ملخص
الخطة تتضمن انسحاباً إسرائيلياً تدرجياً وتشكيل مجلس دولي لإدارة غزة برئاسة توني بلير وأسماء غير فلسطينية، بما في ذلك رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، مما يثير مخاوف من وصاية دولية وتقييد السيادة الفلسطينية. على رغم ذلك، تدعم بعض الدول العربية الخطة لوقف الحرب وحماية المدنيين. وتشمل النقاط الإيجابية وقف العمليات العسكرية، منع تهجير السكان، وإعادة الإعمار.
ينتظر البيت الأبيض وقادة المنطقة رد حركة "حماس" في شأن الخطة التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس الإثنين، لإنهاء حرب غزة التي تنطوي على 20 بنداً يشمل ترتيبات الحكم في القطاع وإعادة إعماره، مع تسوية الحرب التي تستوجب تسليم الرهائن المحتجزين لدى "حماس" منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ونزع سلاح الحركة وإبعادها بصورة كاملة عن القطاع.
الخطة التي تنص أيضاً على الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، حظيت بدعم إسرائيلي رفيع المستوى إلى جانب تأييد عربي، لكن الكثير من النقاط لا تزال تفتقر إلى التفاصيل، كما يختلف الاتفاق عن الخطة التي وزعها البيت الأبيض الأسبوع الماضي من حيث منحه القوات الأمنية الإسرائيلية دوراً أكبر في تدريب قوة إدارية محلية، وفي الحفاظ على السيطرة على المناطق الحدودية الواسعة لغزة. كما يتصور الاتفاق انسحاباً إسرائيلياً من الأراضي مرتبطاً بعملية نزع السلاح، وهو أمر يتطلب موافقة مستمرة من الحكومة الإسرائيلية، وهو تغيير آخر عن الخطة الأصلية، وفق مراقبين.
ومع ذلك، فقد أشادت الكثير من الدول العربية والإسلامية بجهود ترمب وأبدت تأييداً للخطة في سبيل إنهاء الحرب والمأساة الإنسانية في القطاع المدمر. وقال وزراء خارجية السعودية والأردن والإمارات وإندونيسيا وباكستان وتركيا وقطر ومصر في بيان مشترك إنهم "يرحبون بإعلان الرئيس ترمب عن مقترحه". كما أيدت السلطة الفلسطينية الخطة في بيان رسمي.
نجيب ساويرس
ووفق صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن الأسماء المرشحة لمجلس الإدارة الدولي لقطاع غزة، بينهم رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس والمنسقة الخاصة للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط سيغريد كاغ، كممثلة عن الأمم المتحدة، ورجل الأعمال اليهودي الأميركي والرئيس التنفيذي لشركة الاستثمار "أبولو غلوبال مانجمنت" مارك روان، ورئيس معهد اتفاقات أبراهام للسلام في واشنطن آريه لايتستون، الذي يعتقد أنه بين مؤسسي "مؤسسة غزة الإنسانية" المثيرة للجدل.
وصاية دولية
وعلى رغم الترحيب الواسع بالمقترح، ثمة من يعتبر الخطة محاولة جديدة لفرض الوصاية الدولية على الأراضي الفلسطينية بوصفها شكلاً استعمارياً جديداً للأراضي التي كانت واقعة قبل أقل من قرن تحت الانتداب البريطاني، لا سيما مع بروز اسم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير ضمن "مجلس السلام" الذي سيقود إدارة غزة.
وكتب المسؤول السابق لدى المفوضية السامية لحقوق الإنسان كريغ مخيبر، على حسابه في منصة "إكس"، معتبراً أن وضع غزة تحت إدارة "لجنة السلام" بقيادة الرئيس الأميركي وقادة آخرين غير فلسطينيين، بمثابة إدارة استعمارية، وانتقد مخيبر، وهو أميركي من أصل لبناني، "إقصاء حركة ’حماس‘ ونزع سلاحها والسيطرة الخارجية على جميع فصائل المقاومة لضمان عدم مقاومتها للنظام الإسرائيلي، ووجود قوة احتلال أجنبية بالوكالة ’قوة استقرار‘ تنشئها الولايات المتحدة"، معتبراً أن الخطة "مجرد قمع استعماري متجدد وضمان لإفلات إسرائيل من العقاب، برعاية أميركية متواطئة".
والمفارقة أن بعض الآراء الإسرائيلية تتفق مع ذلك الطرح، فكتبت ليزا روزوفسكي في صحيفة هآرتس، معلقة على الخطة التي تم تداولها منذ الجمعة الماضي، قائلة إنه "لا يبدو أن هناك مكاناً في الخطة للسيادة الفلسطينية، أو الأمن الفلسطيني، أو حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. إنها مقاربة استعمارية تعامل الفلسطينيين كقاصرين يحتاجون إلى وصاية، أو كأناس منقوصي الإنسانية".
قيام دولة فلسطينية
خطة ترمب التي صيغت بإسهام كبير من رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير وجاريد كوشنر صهر ترمب، تُبقي الباب مفتوحاً أمام إمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل. وتبدأ بوقف فوري للعمليات العسكرية، وتجميد "خطوط القتال" في أماكنها، وإلزام حركة "حماس" بالإفراج عن جميع الرهائن الأحياء البالغ عددهم 20 شخصاً وتسليم رفات أكثر من 20 آخرين يُعتقد أنهم قُتلوا، وذلك خلال 72 ساعة. لذا يرحب مراقبون آخرون في فلسطين وعواصم أخرى بالخطة باعتبارها السبيل الوحيد لإنهاء الحرب وحقن دماء الفلسطينيين. وقال الباحث بالمركز الفلسطيني للدراسات السياسية خليل أبو كرش، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إنه في حين لا تنطوي الخطة على ما يريده الفلسطينيون، لكن أهميتها تنبع مما تنطوي عليه من وقف فوري للحرب ومنع تهجير سكان غزة وإعادة بناء وإعمار القطاع وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من غزة حتى لو كان سيتم ذلك بصورة تدرجية، وهي نقاط إيجابية.
