Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصة المياه المعدنية تثير ضجة في مصر

ضبط القائمين على صفحة "الأكيلانس" يعيد الملف للواجهة وموجة تعاطف مع المتهمين

صورة تعبيرية مولدة بالذكاء الاصطناعي (جيميناي)

ملخص

أثيرت ضجة مجدداً حول المياه المعدنية في مصر بعدما عرض شابان مقطعاً مصوراً يقارنان فيه بين أنواع من المياه المعدنية، وقالا إن بعضها ملوث بمياه الصرف الصحي، مؤكدين اعتمادهما على المواصفات القياسية المصرية وتحاليل تشمل ثلاثة محاور رئيسة الأول خاص بالفحوص الميكروبيولوجية، والثاني يتعلق باللون والرائحة ودرجة الحموضة، والثالث بتحليل نسب الأملاح في المياه. وأظهرت عينات، وفق ما قدماه، وجود تلوث بكتيري وسوء نظافة وتخزين وتعقيم، وعدم مطابقتها للمواصفات القياسية، بل وجود تلوث برازي ناتج من مخرجات أمعاء الإنسان والحيوانات في بعض القوارير.

لم يكن متابعو صفحة "الأكيلانس" على "يوتيوب" يتوقعون أن المقاطع التي اعتادوا مشاهدتها لتقييم المنتجات الغذائية والتي شكلت لهم مصدر معلومات، قد تتحول إلى سبب لإثارة جدل واسع في مصر يؤدي إلى ضبط القائمين عليها.

وسرعان ما حظيت الصفحة التي يديرها شابان مصريان بتفاعل وانتشار واسعين، بسبب تقديم تحليلات للمقارنة بين المنتجات الغذائية، مع استخدام أسماء مستعارة وتغيير كلمات بسيطة حتى يتمكن المتابعون من التعرف إلى المنتجات من دون ذكرها صراحة، في محاولة لتجنب الملاحقة القانونية من الشركات.

بعد نشر مقاطع مصورة عدة تتناول منتجات مختلفة وتشير إلى احتمال وجود مشكلات في سلامتها، ومع ضجة أثارتها بعض المقاطع التي تناولت عبوات مياه معدنية، أعلنت وزارة الداخلية المصرية ضبط القائمين على الصفحة.

وقالت الوزارة عبر بيان منشور على "فيسبوك"، "في إطار الكشف عن ملابسات عدد من مقاطع الفيديو التي جرى تداولها بمواقع التواصل الاجتماعي، تبين قيام صانعي محتوى بمحاولة التشكيك في سلامة المنتجات الغذائية ومدى صلاحيتها للاستخدام".

وأضاف بيان وزارة الداخلية "عند الفحص، أمكن تحديد الشخصين المشاركين في مقاطع الفيديو، وبمواجهتهما أقرا بقيامهما بإجراء تحليل لبعض المنتجات الغذائية في عدد من المعامل بغرض زيادة نسب المشاهدات وتحقيق مكاسب مالية".

تعاطف مع المتهمين

وتوالت التعليقات على منشور الوزارة، فوصلت إلى نحو 25 ألف تعليق من المتابعين. وعلى رغم أن المنشورات على الصفحة عادة ما تحظى بالإشادة في حالات الضبط، أعرب كثر عن تعاطفهم مع المتهمين، إذ طرحوا تساؤلات حول أسباب اعتقال الشابين، معتبرين أنهما يقدمان محتوى يعتمد على نتائج تحاليل ويهدف إلى توعية المواطنين.

ورأى بعض المتابعين أن نسب المشاهدات وتحقيق الأرباح من هذه المقاطع لا يشكل جريمة، فيما تساءل آخرون عن الشيء الأهم المتمثل في مدى صحة المعلومات حول المياه المعدنية الملوثة والتهم الموجهة للشابين، واعتقدت شريحة من الجمهور بأن التحليل يجب أن يتم في معامل حكومية معتمدة، وأن الضبط يجب أن يكون بعد التأكد من سلامة المنتجات.

