ملخص
يمكن القول بمناسبة مرور عامين على إحدى أشرس الحروب خلال العصر الحديث، إن تأثير سرديات السوشيال ميديا عبَر الحدود وتغلب على القيود، وأسهم في صناعة الرأي العام وتوجيهه وإعادة توجيهه طوال الأشهر الـ24 الماضية.
خلال الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 هيمن سؤال واحد على الغالبية المطلقة من العناوين والموضوعات والتقارير الإخبارية والتحليلات، هو ماذا حدث خلال السابع من أكتوبر؟ وعلى مدار العامين التاليين، ضخ إعلام الأرض كماً غير مسبوق من الأخبار والقراءات والتحليلات والآراء عما حدث خلال السابع من أكتوبر 2023، والمستمر في الحدوث حتى اللحظة.
وعلى رغم ذلك، ما زال السؤال الأكثر تداولاً وتجاذباً واتفاقاً واختلافاً وقدرة على ضخ المحتوى، هو ماذا حدث في ذلك اليوم، مع إضافة هوامش مثل ما هي غزة؟ ومن يحكمها؟ وما علاقة إسرائيل بها؟ وما "حماس"؟ وماذا تريد؟ وما طبيعة علاقتها بالدول العربية؟ وما سبب الهجوم؟ ولمن تؤول غزة بعد انتهاء الحرب؟
مئات، إن لم يكن آلاف الأسئلة تشكل محاولات الإجابة عنها الجانب الأكبر من السرديات الإعلامية في غالب دول العالم. أسئلة تبدو بسيطة لكنها بالغة التعقيد، وإجابات يفترض ثباتها لكن معظمها يتعرض للتحديث، وفي قول آخر يتغير الهوى ويتحول التوجه بمضي الحرب قدماً. ماذا يحدث؟ ولماذا؟ وما الغاية؟ وماذا كان هدف "حماس" من الهجوم؟ ولماذا يبدو رد إسرائيل مبالغاً فيه؟ وما الهدف منه؟ وما مواقف دول العالم؟ ولماذا؟ وما موقف الأمم المتحدة؟ ولماذا؟ وما موقف القانون الدولي؟ ولماذا؟ وهل غيرت الحرب صورة الصراع؟ أم غير الصراع صورة الحرب؟ أم غير الإعلام صورة كل منهما؟
وعلى العكس من باقي صراعات الكوكب، والمعضلات الإعلامية الكلاسيكية الخاصة بطرق حماية الصحافيين في أماكن الصراع وسبل ضمان الصدقية والتحقق من الشفافية، وكيفية التعامل مع الضغوط السياسية والاستقطاب لتوجيه التغطية ومواجهة المعلومات المضللة والكاذبة، تقف السرديات الإعلامية لغزة على مدار عامين وكأنها طرف ثالث في القتال (إسرائيل و"حماس"، والإعلام).
"تضليل" و"كذب" بحسب الرؤية
خلال الثالث من يونيو (حزيران) الماضي، أصدر سفير الولايات المتحدة الأميركية لدى إسرائيل مايك هاكابي "بياناً في شأن التضليل الإعلامي حول غزة" (نص العنوان). وبدأ البيان بالأسطر التالية "تسهم التقارير المتهورة وغير المسؤولة التي تقدمها كبرى وسائل الإعلام الأميركية في ترسيخ مناخ معاداة السامية الذي أسفر عن مقتل شابين في حدث داخل السفارة الإسرائيلية لدى واشنطن الشهر الماضي (مايو/أيار)، ومحاولة القتل والهجوم الإرهابي على مجموعة من المتظاهرين المؤيدين لإسرائيل في كولورادو يوم الأحد (الأول من يونيو الماضي). ودون التحقق من أي مصدر سوى ’حماس‘ وعملائها، أفادت صحيفة ’نيويورك تايمز‘ وشبكة ’سي أن أن‘ ووكالة ’أسوشيتد برس‘، بأن عدداً من الأشخاص الذين كانوا يسعون إلى الحصول على صناديق غذائية إنسانية من ’صندوق غزة الإنساني‘ قتلوا أو أطلقت عليهم النار من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية. وهذه التقارير كاذبة".
وسرد البيان ما اعتبره أدلة على أن القصص الواردة في المؤسسات الإعلامية الثلاث "مضللة" و"مبالغ فيها" و"مفبركة تماماً". ووصف التغطيات بأنها "مصممة لتأجيج نيران الكراهية المعادية للسامية، التي يقال إنها تسهم في العنف ضد اليهود بالولايات المتحدة"، و"على وسائل الإعلام التي تردد هذه الادعاءات التشهيرية طواعية أن تتراجع عن قصصها الإخبارية الكاذبة، وأن تعتذر وتتعهد بنقل الحقائق بدقة، بدلاً من الانخراط في دعاية خطرة تساعد جماعة ’حماس‘ الإرهابية...".
