Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أكثر من غزة... حين تكون الـ"سوشيال ميديا" مصدر الأخبار

البعض يشعر بأن الإعلام التقليدي خذل سكان القطاع وآخرون يحذرون من سطوة مواقع التواصل في صراع يهدد المنطقة بأكملها

قفزت منصات التواصل الاجتماعي إلى الواجهة خلال الحرب الحالية لا سيما في ظل التعتيم الإعلامي الذي تفرضه إسرائيل (أ ف ب)

ملخص

طرفا الصراع في غزة ومن يقف مع كل منهما، غارقون في ما تنضح به منصات الـ"سوشيال ميديا" طواعية أو إجباراً، بعقل واع أو بغيره، بمن في ذلك من ظلوا أوفياء للإعلام التقليدي المرئي والمسموع والمكتوب.

بينما المنصات الإعلامية الكبرى منشغلة بتوزيع صحافييها بين تقصي حقيقة بناء ممر مائي في غزة يقال إنه لإيصال المساعدات، وإرسال مندوبيها للحصول على تفسيرات من خبراء الحروب واختصاصيي بناء الممرات المائية، وانتظار تعليق مسؤولين من "حماس" وتصريحات من البيت الأبيض وآراء من مسؤولي وزارات الخارجية في دول عربية، وذلك قبل النشر بهدف التأكد والتحقق واستيفاء معلومة الممر من ألفها إلى يائها، كان أفراد ناشطون على الـ"السوشيال ميديا" نشروا صوراً قيل إنها لعملية بناء الممر، وتم تداولها ملايين المرات بين المستخدمين.

ماذا يحدث في رفح؟

جانب من الجمهور كان مثبتاً أمام شاشات القنوات والمواقع الإخبارية انتظاراً لمعرفة ماذا يحدث في رفح الفلسطينية، لا سيما المنطقة المتاخمة للمعبر، بينما كان آخرون يتداولون مشاهد لما يجري هناك على يد الجيش الإسرائيلي على هواء الـ"سوشيال ميديا" مباشرة.

هواء الـ"سوشيال ميديا" متخم بالمحتوى على إيقاع حرب القطاع منذ السابع من أكتوبر (تشرين أول) الماضي، فالـ"سوشيال ميديا" في الصدارة دائماً، إن لم يكن في صدارة الصدقية، ففي صدارة الاهتمام والمتابعة. وهي تلعب دوراً متزايداً في الصراع الحالي. وأعداد المستخدمين العرب المتصلين بشبكة الإنترنت زادت بدرجة لافتة ومستمرة في الزيادة. والصراع العربي - الإسرائيلي مستمر منذ عقود.

 

 

جهات وأطراف عدة حول العالم تبذل جهداً كبيراً لتقديم جرعات إعلامية للجمهور العربي، كل بحسب توجهه وأي الطرفين يدعم في الصراع. لكن في الوقت نفسه قفزت منصات التواصل الاجتماعي إلى الواجهة في الحرب الدائرة حالياً، لا سيما في ظل التعتيم الإعلامي الذي تفرضه إسرائيل في القطاع ومع الصحافيين من الوجود. بالتالي أصبح محتوى منصات التواصل الاجتماعي الذي يبث من أفراد داخل القطاع مصدراً رئيساً لأخبار ما يجري في الداخل.

هذا ما ذكره الصحافي ومدير التحرير السابق لدورية "الإعلام العربي والمجتمع"، التي تصدرها الجامعة الأميركية في القاهرة ويل وورد عن الصراع الدائر في قطاع غزة.

"رصاص مصبوب" و"سيوف حديدية"

وعلى رغم أن وورد كان يتحدث عن عملية "الرصاص المصبوب" (2009) لا "السيوف الحديدية" (2024)، فإن ما أورده في ورقته "السوشيال ميديا في صراع غزة" قبل 15 عاماً لا يزال ساري المفعول، بل تضاعف مفعوله حتى صار طوفاناً خبرياً على منصات التواصل الاجتماعي على رغم أنف الإعلام التقليدي والأنظمة والحكومات على طرفي الصراع.

طرفا الصراع ومن يقف مع كل منهما، أفراداً وجهات ومؤسسات وأنظمة، غارقون فيما تنضح به منصات الـ"سوشيال ميديا" طواعية أو إجباراً، بعقل واع أو بغيره. ومن دون أن يدرك ملايين – وربما مليارات - المتابعين لمجريات حرب القطاع، فإنهم يجدون أنفسهم مثبتين أمام شاشات منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما في أوقات الضربات المفاجئة والأحداث الجسيمة والحوادث المفجعة ضمن حرب غزة، بمن في ذلك من ظلوا أوفياء للإعلام التقليدي المرئي والمسموع والمكتوب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المهندس المتقاعد فريد فهمي (78 سنة) دأب على استدعاء حفيده الذي يقطن في الشقة المقابلة له كلما ظهرت كلمة "عاجل" على الشريط الخبري في شاشات القنوات العربية والغربية وحتى الإسرائيلية التي يتابعها على مدار الساعة منذ اندلاع حرب القطاع، سبب الاستدعاء هو إطلاع الجد على ما يرد عبر "إكس" من تغريدات وصور وفيديوهات، وكذلك "فيسبوك" و"إنستغرام" و"تيليغرام" و"تيك توك". لماذا؟ "لأن هذه المنصات تنقل ما يجري وقتما يحدث، الخبر العاجل على القناة التلفزيونية الإخبارية يعني عادة أن حدثاً جللاً يحدث أو يوشك على الحدوث، وهو يعطي القناة أو الموقع الخبري فرصة حتى التأكد من الخبر وجمع التفاصيل الخاصة به. الـ’سوشيال ميديا‘ تختصر دقائق التحقق وجمع مزيد من المعلومات وتدلق ما يجري بالمعنى الحرفي للكلمة وما يتم تصويره أو رؤيته"، بحسب ما يقول فهمي.

مثار مخاوف

ما يتم تصويره أو رؤيته في حرب القطاع من أهله مثار مخاوف يتحدث عنها القائمون على أمر الإعلام التقليدي حيث التشكيك في الصدقية والقلق من المنافسة، وكذلك الساسة ورموز الأنظمة السياسية المختلفة، إذ ما يبث من أهل القطاع أو الموجودين فيه لا يخدم بالضرورة غاياتهم وأهدافهم، بل وربما مفاوضاتهم وتكتيكاتهم الدبلوماسية أو العسكرية أو الأمنية. أما المتابع أو المستخدم أو المتلقي فغارق في "جنة" الأخبار الآنية، سواء كانت حقيقية أم مفبركة أم نصف مفبركة.

فبركة الأخبار وصدقيتها، ونقل الصورة كاملة من دون اجتزاء أو تسييس، والتأكد من استيفاء الخبر جميع أركانه، أمور بالغة الأهمية مهنياً وأخلاقياً، لكنها وقت الكوارث وفي خضم المصائب تتوارى شعبياً أمام الشغف بما يجري "الآن" مهما كان مشكوكاً في مهنيته.

مهنية الفيديو المنقول على هواء الـ"سوشيال ميديا" مباشرة بينما القوات الإسرائيلية تقصف معبر رفح من الجانب الفلسطيني، وآخر يبث وقائع قصف منزل في غزة، أو قنص "القسام" لجندي إسرائيلي، وثالث لجنود إسرائيليين يتحرشون بمواطنين فلسطينيين أثناء اعتقالهم، ورابع لانتشار جثامين في شوارع جانبية، وغيرها آلاف من الفيديوهات، إضافة إلى الصور الفوتوغرافية التي تصل إلى شاشات ملايين المتابعين عبر صفحات الـ"سوشيال ميديا"، هذه "الثروة" من المقاطع تتجاهل أو تتناسى أو تؤجل الانشغال بالجوانب المهنية ومدى توافراها لأجل غير مسمى.

نعوت غير مناسبة

ولولا أن المقاطع المصورة تنقل – أو تدعي أنها تنقل - ما يجري "الآن" أو قبل دقائق من قتل وتدمير وتجويع لأهل غزة على يد قوات الجيش الإسرائيلي، أو "إنجازات" الجنود الإسرائيليين في "تطهير" غزة من مقاتلي "حماس" وتدمير قواعد إطلاق الصواريخ التابعة للحركة، وتفجير مستودع يحوي أدوات قتالية ودك بنى تحتية تستخدمها "حماس" لتوجيه عملياتها ضد إسرائيل، لأمكن القول إنها مقاطع مبهرة وساحرة ورائعة.