سريعاً، صرح المتحدث باسم وزارة الصحة حسام عبدالغفار خلال مداخلة تلفزيونية بأن وزارة الصحة تعلم الآليات التي تقوم بها للتحليل وتعلنها بكل صراحة ومتأكدة من نتائج تحاليلها وسلامة المنتجات التي تمنح الترخيص من خلال هيئة الغذاء ومن دقة معاملها ودقة العاملين فيها.

لكن على النقيض، تعلن الأجهزة المعنية من وقت لآخر مصادرة منتجات مغشوشة، وبحسب وسائل إعلام محلية قبل ساعات فقط كشفت الحملات التموينية في أسيوط عن ضبط كميات كبيرة من السلع الفاسدة، ومصادرة 2331 كيلوغراماً من اللحوم والفراخ والكبدة واللحوم المفرومة ومصنعات الدواجن، بينها لحوم مذبوحة خارج المجزر الرسمي ودواجن غير صالحة للاستهلاك الآدمي.

الموقف القانوني

يقول المحامي المصري أحمد مصيلحي لـ"اندبندنت عربية" إن نشر المقاطع مع استخدام أسماء مستعارة لا يكون مداناً، لكن إذا ثبت أن المحتوى موجه من دون دليل، فقد تصل عقوبة النشر إلى ستة أشهر، وأضاف أن المعيار في النشر هو التأكد من صحة المعلومات أو الاستناد إلى حكم قضائي أو تقرير معتمد، وأن استخدام أسماء مستعارة قد يحمي صاحب المحتوى من المسؤولية القانونية في حال لم يُوجه اتهام صريح.

في المقابل، أكد مؤسس المركز القومي للسموم محمود عمرو خلال تصريح خاص أن التشهير بأية شركة من دون أبحاث وتحاليل معتمدة يعد جريمة، وأن أية ادعاءات عن فساد أو غش المنتجات يجب أن تكون مدعومة بتحاليل رسمية من معامل معتمدة تابعة لوزارة الصحة أو الزراعة، وفي حال ثبوت المشكلات، يمكن رفعها إلى الجهات القضائية المتخصصة.

وأثيرت الضجة تحديداً بعدما عرض الشابان مقطعاً مصوراً يقارنان فيه بين أنواع من المياه المعدنية، وقالا إن بعضها ملوث بمياه الصرف الصحي، مؤكدين اعتمادهما على المواصفات القياسية المصرية وتحاليل تشمل ثلاثة محاور رئيسة الأول خاص بالفحوص الميكروبيولوجية، والثاني يتعلق باللون والرائحة ودرجة الحموضة، والثالث بتحليل نسب الأملاح في المياه. وأظهرت عينات، وفق ما قدماه، وجود تلوث بكتيري وسوء نظافة وتخزين وتعقيم، وعدم مطابقتها للمواصفات القياسية، بل وجود تلوث برازي ناتج من مخرجات أمعاء الإنسان والحيوانات في بعض القوارير.

عمليات ضبط واسعة

وكشفت "اندبندنت عربية" عبر تحقيق نشرته في يوليو (تموز) من عام 2024، عن وجود ضعف رقابة على المياه المعدنية في مصر، وبحسب متخصصين تحدثوا إلى الصحيفة فإن كثيراً من المياه المعدنية في مصر ليست كذلك، وهي عبارة عن مياه معبأة، وغالبيتها إما جوفية، وإما مصدرها صنابير عادية تغلى، ثم تبرد وتضاف إليها مكملات غذائية وتحتاج إلى شروط صحية في التخزين والحفظ، وبعض هذه المصانع، وفق حديثهم، لا تلتزم المعايير، مما يتطلب رقابة صارمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتعدد طرق الاحتيال والغش في سوق المياه المعبأة، ومن بين هذه الطرق واقعة تعود تفاصيلها لفبراير (شباط) من العام الماضي، عندما ضبطت مديرية تموين البحيرة 6 آلاف زجاجة مياه معدنية مجهولة المصدر خلال حملة على أسواق مدينة كفر الدوار، وعرفت عمليات غش المياه في مصر بـ"مصانع بير سلم".

وفي أغسطس (آب) عام 2024 ضبط مصنع في مطروح يعمل من دون ترخيص يعيد استخدام زجاجات المياه المعدنية الفارغة وتعبئتها بالماء لبيعها مجدداً، وأظهر تقرير مديرية الصحة في المحافظة أن المياه المستخدمة غير صالحة للشرب لوجود فطريات وشوائب.