وأضاف أن "انخراط ’نيويورك تايمز‘ ووكالة ’أسوشيتد برس‘ و’سي أن أن‘ ضمن رواية كاذبة تغذيها ’حماس‘ أمر مستهجن. فهذا يمثل أكثر من مجرد صحافة مهملة، بل يغذي ويحرض على العنف ضد الأبرياء في الولايات المتحدة"، مطالباً المؤسسات الإعلامية الثلاث بـ"التراجع الفوري عن هذه الأكاذيب"، ومناشداً كل وسائل الإعلام "التحلي بالمهنية والموضوعية لتغطية الأحداث الحقيقية، بدلاً من أن تكون شريكة في الإرهاب عبر الانقياد الأعمى لبيانات ’حماس‘ الإخبارية".
لا توجد أعداد دقيقة لأعداد البيانات التي تصدر منذ السابع من أكتوبر عام 2023 وذلك في شأن حرب غزة، لكن المؤكد أن آلاف البيانات تصدر وأن هذه البيانات تقف مواقف متضادة من بعضها بعضاً، وأن هذا التضاد لا يعني إلا شيئاً واحداً ألا وهو تضاد سرديات الحرب.
حتى سرديات تفسير التضاد تضاربت وتناقضت وتلونت بألوان من يحكيها. خبراء وكتاب ومثقفون عرب اتهموا أقرانهم داخل دول عربية "أخرى" بالسكوت أو التجاهل أو التضامن غير المنطوق مع سرديات داعمة لإسرائيل. ومحللون استراتيجيون وعسكريون عرب نصبوا أنفسهم في استوديوهات التحليل، داخل دولة مقر عربية أو دولة مفر غربية، مسؤولين عن توجيه الجيوش العربية لا سيما الجيش المصري ليحارب إسرائيل في غزة، وحبذا يستكمل المسيرة لتحرير القدس وما تيسر في الطريق.
محللون عرب آخرون ألقوا بكرة المسؤولية في ملاعب دول غنية هنا ودول جوار هناك، معتبرين السردية الإعلامية أشبه بعمليات التأريخ عساها تشكل ذاكرة البشرية. ومؤسسات إعلامية غربية تبنت مظلومية إسرائيل أكثر من الإعلام الإسرائيلي نفسه، ثم تحولت صوب "أوقفوا الإبادة في غزة" بعد ما يقارب عامين من القتل والدمار والنزوح والتهجير. مؤسسات غربية أخرى اعتنقت صوت فلسطين منذ صبيحة السابع من أكتوبر، مع التأكيد ولو من باب إبراء الذمة أن عملية السابع من أكتوبر كانت وستظل إرهاباً محضاً.
وسائل إعلام، لا غربية أو عربية، وجدت في حرب القطاع فرصة لترسيخ دور ترى أنها تستحقه، أو إثبات وجود يحلو لبعض أن يعتقد أنه ليس ذي شأن، أو استعادة مكانة تضاءلت بعض الشيء لأسباب سياسية واقتصادية وغيرها. ومنها على سبيل المثال، السرديات الإعلامية الصينية والروسية في ما يتعلق بالحرب، وأهداف كل منهما الكامنة وراء تبني سردية مؤيدة لفلسطين ومناهضة لإسرائيل.
وفي هذا الشأن، تشير أستاذة العلوم السياسية نادية حلمي ضمن مقال منشور على موقع "مودرن دبلوماسي" (2024) أن الصين تسعى لترسيخ مكانتها كقائدة ومدافعة عن "الجنوب العالمي"، وذلك لتمرير سياسة التحول نحو عالم دولي متعدد الأقطاب في مواجهة أميركا وحلفائها في الغرب.
التغطيات الإعلامية الصينية عن حرب القطاع تعكس ما قطعته من شوط طويل، وإن كان يفتقد الأثر الواضح على أرض الواقع في ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. احتفى الإعلام الصيني خلال يوليو (تموز) 2024 بـ"اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي وقع عليه 14 فصيلاً فلسطينياً من الجناحين الفلسطينيين، ’حماس‘ و’فتح‘".
وبعيداً من كونه الاتفاق الـ13 بين الطرفين، أو أن اللقاء في بكين لم يحظ بقدر وافر من الاهتمام الإعلامي العالمي، ولو على هامش الحرب الدائرة رحاها، فإن السرديات الإعلامية الصينية حملت نبرات هجوم تجاه التصعيد الإسرائيلي الرهيب في غزة، والمطالبة بوقف إطلاق النار.
سردية وتوازنات
وعلى رغم ذلك، لا يمكن التعامل مع هذه السردية الإعلامية العاكسة للسياسة الصينية بمعزل عن توازنات المصالح الاقتصادية بين الصين وإسرائيل، والتي تراجعت منذ عام 2019 نتيجة ضغوط أميركية على إسرائيل. بمعنى آخر، تؤيد الصين الحق الفلسطيني وتندد بالعدوان الإسرائيلي، وتضع نصب عينيها حاجتها السياسية والاستراتيجية لتدلو بدلوها في عملية إعادة تشكيل النظام العالمي، بصورة تضمن لها مصالحها وتكفل لها موطئ قدم معتبرة في عالم لا تسيطر عليه غريمتها أميركا وحدها.
لا الصين أو حتى روسيا، بالإعلام الذي تطغى عليه نبرات الميل إلى الجانب الفلسطيني من دون قطع الأوصال مع إسرائيل، يقفان وحدهما في عالم السرديات الإعلامية المرجحة كفة المصالح والتوازنات في حرب غزة.
حرب غزة، بعدسة من؟ عنوان السرديات الإعلامية للحرب التي تحولت من القتل والاستهداف والتدمير إلى الإبادة والتجويع، بحسب الأمم المتحدة. عدسة قطر تختلف عن عدسة فرنسا، وكلتاهما تختلف عن عدسة أميركا أو بريطانيا أو ماليزيا، وتختلف هذه العدسات عن عدسة مصر أو سوريا أو السويد أو السعودية، والعدسات كثيرة ومن ثم السرديات، بل إن سرديات عدة تغيرت من التجاهل أو التباعد إلى التفاعل والتقارب.
وبين التقارب والتباعد، والميل صوب إسرائيل تارة والقدرة على رؤية ونقل ما يجري على الجانب الفلسطيني، آثار أخرى ألقت بظلالها على الصراع ومجرياته، ومنها ما ضغط قليلاً أو أثر كثيراً على مجريات الصراع نفسه.
غالب تغطيات وسائل الإعلام الغربية للحرب تأثر منذ الساعات الأولى التي تلت هجوم السابع من أكتوبر إما بطبيعة النظام القائم في دولته، أو بالخط السياسي الواضح للمؤسسة التي ينتمي إليها، لا سيما في ما يتعلق بموقفها من الصراع العربي - الإسرائيلي. وعلى رغم "الثوابت"، فإن تغيرات عدة طرأت على توجهات التغطية، وهو ما يعده العرب إنصافاً للحق ونصرة لأهل غزة وتبياناً للحقائق، ويعده غير العرب تمويهاً للحق ونصرة للإرهاب وطمساً للحقائق.
المؤكد أن أول أمارات التمييز في الإعلام الغربي بصورة عامة كان كمياً لمصلحة الرواية الإسرائيلية، حتى وسائل ومنصات الإعلام الغربية المعروفة بتأييدها للحق الفلسطيني، أو في الأقل اتباعها قدراً معقولاً من الموضوعية ضمن هذا الملف، مالت خلال الأسابيع الأولى جهة السردية الإسرائيلية الرسمية والشعبية، وهي السردية التي تأثرت كثيراً بعوامل المفاجأة والصدمة والفزع التي صاحبت "طوفان الأقصى"، كما لقبتها حركة "حماس".
مشاهد استهداف مئات الأشخاص في مهرجان موسيقي وداخل البيوت، وكذلك قواعد عسكرية وشرطية إسرائيلية خلال الوقت نفسه وبقدر هائل من الأسلحة والأدوات التي يمكن وصفها بـ"البدائية"، ثم مشهد الجثامين الملقاة ومعظمها لمدنيين، والحرائق التي اشتعلت داخل أماكن عدة، وما أثير بعدها عن ارتكاب مقاتلي "حماس" انتهاكات جنسية وغيرها تسبب في صدمة عاتية، لا في إسرائيل فحسب لكن في الإعلام الغربي الذي اعتاد أن ينقل مثل هذه المشاهد، لكن معكوسة، إذ الإسرائيليون يعتدون أو يهاجمون أو يضربون، والفلسطينيون يتضررون.
بعد الصدمة، بدأت السرديات الإعلامية الغربية تتخذ خطوطاً للتغطية والتحليل أكثر هدوءاً واستدامة، وإن ليس بالضرورة مرضية للعرب والجانب الفلسطيني. ويمكن ملاحظة ثلاث مراحل رئيسة في التغطية الغربية على مدار العامين الماضيين، تبرير رد الفعل الإسرائيلي باعتباره دفاعاً مشروعاً عن النفس أمام "دموية" هجوم "حماس"، ثم تصاعد الحرب المتأرجحة بين غاية تأمين إسرائيل "الشرعية والمنطقية" ودرء خطر "حماس"، وبين نزع "سموم القطاع" المتمثلة في مقاتلي "حماس" وغيرها من الفصائل وأسلحتهم وعلاقاتهم المتشابكة المتمثلة في "محور المقاومة" التقليدي، وأخيراً تحول الحرب أو الصراع إلى "إبادة" أقرت أممياً و"تجويع" جرى إشهاره رسمياً.
