Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحياة في إيران... قبل مقتل مهسا أميني ليست كما بعده

تغير الخطاب العام في المجتمع حيث أصبحت مفاهيم مثل الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية جزءاً من الحوار اليومي بين الناس

وفاة مهسا أميني شكلت نقطة تحول مفصلية ونقلت الاحتجاجات إلى مستوى غير مسبوق من الزخم والتحدي (أ ف ب)

ملخص

بعد الانتفاضة الشعبية عام 2022 أظهر النظام علامات ضعف وتآكل أكثر من أي وقت مضى. فقد شهدت الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء ورئاسة الجمهورية تراجعاً غير مسبوق في نسب المشاركة، مما يشير بوضوح إلى تراجع القاعدة الاجتماعية وابتعاد الناس عن صناديق الاقتراع.

قبل ثلاثة أعوام وفي يوم الـ15 من سبتمبر (أيلول) 2022، كانت أنفاس ملايين الإيرانيين محبوسة ومضطربة مع كل خبر جديد يرد من مستشفى "كسری" في طهران، حيث نقلت شابة تدعى مهسا أميني، تنحدر من مدينة سقز، بعد اعتقالها من قبل عناصر "شرطة الأخلاق".

في البداية، تواردت الأنباء المتضاربة، إذ كان تحدث البعض عن موت دماغي، فيما تمسك آخرون بخيط أمل ضعيف بعودتها إلى الحياة، لكن في يوم الـ16 من سبتمبر 2022، تأكد النبأ الصادم أن مهسا أميني فارقت الحياة، وبهذا الرحيل، دخل المجتمع الإيراني مرحلة جديدة قسمت الزمن إلى ما قبل مهسا وما بعدها.

كانت الحملة القمعية لشرطة الأخلاق ضد النساء قد تصاعدت قبل هذه الحادثة بأشهر، وامتلأت منصات التواصل الاجتماعي بمقاطع مصورة تظهر عنفاً ممنهجاً في الشوارع الإيرانية، مما ترك جرحاً غائراً في الوعي الجماعي وأجج مشاعر الغضب الشعبي، وفي هذا السياق، جاءت وفاة مهسا أميني لتكون الشرارة التي أشعلت الغضب المكبوت في الشارع الإيراني.

ومع إعلان وفاتها، بدأ عشرات المواطنين المحتشدين أمام المستشفى بالاحتجاج، وسرعان ما امتدت شرارة التظاهرات إلى عشرات المدن الإيرانية، وشهدت الحركة الطلابية، التي كانت قد خمدت منذ احتجاجات عام 2009، عودة قوية، كما انخرط طلاب المدارس، وهم من بين أكثر الفئات عرضة للدعاية والتلقين الأيديولوجي، في موجة الغضب ضد النظام الحاكم.

من جهته، لجأ النظام إلى استخدام أدوات القمع كلها، قتل عشرات برصاص مباشر من القوات الأمنية وأصيب مئات فيما اعتُقل آلاف، ومنذ الأشهر الأولى، بدأ تنفيذ أحكام الإعدام في حق عدد من المحتجين كأداة للترهيب، ومع ذلك، لم يعد الشارع الإيراني إلى ما كان عليه قبل وفاة مهسا أميني.

اصطفاف النساء في مواجهة الحجاب الإجباري

على مدى أكثر من أربعة عقود من حكم النظام القائم في طهران، واصلت النساء في إيران التعبير عن رفضهن للحجاب الإجباري بطرق وأساليب مختلفة، بدءاً من أولى التظاهرات الحاشدة في الثامن من مارس (آذار) 1979 ضد فرض الحجاب، مروراً بحركات فردية ورمزية مثل "فتيات شارع الثورة" خلال العقود التالية، إلا أن وفاة مهسا أميني شكلت نقطة تحول مفصلية، نقلت هذه الاحتجاجات إلى مستوى غير مسبوق من الزخم والتحدي.

بعد سبتمبر 2022، وقفت النساء الإيرانيات بصورة أكثر تنسيقاً واتساعاً في مواجهة السياسات القمعية للنظام الإيراني، تحت شعار "المرأة، الحياة، الحرية"، ولم يعد خلع الحجاب الإجباري مجرد خيار فردي وحسب، بل تحول إلى فعل جماعي منظم ومعبر عن مقاومة مدنية واسعة.