وقبل نحو ثلاثة أعوام، عثر داخل مصنع في المرج غير مرخص على 13 ألف زجاجة مياه معدنية بأحجام مختلفة جميعها مجهولة المصدر ومن دون مستندات تدل على مصدرها و2000 زجاجة فارغة معدة للتعبئة وكميات كبيرة من الملصقات، وسبق ذلك تمكن الأجهزة الرقابية في وزارة التموين والتجارة الداخلية في مصر من ضبط مصنع شهير بتعبئة عبوات المياه من مياه الصنابير العادية.

ولم يقف تداول المياه المغشوشة عند المناطق النائية، وإنما وصلت منتجاتها إلى واحدة من المدن الأكثر جذباً للسياحة في مصر، حيث كشفت حملة استهدفت شركات المياه المعبأة بشرم الشيخ في مايو (أيار) من العام الماضي عن ضبط 3670 غالون مياه، بوزن 70 طناً في إحدى شركات المياه بالمدينة لمخالفتها للمواصفات والقوانين المصرية، إذ تقوم هذه المحطات بتقليد عبوات شركات كبرى لتعبئة مياه الشرب الطبيعية.

وأعادت الواقعة السابقة للأذهان تفاصيل من عام 2014 عندما ضبطت كميات كبيرة من المياه المعدنية غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وغير مطابقة للمواصفات محملة على 10 سيارات نقل، متجهة إلى شرم الشيخ لتوزيعها على الفنادق والقرى السياحية.

تجاوزات وحيل

قال المتخصص الدولي في شؤون المياه أحمد فوزي دياب إن حيل الغش الشائعة في المياه متعددة، ومن بينها استخدام أسماء علامات تجارية شهيرة ووضع ملصقات مقلدة، مما يتطابق مع البيانات الرسمية الصادرة عن حملات مكثفة سابقة على الأسواق، ملقياً الضوء على مسؤولية وزارة الصحة عن عملية الرقابة على مثل هذه الممارسات.

وتواصلنا حينها مع مساعد وزير الصحة والسكان عمرو قنديل، إلا أنه رفض التعليق على انتشار أصناف مياه معبأة مغشوشة في السوق المصرية. وقال "مياه معدنية (غير مطابقة للمواصفات) بكميات كبيرة. من الذي قال ذلك؟"، رافضاً الإجابة عن الاستفسارات المتعلقة بنتائج الحملات التي تكشف عن ممارسات الغش التجاري في المياه المعبأة والإجراءات المتخذة من وزارة الصحة لمواجهتها.

وفي أكثر من مناسبة، ناقش مجلس النواب المصري هذه الأزمة، إذ سبق أن تقدمت النائبة المصرية روان لاشين بطلب إحاطة موجه إلى وزير التموين والتجارة الداخلية في شأن انتشار "مصانع بير سلم"، تعمل على تعبئة المياه العادية على أنها مياه معدنية داخل زجاجات تحمل علامات تجارية وهمية لكبرى الشركات وبيعها لتحقيق الأرباح على حساب صحة المواطنين.

وقالت لاشين في طلبها إن هذه المصانع تعيد استخدام الزجاجات البلاستيكية أكثر من مرة، مما يمثل خطراً على صحة المواطن نتيجة تفاعل البلاستيك مع المياه، منتجاً مواد مسرطنة، بخاصة إذا كان البلاستيك يتعرض لأشعة الشمس.

ورأى رئيس قطاع المياه الجوفية في وزارة الري سابقاً سامح صقر ضرورة التزام حفر الآبار المستخدمة في تعبئة المياه وفق ضمانات من بينها استدامة المخزون الجوفي وألا تكون البئر في نطاق مصادر تلوث معروفة.

وقال خلال تصريحات خاصة إن دور الوزارات المعنية مثل الصحة والتموين وضع قاعدة بيانات تشمل معلومات حول عدد زجاجات المياه المعبأة من الشركات الحاصلة على تراخيص والكمية التي تصل إلى السوق ونسبة المبيعات، والمشكلة تكمن في عدم وجود نظام تتبع لرصد الانتهاكات التي تحدث في هذه السوق.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات