Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين الطبيعية والمصنوعة... فيضانات السودان تحرج سد النهضة

أديس أبابا تؤكد أن تدابيرها حالت دون وقوع كارثة ووسائل إعلام في القاهرة والخرطوم تتحدث عن مخاوف حول المسائل الفنية العالقة

رئيس الوزراء السوداني يؤكد أن بلاده ستجري مراجعات شاملة حول مآلات "سد النهضة" لتلافي آثار الفيضان الكارثي (رويترز)

ملخص

مياه التصريف من سد النهضة انخفضت قليلاً أول من أمس إلى 633 مليون م3 بدلاً من 750 مليون م3، إلا أنه يظل مرتفعاً أكثر من ضعف الإيراد الطبيعي خلال هذا الوقت 300 مليون م3، إضافة إلى أن الصور الفضائية تظهر غمر مياه الفيضان كثيراً من الأراضي الزراعية وبعض القرى على طول النيل الأزرق ومنطقة الخرطوم والنيل الرئيس شمال الخرطوم.

أثارت الفيضانات التي ضربت السودان الأسبوع الماضي موجة من الجدل في وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك في بعض وسائل الإعلام، في ظل غياب ملحوظ لرأي الخبراء وبخاصة في ما يتعلق بدور "سد النهضة" الإثيوبي. ففي حين أكدت أديس أبابا أن السد لعب دوراً حاسماً في تخفيف حدة الفيضانات، قالت وسائل إعلام مصرية وسودانية إن موجة الفيضانات الأخيرة تمثل إحدى تداعيات حجز كميات كبيرة من المياه، ومن ثم عدوها "صناعية" خصوصاً أنها جاءت متأخرة عن المواعيد المعهودة للفيضانات الطبيعية، إذ إن موسم هطول الأمطار في الهضبة الحبشية يمتد خلال الفترة من يونيو (حزيران) وحتى بداية سبتمبر (أيلول) من كل عام.

من جهتها، كانت وزارة الزراعة السودانية أصدرت بياناً أفادت فيه بحدوث الزيادة في كمية الأمطار على الهضبة الإثيوبية وتأثيرها في منسوب مياه النيل الأبيض، مبررة ذلك بالتغيرات المناخية المتزامنة مع اكتمال التخزين وامتلاء بحيرة سد النهضة، مما أدى إلى اجتماع مياه موسم الفيضان مع تصريف المياه من السد.

وأشار البيان إلى أنه نتيجة لهذه الزيادات، شهد مجرى النيل وفروعه ارتفاعاً ملحوظاً في المناسيب، منوها بأن "وصول المنسوب في أية محطة إلى مستوى الفيضان يعني أن المياه وصلت إلى حافة المجرى النهري، وليس بالضرورة غرق المنطقة بالكامل".

وأشارت الوزارة السودانية إلى أن الوارد من النيل الأزرق بدأ في الانخفاض منذ أول من أمس الثلاثاء، وعليه من المتوقع أن تبدأ جميع المناسيب بالنزول تباعاً.

بدوره، قال رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس إن بلاده ستجري مراجعات شاملة حول مآلات "سد النهضة"، لتلافي آثار الفيضان الكارثي. وأوضح ضمن مؤتمر صحافي ببورتسودان أن هذه المراجعات ستجرى مع الجانبين المصري والإثيوبي "عبر الوسائل الدبلوماسية"، مؤكداً أن هذه المهمة ينبغي أن تتم بشفافية عالية لأنها تعد من القضايا المصيرية بالنسبة لدولتي المصب، متعهداً بنقل حقائق تلك المراجعات إلى الشعب السوداني.

من جهته، قال وزير المياه والطاقة الإثيوبي هبتامو إيتيفا إن وجود سد النهضة حال دون وقوع أضرار كارثية في السودان جراء موجة الفيضانات الأخيرة، مؤكداً ضمن حديث لوسائل الإعلام المحلية "لو لم يكن السد موجوداً لكانت العواقب أكثر خطورة".

وزعم الوزير الإثيوبي أن هذه الحال تبرهن أن السد له دور حيوي في الحد من الكوارث الطبيعية، من خلال تنظيم تدفقات المياه وتقليل حدة الفيضانات، ومنع وصول كميات هائلة مفاجئة إلى المجرى الطبيعي.

وانتقد الوزير الإثيوبي التناول الإعلامي الذي رافق فيضانات السودان، مؤكداً أنه "لا صحة لما تردد عن دور السد السلبي تجاه الحال الأخيرة من الفيضان داخل السودان، بل على العكس لعب دوراً حاسماً في تخفيف حدة الفيضانات".

فيما أكد مدير مشروع سد النهضة كيفليو أهورو أن الأمطار الغزيرة التي هطلت متأخرة نسبياً على الهضبة الإثيوبية تمثل حالاً استثنائية، مما دفع إدارته إلى اتخاذ تدابير احترازية من بينها إغلاق بعض بوابات الخزان. 

وأوضح أهورو ضمن حديث لأحد المواقع الإثيوبية أن التدابير الفنية العاجلة التي اتخذتها إدارته تمت بالتنسيق مع الجهات السودانية المتخصصة، زاعماً أن تلك الإجراءات حالت دون وقوع كوارث طبيعية مؤكدة، وبخاصة أن نسبة المياه التي كانت ستصل إلى السودان تمثل ثلاثة أضعاف الكميات الحالية، وأن التدابير المتخذة من قبل الإدارة الفنية لمشروع السد جنبت السودان الغرق بخفض كميات المياه غير المسبوقة، إذ بلغت نحو 730 مليون متر مكعب يومياً. 

 

 

من جهته، حذر أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة عباس شراقي ضمن مداخلة تلفزيونية من استمرار الفيضان العالي من سد النهضة، تزامناً مع توالى فيضان نهر النيل، موضحاً أنه أثر في مناطق عديدة داخل السودان لسبع أيام مضت، ونبه المتخصص المصري إلى احتمالية تأثر سد الروصيرص السوداني، إذا استمر التصريف الكبير لأسبوع آخر.

وكشف شراقي أن مياه التصريف من سد النهضة انخفضت قليلاً أول من أمس، إلى 633 مليون م3 بدلاً من 750 مليون م3، إلا أنه يظل مرتفعاً أكثر من ضعف الإيراد الطبيعي خلال هذا الوقت 300 مليون م3، مشيراً إلى أن الصور الفضائية تظهر غمر مياه الفيضان كثيراً من الأراضي الزراعية وبعض القرى على طول النيل الأزرق ومنطقة الخرطوم والنيل الرئيس شمال الخرطوم.

وأكد أن السد العالي يستقبل مياه الفيضان بكفاءة منذ أوائل سبتمبر الماضي من السدود السودانية، وحالياً من فيضان سد النهضة إضافة إلى باقي المصادر.

لغط سياسي

من جهته، قال المتخصص في الشؤون الإثيوبية بيهون غيداون إن "أزمة الفيضان السوداني أثارت لغطاً سياسياً بين الدول الثلاث، بدلاً من مناقشة الآثار المناخية والتقنية المطلوبة لمواجهة هكذا حالات ظلت تقع بصورة شبه سنوية، موضحاً أن الخلاف السياسي بين بلده ومصر حول سد النهضة كان له الأثر الواضح في التناول الإعلامي غير المتزن وغير الشفاف".

ورأي غيدوان في حديثه إلى "اندبندنت عربية" ضرورة منح الكلمة في مثل هذه الحالات للخبراء الذين يتمتعون بالصدقية، ولا يندمجون في الحملات السياسية للأنظمة الحاكمة.

ورجح أن يكون للسد الإثيوبي أثر إيجابي أو سلبي تجاه الفيضان الأخير، موضحاً "من جهة قد يكون للسد أثر سلبي لجهة حجزه لكميات كبيرة من المياه خلال فترات قصيرة، مما أدى إلى تبخر كبير ومن ثم أدى إلى هطول أمطار غزيرة أواخر الموسم، ومن جهة أخرى فإن التدابير التقنية التي اتخذتها إثيوبيا ممثلة في إدارة مشروع سد النهضة حدت من الآثار السلبية وأسهمت بصورة واضحة في خفض نسب المياه التي وصلت إلى السودان، مما جنب حدوث فيضانات مدمرة".

