ملخص
في الجزء الثاني من مذكراته يقول فاروق الشرع، النائب السابق للرئيس السوري الهارب بشار الأسد، إن الأسد كان مريضاً نفسياً، ويصفه بـ"هولاكو العصر الحديث"، ذلك لأنه أدخل البلاد موسوعة "غينيس" كأكثر الأمكنة تعرضاً لدمار فاق ما شهدته مدن أوروبية في الحرب العالمية الثانية.
يقول فاروق الشرع، النائب السابق للرئيس السوري بشار الأسد، إن "الأمر احتاج مني سنين لأدرك كم أن الأسد الابن مزهواً بنفسه إلى حد كبير، وما مئات الصور أو الشعارات المنتشرة على كل عمود أو جدار منذ سنين في البلد، والتي تضعه فوق كل اعتبار، إلا مثالاً بسيطاً على ذلك، فهو لم يأمر بإزالتها، كأنما أصبحت ديمومتها هي الهدف وليس مستقبل سوريا".
الشرع الذي عمل وزيراً للخارجية أكثر من عشرين عاماً متتالياً، اكتشف "متأخراً للأسف"، أن الأسد الهارب كانت لديه "بعض الميول السيكوباتية، وهي حالة نفسية يفتقد أصحابها كلياً للمشاعر، فلا خوف من العواقب، ولا شعور بالندم تجاه الخطأ، ولا تفاعل مع آلام الناس أو حتى هموم المحيطين به، قد تبدو هذه الصفات أول وهلة صلابة أو جسارة، لكنها جسارة تفتقد الحكمة عندما تصبح الأمور أشد تعقيداً والمواقف أكثر صعوبة. ولعل المجازفات السياسية لإيران وروسيا المرتكبة طوال سنوات الأزمة، جاءت من إدراك هذه المواصفات التي اكتشفوها في شخصيته بحكم معرفتهم الطويلة بالداخل السوري".
ويعتبر الشرع شاهداً حياً على بداية الثورة السورية التي تفجرت ضد بشار الأسد عام 2011، وما يميز شهادته عليها هو أنه كان يقف على الضفة المقابلة التي تمثل السلطة وتحاول احتواء الأزمة قبل أن تتحول إلى حرب أهلية تحصد البشر والحجر في البلاد على مدار عقد ونصف تقريباً، وتخيم على العالم بأكمله هجرة ونزوحاً وقتلاً وتطرفاً.
في الجزء الثاني من مذكراته التي صدرت في مارس (آذار) الماضي، يعتقد الشرع أن الأسد كان "نرجسياً" لا يعرف دواخله إلا عدد محدود من المسؤولين الآخرين، منهم نبراس الفاضل الذي كان مقرباً جداً من الرئاستين السورية والفرنسية، وقد استدعاه الأسد من فرنسا في سبيل "تسويق صورته وصورة زوجته كلوحة فنية من تراث الغرب الأوروبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفق مذكرات الشرع التي تقع في274 صفحة، كان الرئيس الهارب إلى روسيا في ديسمبر (كانون الأول) 2024، يرسل قبل أي زيارة رسمية إلى دولة أوروبية مسؤولاً سورياً ليتفق مع وكالات الأنباء والصحف لتغطية زيارته برفقة زوجته، فتتكلم هذه الوكالات عنه وعن أناقة زوجته، التي ترتدي أحدث ما صممته دور الأزياء العالمية، مثلما جرى حين أرسل وزير السياحة سعدالله آغا القلعة قبل الزيارة الرسمية إلى بريطانيا، كذلك كان من المعروف أيضاً تعاقده مع إعلاميين أجانب لتلميع صورته وصورة زوجته.
يستطرد الشرع في وصف تضخم الأنا عند الأسد وزوجته فيقول إنه "بات من الملاحظ، حتى في خضم الكارثة التي ألمت بسوريا، أن اسمي الرئيس وعقيلته كانا طاغيين على كل شيء في الفضائيات ونشرات الأخبار العالمية بدلاً من اسم سوريا وجيشها وقواتها المسلحة"، حتى إن صوره تصدرت الليرة السورية من دون إحراج من الوضع الاقتصادي المتردي، ودونما اكتراث إلى أن النظام دفع من دم السوريين في حربه ضد المؤامرات الدولية أكثر مما دفعه السوريون في حروبهم من أجل فلسطين، على حد تعبير الشرع.
يستذكر نائب الرئيس محاولة "الحوار الوطني" الذي كلف بغرض احتواء الأزمة خلال يوليو (تموز)2011، ويقول إن الحوار "أفشل رسمياً وبصورة متعمدة" عندما كان عدد المتظاهرين المعارضين لا يتجاوز بضع مئات، ولم يكن هناك سوى بضعة آلاف ممن اضطروا للجوء إلى تركيا". ليس هذا فقط وإنما وصف الحوار بـ"التآمري" من قبل أزلام السلطة، واستبدل بلقاءات للأسد مع شخصيات من مختلف المحافظات ظل فيها "الرئيس الغارق في حب الذات، عاجزاً عن سماع سوى كلمات المديح التي تقال له من دون أن يقرأ ما بين السطور".
