذمرنا من الطعام تقول لنا أمنا إننا أطفال أفسدهم التدليل، وتذكرنا بأنهم في مثل سننا كانوا يعدون أنفسهم محظوظين لو وجدوا بيضة، وحتى هذه البيضة لم تكن أكثر العائلات قادرة على توفيرها، وحتى الذين كانوا يجدونها كانوا يدخرونها للآباء والإخوة الكبار الذين يعملون، وكانت تذكر فجيعتها عندما قال شقيقها الأصغر بسنواته الخمس وهو يتضور من الجوع أثناء الحرب الكورية إنه سيكون أفضل حالاً لو أمسك فقط بين يديه طبق رز حتى ولو كان خاوياً. أما أبي وهو رجل شهيته بخير ويحب اللحم فتحتم عليه أن يقضي سنوات دراسته الثانوية في فترة الحرب من دون أن يتناول غير الرز وزبدة السوق السوداء من الجيش الأميركي وصلصة الصويا والمكرونة الحارة.

بعد سنوات وتحديداً في عام 2003 كنت مقيماً في كوريا أثناء إجازة من كامبريدج وكنت دليلاً لصديقي وأستاذي جوزيف ستجليتز الحاصل على نوبل في الاقتصاد في المتحف الوطني في سيول، ووقفنا عند معرض صور فوتوغرافية جميلة بالأبيض والأسود لأشخاص يمارسون مهنهم في حي للطبقة الوسطى بكوريا أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات.

كانت الصور تسجل بدقة ما أتذكره من طفولتي، وكان يقف خلفي أنا وجو شابتان في مطلع العشرينيات. صاحت إحداهما "كيف لهذه أن تكون كوريا؟ إنها أشبه بفيتنام". لم يكن بينهما وبيني غير فجوة عمرية تبلغ 20 عاماً، ولكن الصور التي بدت مألوفة لي تماماً بدت لهما بالغة الغرابة. التفت إلى جو وقلت له كم أنا محظوظ كعالم اقتصاد تنموي بأنني عشت هذا التغير.

كنت أشعر كما لو كنت مؤرخاً لإنجلترا العصور الوسطى، وقد تأتى له أن يشهد عياناً معركة هاستنجز أو أنني فلكي عاد به الزمن إلى زمن الانفجار الكبير".

لا يحكي ها جون تشانج هذه الحكاية بهذه اللغة في كتاب سيرته الذاتية، فهو لم يؤلفه أصلاً وإنما في أحد أهم كتبه الاقتصادية وأكثرها إثارة للجدل، وهو لا يحكيها على سبيل توشية كتاب اقتصادي سقيم ككل كتب الاقتصاد، ولكنه يغزلها في نسيج كتابه غزلاً حتى ليختل طرح الكتاب إن حذفت منه، وليست هذه حالاً وحيدة في كتب تشانج التي تحفل بحكايات شخصية ونوادر تاريخية، أو تأتي في قوالب غير معهودة في كتب الاقتصاد الرصينة التي لا يقرأها ربما غير الاقتصاديين، فقد كتب فصلاً كاملاً في أحد كتبه متخيلاً بلداً أفريقياً في لحظة لم تأت بعد من المستقبل غير البعيد كثيراً، محاكياً كتاب الخيال العلمي ومستعيناً بتلك الطريقة وبكل سبيل ممكن إلى التخفيف من وطأة جفاف كتب الاقتصاد، وقد أمعن في ذلك المنحى في أحدث كتبه ففاق ربما جميع كتبه السابقة، ذلك أنه آثر هذه المرة أن يكتب الاقتصاد مقتدياً بوصفات الأطعمة وجاعلاً الاقتصاد قابلاً للأكل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عنوان هذا الكتاب الحديث هو "الاقتصاد القابل للأكل: عالم اقتصاد جائع يفسر العالم" ويصدر قريباً في يناير (كانون الثاني) 2023 عن دار "بابليك أفيرز" في 224 صفحة فقط، يفردها تشانج كاملة لما لم يستغرق في كتبه السابقة أكثر من فقرة كالتي تتصدر هذا المقالة، أي الطعام، رابطاً إياه بأهم القضايا والمفاهيم الاقتصادية، وطارحاً وجهات نظره المثيرة دائماً لاعتراض المتطرفين في الإيمان باقتصاد السوق الحرة، لكن ما الذي يمكن أن تحكيه لنا "سمكة أنشوجة" إن هي تكلمت عن التصنيع؟ أو كيف نزداد فهماً للتفاوت في الدخول من خلال دجاجة؟ أو لدولة الرفاه من خلال الغلال؟ ذلك هو رهان "الاقتصاد القابل للأكل" أو هو بالأحرى حيلته.

