Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تزايد التلاعب العاطفي بسلوك "فتات الخبز"

يصيب الذين يعانون التجاهل بالاكتئاب وأصبح منتشراً على وسائل التواصل الاجتماعي

يحدث هذا النوع من التلاعب في العلاقات الأسرية والصدقات والعمل لكنه أكثر شيوعاً في العلاقات الرومانسية (أن سبلاش)

ملخص

"فتات الخبز" شكل من صور التصرفات المضللة والتلاعب العاطفي، سواء كان متعمداً أم غير متعمد، يتبعه الشخص عندما يتظاهر بالاهتمام ويتصرف كما لو أنه منتظم في العلاقة، عبر إيلاء انتباه متقطع ومتباعد للآخر لإبقائه قيد العلاقة، بينما الحقيقة أنه لا توجد أية نية حقيقية لتطوير العلاقة أو الالتزام بها.

من أشهر الأطر الأخلاقية التي تصلح لكل زمان ومكان تلك التي عبر عنها أبو فراس الحمداني في قوله "ونحن أناس لا توسط بيننا، لنا الصدر دون العالمين أو القبر، تهون علينا في المعالي نفوسنا، ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر"، فابن عم سيف الدولة الحمداني يرفض هنا الوسطية والتردد والمساومة على الاحترام، متمسكاً بقيم تتشبع بها النفس لاتخاذ موقف حازم من الحياة ككل.

وربما لم يكن في عصر الحمداني أنواع التصنيفات التي تطالعنا اليوم في العلاقات، لكن الأكيد أننا فقدنا كثيراً من القيم التي كان من الممكن لها أن تجنبنا التعلق في علاقات زائفة وتحمينا من ألوان التلاعب العاطفي الشائعة في عصرنا الحالي، والتي يصعب يكشفها بمعظمها من قبل غير المتخصصين إلا أنها تنتج كثيراً من القلق والاضطراب في العلاقات، ومنها علاقة "فتات الخبز" (breadcrumbing).

رمي الفتات

وفتات الخبز شكل من صور التصرفات المضللة والتلاعب العاطفي، سواء كان متعمداً أم غير متعمد، يتبعه الشخص عندما يتظاهر بالاهتمام ويتصرف كما لو أنه منتظم في العلاقة، عبر إيلاء انتباه متقطع ومتباعد للآخر لإبقائه قيد العلاقة، بينما الحقيقة أنه لا توجد أية نية حقيقية لتطوير العلاقة أو الالتزام بها.

المصطلح مأخوذ من قصة "هانسل وغريتل"، وفيها يقوم الأطفال بتفتيت الخبز ورميه وراءهم في الغابة للاستدلال على طريق العودة، الشخص الذي يمارس هذا النوع من التلاعب يقوم برمي قطع صغيرة من الاهتمام والغاية منها إبقاء الطرف الآخر متعلق به ومتتبع للعلاقة، مما جعل الطرف الآخر متعلقاً واعتمادياً للغاية.

وقد يحدث هذا النوع من التلاعب في كل العلاقات، الأسرية والصدقات والعمل، وإن كان أكثر شيوعاً في العلاقات الرومانسية.

تواصل متقطع

والشخص المتلاعب يتواصل من بعد، كأن يترك للطرف الآخر إعجاباً أو تعليقاً على إحدى صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي من دون الانتظام في محادثة، أو يتجاهل طلبات اللقاء تماماً أو يعطي وعوداً بالتواصل ويحدد موعداً ضبابياً ولا يلتزم به، أو أن يظهر عند الحاجة فقط عندما يكون وحيداً أو يشعر بالملل أو غير ذلك.

فهو يعتمد التواصل المتقطع غير المنتظم فيرسل رسالة كل بضعة أيام أو أسابيع ثم يختفي، في حال التواصل يرد بردود متأخرة وقصيرة لا تشجع على استمرار المحادثة، ولكنها كافيه لبقاء الطرف الآخر معلقاً في خيوط هذه العلاقة طوال الوقت.