يعرج النائب والوزير السابق على جميع المراحل التي مرت بها الأزمة داخلياً وخارجياً من دون مفاجآت تذكر. يوضح كيف تورط النظام أكثر فأكثر بسبب سوء تقديره للمسائل، ثم يبين كيف ومتى غادرت المحنة السورية الحدود الجغرافية، وتعاملت معها الدول العربية في ظل ظروف غير مستقرة أفرزتها ثورات الربيع العربي التي بدلت موازين القوى في المنطقة، ثم وقع تدويل الحرب السورية وتدخلت أطراف خارجية مختلفة فيها، بينها روسيا التي كانت تؤيد المصالحة الوطنية بداية قبل التدخل العسكري لاحقاً لمصلحة الأسد، وفق مذكرات الشرع الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
بشار الأسد برأي الشرع هو "هولاكو العصر الحديث"، فقد أدخل سوريا موسوعة "غينيس" بعدما احتلت المرتبة الأولى في الدمار متفوقة بنكبتها على ما حل بمدن أوروبية مثل برلين وستالینغراد خلال الحرب العالمية الثانية. ولفت الشرع إلى أن السوريين "سيدركون بأنفسهم عندما تهدأ الأحوال وينجلي عن البلاد غبار الحرب، أن ما جرى فاق فعلياً ما خلفته جحافل هولاكو من قتل ودمار في بلاد الشام قبل مئات السنين، فالطغاة يجلبون الغزاة، بحسب ما يمكن فهم ما قاله عبد الرحمن بن خلدون في مقدمته الشهيرة".
ربما أدرك السوريون بعد سقوط الأسد تلك الحقيقة، ولكن مهما تعددت الآراء والاجتهادات حول الأزمة وتداعياتها على سوريا والمنطقة، فإن "المنتصرين الحقيقيين في المدى المنظور" برأي الشرع، هم إسرائيل وروسيا وخلفهما الولايات المتحدة "التي لم تدفع تكاليف توازي ما ربحته في سوريا من مواقع استراتيجية. أما السوريون تحديداً، فجميعهم خاسرون، ولا أحد يستطيع التفوق على النظام في ميدان "انتصار – الانكسار".
يختم الشرع مذكراته بأن "السوريين كانوا في الماضي لاعبين ماهرين باعتراف الأصدقاء والأعداء، قد يتجاوزون أحيانا حدود بلادهم بحق أو بباطل، لكنهم لم يسمحوا للآخرين باللعب داخل حدود سوريا، سواء كان الآخرون حلفاء أو أصدقاء". ويرى نائب الرئيس أن كل ادعاء سوري رسمي بالانتصار قبل سقوط الأسد، ليس إلا "هذراً وخوفاً من إعلان الحقيقة المرة التي سيزاح الغبار عنها يوماً ما".
المفارقة التي انتهى إليها الشرع في مذكراته ربما لم تعد سارية المفعول أو تحتاج إلى صياغة جديدة، إذ يقول إن "الإعلام السوري في عهد النظام البائد قد صدق في حقيقة مفادها أن الحرب في سوريا ستغير النظام العالمي لأنه فشل في تغيير الأسد"، واصفاً التغيير بالسريالي إذ أصبح الروس ينافسون الأميركيين على خطب ود إسرائيل بشكل غير مسبوق في تاريخ العلاقات الدولية، أما السوريون في سياق حربهم على الإرهاب والاحتفاظ ببشار أولاً، فقد شهدوا نكبات تدمير وطنهم ومعضلات احتلاله المتعدد الأشكال، ثم جرى تركهم في حفرة عميقة، لا يعرفون متى وكيف سيخرجون منها".
بشار الأسد المريض نفسياً كما استخلص الشرع، هو حصيلة عقدين ونصف من الأحداث التي مرت على سوريا والعالم بشكل عام. لكن العام الأول من حكم الابن بعدما ورث السلطة عن أبيه عام 2000، كان كافياً لتلمس ملامح المستقبل المظلم الذي تنتظره البلاد بعدما حلمت بالأفضل مع وصول الشاب القادم من بريطانيا إلى السلطة، فقد وأد الأسد الابن "ربيع دمشق" قبل خمسة وعشرين عاماً هبوب رياح "الربيع العربي"، والمحدد الرئيسي لسلطته منذ البداية وحتى النهاية في ديسمبر 2024، كان "حكمه أو الخراب".
يكشف الشرع أن الحرب على الإرهاب التي أسقطت نظام الرئيس العراقي صدام حسين عام 2003، أشعرت العديد من القادة العرب بالقلق على مستقبلهم في مقدمتهم بشار الأسد. ثم كبرت أزمة نظام الأسد بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وبعدها جاء زيف ادعاء الأسد بالإصلاح وفشل حربه على الفساد.
يمر الشرع في مذكراته على المبادرة العربية للسلام وغزو العراق واغتيال الحريري وحرب تموز بين إسرائيل ولبنان وقمم عربية وقعت في الألفية الجديدة، وصولاً إلى ثورات الربيع العربي، ليسلط الضوء على ترددات تلك الأحداث على الواقع السوري وسلطة الأسد اللاجئ إلى روسيا، فيظهر الوقائع التي استحدثت الظروف التي انتهت بزوال 5 عقود من حكم حزب البعث على أمل أن تكون المرحلة المقبلة تكون أفضل حالاً.