وفي خضم السرديات الإعلامية الغربية، سواء تلك المتبنية وجهة النظر والمظلومية الإسرائيلية، أو تلك المؤيدة للحق الفلسطيني والتي تنظر للسردية الفلسطينية والعربية بعين الاعتبار التاريخي والإنساني والحقوقي، أو التي تتعامل مع ما يجري من منطلق خبري بحت حيث مقياس عدد القتلى والجرحى وتقديرات الهدم سيدة الموقف، يحفل المشهد الإعلامي بحرب لغوية مستعرة.
حتى أعوام قليلة مضت، كانت جدليات هل ما يجري في الأراضي الفلسطينية عمليات مقاومة أم إرهاب؟ وهل المقاتل الفلسطيني مقاوم أم إرهابي؟ وإن قتل أثناء تنفيذ عملية يعد قتيلاً أم شهيداً؟ تهيمن على مناقشات الحياد الإعلامي وأثر هذه العبارة أو تلك على الصراع العربي - الإسرائيلي. في حرب القطاع، ظهر مكون إعلامي جديد بالغ التأثير في مجريات الصراع، ويكشف عن تغيير خطر حدث في غفلة من الزمن والاهتمام.
في كل الحالات لا تحضر فلسطين
تغيرت المفردات تغيراً اتضح أنه سلب "الحق" الفلسطيني جزءاً معتبراً من قواعده وأسسه. الكاتبة اللبنانية ميان مساعد رصدت ما وصفته بـ"تشييء الفلسطينيين" ضمن مقالة عنوانها "كيف تستخدم اللغة لتشييء الفلسطينيين" (موقع درج، سبتمبر/ أيلول 2025) تلازماً بين ما سمته "بدء المحو الممنهج" (لغزة) واعتماد أساليب لغوية في الإعلام الأميركي، عن قصد أو غير قصد، أسهمت في تشكيل البيئة السياسية الحالية، مشيرة إلى أن التلاعب باللغة ليس حيادياً، بل كان يستغل بالتوازي مع اشتداد القصف والحصار.
استندت الكاتبة إلى نتائج بيانات جمعتها مبادرة "أنماط" ضمن مشروع يسمى "تأطير غزة". وذكرت أن مصطلح "غزيين" مثلاً يستخدم في الإعلام الأميركي للإشارة إلى الفلسطينيين في غزة، لكنه يمحو حقيقة أن بعضهم ليسوا من أبناء القطاع أصلاً. ويظهر غزة وكأنها مساحة هامشية عالقة خارج الزمن ومعزولة عما حولها، في حين أن هذه المساحة جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية التاريخية. كذلك الحال في مصطلح "السكان الأصليين"، لوصف سكان غزة. وتشير مساعد إلى أنه بدأ يستخدم في وسائل إعلام أميركية بعد "الإبادة"، و"تحويل فلسطينيي غزة إلى فئة معزولة ومسورة، في حين ما زال بعض الغزيين أحياء منذ عام 1948، ويذكرون نكستهم ونكبتهم".
وعلى مدار الحرب، روجت وسائل إعلام إسرائيلية للفظ "عرب" للإشارة إلى سكان غزة، والتأكيد الدائم أنهم كغيرهم داخل المنطقة العربية. وتشير مساعد إلى أن "خطاب العروبة هنا ينفي عن الغزيين غزيتهم وفلسطينيتهم، ويشمل كل سكان المنطقة ضمن لفظ واحد بوصفهم كتلة مصمتة متشابهة لا اختلافات بينها، مشيرة إلى أنه إذا كانت الكلمات تشكل الوعي، فإن استئصالها من السياق يؤدي إلى محو المساحات الرمزية المرتبطة بها، وفي كل الحالات لا تحضر فلسطين.
من جهة أخرى، تفوقت "حماس" في الحضور اللغوي واللفظي على "غزة" ضمن الإعلام الغربي، لا سيما الأميركي بصورة عامة، وهو ما خفف لا سيما خلال أشهر الحرب الأولى من أثر الفظائع العسكرية التي يتعرض لها سكان غزة وأهلها. من جهة أخرى، هذا الحضور الكمي المتفوق لـ"حماس" مقارنة بـ"غزة" وبالطبع "فلسطين" مرتبط في الذهن الغربي بصورة عامة بـ"الإرهاب"، وهو ما أثر سلباً إثر السردية الإعلامية.
يُشار إلى أن مبادرة "أنماط" هيئة مستقلة تتبع تقنيات التعليم الآلي لتسليط الضوء على النصوص التي تكشف تحيزاً في التغطيات الإعلامية، أجرت قياساً تحليلياً دقيقاً لنحو 25 ألف موضوع صحافي من 16 منصة إعلامية ناطقة بالإنجليزية داخل أميركا وبريطانيا وألمانيا، وكيفية تغطياتها لحرب غزة.
مساحات رمادية في كل مكان
تغطيات حرب غزة على مدار عامين لا يمكن وصفها بالموضوعية والقدرة على التأثير الإيجابي هنا، والتحيز والقدرة على التأثير السلبي هناك. فبين هنا وهناك كثير من المساحات الرمادية، وعدد من التغيرات الكبرى التي طرأت على المشهد السياسي والاستراتيجي والدبلوماسي على مدار عقود، وجاءت حرب غزة لتكشف آثارها وتبين انعكاساتها، وذلك عبر السرديات الإعلامية على مدار العامين الماضيين.
المتابع للسرديات الإعلامية العربية باختلاف مكوناته وتضاد انتماءاته وتنافر أهوائه على مدار عمر القضية الفلسطينية سيرصد فروقاً جوهرية طرأت على تغطيات الحرب هذه المرة. وعلى مدار 77 سنة هي عمر القضية الفلسطينية، لم يحدث أن خرجت التغطيات الإعلامية العربية لحدث فلسطيني جلل بهذا القدر من التباين، وهو التباين الذي لم يخل على مدار العامين الماضيين من قدر من الحساسية المفرطة والحرج البالغ في التعامل مع أطراف الصراع.
حركة "حماس" التي نفذت عملية السابع من أكتوبر لا تجمعها علاقات مودة وإخاء ووفاق مع كل الدول العربية، وتشريح العلاقة أمر بالغ الصعوبة والتعقيد والحساسية. فجانب من الشعوب العربية يدعم الحركة ويعدها رمزاً للشرف وعنواناً للنزاهة والتضحية بالنفس في سبيل "القضية"، وهؤلاء الداعمون إما يعتنقون أو يدعمون أو يتعاطفون مع تيار الإسلام السياسي، أو لا يدعم الإسلام السياسي بالضرورة، لكن يرى أن الحركة والفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى، ومعظمها يمزج الدين بالمقاومة، هو ما تبقى من المقاومة، لذا يجب دعمها دون النظر إلى أيديولوجيتها.
جانب آخر من الشعوب العربية لا يدعم "حماس" والفصائل والأسباب مختلفة، إما لاعتقاد أن تديين القضية وجعلها حرباً بين المسلمين واليهود أفقدها كثيراً، أو لا يرى جدوى في منهج "حماس" المعتمد على القيام بعمليات تقتل بضعة إسرائيليين أو تصيبهم بين وقت وآخر، ثم ترد عليها إسرائيل بموجات عنف وعدوان ضارية تقتل الآلاف وتصيب أضعافهم وتهدم ما جرى بناؤه، أو آخرون ناصبوا الحركة العداء والرفض لدور منسوب لها في أحداث ما يسمى "الربيع العربي"، والتدخل لترجيح كفة تيار الإسلام السياسي ليصعد إلى الحكم، وما نسب إليها أيضاً من القيام بعمليات "إرهابية" أضرت بمدنيين وعسكريين، مثل مصر.
أما الأنظمة السياسية العربية، فبينها ما يدعم الحركة كل الدعم أو يضعها في خانة "العدو" غير المعلن أو يحافظ على مسافة معها، فلا هي قريبة وموثوق بها ولا هي بعيدة ولا يتعامل مع قادتها.
الكاتب الصحافي ياسر عبدالعزيز رصد هذا "التنافر الإعلامي العربي" في السرديات الإعلامية على مدار عامين، بقوله إن الإعلام العربي التقليدي أظهر ثلاث استجابات متباينة إزاء الحرب وطرفيها. وحدد هذه الاستجابات الثلاث ضمن مقالة عنوانها "الإعلام العربي منقسم إزاء حرب غزة" (مارس/ آذار 2024) كالتالي، واحدة اتخذت طريق التأييد المطرد والمكثف لـ"حماس" والفلسطينيين، وأخرى التزمت معالجة هادئة تنزع نحو الاستيفاء الإجرائي لمقتضيات "الموضوعية"، وثالثة لم تعر الحرب الاهتمام المعتاد، ولم تكرر المواقف التقليدية المعروفة إزاءها.
المؤكد أن الموقف العربي - سواء الشعبي أو الرسمي (حتى ولو كان غير معلن) – من حركة "حماس" شكل الجانب الأكبر من السردية الإعلامية العربية عن حرب القطاع على مدار عامين، لكن الملاحظ أيضاً أن حتى المواقف المتحفظة تجاه "حماس" شهدت تغيراً في السردية خلال الأشهر القليلة الماضية، متخطية تحفظاتها على الحركة وأفعالها والتنقيب في أهدافها من عملية السابع من أكتوبر، وهو التغير المتزامن والمتلازم والمتوازن مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على القطاع وأهله، وتحول الحرب إلى "إبادة" والعملية العسكرية إلى "تجويع".
