ملخص
أوضح مختصون في سوق الأسهم لـ"اندندنت عربية" أن هذه الديناميكية المعقدة تتأثر بمجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية
تبرز حركة سوق الأسهم السعودية كظاهرة تستحق التحليل وسط مشهد اقتصادي عالمي متغير، فالتراجع الأخير لمؤشر "تاسي" ليس مجرد تقلبات عابرة، بل هو انعكاس لصراع خفي بين قوى البيع والشراء.
وإلى ذلك يفرض هذا الصراع، الذي يحدد اتجاه السوق، تساؤلات حول هوية الأطراف التي تقود هذا المسار: هل هم المستثمرون الأفراد الذين يبحثون عن فرص سريعة، أم المؤسسات التي تتخذ قراراتها بناء على استراتيجيات طويلة الأجل؟
أين الحقيقة الغائبة؟
وفق المحللين، فإن الحقيقة ما زالت غائبة عن أسباب هذا التراجع، ففي يناير (كانون الثاني) الماضي، وصل "تاسي" إلى 12036 نقطة وصحح منها حتى 10224 في زمن "تصحيحي" قد يعد طويلاً نوعاً ما، علاوة على أن أسباب التراجع كثيرة، منها تضخم الأسهم وهجرة السيولة وارتفاع الفائدة وتراجع أسعار النفط.
كل ذلك ومهما كانت الأسباب فإن الخوف الشديد هو زمن الشراء المناسب بشرط انخفاض حاد للسعر، فيما أساسيات الأسهم ما زالت ثابتة أو تغيرت موقتاً.
مجموعة عوامل
وأوضح مختصون في سوق الأسهم لـ"اندندنت عربية" أن هذه الديناميكية المعقدة تتأثر بمجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية، فمن جهة تضغط أسعار الفائدة المرتفعة على قرارات الاستثمار، بينما تفرض تقلبات أسعار النفط تحديات إضافية.
فيما أكد المختصون أن التفاؤل بمشاريع "رؤية 2030" يظل عامل جذب قوي للمستثمرين الأجانب، الذين يرون في السوق السعودية فرصة نمو واعدة على المدى الطويل.
وأوضحوا أن فهم هذه العوامل المتشابكة، وتحديد الأطراف الفاعلة في السوق، هو الخطوة الأولى لفك شفرة الأداء السلبي الأخير الملاحظ لـ"تاسي".
صراع القوى في "تاسي"
تظهر البيانات المستقاة من سوق الأسهم السعودية، التي جمعتها "اندبندنت عربية"، وجود تباين لافت في سلوك المستثمرين خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام، ففي وقت كانت تمارس خلاله المؤسسات المحلية ضغطاً بيعياً كبيراً، كانت هناك قوى أخرى تعمل في الاتجاه المعاكس.
وأسهمت مبيعات المؤسسات السعودية، التي بلغت صافي 18.8 مليار ريال (5 مليارات دولار)، بصورة رئيسة في دفع المؤشر العام للسوق نحو التراجع.
هذا التوجه البيعي من جانب المؤسسات، وبخاصة الصناديق الاستثمارية التي سجلت مبيعات صافية بلغت 12.3 مليار ريال (3.3 مليار دولار)، والشركات التي باعت بـ5.8 مليار ريال (1.55 مليار دولار)، يقابله نشاط شرائي ملاحظ من فئتين رئيستين.
ونفذ صغار المستثمرين الأفراد السعوديين عمليات شراء صافية بقيمة 17.3 مليار ريال (4.61 مليار دولار)، بينما سجل المستثمرون الأجانب صافي مشتريات بقيمة 9.4 مليار ريال (2.51 مليار دولار)، ويلاحظ أيضاً أن الجهات الحكومية اتخذت مساراً مغايراً، إذ سجلت صافي شراء بقيمة 887 مليون ريال (236.5 مليون دولار).
تزامن هذا الصراع بين قوى البيع والشراء مع عوامل اقتصادية عدة مؤثرة، مثل تراجع أرباح شركات عملاقة كـ"أرامكو" و"سابك"، الذي أثر سلباً في أداء المؤشر.
كان لارتفاع أسعار الفائدة دور في جذب السيولة نحو أدوات استثمارية ذات عوائد مجزية مثل الصكوك والودائع البنكية، مما شكل منافسة قوية للأسهم. ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ كان لتراجع أسعار النفط بنسبة 10 في المئة منذ بداية العام ضغط إضافي على حركة السوق.
سيطرة الدببة
بدوره، أوضح المحلل المالي والمحاضر في التمويل والاستثمار يوسف يوسف أن التساؤلات حول هوية البائع والمشتري في السوق السعودية تزداد عندما تشهد السوق تراجعاً، وهو ما يعكس أن البائع هو الطرف المسيطر في هذه المرحلة.
وأضاف أن السبب وراء تسجيل المؤسسات السعودية صافي بيع كبير هو سلوك غالب الأسواق المالية، عندما يسودها الغموض وترتفع فيها الأخطار، تميل المؤسسات إلى التراجع موقتاً، كما هي الحال في السوق المالية المصرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن استراتيجية المؤسسات تختلف عن الأفراد، فهي تستثمر بمبالغ ضخمة وتتبع استراتيجية طويلة الي متوسطة الأجل، وعندما تزداد الأخطار، تفضل الابتعاد في انتظار وضوح الرؤية. على العكس، فإن الأفراد، الذين يمتلكون رؤوس أموال أقل، لديهم شهية أكبر للمخاطرة، ويميلون إلى السلوك المضاربي الذي يسمح لهم بتحقيق أرباح سريعة وجنيها ثم الدخول مجدداً إلى السوق.
ولفت يوسف إلى أن هذا السلوك المضاربي هو السائد حالياً في السوق، وهو ما يفسر هيمنة الأفراد على التداولات، مبيناً أن المؤسسات قد لا تخرج بصورة كاملة من السوق، لكنها تقلل من وزن الأسهم في محافظها، وقد تزيد من وزن أدوات الدخل الثابت لتعويض الفارق، ثم تعود مجدداً عندما تتضح الرؤية.
ضغوط المؤسسات
وأكدت المتخصصة المعتمدة لدى أكاديمية "كي ويلث" مها سعيد أن صافي مبيعات المؤسسات يعكس سلوكاً محافظاً من الصناديق في ظل بيئة الفائدة المرتفعة، مما دفعها لتوجه السيولة نحو الصكوك والودائع ذات العائد الجذاب.
وأشارت إلى أن الأفراد سجلوا صافي شراء، مما يدل على ميلهم لاقتناص التراجعات والبحث عن مكاسب سريعة، وهو سلوك معتاد في السوق، وأضافت أن المستثمرين الأجانب عززوا ملكيتهم للاستفادة من الأسعار المنخفضة، ومن انضمام السوق لمراجعات مؤشري "MSCI" و"FTSE".
وأوضحت سعيد أن استمرار الأجانب في الشراء على رغم تراجع المؤشر يؤكد ثقتهم في السوق على المدى الطويل، وأن نتائج شركتي "أرامكو" و"سابك" جاءت أقل من المتوقع، مما ضغط على المؤشر، وزاد من إحباط المستثمرين، بخاصة مع ضعف نمو أرباح الشركات الأخرى.
تحولات عميقة
بدوره، أكد رئيس أبحاث السوق في شركة "OW Markets" عاصم منصور أن التراجع الذي تشهده السوق السعودية خلال عام 2025 لا يعود فقط لتقلبات أسعار النفط، بل إلى تحولات أعمق في سلوك المستثمرين.
وأوضح أن المؤسسات المحلية، بخاصة صناديق الاستثمار، اتجهت إلى جني الأرباح وتقليص مراكزها في ظل بيئة أسعار فائدة مرتفعة وعوائد جذابة على أدوات الدخل الثابت.
في المقابل أشار إلى أن الأفراد السعوديين والأجانب تحركوا كقوة شرائية واضحة، وهو ما يعكس وجود ثقة انتقائية في بعض الفرص المتاحة بالسوق، خصوصاً بعد التصحيحات التي شهدتها الأسعار.
ولفت منصور إلى أن التوقعات لما تبقى من العام الحالي ستظل مرهونة بعاملين أساسيين: أولاً قدرة الشركات الكبرى مثل "أرامكو" و"سابك" على استعادة زخم أرباحها، وثانياً أي تلميحات لتيسير نقدي محلي أو دولي قد تعيد السيولة لسوق الأسهم بصورة تدريجية.
وأضاف أنه لا يزال هناك متسع لتحركات إيجابية في السوق، بخاصة إذا تراجعت الضغوط على النفط أو إعلان برامج دعم أو استثمارات نوعية في القطاعات غير النفطية.
مسار هابط
بدورها، أوضحت المحللة الفنية لدى شركة "ترند تريد" السعودية أسماء أحمد أن المؤشر السعودي ما يزال في مسار هابط، إذ تراجع بنحو 11 في المئة منذ بداية العام، مسجلاً أسوأ أداء بين الأسواق العالمية والعربية.
وأرجعت هذا التراجع إلى ضغط الصناديق الاستثمارية المحلية بعملياتها البيعية بسبب استمرار أسعار الفائدة المرتفعة، إضافة إلى هبوط أسعار النفط، الذي شهد انخفاضاً بنحو 14 في المئة منذ بداية العام.
وأضافت أحمد أن تحسن السوق مرهون بحدوث خفض فعلي في أسعار الفائدة، وعودة أسعار النفط فوق مستوى 70 دولاراً للبرميل. وتوقعت أن يستمر الضغط على مؤشر "تاسي" ما دام بقي أدنى مستوى المقاومة 10970 نقطة، مما قد يدفعه لإعادة اختبار منطقة الدعم بين 10530 و10430 نقطة.
ولفتت إلى أن المؤشر لن يشهد إيجابية إلا بالعودة فوق مستوى 10970 نقطة، ومن ثم استهداف مستوى 11120 نقطة، مما سيكون إشارة إلى بدء الخروج من المسار الهابط.