Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تصدع العمامة... هل سقطت قدسية الحجاب الإجباري في إيران؟

نساء إيران يكسرن حاجز الخوف بعد ثلاثة أعوام على وفاة مهسا أميني ويمشين في الشوارع بلا حجاب بينما تتلعثم السلطة بين قمعٍ تقليدي وخوف من سقوط مقبل

جانب من الاحتجاجات التي أعقبت مقتل مهسا أميني (غيتي)

ملخص

أشعلت وفاة مهسا أميني شرارة غضب لم تنطفئ، إذ تحولت إلى انتفاضة نسائية وشعبية كسرت حاجز الخوف في إيران، وبعد ثلاثة أعوام يبدو أن النظام يواجه تحدياً غير مسبوق مع تراجع الالتزام بالحجاب الإجباري وتصاعد العصيان المدني، وعلى رغم تصريحات الرئيس الإصلاحي بزشكيان الرافضة لفرض الحجاب بالقوة، يرى مراقبون أنها مجرد محاولة لاحتواء الغضب الشعبي، وتؤكد الناشطة مسيح علي نجاد أن النساء تجاوزن الخوف وأن النظام فقد السيطرة عليهن، وما بين مؤشرات التراجع الرسمي وتمسك المتشددين تقف إيران اليوم أمام مفترق طريق بين الإصلاح الحقيقي والانهيار الأيديولوجي.

لم تكن وفاة مهسا أميني، الفتاة ذات الـ 22 ربيعاً حادثة عابرة في ذاكرة الإيرانيين، بل كانت الشرارة التي أضرمت ناراً خمدت طويلا تحت رماد الخوف، فمن قلب مركز احتجاز في طهران خرجت قصتها لتوقظ الشارع وتعيد للأذهان مشهد الثورة الأولى عام 1979، حين تبدل وجه البلاد وتحول إلى جمهورية يلبس فيها الدين ثوب السلطة، لكن ما جرى بعد رحيلها لم يكن احتجاجا عابراً بل انتفاضة نساء وشباب حلموا بأن يتنفسوا بلا قيود. 

ولم تقتصر المواجهة مع النظام على الشارع بل كانت انتفاضة تلك الفتيات الصغيرات في المدارس الإيرانية، ممن انتشرت صورهن في وسائل الإعلام آنذاك وهن يخلعن الحجاب داخل فصول الدراسة أو يحرقونه، تحدياً أكبر للنظام، وأخريات رفعن لافتات تتحدى وتحتج ضد المرشد الأعلى علي خامنئي، وهو مشهد جديد على ساحة الاحتجاجات التي ملأ ضجيجها الشوارع الإيرانية منذ أعوام لكنها قوبلت بالقمع الذي حاول خمدها سريعاً.

تراجع واستسلام 

وفي أعقاب تلك الاحتجاجات حاولت السلطات في البداية تشديد تطبيق قانون الحجاب الذي أصبح إلزامياً بعد فترة وجيزة من الثورة الإسلامية عام 1979، لكن بعد مرور ثلاثة أعوام على رحيل أميني لا يبدو أن دماءها ذهبت سدى، فالأثير القادم من الجهة الفارسية ربما يبشر بمزيد من الحرية، تحملها تصريحات رسمية غير معروف مداها وعما إذا كانت مناورة سياسية لتهدئة الغضب المتفاقم أم نقطة تراجع واستسلام، فثمة مقاطع مصورة تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى أن القيود المشددة التي فرضتها سلطات الخميني على رؤوس النساء في طريقها للزوال، أو في الأقل سيتوقف النظام عن قتل من لا ترضخ لحكم تغطية شعرها، فالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وهو محسوب على التيار الإصلاحي، تحدث في مناسبتين خلال الشهرين الماضيين عن رفضه فرض الحجاب على النساء بالقوة، فخلال مقابلة مع شبكة "إن بي سي نيوز"، أكد رفضه لفرض ارتداء الحجاب على النساء والتشديدات الأخيرة في بلاده، وقال رداً على سؤال حول مهسا أميني إن "للبشر الحق في الاختيار".

وفي تصريحات سابقة في أغسطس (أب) الماضي دعا بزشكيان إلى حل قضية الحجاب الإلزامي بالحوار لا بالقوة والمشاحنات، وقال بحسب التصريحات التي نقلتها وكالة "نور" للأنباء"، "أنا متأكد بأنه من المستحيل إجبار النسوة على ارتداء الحجاب، كما كان من المستحيل نزع الحجاب بالقوة عن رؤوسهن"، مستحضراً في هذا الصدد ابنته كمثال، وقال إنه لا يستطيع أن يُملي عليها ما ترتديه، مضيفاً أنه بدلاً من الإملاء فمن الضروري إجراء حوار حتى يتقبل الشخص فكرة ارتداء الحجاب ويلتزم بها.

وعلى رغم موقف بزشكيان يقول المراقبون إنه لا يملك سوى قدر ضئيل من السلطة لوقف قوات الأمن، والعام الماضي أقرّ نواب متشددون قانوناً مثيراً للجدل لتطبيق الحجاب، يواجه بموجبه المخالفون عقوبات بالسجن لمدد طويلة وغرامات مالية كبيرة ومنعاً من السفر، لكن خشية إثارة اضطرابات جديدة فقد علق المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني تنفيذ قانون الحجاب والعفة.

وأخيراً قال محمد رضا باهنر، أحد أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام والذي يعمل كهيئة استشارية للمرشد الأعلى، في وقت سابق من الشهر الجاري، إن القانون الجديد المتعلق بالحجاب غير قابل للتنفيذ، مضيفاً "لا يوجد عملياً أي قانون ساري المفعول يفرض الحجاب الإجباري".

وقد أثارت التصريحات موجة من الغضب بين المتشددين، لكنها في الوقت نفسه أبرزت الواقع القائم في المدن الكبرى، إذ خففت السلطات من تشديدها على تطبيق قانون الحجاب الذي يعد ركناً أساساً من أركان الجمهورية الإسلامية، وهذا المشهد يثير كثيراً من التساؤلات عما إذا كانت إيران على شفا تغيير حقيقي، أم أنها مناورة سياسية لاحتواء غضب متفاقم في ظل ظروف إقليمية جعلت النظام الإيراني أكثر ضعفاً، مع سقوط وكلاءه في المنطقة أو إضعافهم، وهو السيناريو الأكثر واقعية في تفسير المشهد وفق المراقبون الإيرانيون.

خرج المارد من القمقم

ولتحليل المشهد داخل إيران وفهم أبعاد ما يحدث، تحدثت "اندبندنت عربية" إلى المعارضة والناشطة الإيرانية مسيح على نجاد التي حاول النظام الإيراني اغتيالها قبل عامين في منفاها بنيويورك، والتي أكدت أن الشارع الإيراني تبدل كثيراً مع تزايد تحدي النساء للقوانين القمعية التي يفرضها النظام، وأكدت أن النساء الإيرانيات لم يعدن يخشين النظام، وأن من يسير في شوارع طهران وغيرها من المدن الإيرانية يمكنه أن يرى النساء من دون غطاء للرأس. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول نجاد إن قادة النظام في إيران لم يعد بإمكانهم معاقبة النساء لأن هناك ملايين ممن يتحدين تلك القوانين القمعية، "ولذلك فأيديولوجيتهم تنهار، ومن الواضح أنهم يحاولون إعادة كتابة هذه القصة"، مضيفة أنهم "يعرفون أن النساء شجاعات، وليس ثمة مجرد امرأة واحدة تظهر جزءاً من شعرها، بل ملايين النساء يمشين في الشوارع من دون حجاب يمارسن العصيان المدني، ويقلن لتذهبوا إلى جهنم بقوانينكم"، مضيفة "هن يكشفن رؤوسهن في الشوارع، كما أنكم ترون في المدارس أن المراهقات لا يحترمن هذه القوانين البربرية". 

