Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تحول موقف ترمب من "ريفييرا غزة" إلى خطة سلام شاملة؟

المشروع العقاري ما زال ماثلاً لكن خطته الجديدة تتضمن عناصر إيجابية للفلسطينيين

متظاهر يرتدي قناعاً يصور نتنياهو يشارك في احتجاج يدعو إلى وقف إطلاق النار واتخاذ إجراءات لتأمين عودة الرهائن من غزة، أمام مبنى حزب الليكود في تل أبيب في 30 سبتمبر 2025 (أ ف ب)

ملخص

على رغم أن خطة ترمب للسلام بدت مرضية لنتنياهو، فإنه استلزم تقديمه تنازلات قد يجد أنها قد تكلفه سياسياً، ذلك أن الإشارات إلى قيام دولة فلسطينية يوماً ما، والتشجيع على إبقاء الفلسطينيين في غزة، والرفض القاطع لضم إسرائيل للقطاع، من شأنها تحطيم أحلام اليمين المتطرف الذي يحمل لواءه.

خلال فبراير (شباط) الماضي، طرح الرئيس الأميركي فكرة "ريفييرا ترمب" كمشروع عقاري فاخر وطموح على طول ساحل غزة المطل على البحر المتوسط، لكن يوم الإثنين الماضي تحول هذا الطرح إلى خطة سلام شاملة، تعطي الأولوية للتواصل الدبلوماسي والترتيبات الأمنية، وعلى رغم غموض عدد من بنود الخطة والترحيب العربي المشروط بها، فإنها تلتزم بعدم حدوث أي طرد قسري لسكان القطاع، ورفض أي ضم إسرائيلي لغزة أو الضفة الغربية، وفتح الطريق أمام مسار لدولة فلسطينية مستقبلية، فما سبب تحول موقف ترمب؟ وهل يعود لضغوط الدول العربية والإسلامية أم لزخم الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية وتحول إسرائيل إلى دولة منبوذة؟

ترحيب عربي مشروط

على رغم العزلة الدولية المتزايدة لإسرائيل وإلقاء بنيامين نتنياهو خطاباً داخل قاعة شبه خالية في الأمم المتحدة واعتراف أقرب حلفاء أميركا بدولة فلسطينية، وتصاعد ضغوط الدول العربية والإسلامية على ترمب، تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي من إدخال تعديلات على خطة الرئيس الأميركي الجديدة للسلام في غزة بحسب موقع "أكسيوس"، مما جعل أهدافها الطموحة محفوفة بالصعوبات وأثار حفيظة المسؤولين العرب الذين اجتمعوا مع ترمب قبيل الإعلان عن الخطة التي لم يكشف إلا عن تفاصيل قليلة حول كيفية عملها.

ولهذا أعرب وزراء خارجية ثماني دول عربية أو ذات غالبية مسلمة، عن ترحيبهم بمقترح ترمب المشروط بتحسينات ملموسة داخل غزة وضمانات للحكم الذاتي في المستقبل، مؤكدين ضمن بيانهم المشترك إصرارهم على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، وإقامة سلام عادل على أساس حل الدولتين، الذي يدمج بموجبه غزة بالكامل مع الضفة الغربية في دولة فلسطينية.

تغير جوهري

ويبدو أن موقف الدول الثماني استند إلى أن الخطة تمثل تغيراً جوهرياً عن مقترح ترمب السابق الذي رفضته الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي، إذ تحوي الخطة الجديدة عدداً من العناصر الإيجابية للفلسطينيين، وتوقف القتل نهائياً وتتعهد بزيادة المساعدات الإنسانية لغزة، وتلغي التهجير القسري للفلسطينيين وترفض أي احتلال إسرائيلي دائم للقطاع، وتستبعد ضم إسرائيل لغزة أو الضفة الغربية. وإضافة إلى ذلك تتضمن الخطة دعم إدارة ترمب لمسار نحو تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية، وتلزم الولايات المتحدة باستئناف محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين حينما تستكمل السلطة الفلسطينية سلسلة من الإصلاحات.
وعلى رغم أن الاقتراح بدا مرضياً لنتنياهو فإنه استلزم تقديمه تنازلات قد يجد أنها قد تكلفه سياسياً، ذلك أن الإشارات إلى قيام دولة فلسطينية يوماً ما والتشجيع على إبقاء الفلسطينيين داخل غزة، والرفض القاطع لضم إسرائيل للقطاع، من شأنها تحطيم أحلام اليمين المتطرف الذي يحمل لواءه.


