ملخص
رأت المتخصصة في الشؤون الأفريقية بمركز الأهرام أماني الطويل أن المجتمع الدولي تقاعس كثيراً عن إنقاذ السودان في الوقت المناسب في ظل وجود أزمات عديدة.
اتساقاً مع المواقف الرافضة للانتهاكات الخطرة التي تعرض لها مواطنو الفاشر عقب سقوطها في يد قوات "الدعم السريع" بأواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خصصت نقابة الصحافيين المصريين بالتشارك مع نقابة الصحافيين السودانيين، يوماً تضامنياً بعنوان "الفاشر ما بعد الحصار" لدعم الصحافيين في هذه المدينة المنكوبة الذين طاولتهم الانتهاكات الجسيمة من اعتقالات وتعذيب واختفاء قسري بسبب تغطيتهم للقتال الدائر بين طرفي الحرب.
وشهدت الفعالية عرض شهادات حية من داخل مدينة الفاشر كشفت عن حجم التدهور الإنساني في هذه المدينة، فضلاً عن مقاطع فيديو مصورة تظهر أوضاع النازحين المتردية في عدد من المخيمات بولاية شمال دارفور، إضافة إلى استعراض أوراق عمل قدمها قانونيون وإعلاميون وناشطون سلطت الضوء على قضايا الانتهاكات بدارفور في الوقت الراهن، والمعضلات الإنسانية الناجمة عن الحصار الذي فرضته "الدعم السريع" لأكثر من عام على مدينة الفاشر، مما تسبب في أزمة إنسانية معقدة.
إفلات من العقاب
رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف الصادق علي حسن قال "في تقديري أن حجم الجرائم التي ارتكبت في حق المدنيين بالفاشر يفوق ما جرى توثيقها حتى الآن، وأجزم أن فريقي الحرب في حال انقسام من خلال المشاهدات المروعة لاصطناع البينات، إذ إن حقيقة الأحداث من خلال الاستماع إلى شهادات والتواصل مع بعض الأشخاص داخل الفاشر تجسد فظائع الجرائم ضد الإنسانية".
ومضى حسن في حديثه بقوله "لدينا نحو سبعة قانونيين مفقودين في الفاشر ويرجح أنهم قتلوا، إذ لا يوجد أثر لهم، وبصورة عامة فإن القتل بدم بارد وكل صور الانتهاكات الجسيمة طاولت معظم المواطنين العالقين، وهناك من جرى توقيفهم بواسطة عناصر ’الدعم السريع’ أثناء فرارهم وسحب الدم منهم قسراً لجرحاهم، مما تسبب في حدوث وفيات نتيجة لأوضاعهم الإنسانية السيئة، وهي من دون شك جريمة لم تحدث في تاريخ الشعوب، فضلاً عن الاختطاف مقابل فدية بمبالغ طائلة للإفراج عنهم". وواصل "من المحتمل أن قيادة ’الدعم السريع’ لا علم لها بما يرتكبه أفرادها، لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن تتنصل من مسؤولياتها تجاه ما حدث".
وأوضح رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف "يجب التوثيق الاستقصائي للجرائم المستهدفة في دارفور بطريقة قانونية وسليمة للتوصل إلى نتائج تتلافى إخفاقات المحكمة الجنائية التي انتهت بمحاكمة شخص واحد فحسب، لذلك لا بد من الملاحقة الجنائية لكل مرتكبي الانتهاكات لوقف ظاهرة الإفلات من العقاب، التي باتت ثقافة بموجب اتفاقات تقاسم السلطة كما حدث في أبوجا والدوحة وجوبا وغيرها".
تقاعس دولي
فيما رأت المتخصصة في الشؤون الأفريقية بمركز الأهرام أماني الطويل أن المجتمع الدولي تقاعس كثيراً عن إنقاذ السودان في الوقت المناسب في ظل وجود أزمات عديدة.
وأردفت الطويل "عند تفاقم الجرائم دائماً ما نبحث عن المحاسبة، لكن في الوقت نفسه يجب أن نتطلع إلى المستقبل والحاضر الذي نعيشه من خلال التحرك لإيقاف الواقع المزري والمتفاقم بصورة كبيرة عند هذا الحد وإيجاد وسيلة للحياة". وتابعت، "أظن أن المزاج السوداني الآن بسبب حجم الأزمات الإنسانية ملتهب، لكن لا بد من وقف الحرب، وهذا لا يعني شرعية ’الدعم السريع’ التي انهارت من خلال ممارستها أبشع الانتهاكات ضد الإنسانية، مما يعني أنها لا يمكن أن تصلح بأن تكون واقعاً لسودان جديد".
وتساءلت الطويل "أين المثقفين والسياسيين الذين انحازوا لمشروع تحالف ’تأسيس’ الذي يضم ’الدعم السريع’ وبعض القوى المدنية والحركات المسلحة وما موقفهم فيما يحدث من جرائم في حق المدنيين باعتبارهم جزءاً منه؟".
سلاح التجويع
من جهته أوضح سكرتير الشؤون الخارجية في نقابة الصحافيين السودانيين طاهر المعتصم أنه "على مدى ما يقارب 550 يوماً من الحصار والجوع والقصف تحولت مدينة الفاشر من مركز حيوي للتجارة والإغاثة إلى بؤرة إنسانية معزولة لا يصل إليها سوى الانفجارات".
وأشار المعتصم إلى أن "المدينة كانت آخر معقل للجيش في دارفور ومأوى لعشرات الآلاف من النازحين الهاربين من مدن الإقليم الأخرى قبل أن تسقط في يد ’الدعم السريع’، لتطوي آخر صفحة طويلة من الصمود المدني والعسكري". وقال إن "الصحافيين والصحافيات كانوا الفيصل المتقدم لنقل معاناة أهل المدينة تحت زخات الرصاص ودوي المدافع، فضلاً عن نقلهم كيف أضحى علف المواشي وجلود البقر طعام المحاصرين، وكذلك جعلونا نعرف كيف يصبح التجويع سلاحاً".
وواصل حديثه، "مع دخول ’الدعم السريع’ مدينة الفاشر دمرت المستشفيات وحرقت الأسواق والطرقات التي تعج بالحركة لتصبح ممرات أشباح مرعبة تتبعثر فيها الجثث، وأيضاً كانت الصحافة تدفع الضريبة مقدماً، ولذلك جرى احتجاز زملاء لنا، إذ إن تقارير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق أكدت أن ما يجري داخل الفاشر يتجاوز حدود الانتهاكات المتفردة إلى نمط ممنهج من الجرائم ضد الإنسانية، فضلاً عن شهادات الناجين التي جمعتها البعثة التي تمثلت في عمليات إعدام ميدانية طاولت الرجال والشباب والنساء والفتيات والأطفال إلى جانب استخدام التجويع كأداة حرب عبر منع دخول الغذاء والدواء طوال أشهر الحصار، إضافة إلى إفادات عن مقتل متطوعين".
ولفت سكرتير الشؤون الخارجية في نقابة الصحافيين السودانيين إلى أن سقوط الفاشر ليس حدثاً ميدانياً فحسب، بل تحول سياسي وإنساني كبير يعيد رسم خريطة الحرب في السودان، فمنذ سيطرة "الدعم السريع" على المدينة بات الإقليم بأكمله تحت قبضته، مما يمنحه نفوذاً عسكرياً وجغرافياً خطراً يمتد حتى الحدود مع تشاد وأفريقيا الوسطى.
سجن مفتوح
من جانبها قالت منسقة منصة نساء دارفور ابتسام الدومة إن "الفاشر لم تعد مجرد مدينة منكوبة، بل تحولت إلى فضاء خانق تدار فيه حياة المدنيين تحت تهديد السلاح، فمنذ تمرد قوات ’الدعم السريع’ على القوات المسلحة، وصولاً إلى اجتياح دارفور لم تكن السيطرة العسكرية هدفاً، بل إعادة صياغة المدينة ومعاقبة سكانها وإخضاعهم قسراً".
وأوضحت الدومة أن "الدعم السريع" عمدت منذ سيطرتها على الفاشر خلق بيئة معيشية مستحيلة، إذ جعلت السكان أمام خيارين لا ثالث لهما النزوح القسري أو الاستسلام والاعتراف بالميليشيات كقوة عسكرية تمثل السودان. وأضافت أن "كل الحجج التي يجري الترويج لها بأن المواطنين بقوا بإرادتهم هي محض افتراء، إذ لا يعقل أن يعيش إنسان الفاشر مع قوات انتهكت حرماته واغتصبت نساءه ونهبت ممتلكاته ثم يقال إنه اختار البقاء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وزادت المتحدثة "الحياة اليومية في الفاشر أصبحت سلسلة لا تنتهي من المحاولات المستميتة للبقاء، إذ إن المدنيين يبحثون عن جرعة ماء ولقمة خبز، والأطفال يعانون سوء التغذية والنساء يلدن من دون قابلات أو رعاية وكبار السن يموتون لأنهم لا يملكون علاج أو وسيلة للوصول إليه".
وتوقفت الدومة طويلاً عند يوم السقوط في الـ26 من أكتوبر الماضي، وهو ما سمته العائلات "اليوم الأسود"، الذي انهار فيه خط الدفاع الأخير عن الفاشر، وبدأت موجات بشرية بالفرار نحو مدن بحثاً عن أمان لم يكن موجوداً.
وأشارت منسقة منصة نساء دارفور إلى أن "المدنيين كانوا يركضون بلا تجاه يحملون أطفالهم على ظهورهم، بينما يطلق المسلحون النار في الهواء لترويعهم، ليختلط الغبار بالصراخ والعرق بالدموع، لكن قوات ’الدعم السريع’ اعترضت طريق آلاف الفارين واحتجزت نحو 1500 شخص، وأعادتهم عنوة إلى الفاشر، ثم أجبرتهم على الوقوف أمام الكاميرات لتسجيل اعترافات معدة مسبقاً".