ملخص
بمرور الأيام واكتساب "الاحتكاك والتجربة الاحتجاجية" في شوارع المغرب، تحولت شعارات الأيام الأولى المطالبة بتحسين خدمات قطاعي الصحة والتعليم، التي رفعها "جيل زد"، إلى شعارات تطالب صراحة باستقالة الحكومة ورحيل رئيسها عزيز أخنوش ومحاربة الفساد وإطلاق سراح "معتقلي الرأي".
شهدت الشعارات المرفوعة من طرف شباب "جيل زد" بالمغرب، منذ الـ27 من سبتمبر (أيلول) الماضي إلى اليوم، تحولات لافتة بالانتقال من شعارات ذات طبيعة اجتماعية صرفة تبدو "بسيطة" إلى "شعارات ساخنة" مشوبة بنبرة سياسية قوية.
ويرى مراقبون أن انتقال "شباب زد" من مطالب اجتماعية لقطاعات فئوية، مثل الصحة والتعليم تحديداً، إلى مطالب سياسية واقتصادية قوية، ينم عن تطور سياسي في وعي الحركة الشبابية، ولكن أيضاً عن رفع لسقف المطالب يرمي الكرة في ملعب الحكومة.
وتتوقف احتجاجات "شباب زد" خلال يومي أمس واليوم الأربعاء، وفق بلاغ جديد للحركة المذكورة، أفاد بأن "هذا التوقف ليس تراجعاً عن المطالب، بل خطوة استراتيجية لتعزيز قوة الصوت الجماهيري وضمان وصوله بصورة واضحة ومؤثرة".
ودعت حركة "جيل زد" الشباب إلى "الاستعداد والمشاركة الواسعة الخميس التاسع من أكتوبر الجاري، في وقفات على صعيد التراب الوطني للمطالبة بإقالة الحكومة ومحاسبتها، وتعزيز قطاعي الصحة والتعليم، والإفراج عن المعتقلين السياسيين".
شعارات اجتماعية وسياسية
بمرور الأيام واكتساب "الاحتكاك والتجربة الاحتجاجية" في الشوارع، تحولت شعارات الأيام الأولى المطالبة بتحسين خدمات قطاعي الصحة والتعليم، إلى شعارات تطالب صراحة باستقالة الحكومة ورحيل رئيسها عزيز أخنوش، ومحاربة الفساد، وإطلاق سراح "معتقلي الرأي".
في بداية "حراك زد" رفع آلاف الشباب في كثير من المدن المغربية شعارات تكاد تنحصر في مطلب رئيس هو تحسين خدمات قطاعي الصحة والتعليم، قبل أن تتطور بعد ذلك إلى شعارات ذات نفس سياسي واضح، مثل مطلب استقالة الحكومة، ومحاربة المفسدين، ومواجهة الفساد المالي والإداري، والإفراج عن معتقلي الرأي، وعلى رأسهم قادة "حراك الريف"، من قبيل ناصر الزفزافي.
ويمكن توزيع الشعارات المرفوعة من طرف "شباب زد" منذ اليوم الأول من الاحتجاجات إلى شعارات اجتماعية وأخرى اقتصادية وثالثة سياسية، فمن أبرز الشعارات الاجتماعية تم رفع شعار "علاش جينا واحتجنا، التعليم والصحة اللي بغينا" (لماذا أتينا للاحتجاج، نريد التعليم والصحة)، وشعار "الشعب يريد الصحة والتعليم"، فضلاً عن شعار "الكرامة قبل المونديال"، في إشارة إلى استضافة المغرب لكأس العالم لكرة القدم عام 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال.
ومن أهم الشعارات الاقتصادية المرفوعة من طرف "شباب زد" في شوارع المغرب، "فوسفات وزوج بحور وعايشين عيشة مقهورة"، بمعنى أن المغرب يملك الفوسفات ويطل على مسطحين مائيين (البحر المتوسط والمحيط الأطلسي) ومع ذلك يعيش مواطنوه حياة قهر، فضلاً عن شعار جديد رفعه بعض الشباب يدعو إلى المقاطعة الاقتصادية لمنتجات شركة رئيس الحكومة المعروف بأنه أتى إلى عالم السياسة من عالم المال والأعمال.
أما أبرز الشعارات السياسية التي يرفعها "شباب زد"، فهو شعار "أخنوش ارحل"، حيث يطالبون باستقالته ومن ثم استقالة الحكومة، باعتبار أن الدستور المغربي لا ينص على صلاحية إقالة الملك الحكومة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رفع السقف
في هذا الصدد يعلق الباحث السياسي الأستاذ في جامعة مراكش محمد نشطاوي، بأن الشعارات التي رفعها "شباب زد 212" تعبر عن نوع من النضج السياسي، لا سيما أنها تدعو إلى محاربة الفساد وإصلاح قطاعي الصحة والتعليم، وملاحقة من تورطوا في قضايا الفساد، بل أكثر من ذلك، عندما رفعوا السقف بالمطالبة باستقالة الحكومة وحل البرلمان. وأفاد نشطاوي بأن "الشعارات التي رفعها 'شباب زد'، والمطالب المحددة من طرفهم، تبين أن رفع السقف هذا يروم أساساً إحراج الحكومة من جهة، ومن جهة أخرى تأمل تدخل الملك محمد السادس لإصلاح ما أفسدته الحكومة"، مردفاً أن "الولاية الحكومية اتسمت بموجة الغلاء الفاحش، وارتفاع قضايا الفساد، وتواطؤ 'اللوبيات' في كثير من القطاعات، وإجهاض قوانين كان من الممكن أن تضفي نوعاً من الحوكمة في المغرب، مثل قانون تجريم الإثراء غير المشروع".
وأورد المتحدث ذاته أن "ما حصل أحدث رجة حقيقة في المغرب، إذ تخللت بعض الاحتجاجات أعمال عنف وتخريب، غير أن التدخل الأمني في البداية لم يكن مناسباً، مما أفرز سلوكيات أساءت إلى الحركة المطلبية الشبابية".
واستطرد نشطاوي أن "هذه الشعارات أنتجت تحولاً نوعياً على مستوى سلوك الحكومة، ورد فعل السطات العمومية حيال مطالب الشباب، وأيضاً نظرة المجتمع إلى هؤلاء الشباب الغاضبين الذين بدأوا بمطالب بسيطة وفئوية، لكن في حقيقتها تنطوي على رؤية مشبعة بوسائل التواصل الاجتماعي، ومقارنة وضعيتهم بوضعية شباب عدد من الدول الأخرى".
خلفيات تطور الشعارات
ولمعرفة خلفيات تغير الشعارات الشبابية من مطالب فئوية تنحصر في قطاعي التعليم والصحة إلى مطالب سياسية واقتصادية، كشف شاب ينشط ضمن حركة "جيل زد 212"، رفض ذكر اسمه، أن "انطلاق الحراك كان وقوده إصلاح قطاعي التعليم والصحة، لأن تنسيق الاحتجاجات جاء في سياق اجتماعي محتقن، خصوصاً بعد وفاة ثماني حوامل خلال مدة قصيرة في أحد مستشفيات مدينة أغادير، وأيضاً بسبب التوجه الحكومي نحو خصخصة التعليم العالي".
وتابع الشاب بأنه "وفق هذه الرؤية من الطبيعي جداً رفع هذه المطالب الاجتماعية القطاعية في بداية الحراك، لكن باشتعال الاحتجاجات وتنوع الزخم وتلاقح الأفكار من أجيال ذات تجربة وخبرة، تطورت الشعارات والمطالب إلى محاربة الفساد ورحيل الحكومة دفعة واحدة، في أفق التحضير لانتخابات مبكرة يصوت فيها المغاربة لفائدة أحزاب وشخصيات تستحق تولي تدبير الشأن العام بجدية وجدارة".
ويلتقط خيط الحديث، الباحث الاقتصادي الاجتماعي محمد مجدولين، الذي توقف عند شعارات ذات نفحة اقتصادية واجتماعية، من قبيل "فوسفات وبحران والمغاربة يعيشون القهر"، الذي يجد فيه "مجاهرة بنوع من المعاناة الاجتماعية بسبب عدم استفادة المواطنين من عائدات تصدير الفوسفات، ولا من الثروة السمكية في بلد يحظى بواجهتين بحريتين بطول 3500 كيلومتر، هما البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي".
وأردف الباحث بأن "شعاراً آخر رفعه الشباب هو الدعوة إلى مقاطعة منتجات اقتصادية وتجارية بعينها، يظهر أن 'جيل زد' يمتلك وعياً اقتصادياً معيناً، لأنه يرفض زواج المال بالسلطة، ويريد إرجاع الأمور إلى نصابها".