وعلى رغم أن الكتاب نفسه ليس بين أيدينا بعد، لكن من يتابع ها جون تشانج في كتبه السابقة يعلم أن "القابلية للأكل" الواردة في العنوان ليست محض إشارة إلى اعتماد الكتاب على ضرب أمثلة بالأطعمة، وإنما هي صفة يعنيها الرجل جاداً ويصف بها علم الاقتصاد وهو مدرك لما يفعل، فعلى مدار مسيرة تشانج العلمية المهنية ثمة جانب دائم الحضور وسط اهتماماته وهو تيسير الاقتصاد، فقد أخذ عالم الاقتصاد المرموق والمثير للجدل أيضاً على عاتقه مهمة تبديد وهم أشاعته أجيال من علماء الاقتصاد حول صعوبة هذا العلم على الشخص العادي وامتناعه على غير المتخصص، فكأنه المضنون به على غير أهله بلغة الصوفية المسلمين.

ويرى تشانج أن علماء الاقتصاد حرصوا دائماً على أن يستعلموا لغة خاصة وصعبة ومثقلة بالاصطلاحات، بما يجعل التعامل مع علم الاقتصاد أمراً أقرب إلى المحال إلا عليهم، في حين أن أية ربة بيت، في ما يرى تشانج، تتخذ كل يوم عشرات القرارات الاقتصادية السليمة التي تنم بلا شك عن قدرة شبه فطرية لدى كل الناس على التعامل مع هذا العلم لولا رطانته.

السامريون الأشرار

يعمل ها جون تشانج بجدية منذ نحو عقدين على تقديم بديل للـ "نيو ليبرالية" منذ أن نشر كتابه "ركل السلم" الذي أوضح فيه أن خفض الضرائب وتحرير التجارة وتخفيف القواعد الحاكمة للأسواق لم تكن الطريق الذي سلكته معظم البلاد الثرية لتحقيق تقدمها الاقتصادي، وإنما حققت الأغلبية الساحقة من هذه البلاد ثراءها الفاحش عبر طريق مناقض للطريق الذي تقترحه اليوم ممثلة في المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية من قبيل "صندوق النقد" و"البنك الدولي" على البلاد النامية، ومن هنا مجاز "ركل السلم"، إذ يرى تشانج أن هذه البلاد الثرية صعدت إلى التقدم والثراء على سلم ركلته بعد ذلك لتضمن عدم لحاق بلاد العالم النامية بها، وثمة مجاز آخر مهم أيضاً في مشروع تشانج وهو مجاز "السامري الصالح" وإن استعمله تشانج معكوساً، فهو يرى أن المؤسسات المالية والاقتصادية الكبرى في العالم التي توجه النصح للبلاد النامية لكي تحقق التنمية والتقدم، إنما هي أقرب إلى سامريين أشرار يوجهون نصائح مسمومة سامة خلافاً لسامري الإنجيل الصالح، ويقترحون على بلاد العالم النامية ما فيه هلاكها وتأبيد تخبطها وتعثرها، و"السامريون الأشرار" شأن "ركل السلم" عنوان كتاب كامل لها جون تشانج.