دوافع نفسية

والحقيقة أن هناك دوافع نفسية عديدة يحددها المتخصصون، إلا أن جذر المشكلة يبدأ بحالة تسمى تعزيز الأنا بالسعي لجذب الانتباه، وفيها يطلب الطرف المتلاعب شخصاً يهتم به وينتظره ويفكر وينشغل به طوال الوقت، وهذا الأمر يعطيه مساحة من الأمان ويعزز احترامه لذاته، والبعض يعتمد هذه الطريقة ليترك الطرف الآخر جانباً كخيار في حال لم يجد شخصاً أفضل، إضافة إلى أن بعض الأشخاص لا يملكون شجاعة إنهاء العلاقة، وتجنبهم المواجهة هذا يطيل أمد العلاقة بصورة سلبية.

ولكن في كل الأحوال من يعتمد هذا الأسلوب قد يكون متردداً حول ما يريده أو لا يشعر أصلاً بالراحة في العلاقات بسبب نشأته في الطفولة، ويفسر علم النفس الأمر بأنه نوع من أنماط التعلق التجنبي ومن سماته الابتعاد عن الاهتمام العاطفي لتجنب العلاقة الوطيدة، إذ يسعى فيه الأفراد للحصول على التأييد، وفي سبيل هذا يأملون أن يتبعهم الطرف الآخر بمجرد تركهم لفجوات في عملية التواصل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 وهذا كله متضمن أسلوب الشد والترك والجذب والدفع، فهم يرغبون في العلاقة، لكنهم في الوقت نفسه يخشون الرفض، فيدفعون شريكهم بعيداً منهم، وفي حين أن البقاء وحيداً يشعرهم بالخوف، إلا أن خوفهم من الالتزام بعلاقة جادة والتكفل بتبعاتها أكبر بكثير من شعور الوحدة.

عواقب نفسية

ويخلق هذا النوع من العلاقات حالة متأزمة من الإرباك والشك ذاتي، فالطرف الآخر لا يعرف عملياً ماذا يحدث ويتساءل طوال الوقت هل أرى شيء غير موجود؟ هل أبالغ؟ هل فعلت شيئاً مما جعله يتعامل بهذه الطريقة؟ والكثير من الأسئلة ترد على الذهن في هذا السياق، مرفقة بحالة من القلق المستمر والانتظار لأي إشارة أو كلمه من الطرف المتلاعب، وهذا يسبب ضعفاً في الثقة بالنفس ويشعر المتلاعب به كما لو أنه غير جدير بالاهتمام أو الحب الجاد، إضافة إلى هدر الطاقة العاطفية والوقت والجهد مع شخص، سواء كان يعلم أو يجهل ماذا يفعل، غير سوي نفسياً.

وقد يصاب البعض من يعانون التجاهل بالاكتئاب وقد يتعرضون لمشكلات جلدية، بخاصة إذا كان شعر من يعاني التجاهل بأنه هو المخطئ، مما يؤدي بدوره إلى عواقب نفسية دائمة.

لذا من المهم جداً أن يتعرف الشخص على هذه الحيلة ويعلم أن المشكلة ليست في سلوكه هو، بل في سلوك الشخص الآخر وعدم نزاهته العاطفية، بالتالي فإن لوم النفس هنا لا داعي له على الإطلاق.

وضع الحدود

والحل بحسب المتخصصين يكمن بصورة أساسية في المواجهة والمباشرة بوضع حدود واضحة وطرح الوضوح كمطلب لا غنى عنه في العلاقة والرفض بصورة حازمة لحالة عدم الالتزام تلك، فالهدف عدم السماح للطرف الآخر بمواصلة التلاعب حتى لو وصل الأمر إلى قطع التواصل تماماً، وتجنب التجاوب معه لقطع الطريق على المتلاعب وتجريده أدوات التحكم التي سمحت له الدخول في هذه اللعبة.

مع التأكد من تركيز الطاقة على الأشخاص الذين يهتمون ويقدمون في سبيل استمرار العلاقة بدلاً من الانشغال بأشخاص غير جادين، في النهاية يندرج هذا السلوك في إطار الأنانية وعدم النضج، فالاهتمام الحقيقي ينبع من شخص واع يعرف ماذا يقول ويلتزم بأقواله ويتبعها بأفعال.

وهذا علم النفس يقول لك، ما دمت تستحق رغيفاً كاملاً من الاهتمام والاحترام، إياك أن تتطلع إلى فتات الخبز، وفي النهاية عليك أن تسأل نفسك، لماذا علي القبول بمثل هذه المعاملة السيئة؟ وربما أبيات الحمداني التي افتتحت هذه المقالة خير موقف يتخذ في هذه الحالة.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات