ملخص
أكدت قوات "الدعم السريع" على منصة "تيليغرام" أمس الإثنين أنها أحكمت حصارها على الفرقة 22 مشاة في مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان التي تعد آخر قاعدة عسكرية للجيش في هذه الولاية، وأشارت إلى أنها تقترب من إعلان السيطرة على هذه الفرقة في وقت بث فيه أفرادها مقاطع فيديو مصورة لقواتهم وهي تتحرك داخل المدينة الخالية من السكان.
شهد محورا بارا وأم سيالة بولاية شمال كردفان معارك ضارية بين الجيش السوداني وحلفائه من القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة و"قوات درع السودان" ضد قوات "الدعم السريع" استمرت نحو ست ساعات، تكبد فيها الطرفان خسائر فادحة في العتاد والأرواح، نظراً إلى عمليات "الكر والفر" التي صاحبت تلك المعارك.
وبحسب مصادر عسكرية فإن وحدات من الجيش والقوات المساندة له شنت في الساعات الأولى من صباح أمس الإثنين هجوماً مباغتاً على المنطقتين الواقعتين تحت قبضة الأخيرة في محاولة للسيطرة عليهما، غير أن تلك الوحدات تراجعت على رغم دخولها المدينتين وبث جنودها مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي مؤكدين خوضهم معارك كبيرة مع قوات "الدعم السريع".
وأرجعت تلك المصادر انسحاب الجيش وحلفائه سريعاً من المدينتين خوفاً من التفاف قوات "الدعم السريع" التي وصلت إليها تعزيزات من أم بادر وجبرة الشيخ بالولاية نفسها، مشيرة إلى أن هذه العمليات العسكرية الخاطفة التي يشنها الجيش في محاور كردفان تهدف إلى استنزاف قوات "الدعم السريع" وتشتيت جهودها.
ورأى مراقبون عسكريون أن عملية التوغل التي نفذها الجيش وحلفاؤه في بارا وأم سيالة كانت ناجحة بكل المقاييس العسكرية، لكونها أحدثت بلبلة في صفوف قوات "الدعم السريع"، فضلاً عن تفكيك دفاعاته من جذورها قبل إطلاق عملية الاستعادة الكاملة.
ونوه هؤلاء المراقبون بأن توغل الجيش في هذين المحورين هو اختبار لمعرفة رد فعل قوات "الدعم السريع"، إضافة إلى معرفة حجم قواتها داخل المدينتين، وليس هدفه السيطرة الفورية على المدينتين.
ولفت المراقبون إلى أن استراتيجية الجيش في كردفان تركز على تدمير القوة الصلبة من خلال الهجوم المباغت والانسحاب السريع، ثم مواصلة الهجوم والسيطرة. ومعلوم أن السيطرة على المدن التي تشهد اشتباكات متكررة تعرض القوات لخسائر، لذلك يعمل الجيش على المحافظة على جنوده من خلال الهجوم الخاطف.
خسائر فادحة
سارع كلا الطرفين إلى إعلان خسائر الطرف الآخر في هذه المعارك، فبينما أكدت قوات "الدعم السريع" أنها كبدت الجيش خسائر فادحة تجاوزت الـ470 قتيلاً، إضافة إلى استيلائها على 60 مركبة قتالية مجهزة بكامل عتادها وأسلحة وذخائر، وتدمير 30 مركبة أخرى، أشارت منصات مؤيدة للجيش إلى أن التقديرات الأولية في معارك كردفان تشير إلى تدمير أكثر من 137 مركبة قتالية لـ"الدعم السريع"، فضلاً عن خسائر بشرية كبيرة في صفوف تلك القوات لا تزال قيد الحصر.
وتستخدم قوات "الدعم السريع" مدينة بارا التي سيطرت عليها في الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قاعدة لانطلاق الهجمات نحو مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، التي فك عنها الجيش الحصار في الـ23 من فبراير (شباط) الماضي، في حين تستخدم بلدة أم سيالة خطَّ دفاعٍ أول، ومنصة لإطلاق الطائرات المسيرة نحو ولايتي الخرطوم ونهر النيل.
انتهاكات مروعة
سبق أن اتهمت منظمات محلية "الدعم السريع" بممارسة جرائم وانتهاكات واسعة في حق سكان بارا عقب سيطرتها عليها، وقالت مجموعة "محامو الطوارئ" الحقوقية في بيان سابق إن الأخيرة ارتكبت مجزرة مروعة في حق المدنيين في مدينة بارا عقب معركة مع الجيش انتهت بانسحابه من المدينة.
وقالت شبكة أطباء السودان في بيان مماثل إن "عشرات الجثث مكدسة داخل المنازل في مدينة بارا بعد أن منعت قوات (الدعم السريع) ذوي الضحايا من دفنهم، ليبقى الموتى محاصرين في بيوتهم، والأحياء محاطين بالرعب والجوع والعطش".
وتعد مدينة بارا إحدى المدن الاستراتيجية في إقليم كردفان، إذ تقع على طريق الصادرات الرابط بين الخرطوم وكردفان، وتبعد عن مدينة الأبيض نحو 40 كيلومتراً.
حصار بابنوسة
في المحور نفسه أكدت قوات "الدعم السريع" على منصة "تيليغرام" أمس الإثنين أنها أحكمت حصارها على الفرقة 22 مشاة في مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان التي تعد آخر قاعدة عسكرية للجيش في هذه الولاية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت تلك القوات إلى أنها تقترب من إعلان السيطرة على هذه الفرقة في وقت بث فيه أفرادها مقاطع فيديو مصورة لقواتهم وهي تتحرك داخل المدينة الخالية من السكان.
وشنت "الدعم السريع" أول من أمس الأحد هجوماً عنيفاً على الفرقة 22 في محاولة للسيطرة عليها، بعد أن حشدت خلال الأيام الماضية قوات ضخمة، بعضها قادم من دارفور، غير أن الفرقة تمكنت من صد الهجوم وكبدت القوة المهاجمة خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.
مواجهات غرب كادقلي
في موازاة ذلك ألحق الجيش خسائر فادحة بقوات "الدعم السريع" والحركة الشعبية - شمال بقيادة عبد العزيز الحلو المتحالفة معها في منطقة برنو الواقعة غرب مدينة كادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان، وفق مصادر عسكرية.
وأشارت تلك المصادر إلى أن الجيش يسعى حالياً إلى فك الحصار عن مدينتي الدلنج وكادوقلي الذي تفرضه قوات "الدعم السريع" وحليفتها الحركة الشعبية - شمال.
وتشهد ولايات إقليم كردفان الثلاث، شمال وغرب وجنوب، منذ أيام اشتباكات عنيفة بين طرفي الحرب، أدت إلى نزوح عشرات الآلاف في الآونة الأخيرة.
وتسيطر قوات "الدعم السريع" حالياً على جميع ولايات إقليم دارفور الخمس في الغرب باستثناء بعض الأجزاء الشمالية من ولاية شمال دارفور التي لا تزال تحت سيطرة القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش، وذلك من أصل 18 ولاية في البلاد. ويتحكم الجيش في معظم مناطق الولايات الثلاث عشرة المتبقية في الجنوب والشمال والشرق والوسط، بما في ذلك العاصمة الخرطوم.
أوضاع متوترة
في محور دارفور أفادت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة بنزوح 100 ألف شخص من الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور عقب سيطرة "الدعم السريع" عليها في الـ26 من أكتوبر الماضي، وذلك بعد عام ونصف العام من الحصار الخانق على المدينة، التي كانت آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور.
ووفقاً للمنظمة فإن النازحين من الفاشر والقرى المجاورة فروا إلى 23 محلية في تسع ولايات في حين أن الغالبية نزحوا إلى مواقع أخرى داخل محلية الفاشر نفسها.
ونوهت المنظمة في بيان بوجود مستوى عالٍ من انعدام الأمن على الطرق، مما قد يقيد حركة النازحين، فيما تزال الأوضاع متوترة.
معاناة لا توصف
إلى ذلك أكد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر أن معاناة الفارين من مدينة الفاشر والذين وصلوا إلى مخيمات بدائية لا توصف.
وقال فليتشر في منشور على منصة "إكس"، "معاناة النازحين من الفاشر لا توصف، ونصفهم من الأطفال"، مشيراً إلى أن "إحدى المصابات وصلت المخيم بعد نجاتها من الهجوم وهي تحمل طفل صديقتها وهو جائع". وتابع "النازحون يسألون العالم إذا ما كانت المساعدة قادمة".
ويزور فليتشر السودان منذ الـ10 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري للبحث مع الجيش و"الدعم السريع" حول الخطة الإنسانية التي تنوي الأمم المتحدة تنفيذها خلال المرحلة القادمة، والتي تشمل هذه المرة الحماية والإغاثة في الوقت ذاته.
ويقول عاملون في المجال الإنساني إن الأمم المتحدة تحاول توسيع التفويض الممنوح لها وفق المواثيق الدولية والأممية لضمان حصول المدنيين في المناطق الملتهبة على الحماية وفي الوقت ذاته إيصال المساعدات الإنسانية من دون قيود أمنية.
منع المجاعة
في سياق متصل اعتبر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ولاية شمال دارفور من المناطق الأشد تضرراً من أزمة الجوع في السودان.
ونوه البرنامج إلى أن هناك آمالاً في منع حدوث المجاعة في خمس مناطق بهذه الولاية، مشيراً إلى أن إتاحة إمكانية الوصول إلى المتأثرين بنقص الطعام في شمال دارفور قد تقلب كفة المجاعة والتغلب عليها.
وأعلن برنامج الأغذية العالمي ضمن تحديثه عن الوضع الإنساني في السودان عن استهداف نحو مليون شخص في شمال دارفور بالتدخلات الإنسانية الطارئة.
وتابع البرنامج "لا يزال هناك أمل، إذ تمكنا من منع وقوع المجاعة في خمس مناطق عبر الولاية"، ورأى أنه إذا أُتيح إمكان الوصول وتدفق الدعم الإنساني يمكن تغيير الواقع وقلب كفة المجاعة.