وها هو تشانج "وقد بلغ القمة في مهنته" في تقدير دان ديفيس بمقالته في "غارديان" 19 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، إذ يصدر "كتاباً صغيراً طريفاً مؤلفاً من مجموعة مقالات نشرها سابقاً في مجلة "فايننشال تايمز"، فمنها المسهب ومنها الوجيز، لكنها جميعاً تعارض ما يعرف بـ "إجماع واشنطن".

 

و"إجماع واشنطن" بحسب ما تعرفه "بريتانيكا" (Washington Consensus) حزمة من التوصيات السياسية الاقتصادية للبلاد النامية وبخاصة في أميركا اللاتينية شاعت خلال ثمانينيات القرن الـ 20، والإجماع المقصود إشارة إلى التوافق بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووزارة الخزانة الأميركية على سياسات أو رؤى شاع جمعها كلها تحت لافتة الـ "نيو ليبرالية"، وجوهر ما تدعو إليه وتنصح به هو حرية السوق وتقليص تدخل الدولة في إدارة الاقتصاد بوصفهما أمران لا غنى عنهما لتنمية جنوب العالم.

ويتخذ كتاب "الاقتصاد القابل للأكل" كما أسلفنا قالب وصفات الأطعمة، مما حدا ببعض العروض الباكرة للكتاب أن توجه شيئاً من السخرية الخفيفة للكتاب والكاتب، أو تكتفي بإشارات من قبيل أنه "ليس محتملاً أن تثير وصفات تشانج مخاوف كبار الطهاة"، لكن حتى العروض غير المحابية للكاتب أو لطرحه المناهض للرأسمالية والـ "نيو ليبرالية" بالأحرى لا تملك ألا تلاحظ أن وصفة "سمكة الراهب في مرق الحبار بالكاري" لا تقدم فعلياً طريقة جديدة لطبخ هذه السمكة، وإنما تمثل مدخلاً إلى طرح اقتصادي جاد، فمرق الحبار بالكاري يقود إلى تأمل في تجارة التوابل، ومنها إلى شركة الهند الشرقية الهولندية ثم إلى الشركات ذات المسؤولية المحدودة عموماً ثم إلى اقتراحات حول كيفية إصلاح حوكمة الشركات بما قد يفضي إلى استثمارات بعيدة الآجال للتكنولوجيا الخضراء الصديقة للبيئة، وهكذا قد يكون كتاب ها جون تشانج بسيط الشكل لكنه أبعد ما يكون عن خفة المحتوى.

والحق أن هذا حال كتبه جميعاً، فهي موجهة للقارئ العام يسيرة عليه، وبخاصة كتب من قبيل "23 حقيقة عن الرأسمالية يخفونها عنك" و"ركل السلم" و"السامريون الأشرار"، وربما يماثله في هذا المنحى كتاب "الاقتصاد كما أشرحه لابنتي" لوزير مالية اليونان الأسبق يانيس فاروفاكيس، وجميع هذه الكتب متاحة بالعربية وربما تكون واجبة القراءة.

نحو أنسنة السوق

يأخذ دان ديفيس على كتاب "الاقتصاد القابل للأكل" أن الانطلاق من الوصفة إلى القضايا الاقتصادية يسلك طريقاً يجعل الفصل أو المقالة أشبه بالعظة المبسطة، وفي حين أنه لا يرى ضيراً جوهرياً من ذلك، لكنه يرى في مقالات الكتاب "عظات قصيرة تقل فيها الأفكار المثيرة للاهتمام وتزداد الحجج الأخلاقية الحادة"، لكنه يرفض التقليل من شأنها مثلما يرفض التقليل من شأن "أشكال التسلية في صباح يوم العطلة الأسبوعي"، والحقيقة أن هذا أهون هجوم يمكن أن يتوقعه تشانج وقد خرج على عقيدة السوق الحرة التي توشك أن تحظى في الغرب بقداسة مثل التي تدخرها ثقافات أخرى لأديانها وعقائدها، حتى لو لم يكن خروجه على الرأسمالية أو اقتصادات السوق تاماً مثل خروج الشيوعية مثلاً، وحتى لو أن مشروعه كله يمكن أن يعد محاولة إصلاحية لإعادة توجيه اقتصاد السوق الحرة أو لأنسنته.