هي نعوت لا يصح إطلاقها على مشاهد تحوي قتلاً ودماراً، لكن تظل إتاحة نقل المتابع إلى جبهة القتال أو أرض الصراع ليتابع ما يحدث – أو زاوية مما يحدث - وهو ينعم بدفء بيته أو أجواء مقهاه المفضل من دون أن يتعرض لأخطار الحرب، أو أن ينتظر رحلة توثيق المحتوى من الإعلام التقليدي بخاصة، رائعة على هامش حرب القطاع.

نصف سكان الأرض

جانب معتبر من حرب القطاع يتأثر ويؤثر ويدور على منصات الـ"سوشيال ميديا"، إنها المنصات التي يتجول فيها أكثر من نصف سكان الأرض، ومنهم من يمضي فيها أغلب ساعات الليل وجزء من ساعات النهار، ينهلون منها الأخبار والمعلومات والمعارف والترفيه وكل ما من شأنه أن يصنع رأياً عاماً.

في أبريل (نيسان) الماضي كان هناك 5.44 مليار مستخدم للإنترنت في العالم، أي 67.1 في المئة من سكان الأرض كانوا متصلين بالشبكة العنكبوتية. بين هؤلاء بلغ عدد مستخدمي الـ"سوشيال ميديا" 5.07 مليار شخص، أي ما يعادل 62.6 في المئة من سكان الأرض، بحسب إحصاءات "ستاتيستا" المتخصصة في بحوث الإنترنت.

 هذه المليارات تؤثر وتتأثر بمحتوى هذه المنصات، وجزء كبير - يصل في بعض الأحيان إلى الجزء الأكبر- من الرأي العام والموقف السياسي والانتماء الفكري يتشكل بفعل هذا المحتوى، لا سيما المحتوى المرئي.

 

 

رأى تقرير نشرته "بي بي سي" الإنجليزية عنوانه "مقاطع فيديو رائعة أم محتوى صدقية؟ معارك إسرائيل – غزة تدور رحاها على (تيك توك) و(إكس)"، خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، أن خوارزميات منصات الـ"سوشيال ميديا" تقرر نوعية الفيديوهات التي تظهر على شاشة المستخدم، وأن الفيدوهات المتعلقة بحرب القطاع إما متحيزة تماماً للجانب الفلسطيني أو الإسرائيلي، في ضوء التاريخ البحثي وسابق مشاهدات الشخص. ويشير إلى أن الفيديوهات المقترحة تتواتر، وغالباً تكون ممثلة لجانب من دون غيره من طرفي الصراع، وهو ما يعطي المستخدم شعوراً بأن هذا الجانب هو الأكثر شعبية وصدقية، مما يؤثر بطرق عدة بعضها غير مباشر في تشكيل أو تعضيد الرأي العام.

لا وقت للتحقق

الرأي العام حين يهرع إلى شاشاته ويطالع محتوى صفحاته على منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما في أوقات الحروب والكوارث الطبيعية وتلك التي يصنعها الإنسان، قلما ينشغل بمسائل التحقق والتأكد للدرجة التي تمنعه من مشاهدة لحظة قصف معبر أو تفاصيل دك عمارات سكنية أو إخراج جثامين نساء وأطفال من تحت الركام. هذا الرأي العام بينه قطاع مدرك لمسائل تتعلق بضلوع أنظمة وجيوش في حروب الـ"سوشيال ميديا" وإغراقها بمحتوى يهدف إلى كسب التعاطف أو تدمير سمعة العدو، واحتمالات عدم دقة أو صدقية، وضلوع الذكاء الاصطناعي فيه، وغيرها من عوامل قد تنتقص من صدقية المحتوى.

على الأثير نفسه، أثير الـ"سوشيال ميديا"، تدور نقاشات عديدة بين مستخدمين يتحاورون حول "أسباب" ظاهرة فقدان الثقة أو الانصراف عن أو عدم الاكتفاء بمنصات الإعلام التقليدي لمتابعة ما يجري في القطاع. بعضهم يرى أن كثيراً من وسائل الإعلام التقليدية، بما في ذلك المنصات الغربية التي اكتسبت سمعة الحياد والصدقية والموضوعية على مدار عقود، فقدت مكانتها بعد ما وصفوه بـ"الانحياز الكامل والواضح لإسرائيل". وفي السياق نفسه يرى آخرون أن الإعلام الغربي لا يدعم إسرائيل بالقدر الكافي، بعدما رأى العالم – من وجهة نظرهم - ما تعرضت له إسرائيل من "إرهاب" يوم السابع من أكتوبر الماضي.

استقطاب شديد

حال الاستقطاب الشديد في هذه الحرب أسهمت في رفع أسهم الـ"سوشيال ميديا"، ومع الاستقطاب يأتي انعدام وجود مراسلين أجانب في غزة، إذ الاعتماد في التغطية الإعلامي التقليدية إما على المراسلين الفلسطينيين في الداخل، أو على المحتوى الذي يحمل على منصات الـ"سوشيال ميديا" من الداخل، وذلك بعد التحقق منه، وحتى في هذه الحال يخضع المحتوى لعمليات تيقن واختبارات عدة للتأكد من صحة ما جاء فيه.

سهام المر (37 سنة - معلمة) تقول إنها شاهدت مقطعاً ضمن نشرة أخبار على قناة إخبارية باعتباره "وردنا الآن"، على رغم أنها شاهدت المقطع نفسه على "إنستغرام" قبلها بساعات.

 

 

أغلب تحليلات وتعليقات خبراء الحرب واختصاصيي الإعلام حول محتوى الـ"سوشيال ميديا" بكل تناقضاته، ومقارنته بالإعلام التقليدي، ونصائح التيقن والتأكد، وانتقادات الانحياز والمبالغة، ورفض حجب المحتوى ومنعه، سواء من الشركات المالكة لمنصات الـ"سوشيال ميديا" أم الحكومات أم المطالبة به وغيرها، لا يتطرق إلى شهوة المتابعة الآنية التي لا تتوافر عادة على المنصات التقليدية.

ما يجري في تغطية حرب القطاع عبر الـ"سوشيال ميديا" أبعد وأكبر من مجرد شهوة المتابعة الآن، إذ يقول الصحافي الأميركي ريان غريم في لقاء على موقع "ذو إنترسبت" (منظمة خبرية أميركية غير ربحية) أن ما يبدو فريداً في الصراع هذه المرة هو الطريقة التي تمكن بها مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي من تطوير شكل العلاقة بينهم وبين المواطنين الفلسطينيين في غزة، الذين أخذوا على عاقتهم مهمة نقل ما يجري في القطاع إلى العالم من بيوتهم ثم مخيماتهم وأثناء نزوحهم، فأصبحوا مصادر الأخبار وبعضهم تحول إلى الخبر نفسه.

ويتبنى غريم كذلك وجهة نظر قوامها أنه كلما زاد عدد الأشخاص الذين يستخدمون الـ"سوشيال ميديا"، وكلما كانوا أصغر سناً، زادت احتمالات تعاطفهم مع الجانب الفلسطيني في هذه الحرب. هؤلاء تزيد احتمالات حصولهم على رؤية أكثر واقعية ونافذة وأكثر دقة لما يحدث على الأرض، وذلك عبر متابعتهم لما يبثه "المراسلون المواطنون" من غزة عن حياتهم اليومية أو أثناء الدك والقصف والاستهداف.

من خذل غزة؟

بعضهم يعتريه شعور بأن الإعلام التقليدي خذل غزة، وآخرون يرون أن السر في متابعة الإعلام التقليدي في هذه الحرب يكمن في الانتقاء والمشاهدة النقدية. وفريق ثالث يعتبر الـ"سوشيال ميديا" المنبع الأول والرئيس لأخبار الحرب الدائرة، حيث النقل الآني للمجريات، إضافة إلى كون أغلب الناقلين من سكان القطاع. وهناك فريق رابع يحذر من سطوة محتوى الـ"سوشيال ميديا" في صراع بالغ الخطورة يهدد منطقة بأكملها، حيث مشاعر الغضب سيدة الموقف، ومشاهد القتل والدمار على أثير المنصات مباشرة من دون مراجعة من قسم المواد المصورة للتأكد من جودة الصورة، أو تحرير محتوى للالتزام بما يجب وما لا يجب بثه، أو اتباع خطوات التيقن من صحة المحتوى.

كل ما سبق من سبل تحقق وجوانب نقاش حول الصدقية والقواعد في واد، والرغبة العارمة في متابعة ما يجري بشكل آني، إضافة إلى محتوى يفرض نفسه عبر خوارزميات على صفحات المستخدمين في واد آخر. وستبقى لشهوة المتابعة الآنية أو شغفها اليد العليا إلى أن تهدأ حرب القطاع أو ينقطع أثير الـ"سوشيال ميديا"، أو يقلص ويرشد، أيهما أقرب.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات