ملخص
يرى الرئيس السابق لجهاز "الشاباك" الإسرائيلي عامي أيالون أن خطة ترمب تمثل خطوة أولى مهمة نحو إنهاء الحرب، لكنها تعاني فجوة كبيرة بين ما يريده الإسرائيليون وما يطالب به الفلسطينيون، إذ تركز على استعادة الرهائن وتتجاهل إنهاء الاحتلال. ويؤكد أن من أكبر الأخطاء تجاهل القادة الفلسطينيين المعتدلين، وأن السلام لن يتحقق إلا باتفاق سياسي يقوم على دولتين وضغط دولي يجعل استقرار الشرق الأوسط مصلحة عالمية.
يوم الإثنين السادس من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري - أي بعد نحو عامين تماماً على هجوم حركة "حماس" في السابع من أكتوبر 2023 على إسرائيل، الذي دفعها إلى شن حربها المدمرة على غزة - توجه مفاوضو إسرائيل و"حماس" إلى القاهرة لإجراء محادثات تهدف إلى إنهاء الحرب. تشكل خطة السلام التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الـ29 من سبتمبر (أيلول) الماضي، والمكونة من 20 بنداً، الأساس لهذه المفاوضات. وقد أعربت "حماس" عن استعدادها للإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين المتبقين لديها مقابل إطلاق سراح أكثر من ألفي أسير فلسطيني. كما يقال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وافق أيضاً على انسحاب جزئي للجيش الإسرائيلي من غزة، في حين أوقفت هذه القوات بعض غاراتها الجوية بالفعل. وتنص الخطة، التي تحظى بدعم ثماني دول عربية وإسلامية في المنطقة على نزع سلاح "حماس"، وزيادة المساعدات إلى غزة، وإعادة إعمار اقتصاد القطاع، وصولاً إلى أن تُدار مستقبلاً من قبل السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها.
قبل أسابيع قليلة بدا أن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أمر مستحيل تماماً. فقد شدد نتنياهو على أن تحرير الرهائن لا يمكن أن يتحقق إلا بالقوة العسكرية، وبدأت القوات الإسرائيلية احتلال مدينة غزة في عملية كان يتوقع أن تستمر أشهراً، فيما أكد المسؤولون الإسرائيليون أنهم سيتحدون الضغوط الدولية الرامية إلى تغيير سياستهم الحربية. ولفهم ما الذي تغير بالنسبة إلى الأطراف الرئيسة في الشرق الأوسط ولماذا، تحدثت "فورين أفيرز" إلى عامي أيالون، الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) والقائد السابق للبحرية الإسرائيلية. لدى أيالون أيضاً خبرة طويلة في العمل السياسي، إذ شغل عضوية البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) ومناصب وزارية في حكومة رئيس الوزراء إيهود أولمرت، كما عمل منذ سنوات مع شخصيات من المجتمع المدني الفلسطيني لإيجاد حل دائم للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. أجرت المحررة المسؤولة إيف فيربانكس المقابلة معه صباح الأحد، وقد حررت بهدف الاختصار والتوضيح.
يشعر معظم المراقبين خارج المنطقة بالارتباك إزاء كيفية تقييم فرص هذه الخطة في أن تصبح واقعاً.
قد يشعر المراقبون بعزاء ما إذا عرفوا أننا نحن الإسرائيليين نشعر بالضياع أيضاً ونحن نحاول فهم تداعيات هذه الخطة وما تحمله من وعود، لكن إنهاء الحرب واستعادة جميع الرهائن أمران على قدر من الأهمية يجعلنا مستعدين للتصديق، والتشبث بأي بصيص أمل. هذا هو المزاج السائد في إسرائيل اليوم.
أعتقد أن هذه الخطة تشكل خطوة أولى في غاية الأهمية، غير أن هناك فجوة هائلة بين التوقعات الإسرائيلية والتوقعات الفلسطينية. ما يهم الإسرائيليين هو إنهاء الحرب واستعادة الرهائن، ولذلك يرى كثر منهم أن هذه خطوة رائعة وفي الاتجاه الصحيح. لكن المشكلة أن الخطة لا تعكس ما يريده الفلسطينيون. صحيح أنهم يريدون إنهاء الحرب وإطلاق سراح أسراهم، لكن هدفهم النهائي هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم - بما في ذلك الضفة الغربية. وهذه الخطة، على رغم كل شيء، لا تتحدث فعلاً عن ذلك.
تحدثت إلى صديق فلسطيني قبل يومين. هو باحث بارز. قال إن المزاج السائد بين الفلسطينيين هو كما يلي: سيعتبرون إدارة لغزة بقيادة ترمب وتوني بلير، مع ممثل فلسطيني واحد فقط في "مجلس للسلام"، أمراً مهيناً. فكل ما سعينا إلى القضاء عليه في غزة سيزدهر في الضفة الغربية. قد لا يحمل اسم "حماس"، لكن كما يعيش المجتمع الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر في حالة من الارتباك والإذلال والكراهية والرغبة في الانتقام، وقبل كل شيء الخوف، يعيش المجتمع الفلسطيني الحالة نفسها. غير أن الإسرائيليين لا يدركون ذلك، والخطر يكمن في سلام يعنى أكثر بمعالجة مشاعر الإسرائيليين دون سواهم.
ما احتمالات أن تتخلى عناصر اليمين المتشدد في ائتلاف نتنياهو عنه بسبب توقيعه على الخطة، وهو ما سيؤدي إلى انهيار الحكومة؟
لدى المتشددين في ائتلاف نتنياهو كثير ليخسروه، لكن الضفة الغربية أكثر أهمية بالنسبة إليهم مما يحدث في غزة. لا تتضمن هذه الخطة قيوداً صريحة على الاستيطان في الضفة الغربية. قال ترمب إنه لن يسمح لنتنياهو بضم الضفة الغربية، لكن هذا محض هراء. كل يوم تقوم إسرائيل بضم مزيد من أراضي الضفة الغربية!
شكل بقاء الرهائن في غزة مسار الحرب طوال العامين الماضيين، كما أسهم في تشكيل موقف المعارضة الإسرائيلية التي توحدت حول فشل نتنياهو في إعادتهم إلى ديارهم. فإذا عادوا فعلاً، ماذا سيعني ذلك بالنسبة إلى المعارضة؟
لا تملك المعارضة سياسة واضحة. وعلى المدى القريب، تتفق على أمر واحد: استبدال نتنياهو. وتظن أن ذلك كافٍ، لكن ما تخوضه إسرائيل في غزة ليس حرباً حقيقية، بل معركة. يمكننا إنهاء هذه الحملة العسكرية، لكن الحرب الكبرى لن تنتهي. بالنسبة إلى الفلسطينيين، ستستمر الحرب. وحتى لو جرى نزع سلاح "حماس"، فإن مشاعر الإذلال والارتباك في الضفة الغربية لن تعالج. ومعظم الإسرائيليين لا يفهمون ذلك.
إن الصراع يدور بين شعبين، يضم كل منهما 7 ملايين نسمة، يعيشان بين نهر الأردن والبحر. ومهما يكن، لن تنتهي الحرب ما لم نتوصل إلى اتفاق سياسي ينهي الاحتلال الإسرائيلي ويقيم دولتين جنباً إلى جنب. وستواصل المعارضة الإسرائيلية بذل كل ما في وسعها لتجنب الخوض في هذا الموضوع، لأن 80 في المئة من الإسرائيليين يعارضون بشدة قيام أي دولة فلسطينية.
هل يمكن لـ"حماس" أن تثق في نيات إسرائيل أثناء التفاوض؟
بالطبع لا. أنا لا أثق في رئيس وزرائي. فلماذا يثقون هم؟
لماذا إذا قبلت "حماس" بهذا الاتفاق؟
إذا قست الأمور من الناحية العسكرية، فـ"حماس" مهزومة، لكن إذا قست دعم الشارع الذي تشهده في العالم الإسلامي أو في أوروبا، فهي لا تزال منتصرة. وحتى في الولايات المتحدة، يتراجع الدعم لإسرائيل.
هل تعتقد إذاً أن "حماس" ترى توقيعها على هذا الاقتراح تجسيداً لانتصارها؟
نعم بالطبع. لا تمثل "حماس" الفلسطينيين. لم تمثلهم حتى قبل السابع أكتوبر. اليوم، يكره سكان غزة "حماس" بقدر ما يكرهوننا، لكن كلاً من إسرائيل ومجموعة الأطراف التي تدعم خطة السلام ترتكبان خطأً فادحاً بعدم إشراك فريق أوسع من القادة الفلسطينيين.
كنت قريباً جداً من أرييل شارون [رئيس الوزراء الإسرائيلي من عام 2001 إلى عام 2006]. عندما قرر الانسحاب من غزة عام 2005، ذهبت إلى مزرعته – كانت لديه مزرعة أغنام – وقلت له: "أنت ترتكب خطأً فادحاً". قال "إذاً ماذا عليَّ أن أفعل؟" قلت: "يجب عليك دعوة محمود عباس" - الزعيم الفلسطيني المخضرم - "إلى مزرعتك وإعطائه مفتاحاً احتفالياً لبوابة غزة، يكون مفتاحاً كبيراً. أعطه إياه كهدية". قبل بضعة أشهر، كان عباس قد فاز في الانتخابات الرئاسية الفلسطينية خلفاً لياسر عرفات. بأكثر من 67 في المئة من الأصوات، اختار الفلسطينيون زعيماً كان شجاعاً بما يكفي خلال الانتفاضة الثانية ليقول لشعبه: يجب أن نوقف هذا العنف، لن يؤدي ذلك إلا إلى مزيد من الإذلال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدلاً من ذلك، نفذ شارون انسحاباً أحادي الجانب، ما أتاح لـ"حماس" تصوير الانسحاب الإسرائيلي كمكافأة على العنف. واليوم، ترفض إسرائيل الإفراج عن قادة مسجونين مثل مروان البرغوثي، الذي سيفوز بأصوات الفلسطينيين إذا أجروا انتخابات غداً. نحن نرفض التفاوض مع القادة الذين يريدون إنشاء واقع الدولتين. نحن نتفاوض فقط مع أعدائنا، نحن ندمر أصدقاءنا. ومن خلال الفشل في الحديث عن دولتين، نعزز التصور بأن الفلسطينيين لا يمكنهم تحقيق أهدافهم إلا بالقوة.
صوّر ترمب علناً موافقة نتنياهو على الاتفاق بوصفها نوعاً من الاستسلام، متباهياً بالقول إن نتنياهو "اضطر إلى القبول به" وإنه "ليس أمامه خيار آخر". أليس هذا محرجاً لنتنياهو؟
بلى، هو كذلك. لقد استغرق ترمب وقتاً طويلاً ليدرك اللغة الوحيدة التي يفهمها نتنياهو، وهي لغة الضغط والقوة، لا لغة صفقات التسوية، لكن ترمب يفهم ذلك الآن. لقد أدى هجوم نتنياهو الفاشل على قطر دوراً مهماً للغاية. [ملاحظة من المحرر: في التاسع من سبتمبر حاولت إسرائيل استهداف مسؤولين من "حماس" مقيمين في الدوحة، لكنها لم تتمكن من اغتيال أي من المستهدفين، وأثار الهجوم دهشة ترمب. وعند صياغة اتفاقه، طالب ترمب نتنياهو بالاعتذار لقطر]. من خلال مهاجمة قطر من دون إخبار ترمب، أحرج نتنياهو الرئيس الأميركي في مواجهة أصدقائه. أعتقد أن هذا الهجوم هو الحدث الذي جعل ترمب يفهم أن نتنياهو كان يتلاعب به. كان ترمب يريد حقاً تصديق نتنياهو، لكن بعد ذلك الهجوم على قطر، اتخذت المسألة بعداً شخصياً.
كما كان للضغط الدولي، الذي تمثل في الاعترافات الأخيرة بدولة فلسطين، دوراً مهماً للغاية. فعندما قدم ترمب اتفاقه، أكد أن هذا ما يريده العالم بأسره. كان قادراً على القول: "أنا أفعل ما يريدني العالم كله أن أفعله".
أما السؤال الآن هو، هل يمكن لترمب مواصلة هذا الجهد؟ لتحقيق هدفه المتمثل في سلام دائم، سيتعين عليه ممارسة الضغط على كل الإسرائيليين، لا على نتنياهو وحده، لأن السلام سيتعلق أيضاً بالضفة الغربية، وبإعادة المستوطنين منها.
في مراحل عديدة من التاريخ الحديث، بدا أن الأطراف المختلفة في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني متفقة على رؤية واحدة - كما حدث في أوسلو مثلاً - ثم ما يلبث الاتفاق أن ينهار. فهل هناك ما يدعو إلى الاعتقاد أن الوضع سيكون مختلفاً هذه المرة؟ وهل ثمة سبب لعدم التشاؤم؟
أعتقد أن فئة واحدة في إسرائيل تدرك حقاً الميزة الكبرى في هذا المقترح، وهي فئة الجنرالات. هؤلاء لن يفرطوا في هذه الصفقة، فهم الإسرائيليون الوحيدون الذين يفهمون حدود القوة العسكرية.
لكن تفاؤلي لا يأتي من معرفتي بشيء خاص، بل من إيماني بأن العالم بات يرى أن التوصل إلى تسوية في الشرق الأوسط يصب في مصلحته. فالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لم يعد مسألة صغيرة أو محلية، إنه يؤثر بوضوح في أمن الشرق الأوسط واستقراره. وإذا لم يكن الشرق الأوسط مستقراً، فسيشعر القادة في أوروبا وأميركا الشمالية وسواها بتبعات ذلك - سواء عندما يتوجه مواطنوهم إلى صناديق الاقتراع أو في اقتصاداتهم. للمجتمع الدولي مصلحة اقتصادية واضحة في استقرار الشرق الأوسط، وإن كان لديَّ أمل، فهو قائم على هذه القناعة.
مترجم عن "فورين أفيرز" 5 أكتوبر 2025