ملخص
مؤشر سوق الأسهم السعودية على أعتاب مرحلة جديدة من الصعود يستهل تداولات جلسة الخميس بأكثر من 2% متجاوزاً مستوى 11660 نقطة.
في ظل الأنباء المتواترة عن اقتراب هيئة السوق المالية السعودية من إقرار تعديل جوهري يرفع سقف ملكية الأجانب في الشركات المدرجة، الذي يقف حالياً عند 49 في المئة، تعود التساؤلات بقوة لطاولة النقاش حول مدى قدرة هذا القرار المرتقب على إحداث تحول نوعي في بنية السوق المالية، ليس فقط على مستوى السيولة والتدفقات، بل أيضاً في ما يتعلق بالمزاج الاستثماري العام، وثقة المستثمرين المحليين والدوليين.
القرار الذي ينتظر أن يحدث زخماً غير مسبوق في مسيرة انفتاح السوق السعودية أمام رؤوس الأموال العالمية، يأتي في توقيت بالغ الحساسية، إذ تقف بورصة الرياض عند مفترق طرق بين محفزات محلية قوية، وضغوط اقتصادية كلية عالمية لا يمكن تجاهلها.
في هذا السياق، أكد محللون لـ"اندبندنت عربية" أن قرار رفع حصص تملك الأجانب في الشركات المدرجة في السوق المالية السعودية من شأنه أن يمهد الطريق لتدفقات أجنبية ضخمة، تعزز من جاذبية السوق وتدفع نحو تحولات استراتيجية في تركيبة المستثمرين واهتماماتهم.
واتفق المحللون، على أن القطاعات الأكثر ارتباطاً بالحراك الاقتصادي المحلي، مثل المصارف والتقنية والخدمات المالية، ستكون المستفيد الأكبر من هذا القرار.
وفي المقابل، أشاروا إلى أن قطاع البتروكيماويات، على رغم أهميته، قد لا يجتذب تدفقات كبيرة نظراً إلى ارتباطه المباشر بالدورة الاقتصادية العالمية.
ولفت المحللون إلى أن قطاعات البنوك والتقنية والرعاية الصحية ستتصدر قائمة القطاعات المستقطبة لهذه التدفقات، نظراً إلى إمكاناتها الواعدة وأدائها القوي.
ومن شأن رفع سقف الملكية الأجنبية زيادة وزن السوق السعودية في مؤشر "إم إس سي آي" للأسواق الناشئة، ليصل إلى 3.95 في المئة بدلاً من 3.13 في المئة حالياً، وذلك بحسب تقديرات بنك "جيه بي مورغان".
ووفقاً لتقديرات البنك نفسه، فإن رفع النسبة إلى 100 في المئة يمكن أن يجذب تدفقات مالية تصل إلى 10.6 مليار دولار، مما يعكس حجم التأثير المحتمل لهذا القرار على السوق.
وعلى رغم التباين في التقديرات في شأن حجم التدفقات وحدود سقف الملكية الجديد، إلا أن هناك إجماعاً من المحللين على أن هذا القرار سيضفي زخماً إضافياً على السوق ويعزز من جاذبيتها على الصعيد العالمي.
وكانت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية قد أفادت في وقت سابق، بأن السعودية قد تسمح قريباً بملكية الأجانب لحصص الغالبية في الشركات المحلية قبل نهاية العام الحالي.
خطوة مرتقبة للتنشيط
في السياق كشف عضو مجلس إدارة هيئة السوق المالية عبدالعزيز عبدالمحسن بن حسن عن أن الهيئة تقترب من إقرار تعديل رئيس يرفع سقف ملكية الأجانب في الشركات المدرجة، مضيفاً خلال مقابلة مع "بلومبيرغ" أجريت أخيراً "أعتقد بأننا شبه جاهزين"، متوقعاً دخول القرار حيز التنفيذ "قبل نهاية العام الحالي".
وتأتي الخطوة المرتقبة في وقت تحاول السعودية تنشيط سوق الأسهم التي شهدت تراجعاً لافتاً هذا العام، نتيجة الضغوط الجيوسياسية واستقرار أسعار النفط وتباطؤ وتيرة الإنفاق العام.
مواصلة المكاسب
وبعد أنباء عن توجه الجهات التنظيمية للسماح للأجانب بزيادة ملكيتهم في الشركات المدرجة محلياً فقد واصلت سوق الأسهم السعودية مكاسبها خلال تعاملات اليوم الخميس، بعد مكاسب قياسية بجلسة أمس، إذ ارتفع المؤشر العام "تاسي" بنسبة 1.11 في المئة، مضيفاً نحو 130 نقطة عند مستوى 11553 نقطة.
ليأتي ذلك بعد أن شهدت البورصة السعودية بنهاية تعاملات أمس الأربعاء، قفزة قوية، حيث ارتفع مؤشر السوق الرئيسة "تاسي" عند الإغلاق بمقدار 550.03 نقطة تعادل 5.06 في المئة (أعلى وتيرة صعود يومية في خمس سنوات)، ليصل إلى مستوى 11426 نقطة للمرة الأولى في أربعة أشهر، مدعوماً بمكاسب استثنائية لأسهم البنوك الكبرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب إحصاء أعدتها "اندندنت عربية"، استناداً لبيانات هيئة السوق المالية، ارتفعت الاستثمارات الأجنبية في السوق المالية السعودية من نحو 99 مليار ريال (26.4 مليار دولار) في يونيو (حزيران) 2015 (تاريخ بدء السماح للمستثمرين الأجانب المؤهلين بالتداول) إلى 411.65 مليار ريال (109.75 مليار دولار) في يونيو (حزيران) 2025، مما يمثل قفزة تتجاوز 3 أضعاف خلال عقد منذ الانفتاح التدريجي.
هل تحرير الملكية يعزز الجاذبية العالمية؟
بدوره، أكد المستشار المالي في "المتداول العربي" محمد الميموني إن السوق المالية السعودية يشهد زخم استثماري غير مسبوق مع أنباء تحرير الملكية الأجنبية، متوقعاً أن يسهم القرار المرتقب في إبراز البلاد كمركز جاذب للمستثمرين الاستراتيجيين، مدعومة بسيولة متزايدة ووزن أكبر في المؤشرات العالمية.
وأشار الميموني إلى أن هذه الخطوة المنتظرة ستعزز التدفقات المالية، وترفع وزن الأسهم السعودية في المؤشرات العالمية، مما يدعم السيولة ويجذب المحافظ الاستثمارية الأجنبية.
وأوضح الميموني أن تحرير الملكية بالكامل سيجعل السوق السعودية وجهة استثمارية لا تضاهى مقارنة بالأسواق الإقليمية والعالمية، مع توقعات بتدفقات تدريجية تصل إلى 10 مليارات دولار.
وتوقع الميموني أن تجتذب السوق السعودية ما يقارب 7 مليارات دولار على المدى القريب، على رغم أن بلوغ نسبة الملكية الأجنبية 100 في المئة.
وأشار الميموني إلى أن القرار قد يواجه تحديات، بسبب استمرار سيطرة الحكومة والمؤسسات شبه الحكومية على حصص كبرى في الشركات الرائدة.
وأضاف الميموني إن قطاعات البنوك والتقنية والرعاية الصحية ستكون في صدارة القطاعات المستقطبة لهذه التدفقات، نظراً إلى إمكاناتها الواعدة وأدائها القوي.
ولفت الميموني إلى أن البنوك ذات الملكيات الأجنبية المنخفضة حالياً، مثل مصرف الراجحي والبنك الأهلي ومصرف الإنماء، ستكون الأكثر استقطاباً للسيولة الجديدة.
وأضاف أن البنوك، بفضل أدائها المالي القوي تمثل فرصاً ذهبية للمستثمرين الأجانب الباحثين عن عوائد مستدامة ونمو طويل الأمد في السوق السعودية.
4 قيود في الاستثمار
يشار إلى أنه حالياً تخضع استثمارات المستثمرين الأجانب لـ4 قيود، أولها لا يجوز للمستثمر الأجنبي غير المقيم فيما عدا المستثمر الاستراتيجي الأجنبي تملك 10 في المئة أو أكثر من أسهم أي مصدر تكون أسهمه مدرجة أو أدوات الدين القابلة للتحويل الخاصة بالمصدر.
ولا يسمح للمستثمرين الأجانب مجتمعين (بجميع فئاتهم سواء المقيمين منهم أم غير المقيمين، فيما عدا المستثمرين الاستراتيجيين الأجانب) بتملك أكثر من 49 في المئة من أسهم أي مصدر تكون أسهمه مدرجة أو أدوات الدين القابلة للتحويل الخاصة بالمصدر.
وذلك علاوة على القيود المنصوص عليها في الأنظمة الأساسية للشركات المدرجة، وأي قيود نظامية، أو أي تعليمات تصدرها الجهات المختصة وتخضع لها الشركات المدرجة.
التخفيف من حواجز الاستثمار
بدوره، أكد عضو مجلس إدارة جمعية الاقتصاد السعودية سعد آل ثقفان أن خطوة هيئة السوق المالية نحو تخفيف القيود على ملكية الأجانب في الشركات المدرجة تتوافق مع رؤية تطوير قطاع المال في الرياض، وتهدف إلى تعزيز تنافسية السوق وجذب مزيد من الاستثمارات.
وأوضح أن القرار سيعزز حوكمة الشركات ويرفع مستوى الشفافية، كما سيتيح دخول أعضاء خبراء في مجالس الإدارة، مما يسهم في زيادة أرباح الشركات.
وأضاف أن ضخ السيولة الجديدة سيشجع الشركات على الاكتتاب في السوق، مما يعمق السوق ويوسع قاعدة المستثمرين والقطاعات، ويعد هذا التوجه إيجابياً ويدعم الاقتصاد الوطني بصورة كبيرة.
أهمية الخطوة
على الصعيد ذاته، يرى الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية طارق الرفاعي، أن قرار رفع ملكية الأجانب في سوق الأسهم السعودية يمثل خطوة مهمة لتعزيز السيولة وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية.
وأشار إلى أن هذا القرار يعكس ثقة متزايدة في الاقتصاد السعودي ويعزز موقع البورصة السعودية ضمن البورصات العالمية، وأضاف أن هذه الخطوة ستدعم النمو الاقتصادي المحلي وتسهم في تنويع مصادر التمويل بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030.
تغيير هيكلي
وقال نائب رئيس إدارة البحوث في "كامكو إنفست" رائد دياب إن هذا القرار يمثل تغييراً هيكلياً يعد الأهم في السوق منذ عقود، موضحاً أن فتح المجال أمام الملكية الأجنبية يتطلب دراسات معمقة وأبحاث مالية، خصوصاً من مؤسسات الاستثمار الأجنبية، وليس بطريقة عشوائية.
وحذر دياب من أن القرار قد يتسبب في تقلبات حادة بالسوق نتيجة تدفق الأموال الساخنة من الأجانب، لا سيما إذا ارتبطت بمضاربات كبيرة قد تؤدي إلى المبالغة في أسعار بعض الأصول.
وأشار إلى أن قطاعات البنوك والتأمين والطاقة والمرافق العامة ستكون من أبرز القطاعات المستفيدة من زيادة الملكية الأجنبية، وأشار إلى أن القطاع الصحي سيشهد نمواً مع تزايد عدد السكان والاستثمارات في المستشفيات، إضافة إلى قطاعي الخدمات الاستهلاكية والاتصالات.
الرابحون الرئيسون
فيما أكد المحلل في "جيه بي مورغان" بانكاج غوبتا إلى أن "البنك الأهلي السعودي" و"مصرف الإنماء" سيكونان الرابحين الرئيسين الآخرين، ويرى المحللون أن تلك الخطوة ستعزز السيولة وجذب التدفقات الجديدة ورفع وزن الأسهم السعودية في مؤشرات الأسواق الناشئة العالمية "أم أس سي آي".
ومن شأن رفع سقف الملكية الأجنبية أن يزيد وزن السعودية في مؤشر "أم أس سي آي" للأسواق الناشئة إلى 3.95 في المئة من 3.13 في المئة، وفقاً لبنك "جيه بي مورغان".
تدفقات الأجانب منذ الانضمام للأسواق الناشئة
وبلغ إجمال قيمة التدفقات الأجنبية كصافي مشتريات بلغ 223.5 مليار ريال (59.6 مليار دولار) منذ انضمام السوق إلى مؤشرات الأسواق الناشئة في عام 2019 وحتى نهاية أغسطس (آب) 2025، بحسب بيانات السوق المالية السعودية.
وكان عام 2019 أعلى الأعوام جذباً للاستثمارات الأجنبية، بنحو 91.2 مليار ريال (24.3 مليار دولار) بالتزامن مع الانضمام إلى مؤشرات الأسواق الناشئة، في حين 2023 الأقل بقيمة 14.2 مليار ريال (3.8 مليار دولار).
التأمين ضمن المستفيدين
بدوه، أكد المستشار الاقتصادي لؤي طلال عبده أن قطاع التأمين سيكون أكثر القطاعات استفادة من قرار رفع سقف ملكية المستثمرين الأجانب في الشركات المدرجة بالسوق السعودية بعد قطاع البنوك، مشيراً إلى سلسلة الاندماجات التي يشهدها القطاع على غرار "ميدغلف" و"بروج".
وأشار إلى أن القرار سيسهم بتحويل قطاع التأمين من قطاع مضاربة إلى قطاع استراتيجي، كما يدعم عمليات الاندماج التي يشهدها القطاع.
ولفت إلى أن الشركات تستهدف من خلال الاندماجات زيادة رأسمالها وتعزيز ملاءتها المالية، وهو أمر يصبح أسهل عند وجود تدفقات نقدية من مستثمر محلي أو أجنبي.
استثمارات صناديق عالمية
بحسب تقديرات "جيه بي مورغان"، فإن إزالة السقف أو رفعه فوق 49 في المئة قد يزيد وزن السعودية في مؤشر MSCI للأسواق الناشئة إلى 3.95 في المئة بدلاً من 3.13 في المئة حالياً.
وقد يصل هذا الوزن إلى خمسة في المئة، مما يفتح الباب أمام دخول استثمارات مؤسسية من صناديق عالمية تتابع هذه المؤشرات.
وإذا ما دخل القرار حيز التنفيذ قبل نهاية العام كما توقعت الهيئة، فإن السوق المالية السعودية ستنتقل إلى مرحلة جديدة من الانفتاح المؤسسي، بما يتماشى مع أهداف "رؤية 2030" في تعزيز مكانة الرياض كمركز مالي إقليمي ودولي.
10 مليارات دولار
وعلى صعيد شركات الأبحاث العالمية فقد أفاد تقرير حديث صادر عن بنك الاستثمار "أي أف جي هيرميس" بأن الأسهم السعودية ستستقطب استثمارات خاملة بنحو 10 مليارات دولار، إذا جرى إقرار زيادة حد الملكية الأجنبية.
كما توقع بنك "جيه بي مورغان" تدفقاً رأسمالياً محتملاً بقيمة 10.6 مليار دولار، في حال رفعت هيئة السوق المالية السعودية حد الملكية الأجنبية للأسهم إلى 100 في المئة من مستواه الحالي البالغ 49 في المئة.