 

على أية حال يرجع دان ديفيس ليقول إن بعض عظات الكتاب أو مقالاته تفضل بعضاً، فـ "سلسلة الأفكار التي تنتقل من التوابل إلى قيمة الأسهم أكثر سلاسة من مواضع أخرى تنتقل فيها الحكاية نقلات حادة من الدجاج إلى نظام دولة الرفاه". وإلى جانب التوابل والدجاج وسمكة الراهب ثمة أطعمة أو مكونات في أطعمة يسهل حتى على غير القراء الذين يألفون كتب تشانج وأسلوبه أن يروا إيحاءاتها الاقتصادية، فمن الأطعمة المقدمة على مائدة هذا الكتاب المكرونة والكوكا كولا والقهوة، ومن خلال كل منها يرصد الكاتب مشكلات الأسواق المعولمة ونظام سلاسل التوريد أو يستغل الجوز لإيضاح أن الثقافة ليست بالأهمية التي توعز إليها في تحديد النتائج الاقتصادية، إذ يحلو لبعض المغالين من اقتصاديي الـ "نيو ليبرالية" أن يربطوا ربطاً حتمياً بين بعض الثقافات والقدرة على التصنيع أو التفوق في صناعات معينة، أو يفند بالحليب الظن الشائع بأن المنافسة هي السبيل الوحيد لضمان الكفاءة الاقتصادية والنمو.

وقد سبق لتشانج أن استغل الكركم لتوجيه أسهم ماضية إلى نظام براءات الاختراع، فقد حكى في كتابه "السامريون الأشرار" أنه صدرت في الولايات المتحدة براءة اختراع لباحثين في إحدى الجامعات هناك تتعلق باستعمال الكركم للمساعدة في التئام الجروح، وعلى إثر براءة الاختراع تلك صار ينبغي لكل من يفكر في استعمال الكركم طبياً أن يدفع ثمناً لمالكي براءة ذلك الاختراع، في حين أن الهنود منذ فجر تاريخهم درجوا على استعمال الكركم في معالجة الجروح تحديداً.

ومن تلك الحكاية البسيطة انتقل ها جون تشانج إلى عرض حججه ومآخذه على نظام براءات الاختراع وقيود الملكية الفكرية في فصل كامل طويل وحافل فضلاً عن الكركم بأسانيد وإحصاءات، معارضاً جملة ما يؤمن به الغرب في هذا الصدد، ومفنداً كثيراً من حجج أنصار الملكية الفكرية، وموضحاً السبيل إلى ترشيد هذا النظام بما يجعله محرضاً على الإبداع لا عقبة في سبيله.

وصفة وحيدة للتنمية

لما كان ها جون تشانج قد ولد في سيول خلال ستينيات القرن الماضي وانتقل إلى المملكة المتحدة للالتحاق بالجامعة خلال الثمانينيات، فإنه يستلهم نوادره الغذائية من نطاق عريض للغاية يمتد في ما بين كوريا الجنوبية وبريطانيا، وربما أهم من ذلك أنه يمتد عبر نطاق زمني كبير للغاية، إذ يكشف الكتاب مدى اتساع الهوة الغذائية بين الثمانينيات والآن، مثلما يكشف اتساع الهوة بين كوريا الجنوبية خلال الستينيات والسبعينيات حين كانت بلداً فقيراً شبه صناعي، وكيف أصبحت اليوم قوة عظمى عالمية في الصناعة والتكنولوجيا.