أعمال رمزية مثل حرق أغطية الرأس وقص الشعر علناً أصبحت تعبيراً بصرياً قوياً عن الرفض والاحتجاج، وقدمت للعالم صورة مؤثرة عن نضال النساء الإيرانيات ضد التمييز القائم على النوع الاجتماعي.

صدى هذه المقاومة سريعاً ما تجاوز الحدود الإيرانية، إذ وجدت طريقها إلى وسائل الإعلام العالمية ومنصات التواصل الاجتماعي، مما أثار موجة من التضامن والدعم الدوليين، وبهذا، أصبحت حركة النساء الإيرانيات ضد الحجاب الإجباري واحدة من أبرز رموز النضال من أجل حقوق المرأة والحريات المدنية في القرن الـ21.

اللافت أن هذا الاصطفاف النسائي ظل مستمراً على رغم التصعيد الأمني وحملات الاعتقال وأحكام القضاء القاسية، فقد خرجت أفعال العصيان المدني من نطاق المبادرات الفردية لتصبح تعبيراً جماعياً عن التضامن والمقاومة المجتمعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أدوات النظام لقمع الاحتجاجات

في أعقاب الاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة مهسا أميني، لجأ النظام الإيراني إلى مجموعة واسعة من أدوات القمع للسيطرة على الشارع، وأول ردود الأفعال كانت الانتشار المكثف لقوات الوحدات الخاصة والباسيج والحرس الثوري، الذين واجهوا المتظاهرين باستخدام الغاز المسيل للدموع والهراوات والرصاص المطاطي، وأحياناً الذخيرة الحية، وقد أكدت تقارير منظمات حقوقية دولية مثل منظمة "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" أن القوات الأمنية كانت تطلق النار مباشرة على رؤوس وصدور المتظاهرين، مما أسفر عن مقتل مئات بينهم نساء وأطفال.

إلى جانب القمع الميداني، شن النظام حملة اعتقالات واسعة النطاق شملت آلافاً من المحتجين والطلبة والصحافيين والناشطين المدنيين، وتعرض الكثير منهم للتعذيب، وانتزعت منهم اعترافات قسرية، وأحيلوا إلى محاكمات غير علنية، كما صدرت في حق عدد من المعتقلين أحكام قاسية بالسجن وأحكام إعدام في محاولة لترهيب المجتمع وكبح حركة الاحتجاج.

واعتمد النظام الإيراني أيضاً على تقييد حرية الإعلام والمعلومات كأداة أساسية في قمعه، إذ شهدت البلاد انقطاعات واسعة للإنترنت وحجبت منصات التواصل الاجتماعي وتعرض الصحافيون للملاحقة والاعتقال أو التهديد، وفي الوقت نفسه، واجهت عائلات القتلى والمعتقلين ضغوطاً أمنية شديدة شملت الاستدعاء والتهديد لمنعهم من الحديث لوسائل الإعلام أو كشف ما جرى.

انقسام عميق بين الشعب والحكومة

أربعة عقود من حكم النظام القائم في إيران شهدت تراكم مجموعة من المشكلات المزمنة التي عاناها الشعب، إذ شملت الفقر والتضخم الاقتصادي والبطالة الواسعة والفساد الهيكلي الممنهج والتمييز والتوترات الخارجية والتدخلات المستمرة في الخصوصيات الشخصية، هذه الظروف أدت تدرجاً إلى نشوء مجتمع متعب ومتمرد فقد ثقته بالحكومة كلياً.

على رغم أن أجزاء من المجتمع ظلت تأمل في الإصلاح أو إعادة البناء الداخلي في بعض الفترات، فإن تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أدى إلى اتساع الفجوة بين المجتمع والحكومة، وشكلت احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 ذروة هذا المسار، حين أدى القمع الدموي للمتظاهرين إلى فقدان الشرعية الحكومية في نظر كثر.

