ملخص
يجمع المراقبون ممن تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" إلى أن خيارات "حماس" سواء للمناورة أم المماطلة باتت "معدومة"، لا سيما أمام تلاشي قدراتها العسكرية داخل قطاع غزة، وتعقد المشهد الإقليمي وتحوله في غير صالح الحركة.
فيما يترقب الجميع رد حركة حماس والفصائل الفلسطينية المنضوية معها على مقترح "خطة غزة"، الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في شأن وقف الحرب في القطاع، تتجه الأنظار إلى سكان القطاع الرازحين تحت ويلات الحرب ومصيرهم في ظل احتمالات أن يقود رفض الحركة للخطة استمرار الحرب المستعرة، لا سميا بعد تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"استكمال المهمة العسكرية" حال رفضت أو قوضت "حماس" المقترح، مما يؤشر إلى مزيد من "سفك الدماء والتشريد والتجويع" لسكان غزة.
"خطة غزة" التي وافقت عليها إسرائيل وباركتها غالبية الدول العربية والمجتمع الدولي، وضعت حركة حماس أمام "مفترق طرق وضيقت خياراتها" وفق ما يقول كثيرون، خصوصاً بعد أن تضمنت بنوداً تناقش "تفكيك ونزع سلاح الحركة"، وهو مطلب كثيراً ما رفضته "حماس"، وبقي نقطة خلاف كبرى في مفاوضات وقف إطلاق النار التي قادتها مصر وقطر بمشاركة الولايات المتحدة طوال العامين الماضيين.
وسلم الوسطاء القطريون والمصريون حركة "حماس" الخطة التي تتضمن 20 بنداً، وقالت الأخيرة إنها "تدرسها بحسن نية"، تزامن ذلك مع إمهال الرئيس ترمب الحركة "ثلاثة أو أربعة أيام للرد عليها"، متوعداً في اجتماع ضم جنرالات أميركيين في ولاية فيرجينيا أمس الثلاثاء بـ"مصير قاتم للحركة إذا لم تقبل خطته"، قائلاً "نحن بحاجة إلى توقيع واحد فقط، وهذا التوقيع إذا لم نحصل عليه فسيدفعون ثمنه في الجحيم".
وتنص "خطة غزة" على وقف الحرب نهائياً وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين لدى "حماس" في غضون 72 ساعة، مع مبادلتهم بسجناء فلسطينيين محتجزين في إسرائيل، ونزع سلاح الحركة وانسحاب إسرائيلي تدريجي من القطاع، يليه تشكيل لجنة لحكم القطاع من فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين تشرف عليها هيئة دولية جديدة تسمى "مجلس السلام" يتولى رئاستها ترمب نفسه.
أي خيارات تملكها "حماس"؟
وضعت خطة ترمب في شأن غزة، التي أعقبتها على الفور موافقة ومباركة عربية ودولية واسعة، حركة "حماس" في ما بدا وفق كثر "خيارات صفرية ولحظة حقيقية"، للمفاضلة بين تمسكها ببقائها في المشهد الفلسطيني ضمن خطط اليوم التالي من الحرب، ومصير الشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ نحو عامين حرباً مستعرة في القطاع خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى وتشريداً وتهجيراً داخلياً متعدد المراحل.
وما عقد خيارات "حماس"، كان التحذيرات التي أطلقها كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الأميركي ترمب، في التعاطي مع الحركة حال "رفضها أو تقويضها" للخطة، إذ أعلن نتنياهو خلال المؤتمر الصحافي لإعلان الخطة أول من أمس، أن تل أبيب "ستنهي المهمة بنفسها" حال رفضت أو قوضت "خطة غزة"، ليقول بعدها ترمب إن الدولة العبرية ستحظى "بدعمه الكامل" للقيام بذلك إذا لم تقبل "حماس" بالاتفاق.
ويجمع المراقبون ممن تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" إلى أن خيارات "حماس" سواء للمناورة أم المماطلة باتت "معدومة"، لا سيما أمام تلاشي قدراتها العسكرية داخل قطاع غزة، وتعقد المشهد الإقليمي وتحوله في غير صالح الحركة.