ويحكي ها جون تشانج قصة تطور بلده وحكايته مع التنمية في فصول تحمل عناوين من قبيل "النودلز" و"الموز"، فيعرض ملامح الصعود مثلما يعرض وصفة هذا الصعود التي تحتوي كثيراً مما يضيق به دعاة الـ "نيو ليبرالية" وأنصارها، ومن ذلك حماية الصناعات الوليدة ووضع القواعد الصارمة للشركات متعددة الجنسيات.

ويلاحظ دان ديفيس في كتاب "الاقتصاد القابل للأكل" ملمحاً "غائباً في كتب تشانج السابقة"، ففي هذا الكتاب يعترف تشانج أن "التنمية صعبة مخالفاً نزعة علماء الاقتصاد اليساريين إلى إعادة إنتاج حماسة الـ ’نيو ليبراليين‘ وإن أخذوها في الوجهة المضادة، ذاهبين إلى أن مزيجاً مختلفاً من السياسات يحتوي مزيداً من القواعد التنظيمية، وإعادة توزيع الدخول قادرة على أن تعمل بغاية السلاسة والنجاح".

ويمضي ديفيس فيقول إن "تشانج يوضح في كتابه الجديد أن حقيقة الأمر هي أن بلاداً مثل كوريا الجنوبية قد تطورت بسبب الاستثمار المستدام، والاستثمار هنا يعني عدم الاستهلاك، أي العقود الطوال من التخلي أو الصيام بالأحرى، ويفسر تشانج هذا بقوله إن الشوكولاتة كانت نادرة وسلعة لا تتوافر في غير السوق السوداء في طفولته، لأن حماية الصناعات الناشئة تقتضي عدم السماح بتداول كل سلعة تحت الشمس، وتقتضي الرضا بإنفاق سنين في قيادة سيارات بشعة مصنعة محلياً إلى أن تتمكن أسماء مثل ’هيونداي‘ و’كيا‘ من الصعود في المنحى التكنولوجي".

غير أن ديفيس يستنكر على الكتاب الذي "يحتوي هذا التنوع في وصفات الأطعمة" أن يقدم وصفة واحدة باعتبارها "الوصفة الوحيدة للتنمية الاقتصادية"، ويوجز ديفيس هذه الوصفة بأنها "التقشف في الطلب محلياً والتخطيط الصناعي وحماية الصناعات الناشئة والإقراض الموجه من الدولة، وفوق ذلك كله التركيز على التصنيع عالي القيمة".

والحقيقة أن وصفة ها جون تشانج للتنمية الاقتصادية في البلاد النامية أكثر تعقيداً من ذلك، فالرجل عبر كتبه المتتالية لا يكاد يترك وهماً من أوهام الـ "نيو ليبرالية" إلا ويكشف عواره وسبل ترشيده في الآن نفسه، فهو لا يرفض وجود النماذج الاقتصادية البديلة مثل تلك القائمة على تصدير السلع أو اقتصاد الخدمات، لكنه يصر على أنها غير كافية وحدها، ولم تكن قط كافية وحدها لبناء اقتصادات كبرى، ومن ثم فلا بديل عن التصنيع الضخم، ولما كان من المستحيل أن تبدأ البلاد النامية بصناعات عملاقة مرة واحدة فلا بديل أمامها من حماية صناعاتها الصغيرة إلى أن تكبر، بما يعني أن تفرض تعريفات على استيراد السلع المماثلة، ولا بديل عن تدخل الدول في رسم السياسات وتشجيع الاستثمار في مجالات دون أخرى، فضلاً عن مقترحات كثيرة أخرى تجعل من طرح تشانج متماسكاً يشهد بقابليته للتطبيق والنجاح أن أقوى اقتصادات العالم وأكثر البلاد المغالية في الدفاع عن الـ "نيو ليبرالية" والترويج لها لم تحقق قوة اقتصادها هذه إلا باتباع هذا النموذج وهو هذا النموذج الذي تحاربه الآن.

العنوان: Edible Economics: A Hungry Economist Explains the World

تأليف: Ha-Joon Chang

الناشر: ‎ PublicAffairs

المزيد من كتب