ملخص
مع أن حركات المقاومة الفلسطينية تخلت بمعظمها عن الحجارة لمصلحة العمليات المسلحة في مقاومتها الاحتلال الإسرائيلي، إثر تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، إلا أن الانتفاضة الثانية شهدت مع مطلع الألفية الثالثة ترسيخ تلك الأساليب وصولاً إلى إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، ثم الاجتياح غير المسبوق للمستوطنات في محيط القطاع خلال السابع من أكتوبر 2023.
من الحجر إلى الصاروخ ومن التنظيم الشعبي إلى التنظيم العسكري، شهدت المقاومة الفلسطينية تحولات عدة خلال ربع قرن، فيما فشلت إسرائيل في تجاوز الشعب الفلسطيني وحقوقه السياسية.
ومع أن حركات المقاومة الفلسطينية تخلت بمعظمها عن الحجارة لمصلحة العمليات المسلحة في مقاومتها الاحتلال الإسرائيلي إثر تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، إلا أن الانتفاضة الثانية شهدت مع مطلع الألفية الثالثة ترسيخ تلك الأساليب وصولاً إلى إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، ثم الاجتياح غير المسبوق للمستوطنات في محيط القطاع خلال السابع من أكتوبر (تشرين الثاني) 2023.
وفي حين قادت حركة "فتح" الانتفاضة الأولى التي سميت "انتفاضة الحجارة" مع نهاية عام 1987، فإن حركة "حماس" لجأت إلى العمليات المسلحة من الهجمات الفدائية إلى إطلاق الصواريخ وصولاً إلى عسكرة نظامية في قطاع غزة.
وخلال عام 2000 فجر اقتحام زعيم المعارضة حينها أرئيل شارون المسجد الأقصى مع نهاية سبتمبر (أيلول) الانتفاضة الثانية، تعبيراً عن وصول العملية السياسية بين الجانبين الفلسطينيين والإسرائيلي إلى طريق مسدود.
وجاءت تلك الانتفاضة بعد أشهر على فشل قمة "كامب ديفيد" في التوصل إلى اتفاق سلام بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك.
حينها توصل عرفات إلى قناعة بضرورة ممارسة ضغوط ميدانية على الإسرائيليين، وقلب الطاولة في محاولة لإجبارهم على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، مع حل عادل متفق عليه لقضية اللاجئين، ومن هناك جاء تشجيع عرفات على تنفيذ هجمات مسلحة ضد المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي المحتلة عام 1967.
لكن حركتي "حماس" و"الجهاد" انتهجتا أسلوب العمليات التفجيرية الفدائية بالحافلات في قلب المدن الإسرائيلية، ضمن خطوة أثارت رفض المجتمع الدولي حينها.
ومثلت سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة خلال صيف 2007 وطرد السلطة الفلسطينية منه، بداية لتأسيس ما يشبه جيش شبه نظامي وتصنيع عسكري وأنفاق تحت الأرض.
وفي الضفة الغربية أحكمت حركة "فتح" سيطرتها على السلطة الفلسطينية، وانتهجت المقاومة السليمة، وملاحقة الفصائل المسلحة "لأن الظروف غير مناسبة لانتهاج المقاومة المسلحة ضد الإسرائيليين".
ويرى المتخصص في مجال العلوم السياسية داخل جامعة بيرزيت أحمد جميل عزم أنه قبيل الانتفاضة الثانية اتضح أن مسار المفاوضات لا يمكن التعويل عليه، بسبب سعي إسرائيل للقضاء على العملية السياسية، منذ اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين وافتتاح نفق أسفل المسجد الأقصى، وبناء المستوطنات، ورفض الانسحاب من الضفة الغربية.
وبحسب عزم فإن جزءاً مما حدث خلال الانتفاضة الثانية هو العسكرة التي قادت إلى أسئلة حول مدى صحتها وجدواها، في ظل القناعة بدفع إسرائيل إلى ذلك عبر اجتياح الضفة الغربية، وتدمير المقار الأمنية الفلسطينية خلال عام 2002"، وأضاف أن "بعد انتفاضة الأقصى تغيرت القيادة الفلسطينية، سواء بانتخاب رئيس فلسطيني جديد وهو محمود عباس، ودخول التيار الإسلامي ممثلاً بحركة ’حماس‘ إلى السلطة في محاولة منها للسيطرة عليها".
وأوضح أن بعد سيطرة حركة "حماس" على السلطة داخل قطاع غزة، اختير سلام فياض لرئاسة الوزراء، إذ انتهج حينها سياسة استكمال بناء أجهزة الدولة على اعتبار أن ذلك سيؤدي إلى تجسيدها على الأرض".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، فازت "حماس" بالانتخابات ثم طردت السلطة الفلسطينية من غزة بعد عام ظناً منها أنه إذا سيطرت على الأرض والحكم فإن ذلك سيؤدي إلى الاعتراف الدولي بها، وستصبح جزءاً من القيادة الرسمية المعترف بها، وفق ما قال عزم الذي أضاف أن إسرائيل استغلت الانقسام بين حركتي "فتح" و"حماس" حتى تمنع نجاح أية حركة سياسية موحدة سواء مدنية سلمية أو مقاومة مسلحة".
واعتبر عزم أن فكرة المقاومة العنيفة في الضفة الغربية "بدأت تتراجع ثم تدان وتلاحق من السلطة الفلسطينية، لأنها تمسكت برفض العنف"، لكن في قطاع غزة كان الوضع بحسب عزم "مختلفاً تماماً حيث بدأت عملية عسكرة نظامية لا تأخذ بعين الاعتبار متطلبات الصراع مع إسرائيل".
حركة "حماس" وفق عزم "لم تستطع أن تطوير استراتيجية فلسطينية شاملة، وذلك لأنها حصرت جهدها في قطاع غزة وفي الهم الغزاوي مع تراجع تأثير قيادتها السياسية في الخارج، وتهميشها بصورة كبيرة".
ويصف عزم ما جرى بأنه "عسكرة للقيادة السياسية، وتراجع الفصل التقليدي بين الجناحين العسكري والسياسي، إذ أخذت تتبلور في القطاع مقاومة نظامية على غرار ما حصل مع منظمة التحرير داخل لبنان بين عامي 1971 و1982، لكن عزم شدد على أن ذلك "لا ينسجم مع متطلبات الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ولا يمكن أن يؤدي إلى تحرير شامل، وسيكون لها ثمن باهظ على الشعب الفلسطيني".
ومع أن ذلك "تسبب في شعور فلسطينيي الخارج بالفخر بوجود مثل هذه المقاومة، لكن ثمنها الباهظ الذي دفعه الفلسطينيون خلال العامين الماضيين سيؤدي تدريجاً إلى إعادة التفكير في منطق ومنهج تلك المقاومة" بحسب ما ذكر عزم، متابعاً أنه "طالما بقي هناك احتلال فسيكون هناك مقاومة، لكن سيكون هناك مراجعة لأشكالها وأنماطها خلال المرحلة القادمة".
وعن تغيير تلك الأنماط بعد الانتفاضة الثانية، يرى المتخصص في مجال العلوم السياسية داخل الجامعة العربية الأميركية في جنين أيمن يوسف أن ذلك يعود إلى شخصية عرفات الذي كان مقتنعاً بأن فشل العملية السياسية يجب أن يتبعه رافعة ميدانية قادرة على دعم المفاوض الفلسطيني".
ومن بين تلك الأسباب وفق يوسف "زيادة تأثير الحركات الإسلامية كـ’حماس‘ و’الجهاد‘ المقتنعة بالعمليات الفدائية، لقد كان هناك أسلمة للنضال عبر استخدام السلاح على نطاق كبير"، والعامل الثالث بحسب يوسف "تمثل في صعود اليمين في إسرائيل، واستخدام القوة النارية في الضفة الغربية وقطاع غزة".