وتعتبر الناشطة الإيرانية وغيرها من المراقبين أن التصريحات التي تبدو أكثر ليناً أو انفتاحاً من جانب رجال النظام، تعبّر في واقع الأمر عن يأس لأنهم "يدركون أن النساء الإيرانيات قد تجاوزن بالفعل حدود سيطرتهم"، وتقول إنها ليست أكثر من محاولة لتهدئة غضب الشارع من دون تفكيك النظام الذي يغذيه، إذ يعلم النظام أن الحجاب الإجباري لم يعد ممكناً. 

وباتت النساء في مختلف أنحاء إيران يرفضن الانصياع لهذه القوانين الهمجية من دون خوف، مضيفة "إنهن يمشين دونه على رغم التهديدات والغرامات والكاميرات، ويستخدمون تقنيات المراقبة الصينية للتعرف إلى النساء اللواتي يخلعن الحجاب وإرسال مخالفات لهن، ويصادرون سيارات النساء اللواتي يقدن من دون حجاب، ويستخدمون شرطة الأخلاق لضرب النساء ومضايقتهن، لكن هذه الأساليب لم تعد تنجح، وهذا التحدي بات يرعب من هم في السلطة، وشجاعة النساء أخافت السياسيين فعلاً، ولهذا خففوا من لهجتهم، على أمل إنقاذ النظام ومحاولة احتواء غضب المجتمع".

حرب الـ 12 يوماً

استشعار النظام الإيراني خطر التوتر الداخلي ربما زاد في أعقاب حرب الـ12 يوماً التي اندلعت في يونيو (حزيران) الماضي بين إيران وإسرائيل، ففي تعليقات تليفزيونية الأسبوع الجاري أكد المتخصص في الشأن الإيراني مسعود الفك أن الشارع الإيراني يشهد تغيراً لافتاً على صعيد تراجع الحجاب وفي ملابس النساء الأكثر عصرية كثيراً، مؤكداً أنه منذ حرب يونيو الماضي لم تعد السلطات تلجأ إلى القوة لفرض الحجاب، مضيفاً أن "هذه الحرب تركت تأثيراً اجتماعياً، ودفعت السلطات للتقارب من مطالب الشارع". 

وفي الوقت نفسه أشار الفك إلى أن الحجاب مع فرضه بالقوة تحول إلى رمز تحد للنظام، مضيفاً أنه "عملياً الالتزام بالحجاب يتراجع في الشارع الإيراني كنوع من التحدي للسلطة، وعندما يصبح الحجاب أداة للسلطة تصبح الأداة نفسها أداة للمقاومة، وتلك الفيديوهات لشابات ونساء لا يردن الحجاب أو يرتدن ملابس مكشوفة، وكلها دليل على أن الحجاب الاجباري القسري تراجع، وهذا حق".

لا حرية في دكتاتورية دينية

وتقول نجاد إنه "طالما ظل الدين مدموجاً بالدولة، وطالما أن الجمهورية الإسلامية في السلطة، فلن تكون النساء حرات أبداً، وصدقوني لا يمكن أن توجد مساواة بين الجنسين تحت حكم ثيوقراطي وديكتاتورية دينية"، مستنكرة كيف لهؤلاء الرجال الذين أمضوا حياتهم المهنية كلها في الدفاع عن إهانة النساء أن يزعموا فجأة أن الحجاب لا ينبغي أن يفرض قانونياً، مضيفة أنه "يجب أن أقول ذلك وهذا لا يُسمى إصلاحاً في إيران بل يسمى أن الدكتاتوريين ينهارون، ولهذا السبب ومن منطلق الخوف يقولون فقط لنبقِ النظام على قيد الحياة، فنحن لا نستطيع محاربة هؤلاء النساء".

