Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البصمات الرقمية والتقييم الائتماني... هل نحن على أعتاب عصر جديد؟

مشهد الإقراض تغير جذرياً خلال الأعوام القليلة الماضية ومنح القروض يعتمد على قرارات المصرفيين وتقارير الجدارة الائتمانية التقليدية

تشير الدراسات إلى أن المتغيرات الرقمية المتاحة يمكن أن تتفوق على درجات الائتمان التقليدية (أ ف ب)

ملخص

بينما تعتمد الدرجات التقليدية على التاريخ الائتماني، تحلل البصمات الرقمية بيانات مثل نشاط الاشتراكات والمشتريات عبر الإنترنت للتنبؤ بأخطار الائتمان، مما يوفر طريقة أكثر شمولاً لتقييم الأفراد ذوي التاريخ الائتماني المحدود، ومع ذلك يثير هذا النهج مخاوف تتعلق بالدقة والكلف والامتثال التنظيمي

عادة ما تعتمد نماذج التقييم الائتماني على البيانات المالية التقليدية، وهو ما قد يحد من دقة التنبؤ بأخطار التعثر، لكن إدماج تحليل "البصمة الرقمية" يفتح آفاقاً جديدة لتعزيز القدرة على التنبؤ بالتعثر وتحسين معدلات الموافقة على القروض، خصوصاً داخل الأسواق الناشئة.

 لقد بقي الإقراض لأعوام حكراً على المصرفيين ومسؤولي القروض، لكنه أصبح تدريجاً أكثر اعتماداً على الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، فضمن منصات التكنولوجيا المالية غير المصرفية تستخدم سجلات المدفوعات وتقنيات تعلم الآلة لتقليل كلف البحث، وتخفيف متطلبات الضمان وتسريع الموافقات على القروض، والوصول إلى المقترضين الذين غالباً ما تتجاهلهم البنوك التقليدية.

قد يرى بعض الخبراء في البصمة الرقمية مكملاً وأحياناً بديلاً عن درجات الائتمان التقليدية، إذ تستخدم بيانات سلوك الأفراد على الإنترنت لتقييم مدى مسؤوليتهم المالية، على رغم أن العلاقة المباشرة والمتسقة مع درجات الائتمان التقليدية لا تزال قيد التطور.

وبينما تعتمد الدرجات التقليدية على التاريخ الائتماني، تحلل البصمات الرقمية بيانات مثل نشاط الاشتراكات والمشتريات عبر الإنترنت للتنبؤ بأخطار الائتمان، مما يوفر طريقة أكثر شمولاً لتقييم الأفراد ذوي التاريخ الائتماني المحدود، ومع ذلك يثير هذا النهج مخاوف تتعلق بالدقة والكلف والامتثال التنظيمي.

وفي هذا السياق، أصبح الأثر الرقمي (المعلومات التي يتركها الأشخاص على الإنترنت بمجرد تصفحهم أو تسجيلهم في المواقع الإلكترونية) أداة قوية لتوقع تعثر المستهلكين المالي.

وتشير الدراسات إلى أن المتغيرات الرقمية البسيطة والمتاحة بسهولة يمكن أن تضاهي أو تتفوق على درجات الائتمان التقليدية الصادرة عن مكاتب الائتمان، بل وتشمل أيضاً الأشخاص الذين لا يمكن تقييمهم تقليدياً.

وتفتح هذه النتائج آفاقاً واسعة على صعيد نماذج أعمال الوسطاء الماليين، وتوسيع الوصول إلى الائتمان للفئات غير المصرفية، وتأثير ذلك في سلوك المستهلكين والشركات والهيئات التنظيمية في الفضاء الرقمي، أما السؤال الأبرز هو هل أصبحت البصمات الرقمية اليوم آلية التصنيف الائتماني الجديدة؟

إلى ذلك، يستبعد بعض المحللين أن تصبح البصمات الرقمية الآلية الوحيدة لتقييم الائتمان، بل تدمج الهوية الرقمية والبصمات الرقمية لتكملة وتحسين نموذج التقييم الائتماني التقليدي، لا سيما للأفراد ذوي التاريخ الائتماني المحدود، من خلال إضافة بيانات جديدة ذات قيمة للمقرضين.

ويقول هؤلاء إنه وبينما لا تزال الجهات التنظيمية والمؤسسات المالية في العالم تعمل على تطوير الأطر المناسبة، هناك الاتجاه نحو استخدام هذه البيانات لتقديم تقييمات ائتمانية أكثر شمولية ودقة، بدلاً من استبدال درجات الائتمان التقليدية بالكامل.

"البنوك مقبلة على منافسة قوية"

يقول عضو المجلس الاستشاري الوطني داخل معهد تشارترد للأوراق المالية والاستثمار في الإمارات وضاح الطه، إن "التوجه نحو التمويل باستخدام التكنولوجيا المالية يشهد توسعاً ملحوظاً"، موضحاً أن "السبب الرئيس يكمن في قدرة الذكاء الاصطناعي على توفير كم هائل من البيانات الدقيقة المتعلقة بعمليات الاقتراض، سواء حول المتقدمين للحصول على القروض أو المشاريع الممولة بها، حتى لو كانت مشاريع صغيرة".

ويضيف الطه أن توافر هذه المعلومات الضخمة يتيح للمقرضين صورة أوضح مقارنة بالآليات التقليدية، التي قد تعجز فيها إدارات الائتمان داخل البنوك عن الوصول إلى مستوى كاف من اليقين عند اتخاذ قرارات الإقراض، مما ينعكس عادة في اشتراط ضمانات مرتفعة أو رفع أسعار الفائدة. وأوضح أن الضمانات على القروض في بعض الحالات تتجاوز 130 في المئة من قيمة القرض في المنطقة، وهو ما يحد من شهية الإقراض ويؤثر سلباً في فرص النمو.

وأشار الطه إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد توسعاً في التمويل الجماعي أو ما يعرف بـ"Mass Funding"، وهو آلية تقوم على تجميع مساهمات من عشرات أو مئات الأفراد لتأمين التمويل، مما يشكل فرصة للمقترضين ويعد خلال الوقت ذاته أداة استثمارية للمشاركين في عملية الإقراض.

وختم قائلاً "أعتقد أن البنوك اليوم مقبلة على منافسة قوية في هذا المجال، وعليها أن تستعد جيداً لمواجهتها".

ووفقاً لدراسة ميدانية والتي حملت عنوان "استخدام البيانات البديلة في تقييم أخطار الائتمان... الفرص والأخطار والتحديات"، والتي أعدت العام الماضي من قبل اللجنة الدولية للإبلاغ الائتماني "ICCR" ومجموعة البنك الدولي "WBG"، فقد ساعدت الابتكارات التكنولوجية في تطوير نماذج تقييم الائتمان المتقدمة، واستخدام البيانات المهيكلة وغير المهيكلة لتقدير الجدارة الائتمانية للأفراد والشركات، وقد مكن ذلك القطاع المالي من دمج البيانات البديلة بصورة نشطة لتحقيق ميزة تنافسية.

واليوم، تستخدم المؤسسات المالية البيانات البديلة عبر كامل سلسلة القيمة الائتمانية، بدءاً من تحديد العملاء المحتملين وصولاً إلى إدارة الحسابات. وتشمل استخدامات البيانات البديلة تطوير المنتجات الجديدة، والتسويق، والفحص المسبق، وتقييم الأخطار الائتمانية، ومراقبة المحافظ، وتحصيل الديون، وتستخدم الشركات البيانات البديلة ليس فحسب لخدمة الأفراد غير المسجلين في سجلات الائتمان التقليدية، بل أيضاً لتكملة المعلومات الائتمانية التقليدية.

"البصمة الرقمية قد تصبح بطاقة التعريف المالية الأولى"

وقال نائب الرئيس التنفيذي لشركة "أف أتش كابيتال" طارق قاقيش للصحيفة ذاتها، إن مشهد الإقراض شهد تغيراً جذرياً خلال الأعوام القليلة الماضية.

ففي السابق، كان منح القروض يعتمد على قرارات المصرفيين وتقارير الائتمان التقليدية، أما اليوم فنحن أمام عصر جديد تحدده البيانات الضخمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فقد تحولت البصمات الرقمية من مجرد بيانات موقتة على الإنترنت إلى سجل أساس يعكس سلوك الأفراد المالي واليومي بدقة غير مسبوقة.

وأضاف قاقيش أن هذا التحول يفتح الباب أمام شمول مالي أوسع، فوفقاً لتقديرات البنك الدولي، لا يزال أكثر من 1.7 مليار شخص حول العالم خارج المنظومة المصرفية التقليدية.

وتمكن البصمات الرقمية هؤلاء من الوصول إلى الخدمات المالية، إذ يمكن لبيانات الدفع عبر الهاتف المحمول، وسلوكات الشراء الإلكتروني، وحتى انتظام دفع الفواتير، أن تشكل أساساً لتقييم جدارتهم الائتمانية، وأسهمت جائحة كورونا في تسريع هذا التحول، إذ دفع استخدام الفحوصات الرقمية والدخول إلى المطارات والمكاتب والأماكن العامة عبر أنظمة إلكترونية، كثراً إلى الاعتماد على الحلول الرقمية في حياتهم اليومية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستطرد قائلاً "لكن هذه الثورة الرقمية ليست خالية من التحديات، فالاعتماد على البيانات البديلة يستدعي وجود أنظمة دقيقة لحماية الخصوصية ومنع التحيزات، فإذا لم تدر هذه البيانات وفق معايير شفافة وأخلاقية، فقد تتحول من أداة للشمول المالي إلى وسيلة للإقصاء أو التمييز".

وأضاف قاقيش من جهة أخرى، تظهر التجارب الدولية قوة هذا التوجه، ففي الصين والهند أصبح اعتماد البصمات الرقمية والبيانات البديلة عنصراً أساساً لفتح أبواب التمويل لملايين المقترضين الجدد، وأثبتت شركات التكنولوجيا المالية داخل أفريقيا أن الهواتف الذكية يمكن أن تكون "المصرف الجديد" لمجتمعات بأكملها لم تدخل البنوك من قبل".

وختم بالقول إن "مستقبل التصنيف الائتماني لن يكون مجرد نسخة مطورة من الماضي، بل يعد نموذجاً جديداً بالكامل، فالمصارف التقليدية لم تعد المرجع الوحيد بل أصبحت البصمة الرقمية انعكاساً للالتزام والمسؤولية، وربما تصبح في المستقبل بطاقة التعريف المالية الأولى للفرد".

ويتابع "من هنا، فإن الاستثمار في هذا المجال لم يعد خياراً، بل ضرورة لبناء اقتصاد أقوى وأكثر تكاملاً مع الواقع المحلي".

"تقنيات الذكاء الاصطناعي عززت دقة البيانات"

وقال المحلل المالي حسن الريس للصحيفة إن "تحليل سلوك المستهلكين في القطاع المالي، وخصوصاً داخل البنوك، ليس أمراً جديداً بالكامل". وأضاف أن هذا السلوك كان يرصد سابقاً عبر وكالات الائتمان لتوقع كيفية تعامل الفرد مع المدفوعات، سواء كانت قروضاً شخصية أو قروضاً عقارية أو بطاقات ائتمان، أو فواتير الخدمات مثل الكهرباء والمياه أو حتى دفع فواتير الهاتف الشخصي.

وأوضح الريس أن التحليل يركز على أسئلة مثل هل يسدد الفرد كامل المبلغ أم جزئياً؟ هل يدفع خلال الوقت المحدد، قبل الموعد أم متأخراً دائماً؟ وبناء على هذه المعلومات، تحدد درجة ائتمانية تعكس سلوك الفرد تجاه الدفع، وليس بالضرورة قدرته على الدفع، إذ قد يكون الشخص قادراً على السداد لكنه يختار الدفع متأخراً أو تخصيص الأموال وفق أولوياته الشخصية، مما يعكس جانباً نفسياً من سلوك المستهلك.

وأشار الريس إلى أن هذا الأسلوب الذي بدأ داخل الولايات المتحدة انتشر الآن في عدد من الدول التي تعتمد نفس المنهجية، مؤكداً أن العامل الأكثر أهمية في هذه العملية هو وجود رقم فريد لكل مستهلك، مثل رقم الضمان الاجتماعي داخل الولايات المتحدة، بينما واجهت دول أخرى تحديات في توفير مثل هذا الرقم الديموغرافي.

وفي الإمارات، حلت بطاقة الهوية الإماراتية هذا الدور، وأصبح لكل مواطن ومقيم رقم موحد يربط جميع سجلاته، مما يتيح لوكالات التصنيف الائتماني الوصول إلى البيانات بسهولة.

وأضاف أن التطورات الحديثة في تقنيات الذكاء الاصطناعي عززت دقة بيانات سلوك المستهلك وجعلتها أكثر جاذبية للبنوك، مشدداً على أن سلوك الأفراد يختلف عن سلوك الشركات والمؤسسات، إذ تكون متطلبات المستهلك أقل تعقيداً، لكنه أوضح أن متابعة كل فرد لتفاعله مع الخدمات المالية ومدفوعاته أمر بالغ الأهمية، لأنه يؤثر بصورة مباشرة في حياته وحاجاته المالية المستقبلية.