وعن العائد الإيجابي لتلك المقاومة، أضاف يوسف أن المقاومة المسلحة غير مرحب بها دولياً وإقليمياً، بسبب أن خسائرها البشرية في معظم الأحيان تكون من المدنيين الإسرائيليين.
وأوضح المتحدث أن هجوم السابع من أكتوبر 2023 وحرب الإبادة الجماعية والعدد الهائل من الضحايا المدنيين من الفلسطينيين "عززت الرواية الفلسطينية. واليوم، العالم متضامن مع فلسطين ليس بسبب الهجوم بل بسبب الوحشية الإسرائيلية"، واعتبر يوسف أن لجوء الفلسطينيين إلى المقاومة المسلحة "أضر بالقضية الفلسطينية، وعندما جاء الرئيس عباس أعلن رفضه العمل المسلح، لأنه يرى فيه ضرراً بالقضية الفلسطينية والعالم لا يتقبله.
ووفق يوسف فإنه في "الصيرورات التاريخية لمسيرة الشعوب من الصعب تبني نموذج واحد، وإقناع كل الفصائل بالمقاومة المسلحة"، وتابع بأن "ميل ميزان القوى العسكري لمصلحة إسرائيل يعطي الأخيرة متنفساً لتدمر البنية التحتية"، وخلص يوسف إلى أن في جردة حساب فإن "إيجابيات المقاومة المسلحة أقل بكثير من سلبياتها".
ويرى مدير مركز القدس للدراسات أحمد رفيق عوض أن "بعد الانقسام عام 2007 أصبح لدى الفلسطينيين وجهتا نظر وسلوكان ومرجعيتان اثنتان، مرجعية تقوم على المفاوضات والعمل السياسي، والمرجعية الثانية بحسب عوض تقوم على "التحشيد العسكري والاستعداد الذاتي للمواجهة انطلاقاً من قطاع غزة".
وأشار عوض إلى أن إسرائيل "دمرت المسارين السياسي والعسكري، وحاولت استثمار الانقسام بين "فتح" و"حماس" وتغذيته من أجل زيادة الفرقة، ومنع إقامة وحدة وطنية، والادعاء بأنهما غير قادرين على تحقيق وحدة سياسية وجغرافية"، وأوضح أن إسرائيل "لم ترد أن تتعايش مع مسار التسوية، وتحاول أن تقضي على مشروع المقاومة".
وعلى رغم محاولتها منذ عام 1987 ضرب المقاومة التي بدأت بالحجارة خلال العام ذاته وانتهت بالصواريخ عام 2023، فإنها "لم تتمكن أن تقمع تيار المقاومة" وفق ما قال عوض، مضيفاً "أصبح لدينا في قطاع غزة جبهة شبه عسكرية تحت أنف وسمع وبصر إسرائيل، وهذا دليل على فشل إسرائيل في القضاء عليها".
وأوضح المتحدث أن "السياسية الإسرائيلية فاشلة لأنها لم تستطع أن تصل إلى تسوية، فيما المقاومة تتضخم وتصبح خياراً تعلق عليه الآمال"، ووفق عوض فإن المقاومة "تطورت من الحجر إلى الصاروخ، ومن التنظيم الشعبي إلى التنظيم العسكري، وتطورت القضية الفلسطينية من مشكلة داخلية لإسرائيل إلى قضية إقليمية وعالمية".
وعن فوائد المقاومة المسلحة للفلسطينيين أشار عوض إلى أنها "لم تحقق شيئاً ملموساً، لكنها أسهمت في نشر الوعي بالقضية الفلسطينية حول العالم، وأفشلت المشروع الصهيوني القائم على القوة".
وأكد المتحدث أن "المشروع الصهيوني لم ينجح في تحقيق ما يريده، فالصيرورة التاريخية لا تحدث خلال أسابيع، وإسرائيل أفشلت التسوية السياسية لكنها غرقت في جريمة الإبادة الجماعية"، وبحسب عوض فإنها بذلك "تكون وقعت في خطأ تاريخي لا يُمحى، وفشلت في تحقيق ما تريده عبر تجاوز الشعب الفلسطيني".