ومع وفاة مهسا أميني واندلاع احتجاجات عام 2022، وصل هذا الانقسام إلى مرحلة جديدة وغير مسبوقة. ولم تعد المسألة مجرد فجوة بين الشعب والحكومة، بل تحولت إلى مواجهة واضحة بين المجتمع من جهة والنظام السياسي من جهة أخرى، إذ رأى جزء كبير من الشعب الحكومة كخصم لمطالبه الأساسية، التي تشمل الحريات الفردية والحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وأدركوا أن النظام الحالي يجعل من الحياة الهادئة حلماً بعيد المنال.

تراجع مكانة النظام واستمرار الاحتجاجات

بعد الانتفاضة الشعبية الشاملة عام 2022، أظهر النظام الإيراني علامات ضعف وتآكل أكثر من أي وقت مضى، فقد شهدت الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء ورئاسة الجمهورية تراجعاً غير مسبوق في نسب المشاركة، مما يشير بوضوح إلى تراجع القاعدة الاجتماعية وابتعاد الناس عن صناديق الاقتراع، وفي الوقت نفسه، زادت موجة هجرة النخب وتصاعدت الأزمات الاقتصادية وتفاقمت مظاهر الاستياء المعيشي، مما ضاعف الضغوط الداخلية على النظام.

وأما على الصعيد الدولي، أدت العزلة السياسية وتبني قرارات حقوقية عدة ضد النظام الإيراني إلى إضعاف شرعيته بصورة متزايدة.

ولم تتوقف الاحتجاجات بعد عام 2022 على رغم القمع الدموي، بل استمرت بصور جديدة، حيث تحول العصيان المدني للنساء في ما يتعلق بموضوع الحجاب الإجباري إلى واحد من أبرز مظاهر المقاومة، إذ شهدت الأماكن العامة حضوراً متزايداً للنساء غير المحجبات متحديات التهديدات والغرامات المالية التي تفرضها السلطات، وابتكار أساليب رمزية للاحتجاج، لتشكل مجتمعاً لم يعد يخضع للإجبار الحكومي.

وفي الوقت ذاته، استمرت الإضرابات والتجمعات العمالية والمهنية لموظفي التعليم والمتقاعدين وعمال شركات النفط والبتروكيماويات وقطاعات أخرى، احتجاجات غالباً ما تبدأ بمطالب معيشية لكنها سرعان ما تتطور إلى شعارات ومطالب سياسية، مما يعكس استمرار الاستياء الاجتماعي العميق.

من جهة أخرى، تظل شبكات التواصل الاجتماعي ساحة حيوية للاحتجاج، حيث تسرد عائلات الضحايا قصصها، وتطلق حملات من أجل إطلاق سراح السجناء السياسيين، وتنشط الجاليات الإيرانية في الخارج بتنظيم فعاليات تحافظ على التواصل بين الداخل والخارج، لترفع صوت الانتفاضة الشعبية الإيرانية إلى ما وراء حدود البلاد.

التغييرات الجذرية في المجتمع الإيراني

بعد الاحتجاجات الشعبية عام 2022، دخل المجتمع الإيراني مرحلة تجاوزت الاستياء من قضايا مثل الفقر والتضخم وكلف المعيشة، لتأخذ أبعاداً أعمق، وفي استمرار الاحتجاجات الدامية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، تحدى الناس وجود النظام السياسي وشرعيته، مطالبين بالإطاحة بالحكومة وعلى رأسها المرشد الأعلى للجمهورية في إيران.

وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، استمر هذا المسار مع علامة لافتة تتمثل في أن الناس كلما فقدوا الأمل في إصلاح النظام السياسي، لجأوا إلى تعزيز التضامن الاجتماعي في ما بينهم.

وإضافة إلى ذلك، تغير الخطاب العام في المجتمع، حيث أصبحت مفاهيم مثل الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية، التي كانت تقتصر سابقاً على الأوساط الفكرية، جزءاً من الحوار اليومي بين الناس، وكل ذلك رسم صورة جديدة لإيران المعاصرة، إيران التي تحمل في طياتها أحداثاً جديدة وتزداد فيها الآمال بالحرية يوماً بعد يوم.

نقلاً عن "اندبندنت فارسية"

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير