ملخص
تقول الشابة السودانية امتثال محمود (32 سنة) التي تعيش في فيلادلفيا منذ سن الخامسة، "أصبح الأمر أكثر تعقيداً سياسياً، لكن القتل لم يتوقف"، معتبرةً أن الجيش و"الدعم السريع" كلاهما ارتكب فظائع في الماضي، وتوضح "كان الجيش يقصف قرانا بأكملها بينما ينتظر الجنجويد" لقتل الناجين، مضيفة أنهم "كانوا يحرقون المحاصيل، ويلقون الجثث في الآبار، ويغتصبون النساء والأطفال".
بعد مرور 20 عاماً على حرب دارفور التي شهدت بعضاً من أسوأ الفظائع في مطلع القرن الـ21، يقول سودانيون نزحوا من الإقليم ويعيشون اليوم في الشتات إن الكابوس عاد، وكأنه "لم ينتهِ أبداً".
وتعيد مشاهد العنف في مدينة الفاشر، بعد سقوطها في قبضة قوات "الدعم السريع"، ذكريات المذابح التي شهدها الإقليم قبل عقدين.
وفي نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أعلنت قوات "الدعم السريع" سيطرتها على الفاشر، آخر المعاقل الرئيسة للجيش السوداني في دارفور، قبل أن تخرج شهادات عن إعدامات ميدانية وعنف جنسي وهجمات استهدفت عمال إغاثة، إضافة إلى عمليات نهب وخطف، في وقت لا تزال فيه الاتصالات مقطوعة إلى حد كبير.
التاريخ يعيد نفسه
وحذرت الأمم المتحدة من إعدامات تُرتكب على أساس عرقي على يد قوات "الدعم السريع" المنبثقة مما كان يُعرف أثناء حرب عام 2003 باسم ميليشيا "الجنجويد".
ويقول عبدالله ياسر آدم، وهو باحث سوداني نزح من نيالا ويقيم حالياً في القاهرة، "أحياناً لا يمكنني تصديق أن ذلك يحدث مرة ثانية"، ويضيف لوكالة الصحافة الفرنسية أن "الناس تموت من دون أن تعرف لماذا... أشعر وكأنها نهاية العالم".
ينتمي آدم (45 سنة) الذي استخدم اسماً مستعاراً حفاظاً على أمنه، إلى قبيلة "الفور" وهي واحدة من جماعات عدة غير عربية تمردت على النظام السوداني مطلع الألفية، فقمعتها السلطة عبر تسليح ميليشيات الجنجويد العربية.
وخلال العقدين الماضيين نزح 6 ملايين سوداني إلى خارج البلاد، بينهم 4 ملايين فروا منذ اندلاع الحرب الأخيرة بين الجيش و"الدعم السريع" في أبريل (نيسان) 2023.
ويروي ناجون من الهجوم على الفاشر مشاهد تذكّر بما عاشه آدم قبل 20 عاماً، ويستعيد تلك الحقبة قائلاً إن "الطيران من فوق، والجنجويد من تحت بالجمال والأحصنة والعربات يضربون ويحرقون القرية"، ويتابع "كان ذلك يحدث بعد أن يستسلم الناس، كانوا يجرون والمسلحون يطاردونهم كأنها عملية صيد". واليوم، كما يقول، "الهجمات هي نفسها، لكن بأسلحة أكثر تطوراً".
"صورة مصغّرة لما سيأتي"
يقود محمد حمدان دقلو (حميدتي) "الدعم السريع"، بعدما برز دوره بين عامي 2003 و2008 في عهد الرئيس السابق عمر البشير، أثناء قمع تمرد قبائل مهمّشة مثل الفور والمساليت والزغاوة والبرتي.
خلّفت تلك الحرب 300 ألف قتيل و2.7 مليون نازح، ووصفتها المحكمة الجنائية الدولية بالإبادة الجماعية.
وبعد إطاحة البشير عام 2019، حاول "حميدتي" تقديم نفسه كرجل دولة وحليف للجيش، وفق محللين، لكن الخلافات حول دمج قواته في الجيش أشعلت الحرب الحالية.
وترى الشاعرة السودانية -الأميركية، امتثال محمود، التي نجت طفلةً من معارك بداية الألفية، أن إبادة دارفور "لم تتوقف أبداً".
وتقول امتثال محمود (32 سنة) التي تعيش في فيلادلفيا منذ سن الخامسة للوكالة الفرنسية، "أصبح الأمر أكثر تعقيداً سياسياً، لكن القتل لم يتوقف"، معتبرة أن الجيش و"الدعم السريع" كلاهما ارتكب فظائع في الماضي، وتوضح "كان الجيش يقصف قرانا بأكملها بينما ينتظر الجنجويد" لقتل الناجين، مضيفة أنهم "كانوا يحرقون المحاصيل، ويلقون الجثث في الآبار، ويغتصبون النساء والأطفال".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتذكر محمود من طفولتها في الفاشر رؤية "الدخان يتصاعد من وسط المدينة" جراء قصف الجنجويد الأسواق والحشود، وتروي أنه "كان علينا الاختباء، في ذلك اليوم اختبأت تحت الفراش مع أربعة آخرين... ورأيت أحذية الجنود تدخل... ورأيت دماءنا على أقدامهم"، وفي اليوم نفسه شاهدت عمها "ملطخاً بالدماء" بعدما تطوع لإسعاف الضحايا "وبدت هذه اللحظة كصورة مصغرة لكل ما سيأتي".
وفي نيالا، كما يروي آدم، "كنا نستقبل ضحايا الاحتكاكات بين الميليشيات وأصحاب المزارع... كانت القرى البعيدة الأكثر تضرراً"، ويضيف أن "الفارين كانوا يصلون حفاة وعلى الدواب، ليس معهم طعام، والأطفال يعانون سوء تغذية واضحاً... كانت مشاهد صعبة جداً".
لذلك يرى آدم أن الجيش وميليشيا الجنجويد "وجهان لعملة واحدة"، فربما تبدلت الأدوار اليوم، "لكن الشعب السوداني لا يزال هو الضحية".
وخلال النزاع الحالي يُتهم الجيش بشن غارات جوية عشوائية وباستخدام أسلحة كيماوية، بينما تُتَّهم قوات "الدعم السريع" بعمليات قتل جماعي واغتصاب ونهب.
من دارفور إلى كردفان
وبعد سقوط الفاشر، أصبحت جميع عواصم ولايات دارفور الخمس تحت سيطرة "الدعم السريع"، مما يدفع نحو تقسيم فعلي للسودان بين الجيش في الشمال والشرق، و"الدعم السريع" في دارفور وأجزاء من الجنوب.
ويحذر مراقبون ومنظمات دولية من توسع رقعة القتال إلى مدن كردفان وبخاصة منطقة جبال النوبة التي تضم قبائل أفريقية مسيحية.
ويقول كومان سعيد المقيم في أوغندا للوكالة الفرنسية، "تاريخياً، يشبه الوضع (في كردفان) دارفور تماماً".
ويحذر سعيد من مذبحة جديدة "مثل ما حدث في الفاشر" إذا سيطرت "الدعم السريع" على مدينتَي الدلنج وكادوقلي في جنوب كردفان، المحاصرتين حالياً بينما لا يزال الجيش موجوداً فيهما.
وفي دارفور، حيث شكلت قوات "الدعم السريع" حكومة موازية، يقول السكان إن حياتهم بات يخيم عليها الخوف.
وتُتَّهم هذه القوات بقتل ما يصل إلى 15 ألف مدني من قبيلة المساليت في الجنينة، عاصمة غرب دارفور، في أواخر 2023.
ويقول عمر، المنتمي إلى المساليت، الذي يتواصل مع أصدقاء له في نيالا ومدن أخرى، إن هؤلاء "يعيشون في خوف من استهدافهم".