كيف تبدو العدسة الضيقة للتصنيف الائتماني التقليدي؟

تقليدياً، يعتمد الوصول إلى الائتمان بصورة أساس على سجل سداد المقترضين للقروض، مما يفرض حاجزاً كبيراً أمام كثير من المتقدمين بسبب محدودية المعلومات المتاحة عنهم.

وتكون هذه القيود أشد وطأة على الفئات ذات التاريخ الائتماني المحدود، مثل الشباب والمهاجرين الجدد والنساء والأقليات العرقية، وكذلك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إذ غالباً ما تكون ملفاتهم الائتمانية ضعيفة أو غير موجودة، ويتأثر العاملون في القطاع غير الرسمي بصورة غير متناسبة، بسبب انخفاض دخلهم أو عدم انتظامه، ولعدم تسجيل جزء كبير من أنشطتهم الاقتصادية والمالية.

ويعمل جزء كبير من سكان الاقتصادات النامية في القطاع غير الرسمي، مما يمنعهم من بناء سجل ائتماني شخصي لعدم توفر تسهيلات ائتمانية رسمية بأسمائهم.

ونتيجة لذلك، يصعب عليهم الحصول على التمويل من مقدمي الائتمان الرسميين، فيضطرون إلى اللجوء إلى المقرضين غير الرسميين الذين يفرضون شروطاً أقل ملاءمة، بما في ذلك رسوم مرتفعة جداً.

وعلى رغم افتقارهم للتاريخ الائتماني، يترك هؤلاء المقترضون المحتملون بصمات رقمية من خلال استخدامهم للحوسبة السحابية وتصفح الإنترنت وهواتفهم المحمولة، ووسائل التواصل الاجتماعي ومنصات التجارة الإلكترونية وشحن الطرود، وإدارة مستحقاتهم ودفعاتهم وسجلاتهم عبر الإنترنت. ويمكن استثمار هذه البصمات الرقمية لتقييم الجدارة الائتمانية لهم، إلى جانب التزاماتهم المتكررة مثل دفع فواتير الهاتف والمرافق والإيجار.

ومع تزايد البيانات الرقمية والتقدم التكنولوجي، بدأ مقدمو خدمات تقارير الائتمان في دمج هذه البيانات، سواء كانت منظمة أو غير منظمة، ضمن تقييماتهم للجدارة الائتمانية، مما يعزز الشمول المالي ويوسع الوصول إلى الائتمان للفئات غير المخدومة مالياً.

وأظهرت دراسة مشتركة للبنك الدولي والمجلس الدولي للائتمان والرقابة المالية أن الاقتصادات الأكثر رقمنة تتفوق بصورة واضحة على الاقتصادات الأقل رقمنة في استخدام البيانات البديلة بطريقة مبتكرة.

وللاستفادة الكاملة من مزايا التصنيف الائتماني البديل، يصبح من الضروري تعزيز التحول الرقمي لدى المشاريع الصغيرة والمتوسطة والأفراد، مع ضمان توليد بصمات رقمية متسقة من قبل المقترضين المحتملين لإنشاء قواعد بيانات بديلة موثوقة.

وأسهمت جائحة كوفيد-19 في تسريع الرقمنة خصوصاً في قطاع الخدمات المالية، على رغم أن عدداً من الصناعات والقطاعات لا تزال غير مرقمنة بالكامل، بسبب الكلف وممارسات الأعمال والثقافة المؤسسية.

وفي النموذج التقليدي، يتكون التصنيف الائتماني من عدد محدود من العوامل الرئيسة، بحسب شركة "هاي ريديوس"، وتشمل سجل السداد ونسبة استخدام الائتمان وطول فترة الائتمان، وطلبات الائتمان الجديدة وتركيب الحسابات المملوكة للفرد. ومع ذلك، لا يزال هناك مئات الملايين من الأشخاص على مستوى العالم غير متعاملين مع البنوك، وفقاً لتقرير منصة "ماكلير" الاستثمارية للأجيال، مما يعني افتقارهم للوصول إلى الأنظمة المالية الرسمية وحساب بنكي.

وعلى رغم هذه الشريحة الضخمة من السكان، يمتلك جزء كبير منهم هواتف محمولة ويستخدم الأموال عبر الهاتف المحمول ويجرون المدفوعات بصورة متكررة، لكنهم ببساطة لا يملكون سجلاً ورقياً يمكن استخدامه في التقييم الائتماني التقليدي، مما يبرز الحاجة الماسة لاعتماد نماذج بديلة لتقييم الجدارة الائتمانية.

اقرأ المزيد