ويشير أبو كرش إلى البند الـ19 من الخطة باعتباره يؤكد على مشروعية النضال الفلسطيني وحق تقرير المصير ويفتح الآفاق نحو تحويل الاعترافات الدولية بفلسطين إلى واقع عملي، مضيفاً أن دعم ثماني دول عربية وإسلامية للخطة وتأييد دول ذات ثقل، مثل فرنسا وبريطانيا، لها "زخم لا بد من استثماره حتى لا تضيع الفرصة مرة ثانية لأن البديل هو مزيد من الدماء والعنف في غزة وحتى التهجير"، وتابع إن "غزة لا تحتاج إلى من يحكم بل إلى من ينقذ".
وينص البند الـ19 من خطة ترمب على أنه مع تقدم إعادة إعمار غزة وعندما يتم تنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بأمانة، قد تتهيأ الظروف أخيراً لفتح مسار ذي صدقية نحو تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية، وهو ما نعترف به كتطلع للشعب الفلسطيني.
ويرفض الباحث الفلسطيني اختزال مقترح ترمب في الإدارة الدولية باعتباره وصاية، واصفاً الأمر بأنه "ساذج". ويوضح أن هناك توافقاً فلسطينياً، عربياً ودولياً، على أن حل الدولتين هو المسار السياسي الصحيح وأن السلطة الوطنية الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني هي الجهة الأقدر على أن تدير شؤون الناس في غزة وتدير الحكم، وهذا تسبقه خطوات إصلاحية تشمل برنامجاً حكومياً فلسطينياً إصلاحياً وإجراء انتخابات وتجديد كل النظام السياسي الفلسطيني.
دعم دولي للفلسطينيين
هذا الطرح يتفق مع ما ذكره الكاتب الأميركي المخضرم توماس فريدمان في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز، مشيراً إلى أنه لا يجب أبداً التخلي عن فكرة حل الدولتين، مهما بدا ذلك مستبعداً، لأنها تبقى الحل الأمثل والمنطقي الوحيد لهذا النزاع. لكننا يجب أن ندرك أننا لا نستطيع الوصول إلى هذا الهدف في ظل الوضع الحالي. ومن ثم هناك حاجة إلى جسر يوطد الثقة في ظل غيابها التام، و"تقترح هذه الخطة تحقيق ذلك من خلال إنشاء برنامج دولي برعاية الأمم المتحدة لإخضاع قطاع غزة لإشراف هيئة إدارية وقوة عسكرية دولية، وذلك بموافقة الدول العربية وبمشاركة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف أن المبدأ هو أنه ما لم يثبت الفلسطينيون في غزة قدرتهم على الحكم الذاتي، فمن المستحيل التحدث عن حل الدولتين. ولكي يُتاح للفلسطينيين أفضل فرصة لإثبات ذلك، فهم بحاجة إلى دعم دولي، إضافة إلى انسحاب إسرائيل من غزة، وضرورة وقف إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي تهدف إلى إبادة أي أمل في قيام دولة فلسطينية مستقلة. ومن ثم يجب إجبار إسرائيل على ترك باب إمكانية قيام دولة فلسطينية مفتوحاً، إذا ما استوفت السلطة الفلسطينية معايير الحكم الرشيد. و"يدرك ترمب، الذي تقرّ خطته بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، أهمية هذا الأمر، وهو وحده القادر على إجبار نتنياهو على الموافقة عليه".
تقسيم المقسم
وانتقد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، اليوم الثلاثاء، خطة الرئيس الأميركي، معتبراً أنها "فشل سياسي مدوٍّ، غضّ الطرف عن جميع دروس السابع من أكتوبر، وأتوقع أن تنتهي أيضاً بالدموع". وأضاف أنها "عودة، بعد عامين من السابع من أكتوبر وما تخلل ذلك من أثمان باهظة وإنجازات مذهلة، إلى المفهوم القديم بالتخلي عن أمننا للأجانب، والتوهم بأن أحداً آخر سيُنجز العمل نيابة عنا"، وفق تعبيره. وزعم أنها عودة إلى "تحويل الإنجازات الحقيقية على الأرض إلى أوهام سياسية، والانغماس في عناق دبلوماسي واحتفالات مُبهرجة، وإلى شعارات سياسية كـ"دولتين" و"الفلسطينيون سيحكمون الفلسطينيين"، وإنشاء شرطة فلسطينية مُدربة من مصر والأردن".
ويقول الباحث الفلسطيني إن اليمين الإسرائيلي يرفض الخطة لأنه لا يريد وجود مجلس دولي في غزة إذ ستكون من الصعب عليه المواجهة أو الاصطدام مع حكومة دولية، ومن ثم فإن المتشددين في إسرائيل يرغبون بحكم محلي و"صوملة القطاع" أي تحويل القطاع إلى صومال جديد، مشيراً إلى وجود ميليشيات موالية لإسرائيل داخل غزة، محذراً من أن توسعها داخل القطاع سيفتت غزة، أي "تقسيم المقسم"، لتكون مفتتة إلى مناطق نفوذ وأمراء حرب ومناطق سيطرة مما ينهي للأبد فكرة وحدانية الجغرافيا والتمثيل وهذا غير مقبول فلسطينياً.