بعد مرور الأشهر الأولى من الحرب على غزة، مضى الإعلام العربي التقليدي باختلاف أطيافه وتوجهاته صوب قدر أوفر من التغطية ذات الطابع الإنساني، إن لم يكن مع "حماس" فمع أهل غزة.
ومضت السرديات الإعلامية العربية متميزة بقدر أوفر من الاتساق مع بعضها بعضاً باستثناء ما يتعلق بجهود الحرب بالوكالة، أي ضلوع إيران و"حزب الله" والحوثيين وفصائل عراقية مسلحة في الهجوم على إسرائيل، باسم غزة، وهو الاستثناء الذي استمر مع قيام إسرائيل بتوجيه ضربات مميتة لهذه الأطراف، انعكس على السرديات الإعلامية العربية كل بحسب توجهه وعلاقته التاريخية والأيديولوجية والسياسية والاستراتيجية بهذا المحور.
وبعيداً من تمدد متلازمة الاتهام بالتقصير في دعم القضية التي تتراشق بها أطراف عربية - عربية، ومعظمها تراشقات تستند إلى عوامل وأسباب أيديولوجية وإسلامية سياسية، مع قدر غير قليل من الخلافات والاختلافات السياسية والتاريخية، وظهور مقالات وفقرات وتحليلات على هذه المنصة الإعلامية العربية تتهم تلك بخذلان غزة وأهلها، وترد هذه على تلك باتهامها باستخدام مأساة غزة للتخديم على مصالحها ومخططاتها وأطماعها.
لحسن الحظ أن هذا النوع من السرديات بقي على مدار العامين في أضيق الحدود، ربما احتراماً لفداحة ما يجري داخل غزة، أو وعياً من أصحابها أو القائمين عليها بأن التراشق في هذه الظروف من شأنه أن يفقدها المتابعة.
عامان من السرديات المختلفة
عامان من السرديات الإعلامية العربية للحرب، وعلى رغم ذلك فإن الإعلام العربي بكل تنويعاته وأدواته وقدراته وتوسعاته وإمكاناته لم يؤثر كثيراً في السردية الإعلامية العالمية عن الحرب، ولم ينجح في أن يلعب الدور الذي يلعبه الإعلام الغربي في الأحداث الجُلَّى الخاصة به، ويكون مصدراً أو ملهماً أو مؤثراً، إلا في أضيق الحدود.
الأسباب كثيرة، لكن بينها غياب سردية عربية ذات ملامح متسقة لا تطل الخلافات العربية - العربية منها، وغلبة الجوانب العاطفية على الإخبارية والتحليلية، وهيمنة النعوت، وعدم الاكتفاء في بعض المنصات الإعلامية التقليدية بصب الغضب على "الجانب المعتدي" عبر الخبر والصورة والتحليل، لكن بالصياح والصراخ وغيرهما من صور العصبية والتوتر والهستيريا.
ورقة بحثية عنوانها "تغطية الحروب في الشرق الأوسط، السياقات التاريخية والتحديات المعاصرة" نشرتها دورية "الإعلام العربي والمجتمع" التي يصدرها "مركز كمال أدهم للصحافة التلفزيونية والرقمية" في الجامعة الأميركية بالقاهرة" (يوليو 2025) تشير إلى أنه منذ عام 1948 يشكل الصراع الفلسطيني (العربي) - الإسرائيلي حجر الزاوية في تغطية الأزمات داخل الشرق الأوسط، إلا أن وسائل الإعلام العربية لا تزال تكافح لعرض سردياتها على الساحة العالمية.
وخلال وقت استغل فيه الإعلام الغربي نفوذه الجيوسياسي وامتداده المؤسساتي ليسرد الصراع من منظور متعاطف مع الدولة الإسرائيلية، متجاهلاً في كثير من الأحيان وجهات النظر الفلسطينية، ظلت وسائل الإعلام العربية تواجه مشكلات لغوية ومالية وهيكلية وتكنولوجية حدت من قدرتها على مواجهة السردية الإعلامية الغربية للصراع. وهيمن على مدار الأعوام مفردان رئيسان ضمن السردية الغربية هما "إرهاب" و"أمن"، ومفردان رئيسان في السردية العربية هما "احتلال" و"مقاومة".
وتشير الورقة إلى أن ما جرى يوم السابع من أكتوبر 2023 أبرز فجوة مستمرة في التأثير الإعلامي بين السرديات العربية والغربية. خلال وقت سارعت فيه مؤسسات إعلامية مثل "سي أن أن" و"بي بي سي" و"نيويورك تايمز" وغيرها إلى ترسيخ سرديات مهيمنة تؤطر الصراع بين إسرائيل و"حماس" ضمن أطر جيوسياسية كلاسيكية، إذ التركيز على الإرهاب والمخاوف الأمنية وعدم الاستقرار الإقليمي، وعانى كثير من المؤسسات الإعلامية العربية من أجل اكتساب زخم دولي لسرديتها الإعلامية.
وترى الورقة أن الأسباب لا تتعلق فقط بمحتوى السردية، لكن في التفاوتات الهيكلية الكبيرة بين المؤسسات الغربية والعربية، إذ الأولى تحظى بموارد أكبر وشبكات توزيع أوسع وخبرات ورؤى خوارزمية أعمق، إضافة إلى صدقية راسخة لدى الجماهير الدولية على مدار عقود.
من جهة أخرى، تشير الورقة إلى سطوة السردية الإعلامية الغربية المركزة على ما تعرضت له إسرائيل ومواطنوها المدنيون من هجوم خلال السابع من أكتوبر، وعدم قدرة السرديات العربية التي تنوعت بين الجوانب الإنسانية، أو بالأحرى اللاإنسانية، التي يتجرعها أهل غزة، على النفاذ إلى السردية الغربية.
ويبدو أنه حتى عندما عرضت وسائل الإعلام العربية وجهات نظر بديلة، أو وثقت جوانب مختلفة من الأزمة الإنسانية، واجهت صعوبة في اختراق الخطاب الدولي السائد، وهو ما عزز الروايات المعدة مسبقاً والصور والانطباعات النمطية الغربية عن السرديات الإعلامية العربية، وكونها تفتقر إلى السياق المحترف والالتزام بالجوانب الإخبارية والتحليلية دون عواطف، وتداخل التاريخ بالمشاعر، بالجغرافيا بالعواطف، والدين بالحقوق.
من جهة أخرى، ترى الورقة أن محدودية السردية الإعلامية العربية طوال العامين الماضيين، في مقابل الغربية، يعكس استمرار غياب خطاب إعلامي متوازن في العالم.
السوشيال ميديا منافس شرس
غياب هذا التوازن وهيمنة السرديات الغربية، حتى وإن كانت غيرت مسارها وصارت أكثر "قدرة" أو "رغبة" على رؤية ما يجري لأهل غزة خلال الأشهر القليلة الماضية، مستمر. بالتالي، فإن تأثيرها في الرأي العام العالمي في ما يختص بغزة، أمر غير وارد. أما التأثير في الرأي العام العربي فهذا مؤكد، وإن كانت السوشيال ميديا تنافسها بشراسة على مدار العامين الماضيين، وما زالت.
ويمكن القول بمناسبة مرور عامين على إحدى أشرس الحروب خلال العصر الحديث، إن تأثير سرديات السوشيال ميديا عبَر الحدود وتغلب على القيود، وأسهم في صناعة الرأي العام وتوجيهه وإعادة توجيهه طوال الأشهر الـ24 الماضية. التأثير لا يعني تأثيراً إيجاباً بالضرورة، والقدرة على صناعة وتشكيل وتغيير دفة الرأي العام ليست أمارات على حسن الأداء وروعة المحتوى بالضرورة، ناهيك بأن ما يعده بعض نصراً وإنجازاً بسبب النجاح في الوصول إلى الرأي العام والتأثير عليه، يعده بعض آخر مصيبة فادحة وتهديداً خارقاً. وحين تضاف إلى ما سبق طبيعة السوشيال ميديا حيث انعدام ضوابط الصدقية والموضوعية، باستثناء تلك التي يختار بعض أن يتلزم بها، فإن التأثير في الرأي العام في ما يختص بحرب يكون مسألة شائكة وخطرة، و"إما صابت أو خابت". وعلى رغم ذلك، فإن ما فعلته سردية السوشيال ميديا في هذه الحرب يشفع لها كل الأخطار والمشكلات.
خلال الأسابيع الأولى من اندلاع الحرب، نجح عدد لافت من المستخدمين العاديين لمنصات السوشيال ميديا، إضافة إلى بعض من الصحافيين والإعلاميين من سكان غزة في إمداد العالم بما كان يجري داخل القطاع. كانوا أعين البشرية لشرارات الحرب الأولى في أعقاب عملية السابع من أكتوبر. وفي المقابل، نشط مستخدمون إسرائيليون، سواء أفراد متطوعون أو موجهون من قبل جهات ما، في نقل السردية العنكبوتية، لكن من وجهة نظر إسرائيل.
وخلال هذه الفترة، هيمنت سردية السوشيال ميديا الفلسطينية وتمكنت آلاف الفيديوهات والصور والتدوينات والتغريدات الصادرة من داخل القطاع في أن تعرف طريقها إلى مشارق الأرض ومغاربها، وأحياناً "لايف" حيث توثيق ما يحدث بينما يحدث.
وزاد من حجم التأثير في رأي عام الشارع العالمي أن جانباً من المحتوى الصادر بأيدي أهل غزة عما يتعرض له أهلها كان باللغة الإنجليزية، دون بذل مجهود لشحن عاطفي أو تأثير درامي، إذ تكفلت الحقيقية بكليهما.
ومع مرور أشهر وتعرض شبكات الاتصال لأضرار وانقطاعات مقصودة، واستهداف إعلاميين ومواطنين صحافيين أثناء توثيق ما يجري، ثم توسع دائرة العدوان والقتل والتهجير والنزوح القسري، تضاءلت قدرة السوشيال ميديا على النقل والتوثيق وإن لم تختف تماماً.
سردية السوشيال ميديا لم تخلق منصة موازية للمعرفة فحسب، وإن كانت محملة بالتحديات والأخطار، لكنها خلقت على هامش الحرب على مدار العامين الماضيين، وهو ما يمكن تسميته "تبادل عالمي للمشاعر وردود الفعل" لا يتقيد بإملاءات الإعلام التقليدي أو حدود المسموح وغير المسموح به في نقل الأخبار وشرح المجريات.
تشارك المحتوى والتعبير عن التأييد وكذلك الاعتراض، وعرض سردية تاريخية وسياسية وخبرية مناقضة للسردية المطروحة، والتعليق، وإعادة النشر وغيرها على مدار عامين، شاركت في صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي بطريقة أو بأخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وثق بعض أهل غزة حياتهم تحت القصف، وبثوا واقع ما يجري على صفحاتهم الشخصية عبر السوشيال ميديا وشاهدها العالم، وتأثر بها كثر واختاروا أن يدعموا هذه السردية، في حين استشعر آخرون الخطر والخوف ونصبوا أنفسهم مدافعين عن السردية الإسرائيلية، فتطايرت شظايا حروب عنكبوتية عدة على الأثير.
وعلى رغم ذلك يمكن القول إن موجات التظاهرات والمسيرات المطالبة بإنهاء الحرب وإنقاذ غزة وأهلها ووقف العدوان الإسرائيلي التي سرت في دول غربية عدة تأثرت كثيراً بسرديات السوشيال ميديا التي وقفت داخل منطقة وسط من إعلام عربي، يعده بعض غارقاً في السردية العاطفية، وإعلام غربي يعده بعض غارقاً في سردية محترفة ولكن متضامنة ومؤيدة ومتعاطفة مع إسرائيل.
سردية السوشيال ميديا العربية، تحديداً الصادرة من داخل القطاع على مدار العامين الماضيين نجحت في إمداد المتلقين في أنحاء العالم بمحتوى غير مسبوق في قضية عانت على مدار عقود من التنميط وهيمنة أحد طرفي الصراع. ليس هذا فحسب، بل إن صراع القط والفأر بين منصات السوشيال ميديا والخوارزميات الخانقة والمقيدة لسردية بعينها أضاف عنصر إثارة لم يخل من جاذبية.
تحيزت الخوارزميات بصورة واضحة وصريحة ضد السرديات الفلسطينية، باعتبارها إما إرهابية أو تحض على الكراهية أو تدعم العنف، وهو ما أدخل المستخدمين الفلسطينيين والعرب بصورة عامة في لعبة مثيرة، إذ الكر والفر عبر كتابة كلمات بعينها متفرقة الحروف أو اعتماد وسوم أو رسوم بدلاً من أسماء محظورة وغيرها. وكل ما سبق جعل من التدوين والسرد العنكبوتي أشبه بالمغامرة المثيرة والتحدي لهدف يعدونه سامياً، ألا وهو نصرة أهل غزة في مقابل عدوان مفرط.
فارق كبير بين سردية الإعلام التقليدي وسردية السوشيال ميديا يكمن في قبول المحتوى العاطفي في الأخيرة، ورفضه في الأولى، وهو ما انعكس في التأثير في الرأي العام الغربي الذي تأثر كثيراً بتوثيق أهل غزة لحياتهم دون شبهة المبالغة أو الابتعاد من الاحترافية والمهنية، إذ يظل اسمها "سوشيال ميديا" وليس إعلاماً تقليدياً في نهاية المطاف.
في نهاية عامين من حرب القطاع، انقلبت مقاييس وموازين السرد الإعلامي على كل الصعد. سرديات غربية بقت على حالها الداعم لإسرائيل، وأخرى اتسعت هوامشها لتحوي قدراً غير قليل مما يجري من حرب "إبادة" وجريمة "تجويع". وسرديات عربية وجدت نفسها مقيدة بالسياسة أو ملزمة بالحسابات قبل أن تجد لنفسها منطقة وسط تراعي فيها حساسياتها وخلال الوقت نفسه تقوم بالمهام الإعلامية في تغطية إحدى أكثر الحروب ضراوة، وأخرى وقعت في فخ السردية المتأثرة بالأيديولوجيا والتغطية المفعمة بالتوازنات والمصالح. أما سردية السوشيال ميديا، فحازت لقب الأكثر قدرة على التأثير، على رغم كونها الأكثر تأثراً بالخوارزميات، والأكثر عرضة للوقوع في براثن التضليل وقبضة أشباه الأخبار.