مصير ريفييرا غزة

وبالمقارنة مع طرح ترمب خلال فبراير الماضي، يظهر حجم التحول الذي طرأ على رؤية إدارته، فقد خطط لإنشاء ما يسمى "ريفييرا غزة" أو "ريفييرا الشرق الأوسط"، بحيث تشمل إعادة تطوير طموحة تتضمن النقل الطوعي لجميع سكان غزة وإنشاء مدن ذكية معززة بالذكاء الاصطناعي، وتحويل غزة إلى منتجع سياحي ومركز تصنيع عالي التقنية تحت إدارة أميركية، في ما يشبه وصاية لمدة 10 أعوام في الأقل، مما يمنح أميركا سيطرة طويلة الأمد على القطاع، وهو ما رحب به وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش علناً معتبراً الخطة فرصة ذهبية في قطاع العقارات، مما يشير إلى أن تلك الخطة اكتسبت زخماً سياسياً كبيراً في الحكومة الإسرائيلية.
ولم يكن الأمر مجرد مشروع تجاري خاص بل استراتيجية جيوسياسية شاملة تتضمن نزوحاً جماعياً للسكان، مما أثار مخاوف إنسانية وقانونية كبيرة، وسرعان ما أثار هذا العنصر المتعلق بالإجلاء انتقادات واسعة النطاق، إذ أثار القادة المحليون والمجتمع الدولي مخاوف في شأن أخلاقيات وقانونية عمليات التهجير القسري، مقارنين ذلك بعمليات التهجير التاريخية في المنطقة. وأدى هذا إلى رفض عربي ودولي قوي وانتقادات واسعة حتى داخل الولايات المتحدة. وحذرت منظمات حقوق الإنسان من أن أية سياسة طرد قسري من شأنها أن تنتهك القانون الدولي، وتزيد من زعزعة استقرار الوضع المتقلب.
وعارض حلفاء الولايات المتحدة مثل السعودية ومصر والأردن والاتحاد الأوروبي بشدة أية خطة تتضمن إخلاء قسرياً، مؤكدين مبدأ أن أية حركة للسكان يجب أن تكون طوعية، وخلال الوقت ذاته تزايد الضغط على ترمب لتوضيح موقفه من الطموحات الإسرائيلية في غزة، وبعد تبادلات دبلوماسية رفيعة المستوى أثناء الصيف بدأت إدارة ترمب توضيح أن الولايات المتحدة تحت قيادته لن تدعم الاحتلال الإسرائيلي أو ضم غزة والضفة الغربية، ومثل هذا اختلافاً كبيراً عن المقترحات السابقة بهدف طمأنة كل من الفلسطينيين والمراقبين الدوليين بالتزام الإدارة بالوضع الراهن الإقليمي.
ووفقاً لتقرير لمعهد "بروكينغز" في واشنطن، بدأ مستشارو ترمب وشركاؤه الدوليون بإعادة تقييمهم، مؤكدين أنه من دون احترام حقوق السكان وأسس سياسية واضحة ستفتقر أية خطة اقتصادية أو أمنية إلى الشرعية ومن المرجح أن تفشل، ولهذا كان الرفض القاطع للاحتلال أو الضم أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على الدعم الدولي والتوافق مع السياسة الأميركية الراسخة المؤيدة لحل الدولتين بموافقة الطرفين.

فرص ساحل غزة

لكن ذلك لا يعني أن ترمب تخلى تماماً عن مشروعه، فهناك أجزاء في خطته الشاملة الجديدة تشمل إنشاء "مجلس السلام" يترأسه ترمب نفسه، ويعطي هيكلاً ملموساً لأفكاره القديمة لتطوير قطاع غزة كمشروع عقاري، إذ أشار خلال المؤتمر الصحافي مع نتنياهو إلى الفرص المتاحة على ساحل غزة، مما يؤكد أن رؤيته للسلام مصممة أساساً من منظور اقتصادي تنموي، تتوخى فيه الخطة إعادة إعمار القطاع بدعم من جهات إقليمية فاعلة، لتحقيق الاستقرار في المنطقة وتوفير الإغاثة الإنسانية على المدى القصير، والفرص الاقتصادية على المدى الطويل لسكان غزة.
غير أن ذلك سيتم من دون إجبار الفلسطينيين الذين "عانوا بما يكفي" كما قال ترمب، على الرحيل. وتتحدث الخطة عن تنمية اقتصادية لإعادة إعمار غزة وتنشيطها من خلال تشكيل لجنة من الخبراء الذين أسهموا في ولادة بعض "المدن المعجزة الحديثة المزدهرة في الشرق الأوسط"، مع إنشاء منطقة اقتصادية خاصة بتعريفة جمركية ورسوم دخول تفضيلية، سيُتفاوض عليها مع الدول المشاركة.

دوافع التحول

ويبدو أن إدارة ترمب أدركت مدى التعقيد السياسي لوضع غزة وفق تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية، إذ أقر ترمب بأن قضايا القطاع المتجذرة في صراع مستمر منذ عقود تتطلب أكثر من مجرد استثمار اقتصادي، فالسلام المستدام يتطلب مفاوضات سياسية، وضمانات أمنية، واحترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حرية السكان في البقاء في أرضهم، وضرورة حمايتها من الضم الخارجي.
وأكد تدهور الوضع الأمني ​​داخل غزة أن أي مشروع تنموي سيكون عرضة لتجدد العنف ما لم تُحمى حقوق المدنيين، وخياراتهم، ويرفض أي تغيير في وضع غزة، وأن النهج الدبلوماسي الذي يتضمن خيارات إعادة توطين طوعية لا مفروضة ورفض ضم الأراضي هو النهج الذي يتمتع بالشرعية والقدرة على تحسين ظروف الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.

مشهد متغير

منذ هجوم "حماس" على البلدات الإسرائيلية ومقتل 1200 إسرائيلي خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وما تلى ذلك من رد فعل عنيف وغير مسبوق أدى إلى مقتل أكثر من 65 ألف فلسطيني تحت القصف والتدمير الإسرائيلي، ظل قطاع غزة بؤرة توتر إقليمي وعالمي، يعاني الصراع والأزمات الإنسانية والمجاعة. وفيما تعثرت الجهود المبذولة لتحقيق سلام، ازداد الاهتمام الدولي مع انتشار المجاعة وتزايد الحاجات الإنسانية بفعل الإجراءات الإسرائيلية المتعمدة، ما زاد من غضب المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ودفع إلى الدعوة إلى تسوية شاملة قائمة على الاعتراف المتبادل والحق في تقرير المصير.
ومع بدء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، اعترفت أكثر من 150 دولة وعدد من الهيئات الدولية الرئيسة رسمياً بدولة فلسطين، من بينها دول غربية حليفة للولايات المتحدة مثل بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا والبرتغال بفضل تنسيق سعودي – فرنسي استمر أشهراً عدة، وعزز من زخم الاعتراف بعد عمليات التصويت المتتالية في الجمعية العامة للأمم المتحدة والدعم المتزايد من الاتحاد الأوروبي في أعقاب تجدد العنف في غزة. وتزامن الضغط الدولي مع ضغوط عربية وإسلامية عبر اتصالات مكثفة مع المسؤولين الأميركيين، والتحركات الدبلوماسية التي سلطت الضوء على المخاوف العربية في شأن الحاجة إلى تمثيل حقيقي للمصالح الفلسطينية، والحصول على ضمانات في الخطة الأميركية لغزة.
وكما تقول الباحثة في معهد "بروكينغز" تمارا كوفمان ويتس فإن معارضة الدول العربية الصريحة للخطط الأميركية التي تفضل الأولويات الإسرائيلية، دفعت إلى اشتراط إضافة تحسينات ملموسة في غزة وضمانات للحكم الذاتي في المستقبل من دون أن يمنع ذلك من الإعراب عن استعداد حذر للمشاركة في خطة ترمب.
مع ذلك، ظلت المصالح الأميركية الداخلية والعلاقة الخاصة المستمرة مع إسرائيل محورية في حسابات الإدارة، وأظهر إصرارها على نزع السلاح التدريجي من "حماس" والتنفيذ التدريجي للخطة أن إدارة ترمب لم تحد عن أولوياتها الأساس وفقاً لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، إذ تمسكت الإدارة بموقفها القائل بأن أي اعتراف رسمي سيكون مشروطاً بضمانات أمن إسرائيل والتزام الفلسطينيين بنزع السلاح، وعلى رغم تزايد الدعم العالمي لفلسطين من خلال تحديد معايير واضحة نحو إقامة دولة في نهاية المطاف، فإن الإدارة الأميركية امتنعت عن الاعتراف الفوري غير المشروط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خطة غير ناضجة

ومع ذلك، هناك آمال كبيرة في إقرار الخطة من الطرفين على رغم أنها لا تزال غامضة في بعض جوانبها، فقد وصفها دانيال شابيرو السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل بأنها أساس موثوق لإنهاء الحرب وإن كان عدد من العناصر الرئيسة بها لم تنضج بالكامل.
وما يشير إلى ذلك أن أسئلة كثيرة لا تزال عالقة، ومنها من سيدير ​​لجنة الحكم في غزة؟ وكيف ستتعامل السلطات الجديدة مع المسلحين الذين يرفضون نزع سلاحهم؟ ومن سينضم إلى القوة الدولية؟
هناك أيضاً سؤال آخر مطروح هو إلى متى ستستمر هذه الإدارة الانتقالية في حين أن الخطة تسمح بدور مستقبلي للسلطة الفلسطينية، مشروط بإصلاحات واسعة النطاق. أما بالنسبة إلى الدولة الفلسطينية، فاكتفى الاقتراح بذكر أنه مع إعادة إعمار غزة، قد تتهيأ الظروف أخيراً لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة إذا نفذ برنامج السلطة الفلسطينية الإصلاحي بأمانة، ومع ذلك لم يذكر شيء عن الجهة التي ستحدد ذلك أو كيف.
وإضافة إلى ذلك، ستبقى القوات الإسرائيلية في غزة خلال المستقبل المنظور في منطقة عازلة على طول الحدود لم يحدد عمقها بعد، فيما يقول محللون داخل واشنطن إن قادة "حماس" يخشون أيضاً من أنهم إذا سلموا الرهائن بحلول اليوم الثالث، كما هو منصوص عليه في الخطة، فسيفقدون كل نفوذهم، وعند هذه النقطة يمكن لإسرائيل أن تبدأ الهجوم مرة أخرى أو تنتهك الاتفاق دون خوف على مصير الرهائن.

من سيمثل الفلسطينيين؟

لا توضح الخطة من سيمثل الفلسطينيين، لكن أستاذ التاريخ ودراسات السلام في جامعة نوتردام آشر كوفمان يرى أنه من خلال قراءة ما بين السطور، هناك إمكانية إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية، التي تحكم اسمياً أجزاء من الضفة الغربية، كي تتولى دور التكنوقراط الفلسطينيين بعدما تكمل برنامجها الإصلاحي، الذي لا توضح الخطة ما ينطوي عليه.
وتشير الخطة أيضاً إلى أن قوات الشرطة الفلسطينية ستدربها وتشرف عليها قوة الاستقرار الدولية التي ستتمركز في قطاع غزة، وهذا يلمح أيضاً إلى إمكانية أن تتولى شرطة السلطة الفلسطينية هذا الدور، لكن مع مقاومة نتنياهو اعتبار السلطة الفلسطينية هيئة فعالة لحكم غزة، فإن مسألة من سيشكل الإدارة التكنوقراط الفلسطينية قد تشكل بالتأكيد إحدى العقبات الرئيسة.


عائقان رئيسان

داخل إسرائيل، سيحتاج نتنياهو إلى الحصول على موافقة أعضاء اليمين المتطرف في حكومته، الذين قاوموا خلال الماضي أي خيار سوى استمرار الحرب واستيلاء إسرائيل النهائي على قطاع غزة، ويدرك نتنياهو أن مستقبله السياسي يعتمد على إبقاء أعضاء اليمين المتطرف في ائتلافه، مما أفشل المساعي السابقة لإنهاء الحرب.
أما بالنسبة إلى "حماس"، فإذا طبق هذا الاتفاق فسيعني ذلك نهاية وجودها العسكري والسياسي داخل قطاع غزة، ولذلك من الصعب قبول هذا الكيان السياسي والعسكري الذي يحكم القطاع منذ يونيو (حزيران) 2007 لخطة ترمب من دون يكون في وضع يائس لقبول الشروط، أو أن تستوعب "حماس" أخيراً محنة سكان غزة وتستجيب لها.

مفاوضات مطولة

وحتى لو أجبرت "حماس" على الموافقة على الخطة سيجب تحديد بعض التفاصيل قبل تنفيذها، وقد يستغرق هذا وقتاً طويلاً تخلف فيه إسرائيل وعدها كما فعلت سابقاً، ولهذا يعتقد بعض أن الخطر الحقيقي يكمن في إطالة أمد المفاوضات، والتي ستستمر خلالها الحرب، ويتعرض الرهائن للخطر ويموت الفلسطينيون، بما يقلص من فرص تحقيق السلام المنشود.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات