ملخص
خلافاً لما كان متوقعاً، نال "أب أم أخ أخت"، فيلم المخرج الأميركي جيم جارموش، جائزة "الأسد الذهبي" وقطف فيلم "صوت هند رجب" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية جائزة "الأسد الفضي" (جائزة لجنة التحكيم الكبرى) لمهرجان البندقية السينمائي الـ82، الذي اختتم أمس في جزيرة الليدو بعد 11 يوماً من سباق سينمائي كانت العيون موجهة فيها إلى الشاشات من الصبح إلى المساء.
في أول مشاركة له في مسابقة الموسترا، بعدما كان معروفاً أنه من السينمائيين المعتادين على مهرجان "كان"، فاز جيم جارموش ابن الـ72 سنة بالجائزة الكبرى التي تمنحها لجنة تحكيم يترأسها زميله ومواطنه الأميركي ألكسندر باين.
جيم جارموش سينمائي أميركي مستقل تمرد منذ بداياته في الثمانينيات على السينما السائدة في هوليوود، معبراً في أفلامه عن رؤية مناهضة للصناعة السينمائية التقليدية، وهي رؤية تتميز بأسلوبه الفريد الذي يمزج الأناقة بالحساسية، مستوحياً السينما الأوروبية واليابانية، مما جعله رمزاً من رموز السينمائي المؤلف المستقل. كثيراً ما صور أميركا في عمقها، ملتقطاً لحظات الوحدة والضياع والانتظار، مع التركيز على فشل التواصل بين البشر ورغبتهم في الفهم على رغم اختلافاتهم. من أشهر أعماله "أغرب من الجن" و"رجل ميت" و"غوست دوغ" و"باترسون" ومعظمها عرض في مهرجان "كان"، ويعد من السينمائيين القلائل الذين حافظوا على روح التجريب ولم تغرهم السينما التجارية.
في جديده الذي يعيده إلى السينما بعد انقطاع ستة أعوام، يروي شذرة من حياة ثلاث عائلات في ثلاثة أماكن: قرية أميركية ودبلن وباريس. لا داعي إلى الدخول في التفاصيل، فلا شيء من الذي يحدث على الشاشة يستحق أن يترجم بكلام مكتوب، خلافاً لتجربة المشاهدة التي تتشكل من لحظات الهدوء والدقة، ونغمات الحزن والحنين التي تتكون مشهداً تلو مشهد. ولكن، للأسف، الفيلم جاف جداً، ولا يولد أية عواطف، إضافة إلى أنه يستحيل دخول عمق خطاب جارموش ولا نفهم ماذا يريد أن يقول لنا. الفيلم يفتقر إلى المستويات والطبقات ويبقي كل شيء عالقاً على السطح.
صوت هند
فيلم "صوت هند رجب" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية نال جائزة لجنة التحكيم الكبرى. كان هذا الفيلم حديث رواد المهرجان منذ عرض صباح الأربعاء واستقبل بالهتاف والتصفيق وتوقع له بعض النقاد "الأسد". بن هنية ثالث عربية تنال هذه الجائزة بعد رندة الشهال ومواطنها عبداللطيف كشيش. يحكي الفيلم عن قصة الطفلة هند ذات السنوات الست، التي قتلت أثناء الحرب الإسرائيلية. يتمحور الفيلم حول جهود الهلال الأحمر في رام الله لإنقاذ هند، لكن تأخر وصول سيارة الإسعاف بسبب التصاريح يقودها إلى حتفها تحت وابل من الرصاص. الفيلم، الذي صور في تونس بسرعة استجابة للأحداث، يدمج بين التوثيق والدراما، لكنه خضع للتصنيع الدرامي الذي يطغى على مأساة هند، مع تسطيح الصراعات الداخلية في مركز الهلال الأحمر، مما يثير تساؤلات حول كيفية تقديم قصص فلسطينية مأسوية معاصرة، من دون أن تتحول إلى سلعة استهلاكية في الغرب، في ظل استمرار المجزرة. وقد شهدت جزيرة الليدو حيث يقام المهرجان، تظاهرة ضخمة داعمة لغزة شارك فيها بضعة آلاف، كذلك فإن الإدارة، خلافاً لمهرجان برلين، لم تقف في وجه أية تظاهرة تندد بالحرب على غزة.
"آلة السحق" للأميركي بيني سفدي نال جائزة الإخراج المستحقة. تجربة سينمائية خارجة عن المألوف، يبتعد فيها الممثل دواين جونسون ("ذا روك") عن أدواره النمطية ليجسد المصارع مارك كير، في عمل يعيد النظر في صورة "الرجل القوي"، مستخدماً قصة كير كانعكاس لصراع جونسون الشخصي مع إرثه الفني والجسدي، في مواجهة صريحة مع الذات. الفيلم يكشف هشاشة البطل الذي تقيده صورته القوية، وذلك بأسلوب بصري بسيط وأجواء تستدعي سينما السبعينيات.
شمس صينية
جائزة الممثلة ذهبت إلى الصينية شين جيلاي عن دورها في "الشمس ستشرق علينا جميعاً" لتساي شانغ جون، عن رجل يضحي من أجل حبيبته ويحمل على عاتقه الجريمة التي ارتكبتها ومع ذلك تقدم على خيانته. جائزة التمثيل في فئة الرجال، "كأس فولبي"، نالها الممثل الإيطالي الكبير توني سرفيللو، 66 سنة، عن "النعمة" لباولو سورنتينو، إذ يضطلع بدور رئيس خيالي يواجه ذكرى وفاة زوجته التي لم يشف منها، تزامناً مع الضغط الذي يمارس عليه للتوقيع على قانون يجيز الموت الرحيم. الجائزة كانت مفاجأة إذ توقعها كثر لدواين جونسون عن دوره في "آلة السحق". أما أفضل موهبة صاعدة في مجال التمثيل، فكانت من نصيب المجرية لونا فدلر عن دورها في "الصديق الصمت" للسينمائية المجرية إيلديكو إنييدي.
الفرنسية فاليري دونزيللي أعطيت جائزة السيناريو الذي كتبته مع المؤلف الشهير جيل مارشان عن فيلمها "خلال العمل" وهو يروي قصة مصور فوتوغرافي يتخلى عن كل شيء للتفرغ للكتابة، ولكن سيعاني البؤس والفقر ولكنه مصمم على المضي في تحقيق حلمه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد 12 عاماً على فوزه بـ"الأسد" عن فيلمه "ساكرو غرا" فاز المخرج الإيطالي المتخصص في الوثائقي جانفرنكو روزي بجائزة لجنة التحكيم الخاصة عن "تحت الغيوم"، الذي يعيد تذكيرنا بأنه أحد أهم السينمائيين الذين يلتقطون الواقع في السينما المعاصرة. "على مدى ثلاثة أعوام"، يقول روزي، "عشت وصورت عند تخوم جبل فيزوف، باحثاً عن آثار التاريخ، وعن حفريات الزمن وبقايا الحياة اليومية. وثقت القصص بأصوات من رواها، وراقبت الغيوم والدخان المتصاعد من الحقول الفليجرية".
لم تحدث الأفلام المعروضة هذا العام أي إجماع، وكان واضحاً أن لا تحفة سينمائية تفرض نفسها للأسد منذ اللحظة الأولى. لكن هل كان هناك توافق كلي بين أعضاء لجنة التحكيم على فيلم جارموش، هذا ما لن تعرفه أبداً، إذ إن أفرادها ملزمون بالصمت، لكن كان هناك في الأقل فيلم واحد، هو "يتيم" للمجري لاسلو نمش، يستحق أن يدرج على لائحة الجوائز، في مقابل استغراب شديد لتجاهل الكوري الجنوبي بارك تشان وفيلمه "لا خيار آخر". وسط هذا كله يبد أنه لم يكن للجنة خيار آخر غير جارموش.