ويقول سمير غطاس، رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، إن "حركة حماس لم تعد تمتلك خيارات أو هامشاً للمناورة"، معتبراً في حديثه معنا أنه "بالنظر إلى موازين القوى العسكرية على الأرض وحتى التفاعلات السياسية القائمة في الإقليم، لم تعد تمتلك الحركة أي خيارات حقيقية".
وأوضح غطاس "منذ إطلاق إسرائيل عملياتها العسكرية الموسعة في عمق المنطقة الوسطى في القطاع، ولا سيما مدينة غزة في الثاني من سبتمبر (أيلول) الماضي، تكشفت لدينا أن قدرة المقاومة على الصمود تلاشت وباتت تحركاتها لم تحدث أية خسائر فارقة مع إسرائيل، وذلك في وقت لم يتبق إلا بعض الكيلومترات القليلة للجيش الإسرائيلي في مدينة غزة لإنهاء السيطرة عليها، أضف إلى ذلك المباركة العربية والدولية صعبت من موقف ’حماس‘ في التعاطي مع مقترح ترمب".
وتساءل غطاس "السؤال الكبير الآن بالنسبة إلى حماس الذي يتوجب إجابتها عليه، هو إلى أي مدى يمكن للحركة أن تنجز أي شيء من خطتها وهي لم تعد تملك أوراقاً الآن"، ليجيب "أعتقد أنها لا تستطيع في ما تبقى من وقت أن تغير موازين القوى سواء داخل قطاع غزة، أم على مستوى الإقليم، وذلك بعد عامين من القتال واستنزاف قدراتها البشرية والعسكرية، وهو ما يعني أنه لم يعد يوجد أمامها خيارات".
وفي شأن تمسك الحركة السابق برفضها نزع سلاحها أو تسليمه، وهو البند الذي شددت عليه خطة ترمب، وينذر طرحه باحتمالات رفض "حماس" للمقترح الراهن مرة أخرى، ذكر غطاس أن "هذا أمر لا يمكن لدى أية حركة راشدة أن تتمسك به في مقابل التضحية بشعبها"، موضحاً "ما هو السلاح الموجود الذي تسعى حماس إلى الحفاظ عليه، إذا السلاح لم يحم الشعب ويحافظ على الأرض فلا فائدة من وجوده، السلاح ليس شيئاً مقدساً، هذه مفاهيم غزت عقولاً عربية كثيرة وتسيطر عليها الآن وهي ليست دقيقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع "السلاح أداة لها وظيفة هذه الوظيفة تنحصر في حماية الشعب والدفاع عن الأرض، وهو أمر لا يتوافر لـ’حماس‘ الآن قدرة القيام به، وبالتالي عليها أن تخرج نحو حلول أخرى وخيارات أخرى، كأن تراوغ مثلاً لتتحول إلى حزب سياسي كما كان يقترح الأتراك منذ فترة طويلة"، منتقداً "محاولة ’حماس‘ إضفاء صفة دينية وإلاهية لكل ما تقوم به، على رغم حجم الضرر والتداعيات الكارثية له بالنسبة إلى المدنيين والشعب بصورة خاصة، الذي لم يعد يتحمل الحرب، وللقضية الفلسطينية بصورة عامة" على حد وصفه.
في الاتجاه ذاته، يقول أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن "الخيارات أمام حماس جميعها مُرة، وواضح أن الفخاخ نصبت بصورة محكمة وعملية الإفلات منها قد تبدو شبه مستحيلة"، موضحاً في حديثه معنا "وصلت الحركة إلى نقطة فارقة، اليوم نتحدث عن تبعات رفض الحركة المقترح، في حالة حصول هذا السيناريو، أين ستذهب الحركة بعد ذلك، الأماكن التي يمكنها اللجوء إليها باتت محدودة ومحفوفة بالأخطار بصورة أو أخرى، لا سيما بعد موافقة الدول العربية على مقترح ترمب".
وذكر الرقب "بجانب تحييد الخطة للدول الرئيسة الداعمة لـ(حماس)، لا سيما تركيا وقطر، جاءت تهديدات ترمب العلنية بأنه سيعطي مزيداً من الضوء الأخضر لإسرائيل لاستمرار عملياتها العسكرية في غزة، مما يعني مزيداً من القتل والتهجير والتشريد للشعب الفلسطيني لتنذر بسيناريوهات خطرة قد يقود لها رفض (حماس) المقترح". مضيفاً "لم يعد أمام الحركة من خيارات سوى أن تقبل أو تقبل، وصلت الأمور إلى نقطة صعبة، وبات واضحاً أن الحركة حين فجرت أحداث السابع من أكتوبر لم تعتقد أن تصل الأمور إلى هذا الحد، أو أن الأمر برمته ربما كان بمثابة انتحار سياسي وتفجير للمنطقة برمتها".
ورأى الرقب أن "حماس" باتت في موقف "لا تحسد عليه"، مشيراً إلى أن "رفضها للمقترح يعني مزيداً من سفك الدماء، والأخطر من ذلك أن حلفاءها لن يكونوا بجانبها وهذا أمر سيمثل أزمة كبيرة جداً بالنسبة إليها" على حد وصفه، وتساءل الرقب "أين ستذهب حماس إذا رفضت؟ في حالة الرفض في النهاية الخيارات لديها صفرية، الفخاخ نصبت جيداً، الرفض يعني عملية انتحار أكبر مما هو الحال الذي عليها الآن، هل ستتحمل مزيداً من الدماء التي ستسفك من الشعب؟ وأين ستذهب؟ هل ستتحمل التشريد للسكان الشعب؟ كل هذه الأسئلة (حماس) لا تملك الإجابة عنها".
في المقابل، يرى هاني سليمان مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، في حديثه إلينا، أنه "مع غياب الضمانات في خطة غزة من الجانب الإسرائيلي واعتبارها اتفاقاً أمنياً عسكرياً لا يحمل رؤية واضحة في شأن المسار السياسي لحل القضية الفلسطينية" على حد تعبيره، فإن "المصير المتوقع لهذه الخطة هي الرفض من (حماس) أو المطالبة بإجراء تعديلات جوهرية عليها، وهو ما سيقابل بالرفض واتهام الحركة بالمقامرة بمصير أهل غزة وفقاً لحسابات ضيقة، خاصة أن الحركة هي من تتحمل النتائج والتبعات كافة".
ويتابع سليمان "بعد حديث الرئيس الأميركي ترمب بأن هناك هامش حركة ضئيلاً لـ(حماس) في بعض المطالب، بما يعني عدم المساس بجوهر الخطة، علاوة على تصريح نتنياهو الكاشف، قبيل مغادرته واشنطن، الذي يؤكد أن خطة ترمب ستقلب المعادلة وستجعل الحركة في عزلة، فإن السيناريو الأرجح قد يكون رفض الحركة لها، مما يعني استمرار الحرب في القطاع، وهو خيار صعب ومعقد في ظل الأعباء المتوقعة على الحركة والفصائل، وفي ظل مصير أهل غزة الذين سيتعرضون لما يشبه الإبادة في ظل مساعي نتنياهو إلى القضاء على عناصر (حماس)".
ووفق سليمان، فإن "حركة حماس في مأزق غير مسبوق، لأن السياقات مختلفة، ترمب ونتنياهو قاما بالتسويق للخطة في ظل انعقاد اجتماعات الأمم المتحدة، وفي سياق إبداء مؤونة مصطنعة ورغبة في السلام، بما يجعل الضغوط مكثفة على (حماس)، خصوصاً في ظل ترحيب بعض الدول العربية بالخطة، واستباق رد الحركة على بنودها، وهو ما يثقلها بالضغوط".
وتطالب "خطة غزة" بنزع سلاح مقاتلي "حماس" بالكامل واستبعادهم من أي مناصب مستقبلية في الحكومة، على أن يجري العفو عن أولئك الذين يوافقون على "التعايش السلمي".
وتضمنت الخطة مقترحات عديدة سابقة على مدى العامين الماضيين لوقف إطلاق النار في غزة بنوداً كثيرة من خطة ترمب، كان من بينها تلك التي قبلتها إسرائيل و"حماس"، قبل رفضها في مراحل مختلفة لاحقة.
وأحد شروط "حماس" الرئيسة منذ بداية الحرب هو الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، في مقابل إطلاق سراح من تبقى من الرهائن، وأبدت استعدادها للتخلي عن حكم غزة، لكنها ترفض دائماً تسليم سلاحها.
أي مصير ينتظر أهل القطاع؟
أمام "الخيارات الصفرية" لحركة "حماس"، يخشي كثر أن يقود رفضها أو تمسكها بتعديل بعض المطالب في "خطة ترمب" إلى استمرار الحرب المستعرة منذ نحو عامين في غزة. مما يثير التساؤل في شأن ما إذا كان "رفض الحركة للمقترح" يعني في النهاية "التضحية بشعب غزة مرة أخرى أمام آلة الحرب الإسرائيلية"، واستمرار وقوعه في براثن "حملة تجويع من صنع البشر"، وفق توصيف الأمم المتحدة.
يقول سمير غطاس، رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، إن سيناريو "رفض حماس للخطة يعني تضحيتها بأهل غزة وإبقائهم في التهلكة"، مشيراً إلى أن "الحركة ضحت بالفعل بسكان القطاع منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب، وأن الأمر ليس بجديد".
وبرأي غطاس، فإن "مشكلة حماس الرئيسة هي أن قرارها ليس وطنياً فلسطينياً، بل هناك تعقيدات كثيرة تحكم حركتها موزعة بين الداخل والخارج، ومرهونة لتداخلات من جماعة الإخوان المسلمين وإيران"، مشدداً على أن الحركة وقيادتها "ستندم حال أقدمت على رفض الخطة أو أحبطتها".
وذكر غطاس "حين النظر إلى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين سواء الحاليين أم السابقين فإن أرقام القتلى والجرحى في القطاع جراء الحرب تتجاوز بكثير التقديرات التي تقرها حماس ذاتها، إذ إن هناك تقديرات ترجح أن الأرقام تتجاوز 200 ألف قتيل وجريح في القطاع، فضلاً عن تصريح مسؤولين إسرائيليين عسكريين سابقين أن من بين أهداف الحرب الراهنة هو طي ذاكرة ووعي الشعب الفلسطيني من أجل الانتقام منه، وهو الأمر الذي لم تكترث له حماس منذ اليوم الأول من الحرب، بل وصف بعض قادتها تزايد أرقام الضحايا في القطاع بأنها خسائر تكتيكية، وماذا إذا خسرنا 100 ألف آخرين في صفوف المدنيين، وقدرة نساء غزة على تعويض هذه الخسائر، هذه هي العقلية الحمساوية في التعامل مع الشعب الفلسطيني".
وتابع غطاس "بجانب احتمالية تضحية حماس بالمدنيين، فإن الرفض لن يقتصر على هذا الأمر وحسب، إذ سيطول تصفية الحركة بقسوة أكبر"، موضحاً "في السابق كان هناك بعض الحصانة من الولايات المتحدة وبعض الدول الإقليمية مثل قطر وتركيا لقادة حماس، لكن الآن اعتقد أنه في حالة الرفض فإن هذه الحصانة سترفع في الحال"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن "الحركة كانت تستفيد في السابق من زيادة معاناة الشعب الفلسطيني في القطاع جراء الحرب، الأمر الذي يقود بدوره إلى تعاطف دولي معهم، بينما هم لا يمسون لكن هذه المرة الوضع مختلف، فبعد محاولة الاغتيال الفاشلة لقادتهم في الدوحة، قد يتكرر الأمر مرة أخرى بشدة".
وذكر غطاس أنه وعلى رغم أن "خطة ترمب" لا تلبي بالكامل طموحات الفلسطينيين، إلا أنها تتضمن نقاطاً جيدة للغاية يمكن البناء عليها، واصفاً إيها بأنها "اختيار بين السيئ والأسوأ"، وأوضح "تتضمن الخطة نقاطاً مهمة للغاية أولها تلاشي فكرة التهجير وعدم وجودها، وهذه مسألة مهمة للغاية دفعت بها الدول العربية".
ومضى في القول "الأمر الثاني الجيد هو إنهاء الحرب وتجاوز فكرة الهدن المرحلية، وهو عكس ما سعى إليه نتنياهو من أجل إطالة عمرها لحسابات سياسية، أما الأمر الثالث فيتمثل في عدم السماح لتل أبيب بضم الضفة الغربية، وهو مكسب مهم للغاية لأنه يبقي أمل الدولة الفلسطينية"، وهذه الأمور تمت بفضل الحركة الديناميكية العربية ومؤتمر حل الدولتين الذي ترأسته السعودية وفرنسا، على حد تعبيره.
وأثارت خطة النقاط الـ20 ردود فعل كثيرة حول العالم، فقد أشادت دول عربية وإسلامية رئيسة، بينها الوسيطتان مصر وقطر، بـ"الجهود الصادقة" للاتفاق في أعقاب محادثات مسؤولي البلدين مع ترمب الأسبوع الماضي. كما سارع حلفاء واشنطن الأوروبيون إلى التعبير عن دعمهم، إذ أعرب قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا عن تأييدهم القوي للخطة التي رحب بها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وحض كل الأطراف على "اغتنام هذه الفرصة لإعطاء السلام فرصة حقيقية".
كذلك أشادت الصين وروسيا، وأيدتها "الجهود الرامية إلى خفض التوتر بين فلسطين وإسرائيل" وإنهاء مأساة غزة المستمرة، رحبت السلطة الفلسطينية التي قد تكون مؤهلة لدور في حكومة غزة ما بعد الحرب، بجهود ترمب "الصادقة والحثيثة لإنهاء الحرب".
هل الخطة نقطة تحول أم "فخ"؟
منذ إعلان ترمب "خطة لوقف الحرب في غزة" بدت القراءات حولها متباينة بين من يرى فيها "نقطة تحول"، وقد تقود إلى تغيير أبدي في الشرق الأوسط، وآخرون يرون فيها "فخاً نصب بإحكام للقضية الفلسطينية".
ففي قراءته للخطة، قال الكاتب الأميركي توماس فريدمان، في مقالته المعنونة "هل في وسع خطة ترمب للسلام أن تمحو وحشية غير مسبوقة؟" بصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إن خطة ترمب تمثل محاولة جريئة لتحويل دمار غزة إلى فرصة للسلام الإقليمي، معتبراً أن تنفيذها سيكون بالغ التعقيد والهشاشة في ظل انعدام الثقة العميق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الذي تفاقم بعد أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وما تلاه من رد إسرائيلي واسع وعشوائي أودى بحياة عشرات الآلاف، وهو أمر يحتاج إلى "شجاعة سياسية وجهد دبلوماسي يومي".
وبرأى فريدمان فإن هدف الخطة لا يقتصر على وقف الحرب المدمرة في غزة، بل يتعداها إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط برمته عبر تطبيع العلاقات بين إسرائيل وجوارها العربي، وحتى فتح الباب أمام تحول إستراتيجي محتمل في إيران، معتبراً أنها قد تكون الفرصة الأخيرة قبل الانزلاق إلى نزاع أشد خطورة، قائلاً "قد تكون الخطة محاولة ذكية لتحويل حفرة تسببت بها قنبلة إلى منصة لإطلاق السلام، ولتحويل حرب مريعة في غزة ليس فقط إلى أساس جديد لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وإنما أيضاً للتطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة، فضلاً عن احتمالات إحداث تحول في إيران ثمة حاجة ماسة إليه".
وأعرب فريدمان عن تخوفه من إفشال الخطة من نتنياهو و"حماس" معاً، معتبراً أن كلا الطرفان "يمتلك وسائل عدة لإفشالها، لكنه يرى أنها تستحق المحاولة بالنظر إلى رهاناتها الكبرى"، وحذر الكاتب الأميركي من الركون إلى إبداء نتنياهو موافقته على هذه الخطة، قائلاً إنه "لن يصدقه حتى يعلن دعمه صراحة لها بالعبرية أمام شعبه وحكومته".
وقال فريدمان "لو كانت هذه الخطة ترمي إلى حل نزاع حدودي بين السويد والنرويج، لكان الأمر هيناً، ولكنها تستهدف كسر حلقة مفرغة من الصراع المميت بين اليهود والفلسطينيين، ووضع نهاية لمعركة استمرت زهاء عامين في تاريخ الحرب بين الطرفين"، مشيراً إلى أن الخطة تمثل جسراً ضرورياً لبناء الثقة، من خلال وضع غزة تحت إدارة دولية بتفويض من الأمم المتحدة، مما يمنح الفلسطينيين فرصة لإظهار قدرتهم على الحكم الذاتي. ولإنجاحها فهناك ضرورة لانسحاب إسرائيل من قطاع غزة ووقف الاستيطان في الضفة، وترك الباب مفتوحاً أمام الدولة الفلسطينية إذا حقق الفلسطينيون معايير حكم معينة.
في الاتجاه ذاته يقول الكاتب الأميركي ديفيد إغناتيوس تحت عنوان "ترمب يدفع بقوة صوب صفقة القرن"، في صحيفة "واشنطن بوست"، إن خطة "غزة الجديدة" لا تشبه مبالغات ترمب السابقة، بل تستند إلى التزامات حقيقية تشمل لجنة إدارة مدنية في غزة ومشاركة قوات دولية لتحقيق الاستقرار، معتبراً أن صفقة القرن التي تحدث عنها ترمب للمرة الأولى في 2016، والسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، "لا يزال الطريق إليها طويلاً"، لكن الرئيس الأميركي وضع قواعد قوية لهذه الصفقة بإعلان خطته التي تضع نهاية لكابوس الحرب في غزة وبداية للانتقال لما بعد هذه الحرب، وذكر أن الخطة "نقطة تحول كفيلة بتغيير قواعد اللعبة في غزة".
في المقابل يرى هاني سلميان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، أن الخطة "مليئة بالملاحظات والتناقضات والنقاط الغامضة والمفخخة"، معتبراً بنودها "تعبيراً عن مجمل مطالب وشروط نتنياهو الذي وضعها منذ البداية، مما يجعل منها خطة في اتجاه واحد".
وانتقد سليمان في حديثه معنا "غياب الضمانات والالتزامات على الجانب الإسرائيلي، خصوصاً مع مهلة 72 ساعة من تسليم الرهائن والجثامين كافة لدى حركة ’حماس‘، وهو سبب كاف للتنصل الإسرائيلي من الاتفاق في أي من مراحله"، مشيراً إلى أن "الخطة بصيغتها الحالية هو اتفاق أمني عسكري وليس اتفاقاً سياسياً، بمعنى أنه يضمن ترتيبات أمنية لإسرائيل من دون اتفاق سياسي يتضمن إقصاء لكل الطرف الآخر حتى السلطة الفلسطينية ذاتها".
واعتبر سليمان كذلك أن "الخطة مبنية على معالجة مسألة السابع من أكتوبر وارتداداتها، من دون معالجة حقيقية وجذرية للقضية الفلسطينية أو حديث عن حل الدولتين أو أي التزام إسرائيلي"، موضحاً أن "الخطة على تفاصيلها وبنودها قد وضعت بهدف إخراج إسرائيل من العزلة الدولية التي تعانيها، ومن أجل ترميم صورة نتنياهو، ولكي تلقي المسؤولية كاملة على حركة ’حماس‘ لتحمل نتائج العملية العسكرية التي تنويها إسرائيل في حال رفض ’حماس‘ للخطة، أو في أقل تقدير طلبها إدخال تعديلات، فهي بمثابة بديل سياسي ناعم عن العمل العسكري الخشن".
وبحسب مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، فإن عقبات عدة تواجه خطة ترمب أولها هو موقف "حماس" من هذه الخطة سواء في ما يتعلق بتسليم الرهائن الذين تعتبرهم ورقتها الأساسية في التفاوض، أو تسليم سلاحها الذي ترى فيه الحركة جزءاً لا يتجزأ من هويتها كـ"حركة مقاومة"، مشيرة إلى أن العقبة الأخرى تتمثل في إسرائيل، إذ يتمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي برفضه لعودة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، فضلاً عن رفضه المشاركة في أية عملية سلام مستقبلية قد تقود في النهاية إلى دولة فلسطينية، هذا بجانب موقف المتطرفين القوميين داخل الائتلاف الحاكم في إسرائيل، ممن يجاهرون بخططهم الرامية إلى احتلال غزة بصورة أبدية وتشريد أهلها وبناء مستوطنات إسرائيلية في القطاع.