ملخص
عبرت حركة "جيل زد" عن وجود توجهات مشبوهة لبث الفرقة وإشعال نار الفتنة بين الأمازيغ والعرب المغاربة في محاولة يائسة لـتقسيم شعب جمعته قرون من العيش المشترك.
صدر بلاغ باسم شباب من حركة "جيل زد" من منطقة "سوس" التي تعد عاصمة الأمازيغ في المغرب، يعلنون فيه انسحابهم من الحركة، وذلك بسبب ما اعتبروه انحرافاً عن مسارها الفكري والأخلاقي، و"تحول بعض ممارساتها إلى منبر للفكر الإقصائي، والمواقف التي تتناقض مع المطالب الاجتماعية والحقوق الدستورية التي نتشاركها جميعاً".
يأتي ذلك في أعقاب استضافة مجموعة "جيل زد" على منصة "ديسكورد" الأكاديمي، أبو بكر الجامعي، الذي قال خلال الحوار إن إعادة وضع الثقافة الأمازيغية في الموقع المركزي للهوية المغربية، لن يتم على أساس متين، إلا إذا جرى في مناخ ديمقراطي، معتبراً أن السلطة ترى في الإنجازات التي تمت لصالح الهوية الأمازيغية ما كانت لتوجد لولا تدخلها فقط، لكن جانباً من الحركة الأمازيغية عد تصريحات الأكاديمي المغربي، انتقاصاً من نضالهم، من أجل الاعتراف بها كمكون رئيس للهوية المغربية، فيما أوضح جانب آخر أن ذلك الجدل نتج عن سوء فهم لتصريحات "الجامعي"، وأن الهدف الأساس منه هو بث الفرقة بين مكونات حركة "جيل زد"، من أجل إيقاف الزخم، بالتالي إفشال الحراك المطالب بإصلاحات سياسية جوهرية وإسقاط الفساد.
وذلك ما حذرت منه حركة "جيل زد"، التي عبرت عن قلقها من توجهات مشبوهة "لبث الفرقة وإشعال نار الفتنة بين الأمازيغ والعرب المغاربة، في محاولة يائسة لـتقسيم شعب جمعته قرون من العيش المشترك".
وصف محررو البلاغ تصريحات الأكاديمي المغربي بأنها تدخل في إطار "الاستهزاء بالمكون الأمازيغي الأصيل، وبمناضليه الشرفاء الذين دفعوا ضريبة الدم والاعتقال دفاعاً عن الكرامة والعدالة المجالية والاجتماعية، وعن قيم المساواة والحرية"، مشددين على رفضهم "الاستحواذ على القرار داخل الحركة من قبل فئة تنتمي لعائلات أوليغارشية ذات ميولات مشرقية، تحاول توجيه النشاط الشبابي لخدمة أجندات خارجية بعيدة من مصالح الوطن والمكتسبات الدستورية، وأيضاً بمحاولة يائسة لمشاكسة المؤسسة الملكية التي اختارت التوجه المركزي والخصوصية المغربية".
حساسيات
تركز سرديات الحركة الأمازيغية على الإقصاء الكبير الذي تعانيه، وبالخصوص منذ استقلال المغرب إلى حدود تسعينيات القرن الماضي، حين شهدت البلاد انفراجاً سياسياً واسعاً، وذلك بعد "سنوات الجمر والرصاص"، التي كان يسجن فيها المطالبون بالاعتراف بالثقافة الأمازيغية، ونتج من عقود التهميش والتضييق تلك حساسية كبيرة لدى الأمازيغ، بخصوص أي تعبير يناقش هويتهم، لأنه يتم، بحسبهم، عبر خلفية القومية العربية والإسلامية، التي تقصي الهوية الأصلية للدولة، وما يشير إلى تأخر الاستجابة إلى مطالب الحركة الأمازيغية، أنه لم يتم التنصيص على الطابع الرسمي للغة الأمازيغية إلى جانب العربية، إلا في دستور 2011، الذي جاء نتيجة "حراك 20 فبراير" (الربيع العربي).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اكتسبت بدورها السلطة في المغرب، حساسية من كل المطالب المتعلقة بالقضية الأمازيغية، وذلك لاعتبارات تاريخية مرتبطة بجمهورية الريف (1921-1927) التي تزعمها المقاوم محمد بن عبدالكريم الخطابي، بعد إعلانه استقلال منطقة الريف (الأمازيغية) عن الاحتلال الإسباني، وإثر تكبد الإسبان خسائر فادحة في عديد من المعارك، لم يتمكنوا من إسقاط الجمهورية إلا باستخدام مكثف للأسلحة الكيماوية.
أخطاء
في تعقيبه على الجدل الحاصل بخصوص علاقة جانب من الحركة الأمازيغية و"جيل زد"، أوضح الناشط الأمازيغي أحمد عصيد أن كل الحركات الاحتجاجية شهدت عثرات، وأن حركة "جيل زد" ارتكبت أخطاءً ثلاثة، أولها توسيع المطالب، فبعدما حازوا على إجماع شعبي، عندما حصروا مطالبهم في الجانب الاجتماعي، المتعلق بضرورة تحسين الأوضاع في مجال الرعاية الصحية والتعليم، قاموا بتوسيع سقف تلك المطالب التي تضم ما هو معقول، وفيها ما هو غير قابل للتطبيق، مما عمل على إضعاف ذلك الإجماع، وثانيهما اعتماد "تسييس الحراك" عن طريق فتح نقاش سياسي حول النظام ونسق الحكم والمؤسسة الملكية، باستضافة أشخاص معروفين بمعارضتهم للنظام السياسي، الأمر الذي أسهم بدوره في تقلص الدعم الشعبي، وهو ما أفشل حراك الريف بدوره في أكتوبر (تشرين الأول) 2016 وأغسطس (آب) 2017.
وبخصوص الخطأ الثالث يوضح الناشط الأمازيغي أن "الحراك الحالي وقع في زلة إقصاء الأمازيغ الذين عانوا ذلك الحيف لعقود، وتمكنوا عبر نضالهم من تحقيق عديد من المكاسب لصالح الثقافة الأمازيغية".
لكن الناشط الحقوقي الأمازيغي خميس بوتكمانت يرفض الوصاية الفكرية على توجهات حركة "جيل زد" التي تستحق أن تمنح فرصة الاستفادة من الأخطاء المرتكبة، قائلاً في حديث لـ"اندبندنت عربية" إن "من يريد التغيير الحقيقي لا يمكن أن يكون إقصائياً واستئصالياً، ولا يمكن أن يجعل من معطفه الأيديولوجي والفكري سيد المعاطف، ولو باختزالية وشمولية مخزية"، موضحاً أن من يحب هذا الجيل يجب أن يحترم ديناميته وحتى أخطاءه، ويعطيه الفرصة ليصحح زلاته بصورة ذاتية، بعيداً من مرض الوصاية ووهم الشيخ الآمر الناهي، وأن يتعلم من دروس التاريخ، مضيفاً أن "محاولة بسط الوصاية على الفعل الاحتجاجي كانت مرضنا السابق في محطات عديدة، ولا يجب السماح لإعادة إنتاج الأخطاء والإخفاقات بنفس العقليات التقليدية المريضة".
سوء فهم ملغوم
لا تزال تخيم الحساسية على ردود فعل جانب من نشطاء الحركة الأمازيغية الذين حددوا موقفهم من الحراك الشبابي القائم بالمغرب، بدعوى التقليل من شأن الحركة التي ناضلت لعقود من أجل الاعتراف الرسمي بها، فيما يرى جانب آخر من العنصر الأمازيغي أن الجدل القائم حالياً بني على فهم خاطئ ويراد منه بث الفرقة لإحباط الحراك. يوضح الحقوقي خميس بوتكمانت وجود تضخيم في رد فعل الحركة الأمازيغية باعتبار أن الأكاديمي المغربي لم يسئ لتك الهوية بالشكل الذي تم الترويج له، معبراً عن اختلافه معه في نقطة وحيدة، وهي "تلميحه لكون الاعتراف الرسمي بالأمازيغية مندرجاً ضمن خانة (المنح)، والمنة من السلطة العليا للدولة، متغاضياً عن دور الحركة الأمازيغية الذي فرض هذا الاعتراف والتعامل الرسمي، حتى لو كان هذا التعامل منقوصاً".
ويشدد الناشط الأمازيغي على كون التهييج على منصات التواصل الاجتماعي غير مبرر وغير مقبول وما تزعمه بعض الحسابات الموالية للسلطة، ليس إلا دليلاً على محاولة البعض لتصفية الحسابات، مضيفاً أن الانسحاب لدى "أبناء الحركة الأمازيغية لم يكن أبداً حلاً أو خياراً في كل المحطات التي خاضتها، إلى جانب الفرقاء المجتمعيين أو السياسيين بالساحة".