وخلال حديثها تذكرت نجاد عندما كانت تعمل كمراسلة صحافية في البرلمان الإيراني، كيف أن أحد الأعضاء المتشددين في البرلمان هاجمها وهددها بتوجيه لكمات لها عندما أظهرت بعض خصلات شعرها، وتقول "ما زلت أتذكر التفاصيل بوضوح، وقد قال لي إذا لم تغط شعرك جيداً فسألكمك على وجهك، وكانت هناك كاميرات في كل مكان وصحافيون يلتقطون كل لحظة".

وتضيف أن "محمد باهنر نفسه هاجمها وطردها من البرلمان الإيراني لمجرد انتقادها للنظام، وكل هذا الغضب وكل هذا العنف لأن امرأة تجرأت على إظهار جزء من شعرها، وهذا هو الشخص وهذه هي عقلية هؤلاء السياسيين الذين أتحدث عنهم، لذا عندما أسمع أن محمد رضا باهنر يتحدث الآن عن أن الحجاب لا يحتاج إلى فرض قانوني، ولا أرى إصلاحياً يقول دعونا نحترم نساء إيران، فقط أرى خوفاً وأرى نفس القمعيين القدامى الذين يحاولون في الواقع إنقاذ أنفسهم، يحاولون البقاء على قيد الحياة وإنقاذ نظامهم الخاص لأنهم يعلمون أن النساء لم يعد من الممكن السيطرة عليهن". 

ويؤمن الإيرانيون أن السبيل الوحيد لتغيير حقيقي في بلدهم هو سقوط نظام الدولة الدينية والتحول إلى العلمانية، فتقول نجاد إن ما يؤمن به ملايين الإيرانيين هو أن يغادر النظام السلطة وأن "يُسمع صوت الإيرانيين قائلاً إننا نريد ديمقراطية علمانية في القرن الـ 21، وبهذه الطريقة سنستعيد كرامتنا واحترامنا وحريتنا وأماننا، ولن يكون ذلك مهما لنا وحسب، فستصبح المنطقة بأسرها أكثر أماناً بكثير عندما تزول الجمهورية الإسلامية"، مضيفة "يجب أن نكون واضحين تماماً، فالاحترام الحقيقي للنساء مستحيل من دون ديمقراطية علمانية ليس كافياً أن يجري تخفيف تطبيق قانون الحجاب، ويجب أن تنتهي أيديولوجية السيطرة الحكومية على النساء برمتها، فطالما أن رجال الدين هم من يكتبون القوانين فستبقى النساء مواطنات من الدرجة الثانية، فقط عندما تفصل الدين عن الحكومة تماماً يمكن للنساء وجميع المواطنين أن ينعموا بالمساواة والأمان والاحترام والكرامة والحرية في ظل القانون".

وفي خطاب مسجل بالفيديو، هاجم المرشد الأعلى الإيراني على خامنئي مسيح على نجاد بسبب وصفها الحجاب بأنه مثل "جدار برلين"، ووصفها بأنها عميلة للولايات المتحدة، لذا لا تعتقد الناشطة الإيرانية بجدية تصريحات الرئيس الإيراني أو غيره من السياسيين من دون أن يعلن المرشد، باعتباره رأس النظام، موقفه من رفض فرض الحجاب، وتقول "صحيح أنه في الشوارع لم يعد النظام قادراً على السيطرة على النساء، لكن في المدارس تجبر الفتيات الصغيرات اللواتي لا يتجاوز عمرهن السابعة على تغطية شعورهن، وإلا فسيطردن من النظام التعليمي، فلا يمكن القول برفض فرض الحجاب قانونياً على النساء، وفي الوقت نفسه إجبار جميع الفتيات في المدارس منذ سن السابعة على تغطية شعورهن، يظهر نفاق هذا النظام".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير