Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الانهيار الكبير"... كتاب الاقتصاديين المفضل في وقت الأزمات

على رغم أوجه الشبه بين وضع السوق الآن وصدمات سابقة فإن الاقتصاد العالمي تغير

الكتاب يستفيض في دور السلطات وعلاقتها بالسوق ومسؤوليتها عن تكوين الفقاعة وعن الصدمات (raptisrarebooks)

ملخص

من الصعب تحديد السبب الحاسم لأهمية العودة إلى ذلك الكتاب، سوى أنه ربما قدم أدق وأوفى تفصيل لما سبق انهيار الأسواق في أميركا بخريف عام 1929، وما تلاه من كساد اقتصادي استمر 10 أعوام في الأقل.

كلما لاحت أزمة محتملة في الأسواق يعود الاقتصاديون والكتاب والمعلقون إلى الكتاب الشهير "الانهيار العظيم 1929" الذي نشره جون كينيث غالبريث عام 1955.

لذا أعيد طبع الكتاب أكثر من مرة، وبمقدمات مختلفة، آخرها بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، وعلى رغم أن هناك عشرات الكتب ومئات الدراسات حول "الكساد العظيم" في ثلاثينيات القرن الماضي، فإن هذا الكتاب ظل المرجع الذي يعود إليه الجميع كلما مر النظام المالي والاقتصادي العالمي بأزمة أو ظهرت احتمالات أزمة.

من الصعب تحديد السبب الحاسم لأهمية العودة إلى ذلك الكتاب، سوى أنه ربما قدم أدق وأوفى تفصيل لما سبق انهيار الأسواق في أميركا في خريف عام 1929، وما تلاه من كساد اقتصادي استمر 10 أعوام في الأقل، فالكتاب يفرد أكثر فصوله لرصد ما سبق الانهيار منذ عام 1921، مع تركيز وتوسع في ما حدث في العامين الأخيرين قبل الانهيار، أي بدءاً من عام 1927.

وعلى رغم تركيز الكتاب في غالب فصوله على رصد أحداث تلك الفترة بصورة مركزة ووافية إلى حد كبير، فإنه أيضاً يستخلص من تلك الأحداث المقدمات التي أدت إلى انهيار البورصة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1929، وما تلاه من كساد اقتصادي استمر لأعوام. ولعل تلك الاستنتاجات والإشارات إلى المقدمات والنتائج هي الدرس الذي يعود إليه الجميع تقريباً كلما مر النظام العالمي بأزمة أو بدت مؤشرات إلى أزمة محتملة.

أهمية كتاب الانهيار العظيم

بالطبع، حين صدر الكتاب للمرة الأولى قبل 70 عاماً، كان مؤلفه يتناول أحداث تلك الفترة السابقة بعقدين من الزمن من خلال "الوعي المتأخر"، ومن ثم سمح له ذلك بعرض الأسباب التي قادت إلى الانهيار بصورة لم تكن ممكنة لمن عاشوا تلك الفترة وكتبوا عنها في وقتها.

أما الفصلان الأخيران عن الكساد الاقتصادي ما بعد انهيار السوق فهما أضعف من الحديث عن السوق وأزمته، ربما لأن خبرة المؤلف أساساً هي في السوق وليس في الاقتصاد الكلي.

يتحدث الكتاب في فصليه الأخيرين عما بعد الانهيار من ركود وكساد اقتصادي، ويرجع أسباب ذلك إلى ما كان يعتمل في الاقتصاد منذ أعوام، وإن لم يغفل دور الانهيار في ذلك، ففي ذلك الوقت لم تكن العلاقة بين السوق ومؤشرات الاقتصاد الكلي كما هي الآن مثلاً.

من خلال الأرقام والبيانات التي جمعها المؤلف وظهرت في الفصلين الأولين من الكتاب، يظهر العقد الثاني من القرن الماضي كفترة ازدهار للاقتصاد الأميركي من كافة النواحي، وليس فقط من ناحية ارتفاع مؤشرات سوق الأسهم.

مع ذلك أدت زيادة المضاربات واقتراض المتعاملين في السوق للمضاربة على أسعار الأسهم إلى غليان فقاعة انفجرت بصورة كارثية.

صحيح أن السوق شهدت في الفترة ما قبل الانهيار العظيم عمليات تصحيح من وقت لآخر، لكنها كانت تقلبات بسيطة ولفترات وجيزة، مما أعطى الانطباع بأن المؤشرات يمكن أن تظل في ارتفاع مستمر. يشير المؤلف إلى أن "العامل النفسي" لعب دوراً مهماً في وصول الأسواق إلى نقطة الانهيار.

ويظل العامل النفسي للمستثمرين والمتعاملين في السوق، إلى جانب المضاربات على أسعار الأسهم، أهم العوامل المباشرة في تكوين فقاعة غليان قيمة الأصول وانفجارها في انهيار صادم منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

لكن الكتاب، على طريقة كثير من المستثمرين ورجال الأعمال، يستفيض في دور السلطات وعلاقتها بالسوق ومسؤوليتها عن تكوين الفقاعة وعن الصدمات، إذ كان غالبريث مستثمراً أيضاً في السوق، لذا نجده أفرد مساحة كبيرة لمسؤولية البنك المركزي (الاحتياطي الفيدرالي) وبنك الاحتياطي الفيدرالي لمدينة نيويورك الأكبر والأقوى ضمن البنوك التي تشكل البنك المركزي، الذي تقع "وول ستريت" في نطاق سلطته مباشرة، وذلك هو الخط المستمر حتى الآن بإلقاء اللوم على البنك المركزي في أزمات السوق.

دور سلطات التنظيم المالي

لا يقتصر حديث المؤلف عن دور سلطات التنظيم المالي على البنك المركزي، وإن كان يحمله القدر الأكبر من المسؤولية كالمعتاد، بل يتحدث أيضاً عن دور وزارة الخزانة في الإدارة الأميركية وبقية هيئات التنظيم والمراقبة المالية التي يرى أنها لا تقوم بدورها أو تتكاسل عنه.

ومن الملاحظات المهمة في الكتاب القديم، المتجدد الأهمية، الإشارة الواضحة إلى تخفيف القيود واللوائح والقواعد لممارسات السوق ودورها في التمهيد للأزمة الكبرى في نهاية عشرينيات القرن الماضي.

وعلى رغم مرور نحو قرن الآن على الانهيار العظيم، فإن كل تصحيح كبير في الأسواق تسبقه فترة من "التيسير التنظيمي"، إما بتخفيف القواعد والمراقبة والتدقيق، أو غض الطرف عن تطبيق اللوائح والقوانين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في سياق العرض المكثف للأحداث التي سبقت الانهيار العظيم، يعود المؤلف في الفصول الأربعة الأولى من الكتاب مراراً لدور الحكومة الأميركية وإداراتها المسؤولة عن السياسات المالية والنقدية والاقتصادية عموماً في تراكم الأسباب التي قادت إلى انهيار السوق.

مع ذلك هناك إشارات مبطنة إلى حال من "الغرور" لدى المسؤولين والمستثمرين والمتعاملين في السوق على السواء، دفعت إلى زيادة المضاربات على الأسهم مع تصور وهمي بأن الأمور ستظل في تحسن مطرد. وبحسب مؤشرات الاقتصاد الكلي في العشرينيات من القرن الماضي، كان الاقتصاد الأميركي في حال جيدة أو حتى في "ازدهار".

لكن على ما يبدو أن هناك عوامل غير ظاهرة لم تعكسها البيانات الرسمية والمؤشرات التي تعتمدها السلطات، كانت تتفاعل في الاقتصاد، وهي السبب وراء الكساد الكبير الذي أعقب الانهيار العظيم للسوق.

العرض والطلب والمقامرة

مما يمكن استخلاصه من النصف الأول للكتاب، قبل السرد المركز لوقائع عام 1929، هو أن السوق تجاوزت معادلة العرض والطلب التقليدية في تقييم أسعار الأصول. وزادت المضاربات إلى حد المقامرة أكثر من الاستثمار.

ويرجع الكاتب ذلك إلى عوامل عديدة، منها الازدهار الزائف قبل الانهيار، ووهم اعتقاد الجميع أن الأسعار لن تهبط أبداً، واقتراض كثير من المستثمرين بكثافة لشراء الأسهم، إضافة إلى تغاضي السلطات عن ممارسات السوق.

في الفصل الرابع من الكتاب يعرض المؤلف لظاهرة مهمة أسهمت في غليان فقاعة الأسهم قبل الانهيار العظيم، تلك هي ظهور شركات وصناديق تداول الأسهم التي بدأت مع عدم كفاية الأسهم المسجلة في السوق لتلبية الطلب المتزايد من المستثمرين الراغبين في الشراء.

وتضاعف عدد تلك الشركات التي تمكن المتعامل من شراء سهم شركة لم تعد أسهمها متوافرة عبر شراء سهم شركة تداول تملك أسهماً في تلك الشركة.

يركز الكاتب على مثال شركة "غولدمان وساكس" التي أصبحت في ما بعد بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري، ومع أن تلك الشركات زادت من جانب العرض في سوق الأسهم، إلا أن عددها الكبير وما تطرحه من "مشتقات" استثمارية أسهم في زيادة المضاربات، ومن ثم غليان السوق.

كل ذلك في وقت كان الاقتصاد فيه يبدو جيداً، وأسعار الفائدة منخفضة، والأسعار في الاقتصاد مستقرة، مما شجع الناس على الاقتراض لشراء الأسهم على أمل الربح الكبير والسريع.

بحسب غالبريث فإن "الذاكرة الجماعية في الأسواق قصيرة جداً، ولهذا تتكرر الأزمات بنفس الشكل ولكن بملامح جديدة"، لذا يعود كثر إلى كتابه مع كل أزمة أو بوادر أزمة، بخاصة الآن مع ما يبدو من أن الاقتصاد الأميركي والعالمي أصبح أكثر مرونة، مما يجعل كثيرين يتجاهلون بوادر الأزمة في السوق.

اقرأ المزيد

المزيد من أسهم وبورصة