وأشار غيدوان إلى أن "الإدارة التي يقودها أحد أهم الخبراء الإثيوبيين تعاطت مع الأزمة بروح مهنية عالية، وباحترافية مشهودة، متجاوزة الخلافات السياسية القائمة بين البلدان الثلاث، مما يؤكد أن إثيوبيا حريصة على عدم الإضرار بجيرانها، وتمتلك كفاءات عالية للتعاطي مع المسائل التقنية، خلافاً للمزاعم المصرية التي ظلت تحذر المجتمع الدولي من حدوث فيضانات نتيجة قصور تقني في إدارة السد الإثيوبي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفت المحلل الإثيوبي إلى "السياسة الحكيمة والمتزنة التي تمتعت بها الحكومة السودانية في معالجتها للأزمة، غير آبهة بالحملات الإعلامية الواسعة التي رافقت الأزمة، وزعمت أنها ناتجة من فيضان صناعي تسبب فيه السد الإثيوبي".

ودعا المحلل السياسي الإثيوبي نظراءه المصريين إلى ضرورة التحلي بروح المسؤولية عند تناول المسائل التقنية وضرورة معالجتها من قبل خبراء الجيولوجيا والمياه، مشيراً إلى أن "مثل هذه الأزمات الناتجة من هطول غزير للأمطار لا ينبغي أن تتحول إلى مناسبة لتسجيل النقاط السياسية وتدعيم موقف مصر تجاه السد، وبخاصة أن القاهرة لن تتضرر من هذا الفيضان نتيجة لوجود السد العالي".

فيضان صناعي

بدوره وجه المتخصص المصري في مجال الموارد المائية والري إبراهيم دعبس اتهامات إلى إثيوبيا بخداع السودان، بدعوى أن سد النهضة سيحمي أراضيها من الفيضانات، "لكن سرعان ما اكتشفت الخرطوم الخدعة بعدما فتحت إثيوبيا الخزانات وأغرقتها".

وقال دعبس ضمن تصريح لأحد المواقع الإخبارية المصرية إن الفيضان الأخير الذي شهده السودان "فيضان صناعي"، ناتج من سد النهضة الإثيوبي، مدللاً بأن الفيضان وقع في غير موعده المعهود، مما يؤكد أنه صناعي وليس ناتجاً من التدفق الطبيعي للأمطار من الهضبة الإثيوبية، إذ إن موعد الأمطار هناك ينتهي خلال منتصف شهر سبتمبر من كل عام. 

وتابع أن إثيوبيا أخطأت عندما ملأت بحيرة السد بسعتها الكاملة، قبل أن تنتهي من تركيب التوربينات الـ13 التي أعلنت عنها لتوليد الكهرباء، إذ إنها لم تركب سوى ثمانية توربينات، ولا يعمل منها سوى خمسة فقط"، بحسب زعمه.

وأشار المتخصص المصري إلى أن "الملء كان مخالفاً لكل ما هو متعارف عليه في مجال السدود، لأن الأعمال الإنشائية نفسها لا تزال غير مكتملة، فإلى جانب التوربينات هناك محطة الكهرباء وأعمدة الضغط العالي ومحطات النقل والتوزيع تحت الإنشاء".

وخلص إلى أن الفيضانات تعد غير طبيعية خلال هذا التوقيت مما يجعل الخبراء يرجحون أن تكون مصنوعة، أي إنها مخالفة للتدفق الطبيعي للأمطار خلال مواسمها المعروفة، مرجحاً أن الأخطاء التقنية المتعلقة بالملء المتعجل لبحيرة السد، بغرض افتتاحها خلال العام الإثيوبي الجديد، إلى جانب عدم اكتمال الإنشاءات وبخاصة عدم تشغيل التوربينات الـ13 أسهم بصورة واضحة في وقوع الفيضان، مما يؤكد واقعية المطالب المصرية المتعلقة بضرورة التوصل إلى اتفاق مُلزم بين الدول الثلاث حول المسائل الفنية الخاصة بالتشغيل وتبادل المعلومات والبيانات التقنية. 

غياب الخبرة 

بدوره رأى المحلل السياسي المصري محمد السيد علي أن الفيضان الذي شهده السودان خلال توقيت غير معهود، والذي تسبب في غمر مساحات زراعية شاسعة يُجدد المخاوف المتعلقة بالمسائل الفنية العالقة بين إثيوبيا ودولتي المصب مصر والسودان.

ورجح السيد أن غياب الخبرة في إدارة السدود فضلاً عن غياب التنسيق بين دولة المنبع ودولتي المصب يعد السبب الرئيس في الكوارث الناتجة من الفيضان الأخير، مشيراً إلى أن "إصرار أديس أبابا على التعبئة الكاملة للسد بنحو 100 مليار متر مكعب من المياه خلال فترة قصيرة، لأغراض تتعلق بتحقيق أهداف سياسية داخلية، أثر بصورة واضحة في حدوث هذه الأخطاء التي أنتجت فيضاناً غير متوقع في السودان، وبخاصة أن أديس ابابا ستضطر خلال وقت قريب لتصريف المياه الزائدة من أجل توليد الكهرباء، مما يعني أن الملء الكامل للسد لم يكن صائباً تقنياً، بل هدفه الأساس سياسي".

 

 

وعلق السيد على بيان وزارة المياه الإثيوبية بالقول إن "الادعاء بأن التدابير التي اتخذتها الجهات الإثيوبية جنبت السودان أخطاراً أكبر، وإن كان صحيحاً نظرياً، فإن البيان لم ينتبه إلى أن وقوع الفيضان نفسه خلال هذا التوقيت يعد أحد تداعيات بناء السد وطريقة تعبئته المتعجلة والزائدة على الحاجة، ومن ثم فإن التمكن من تدارك أخطار أكبر، لا ينفي حدوث الفيضان نتيجة قصور تقني واضح، إن لم نقل بصورة حازمة إنه صناعي بالأصل".

وأضاف أن "تأكيد أديس أبابا أن الكميات المتوقعة كانت ستبلغ ثلاثة أضعاف الكميات التي أغرقت السودان، لولا الإجراءات التي اتخذتها إدارة السد، يدلل مرة أخرى أنه في حال توافر إمكانات علمية وتقنية تتعلق بإدارة السدود كان بإمكانها الحيلولة دون وقوع الكارثة"، مشيراً إلى أن "القاهرة كثيراً ما عرضت خبرتها الممتدة لنحو سبعة عقود في إدارة السد العالي، بغرض الإسهام في سلامة إنشاء وتشغيل السد الإثيوبي، إلا أن أديس أبابا ظلت ترفض أية مشاركة مصرية، أسوة برفضها لتوقيع أي اتفاق حول المسائل الفنية".

وتابع "أمام الإدارتين المصرية والسودانية الآن فرصة جديدة لإعادة إحياء المطالب المتعلقة بالمسائل الفنية، لا سيما بعد تعرض السودان لهذه الخسائر الباهظة في الأرواح والممتلكات"، مردفاً "صحيح أن السودان ظل يتعرض لفيضانات عدة، نتيجة الهطول الغزير للأمطار في الهضبة الإثيوبية، إلا إن ذلك يرتبط بموسم محدد لا يتجاوز شهر سبتمبر، وبكميات محدودة وعلى فترات زمنية طويلة، مما يؤكد أن للجانب الفني المتعلق بحجز كميات كبيرة من المياه ثم عدم القدرة على تصريفها بمقادير معينة قد كان له الدور الحاسم في وقوع هذا الفيضان بصورة لم تحدث من قبل".

وتوقع المحلل المصري أن تعضد هذه التجربة من الموقف المصري السوداني، وبخاصة في حال رفع الملف إلى التحكيم الدولي، إذ إن الإدارة غير المحترفة للسد تسببت بعد أسبوعين من تدشينه في فيضان يصفه عدد من الخبراء بأنه "مصنوع".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير