Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دماء ودمار... هجمات شنتها إسرائيل خارج الحدود

منذ نشأتها نفذت عمليات شتى ضد من تعتبرهم تهديداً لها واستباحت دولاً أخرى لتصفية خصومها بلا رادع قانوني أو أخلاقي

شارك الكومنادوس الإسرائيلي عام 1972 في التصدي لمسلحين فلسطينية احتجزوا اعضاء فيريق رياضي إسرائيلي في ميونيخ الألمانية (أ ب)

ملخص

بذراعها الطويلة براً وبحراً وجواً، ضربت إسرائيل أكثر من مرة بسيادة الدول الأخرى عرض الحائط، وبطريقة منتظمة ومن دون حدود، ولم تفرق بين دولة عربية أو أجنبية، صديقة كانت أم عدوة، ولم تقتصر الاغتيالات على قادة سياسيين ونشطاء عسكريين بل طاولت أيضاً علماء وأدباء.

في التاسع من سبتمبر (أيلول) الجاري، هزت انفجارات ضخمة العاصمة القطرية الدوحة جراء هجوم إسرائيلي استهدف مقرات سكنية لقيادات "حماس"، وهو ما أثار استنكار حشد من الدول العربية والعالمية التي أدانت الهجوم بأشد العبارات وعدته انتهاكاً صارخاً ومرفوضاً لسيادة دولة قطر، التي سعت منذ بداية الحرب على غزة مع كل من مصر والولايات المتحدة للتوسط من أجل وقف إطلاق النار.

وبينما وصف مسؤولون إسرائيليون العملية بأنها "رد انتقامي" ضد قيادات الحركة، رأى كثيرون أن الضربة التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي وقتل فيها 5 فلسطينيين وعنصر أمن قطرياً، لم تكن مستهجنة أو غير مسبوقة، أو "خطأ تكتيكي نادر" كما وصفته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فإسرائيل منذ نشأتها عام 1948 نفذت عدداً من العمليات والاغتيالات ضد من تعتبرهم تهديداً لها، واستغلت أراضي خارج حدودها لتصفية الحسابات من دون اكتراثٍ لأية معضلاتٍ أخلاقية وقانونية قد تشكلها، على رغم أن قطر من دون غيرها من الدول، غدت خلال السنوات الأخيرة القناة الأكثر موثوقية لنقل الرسائل إلى قادة "حماس" في غزة.

وبحسب استطلاع للرأي نشرته "القناة 12" الإسرائيلية على إثر ذلك، أيد 75 في المئة من الإسرائيليين الهجوم على الدوحة، واعتبر 49 في المئة من مؤيدي الهجوم أنه جاء في توقيته المناسب، بينما اعترض 26 في المئة آخرون على التوقيت الحالي فقط لا الهجوم بحد ذاته. كذلك أكد 38 في المئة أن الهجوم على الدوحة يمس باحتمالية التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار وتبادل أسرى، في حين رأى 37 في المئة عكس ذلك، واعتبروا أن هذا الهجوم سيساعد على التوصل إلى اتفاق.

تصفية واغتيالات

بذراعها الطويلة براً وبحراً وجواً، ضربت إسرائيل أكثر من مرة بسيادة الدول الأخرى عرض الحائط، وبطريقة منتظمة ومن دون حدود، ولم تفرق بين دولة عربية أو أجنبية، صديقة كانت أم عدوة، ولم تقتصر الاغتيالات على قادة سياسيين ونشطاء عسكريين بل طاولت أيضاً علماء وأدباء، وهي غالباً لا تعترف رسمياً بمسؤوليتها عن الاغتيالات خارج حدودها إلا بعد سنوات من التصفية أو عبر صحافيين وكُتاب ووسائل إعلام إسرائيلية.

 

ويرى مراقبون أن الحصانة الأميركية المطلقة التي تتمتع بها إسرائيل لم ولن تكبحها يوماً عن اقتناص أعدائها في أي مكان تصل إليه، منتهكة حدود الدول الأخرى لمرات، من دون أن تجد من يصدها بطريقة متكافئة أو بمواقف دولية صارمة، وقد تجلى ذلك حين قال الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في أحد لقاءاته في ديسمبر (كانون الأول) 2023 بعد شهرين من بدء حرب على غزة، إن "إسرائيل لا تُخطئ، وإذا أخطأت فهذا من حقها". ولعل أكبر دليل على ذلك، كما يرى خبراء، تجرؤها على قصف قطر التي تضم أكبر قاعدة عسكرية أميركية.

بين سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، اغتالت إسرائيل عدداً من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية في عدد من الدول إلى جانب قادة سياسيين وعسكريين، وشهد عام 1972 اغتيال جهاز الاستخبارات والمهمات الخاصة الإسرائيلي (الموساد) ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا محمود همشري، بزرع قنبلةٍ في هاتفه، وممثل منظمة التحرير الفلسطينية في إيطاليا وائل زعيتر، بإطلاق النار عليه أمام مدخل شقته في أحد أحياء روما.

وفي يوليو (تموز) من العام نفسه، اغتالت إسرائيل الأديب والصحافي الفلسطيني غسان كنفاني عبر تفجير سيارته في بيروت بعبوة ناسفة. وفي عام 1973 نفذت وحدة تابعة للموساد في العاصمة اللبنانية بيروت عملية اغتيال لعضوي اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمد يوسف النجار وكمال عدوان، إلى جانب تصفية المتحدث الرسمي باسم منظمة التحرير الفلسطينية كمال ناصر، إضافة إلى قتلها باسل الكبيسي الأستاذ في القانون بالجامعة الأميركية في بيروت بأعيرةٍ نارية في أحد شوارع باريس، وممثلي "فتح" في قبرص زيد مقصبي في اليونان، وحسين البشير في نيقوسيا، بواسطة قنبلة زرعت في غرفته بأحد الفنادق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي يوليو عام 1976 وصلت إسرائيل بعملياتها إلى أدغال أفريقيا، حيث أرسلت قوة محمولة جواً إلى أوغندا على بعد 4000 كيلومتر لتحرير رهائن في طائرة مختطفة، وهي العملية التي قتل فيها الشقيق الأكبر لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وكان اغتيال القيادي البارز في منظمة التحرير الفلسطينية ومنظمة "أيلول الأسود" حسن سلامة من بين أشهر عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل في عام 1979 عن طريق تفجير مركبته في بيروت. وبعد فترة وجيزة اغتال جهاز الاستخبارات الإسرائيلية القيادي بالجبهة الشعبية وديع حداد في أحد فنادق ألمانيا الشرقية آنذاك عبر وضع كمية من السّم في إحدى قطع الشوكولاتة التي كان يُفضلها.

وفي العام الذي يليه استهدفت مقاتلات إسرائيلية من طراز "أف-15" و"أف-16" مفاعل "تموز" العراقي النووي ودمرته كله تقريباً، مما أدى لمقتل 10 عراقيين ومدني فرنسي من الخبراء المشاركين في بنائه، وفي العام نفسه ولكن في باريس استهدفت إسرائيل العالم المصري في الفيزياء النووية يحيى المشد، الذي كان يقود البرنامج النووي العراقي.

عناقيد الغضب

على رغم بعد المسافة، نجحت اليد الإسرائيلية بالوصول إلى تونس، ففي عام 1985 أغار سرب من الطائرات الإسرائيلية على مقر القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط، مما أدى لمقتل 50 فلسطينياً و18 تونسياً، إضافة إلى 100 جريح، وقدرت الخسائر المادية آنذاك بـ8.5 مليون دولار. كما تمكنت وحدة "سييرت متكال" التابعة لقوات النخبة في الجيش الإسرائيلي عام 1988 من اغتيال القيادي في حركة "فتح" خليل الوزير الملقب بـ"أبو جهاد" في منزله بمنطقة سيدي بوسعيد إحدى ضواحي تونس العاصمة، وشارك في عملية الاغتيال التي قادها موشي يعلون رئيس أركان الجيش لاحقاً ثم وزير الدفاع، مروحيتان و4 سفن وزوارق مطاطية ونحو 20 عنصراً من وحدة الاغتيالات الإسرائيلية.

 

وانتقاماً ممن شاركوا في عملية احتجاز الرياضيين الإسرائيليين في دورة "ميونيخ" الأولمبية عام 1972 التي أدت لمقتل 11 إسرائيلياً، أقدمت إسرائيل عام 1992 على تصفية مسؤول الأجهزة الأمنية في "فتح" عاطف بسيسو بزعم ضلوعه في العملية والتخطيط لها. وفي فبراير (شباط) من العام نفسه اغتالت إسرائيل أمين عام تنظيم "حزب الله" عباس الموسوي عبر قصف سيارته بصواريخ في بلدة تفاحتا (جنوب لبنان)، مما أدى إلى مقتله برفقة زوجته وطفلهما. وأثناء عودة الأمين العام السابق لحركة "الجهاد" فتحي الشقاقي من ليبيا إلى مالطا في أكتوبر (تشرين الأول) 1995 لعقد اجتماع سري، أرسل جهاز "الموساد" فرقة "كيدون"، التي تعد أفضل وحداته المتخصصة في الاغتيال، لتصفيته بطلقات نارية في الرأس ونجحت في إتمام المهمة.

في أبريل (نيسان) عام 1996، قررت إسرائيل ضرب القدرات العسكرية للمقاومة اللبنانية، وشنت حرباً على لبنان تحت اسم "عناقيد الغضب"، استهدفت خلالها مقراً تابعاً لقوات الأمم المتحدة (يونيفيل) ببلدة قانا جنوب لبنان كان يحتمي فيه مئات المدنيين، مما أثار موجة واسعة من التنديد الدولي إثر مقتل أكثر من 100 شخص، معظمهم من النساء والأطفال داخل المقر.

أهداف بعيدة المدى

مع بداية الألفية الثالثة شنت إسرائيل عشرات الهجمات على سوريا، واغتالت فيها قيادات فلسطينية ولبنانية أبرزهم عز الدين الشيخ خليل أحد كواد حركة "حماس" في سوريا، الذي قتل بانفجار سيارته في دمشق، وعلى رغم عدم اعتراف إسرائيل باغتياله آنذاك فإن "القناة الثانية" التلفزيونية الإسرائيلية نقلت عن مصادر أمنية، أن إسرائيل كانت وراء التفجير. ودخلت العمليات الإسرائيلية البعيدة المدى إلى السودان الذي تعرض عام 2009 لثلاث غارات جوية اسرائيلية، اثنتان ضد ما زعمت أنها قوافل أسلحة تهرب إلى قطاع غزة، وأسفرت العملية عن مقتل كل من كان في القافلة تقريباً، إضافة إلى قصف سلاح الجو الإسرائيلي مركبة بالقرب من مدينة بورسودان للسبب نفسه.

وبهدف تخريب أو تعطيل المنشآت النووية الإيرانية، نفذت إسرائيل عديداً من العمليات السرية على إيران، وبين عامي 2010 و2012 قامت باغتيال أربعة علماء إيرانيين في طهران هم مسعود محمدي، ومجيد شهرياري، وداريوش رضائي نجاد، ومصطفى أحمدي روشن. فيما كان عملاؤها داخل أحد فنادق دبي يخططون لاغتيال القيادي في "كتائب القسام" محمود المبحوح، واتُهم جهاز "الموساد" بالوقوف وراء العملية التي نفذت عام 2010، إذ كشفت شرطة دبي في الشهر التالي لعملية الاغتيال أن 11 شخصاً يحملون جوازات سفر أوروبية ضالعون في اغتيال المبحوح، وأن هذه المجموعة قدمت إلى دبي على دفعات وغادرتها في غضون 24 ساعة.

وفي قصفٍ وصف بالأعنف خارج حدود إسرائيل، قامت ثماني طائرات إسرائيلية عام 2012 بقصف مصنع "اليرموك" للأسلحة في ضواحي العاصمة الخرطوم. وفي بلغاريا، اغتال "الموساد" الناشط السابق بـ"الجبهة الشعبية" عمر النايف، الذي وُجد مقتولاً داخل سيارة في 26 فبراير (شباط) 2016. وفي ديسمبر من العام نفسه عادت إسرائيل إلى تونس لاغتيال المهندس التونسي محمد الزواري، إذ أطلق مسلحان 20 رصاصة عليه من مسدسين كاتمين للصوت وهو في سيارته أمام منزله بمنطقة العين في محافظة صفاقس بزعم انتمائه لـ"كتائب القسام"، وقد أصدر الجناح العسكري لحركة "حماس" بياناً على إثر اغتياله أعلن من خلاله أن الزواري كان "أحد القادة الذين أشرفوا على مشروعات طائرات من دون طيار" التي كان لها دور كبير في الحرب مع إسرائيل عام 2014.

قصف وغارات

ولم تسلم ماليزيا أيضاً من جهاز "الموساد" الذي اغتال على أراضيها في 21 أبريل (نيسان) 2018 المهندس الكهربائي المقرب من حركة "حماس" فادي البطش، بنحو 10 رصاصات أثناء توجهه إلى أحد المساجد القريبة من منزله في العاصمة كوالالمبور. كذلك شهد العراق عام 2019 غارات جوية يعتقد أنها إسرائيلية استهدفت إحداها قاعدة عسكرية لـ"الحشد الشعبي" وسط العراق، وأخرى طاولت معسكر أشرف، وثالثة ضربت مستودع أسلحة لـ"الحشد الشعبي". وسرعان ما عادت إلى إيران واغتالت عام 2022 علماء نوويين إيرانيين في عمليات مختلفة، أبرزهم العالم النووي والفيزيائي محسن زاده، والمتخصص في برنامج الصواريخ والطائرات المسيرة أيوب انتظاري.

 

وعلى أثر فتح "حزب الله" جبهة "إسناد" لغزة بعد أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، نفذت إسرائيل غارات جوية في الضاحية الجنوبية لبيروت أسفرت عن مقتل شخصيات من "حزب الله"، أبرزهم الأمين العام حسن نصرالله وفؤاد شكر وإبراهيم عقيل وأحمد وهبي وعلي كركي وغيرهم، إضافة إلى عشرات المدنيين. وبحسب خبراء فإن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية يوم 31 يوليو (تموز) 2024 اعتبر من أبرز عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل في طهران، التي شهدت منتصف العام الجاري غارات جوية إسرائيلية اغتالت فيها قيادات سياسية وعسكرية وكذلك علماء نوويين، لعل أبرزهم القائد العام لـ"الحرس الثوري" الإيراني حسين سلامي، ورئيس الأركان الإيراني محمد باقري، وقائد مقر "خاتم الأنبياء" علي شادماني، وعلي رشيد القائد العسكري المقرب من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. كذلك اغتالت إسرائيل في تلك الغارات قائد القوة الجوية التابعة لـ"الحرس الثوري" أمير زاده، وقائد الدفاع الجوي في القوة نفسها داود شيخيان، إضافة إلى العلماء النوويين فريدون عباسي دوائي، ومحمد مهدي طهرانجي، وأمير حسين فقيهي، وأحمد رضا ذو الفقاري، وعبد الحميد مينوتشهر.

فشل استخباراتي

وعلى رغم النجاح الكبير لمعظم عمليات الاغتيال الإسرائيلية خارج حدودها، فإن الفشل اعترى بعضها، ففي سبتمبر 1997 حاول "الموساد" اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" حينها خالد مشعل من خلال عشرة عناصر دخلوا إلى الأردن بجوازات سفر كندية مزورة، وتم حقنه بمادة سامة أثناء سيره في شارع وصفي التل بعمّان، لكن المنفذين اعتقلوا بعد تدخل حارسه الشخصي، وأطلق سراحهم مقابل الإفراج عن مؤسس حركة "حماس" أحمد ياسين من السجون الإسرائيلية وإعطاء مشعل المصل المعالج من المادة السامة.

وفي واحدة من أكثر عمليات "الموساد" المعلنة فشلاً، ما شهده النرويج عام 1973 وعرف في ما بعد بليلة "ليلهامر"، عندما اغتال عملاء إسرائيل العامل المغربي أحمد بوشيخي بعد إطلاق 13 رصاصة عليه من كواتم صوت بينما كان في طريقه إلى منزله مع زوجته ظناً منهم أنه حسن سلامة، القيادي الفلسطيني الذي كان المطلوب الأول لـ"الموساد" والمسجل على رأس لائحة فرقة "كيدون" للاغتيالات في ذلك الوقت، والتي تشكلت بأمر مباشر من رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك غولدا مائير لتنفيذ سلسلة عمليات استخباراتية أطلق عليها اسم "غضب الرب"، وجاءت كرد فعل على مقتل 11 رياضياً إسرائيلياً خلال "عملية ميونيخ" يومي 5 و6 سبتمبر 1972، ونفذتها منظمة "أيلول الأسود" الفلسطينية خلال الأولمبياد.

المزيد من تقارير