ملخص
تعددت المبادرات السياسية في تونس من أجل إدخال ديناميكية على المشهد السياسي في البلاد. وصدرت بعضها عن شخصيات وأحزاب من خارج الحدود، مما جعلها محل تخوف بعض التونسيين لارتباطاتها الخارجية، بينما لا تعير السلطة أي اهتمام لمثل تلك المبادرات رافعة شعار "لا رجوع إلى الوراء".
تعددت المبادرات السياسية في تونس التي تهدف إلى فتح حوار سياسي في البلاد، وصدرت عن شخصيات سياسية في الخارج على غرار المنذر الزنايدي، الوزير السابق في عهد الرئيس زين العابدين بن علي، ورئيسة "حزب الجمهورية الثالثة" ألفة الحامدي.
وأطلق الزنايدي مبادرة بعنوان "واجبنا" نشرت تفاصيلها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتضمنت توصيفاً للوضع الراهن في البلاد، واقترحت جملة خطوات من بينها ترشيد الممارسة السياسية وتطويرها والقطع مع التجاذبات وحرب المواقع.
واعتبرت المبادرة أن "‘نقاذ تونس واجب وطني يقوم على ثلاث مراحل، أولها الإنقاذ ثم تعزيز الثقة وأخيراً الإصلاح". ودعت إلى "مصالحة التونسيين مع الشأن العام ومع نخبهم"، كما دعت مكونات المشهد السياسي إلى إجراء المراجعات الضرورية والقطع مع الممارسات التي أبعدتهم من مشاغل التونسيين، علاوة على وضع مشروع اقتصادي واجتماعي وتنموي جديد لتونس مبني على المصالحة بين التونسي ودولته يبعث الأمل ويؤسس لثقافة العمل".
من جهتها أعلنت رئيسة "حزب الجمهورية الثالثة" ألفة الحامدي في يوليو (تموز) الماضي تأسيس "مجلس الجمهورية الذي يتواصل على مدى ستة أعوام يقوم خلالها بإصلاح الحياة السياسية وحماية حقوق الإنسان وتعزيز المنظومة القضائية".
الوضع ليس بالحدة التي تتطلب مبادرات
وينظر إلى هذه المبادرات في الداخل التونسي بحذر شديد بسبب ارتباطاتها الخارجية المحتملة، بينما تباينت المواقف إزاءها، بين من يشكك في جديتها وقدرتها على التأثير في المشهد السياسي الراهن في البلاد، ومن يرى أن المبادرات النابعة من الداخل هي أكثر قدرة على الإصلاح.
ويقول الناشط السياسي والمتحدث الرسمي باسم "التيار الشعبي" محسن النابتي إن ما "تعلنه ألفة الحامدي لا يرقى إلى أن يكون مبادرة سياسية متكاملة"، بينما يعتبر أن الزنايدي "لا يزال مصراً على العودة للحياة السياسية، على رغم أن حكم بن علي أطاحت به ثورة شعبية"، ويحذر من دوره السياسي الذي يعتبره "جزءاً من محاولات خارجية لفرض أجندة معينة على تونس". ولا يرى النابتي "أية اهمية للمبادرات التي يعلنها الزنايدي من حين لآخر".
كما أوضح أن "الوضع في تونس ليس بالحدة التي تتطلب مبادرة سياسية لأن تونس بدأت فعلياً ببناء المؤسسات"، داعياً "كل من يحمل مشروعاً مختلفاً إلى التقدم به خلال الانتخابات وطرحه على التونسيين". وأضاف أن "الرهان على الخارج نتائجه معلومة"، معبراً عن دعمه "لأي فعل داخلي لحفظ سيادة البلاد من التدخل الخارجي". وقال إن "البلاد في حاجة إلى مشروع اقتصادي واجتماعي واضح المعالم، مع ضرورة استكمال المؤسسات الدستورية كالمجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للتربية وغيرها من المؤسسات الدستورية التي نص عليها دستور 2022".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأزمة المزدوجة تتطلب مبادرة جدية
وبينما يعتبر النابتي أن تونس ليست في حاجة إلى مبادرات سياسية بقدر ما تحتاج الى إصلاحات اقتصادية واجتماعية، يرى أستاذ القانون الدستوري في الجامعة التونسية الصغير الزكراوي أن "الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد تحتاج إلى مبادرة جدية"، معتبراً أن "منظومة الحكم اليوم في تونس لم تحقق نتائج اقتصادية واجتماعية ملموسة كتحسين نسبة النمو الاقتصادي أو تقليص البطالة، علاوة على الصعوبات المالية العمومية وتراجع أداء المؤسسات كالبرلمان والمجلس الوطني للجهات والأقاليم".
ويتفهم الزكراوي هذه المبادرات "النابعة من شخصيات سياسية أو أحزاب شرط أن تحمل مشروعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً متكاملاً".
ويراهن الزكراوي على "صحوة بعض المنظمات كالاتحاد العام التونسي للشغل وعمادة المحامين من أجل إنتاج ديناميكية سياسية خلال الفترة المقبلة في البلاد، لتوضيح الرؤية بالنسبة إلى التونسيين، وسط ضعف المعارضة التي تعاني التفكك والمكابرة ولم تقُم بالتقييمات المطلوبة منها".
تأثير محدود
وهناك من يرى أن "اللحظة الجيوسياسية الراهنة بات فيها للعامل الخارجي تأثيره الذي لا يمكن إنكاره في نحت مصير الشعوب والأوطان، إلا أن هذه المبادرات الوافدة من وراء البحار باتت محل توجس من التونسيين الذين خبروا خلال العشرية الماضية ضعف الشخصيات السياسية التي لم تحتك بواقعهم".
ويعتبر أستاذ الفلسفة السياسية في الجامعة التونسية فريد العليبي أن "هذه المبادرات منفصلة عن واقع الصراع السياسي في تونس، أي إنها لا تمس انشغالات المواطنين السياسية المتصلة بالقضايا الأساسية كالسيادة الوطنية والتعويل على الذات والقطيعة مع الماضي والعلاقة بالقضية الفلسطينية والتحالفات الاستراتيجية الدولية". ويضيف أن "التونسيين يتخوفون من كل ما يأتي من وراء البحار، على رغم انشغاله بالسياسة ومتابعته للتطورات الجيوسياسية في المنطقة وفي العالم"، مشدداً على أن "سبيل العودة للوراء مغلق، مما يجعل تلك المبادرات غريبة عنه إلا أن ذلك لا يعني أنها عديمة القيمة خارجياً، فهناك قوى إقليمية ودولية قد تكون وراءها وتدفع نحو تطبيقها عملياً".
وقلل العليبي من تأثير تلك المبادرات في الداخل التونسي، إذ إنها "غير نابعة من انشغالات التونسيين والتونسيات في هذه اللحظة، على رغم أن العامل الخارجي قام بدور مؤثر في ما يسمى ’الربيع العربي‘، وكان له الحضور نفسه تقريباً في ’ربيع أوروبا الشرقية‘، وذلك التأثير مرتبط بتغيرات عميقة في الوضع العالمي مع العولمة ونهاية الدولة الأمة".
وترفض السلطة في تونس التفاعل مع عشرات المبادرات، الصادرة من الداخل ومن الخارج، رافعة شعار "لا رجوع إلى الوراء"، بينما تواصل الأحزاب نكرانها ومكابرتها وعدم مراجعة أخطاء العشرية السابقة التي اتسمت بالصراعات الحزبية الضيقة. كما أن بعض الأحزاب والنخب فقدت مصداقيتها أمام التونسيين، بينما تتجه البلاد نحو تشكل نخبة سياسية جديدة تتحسس طريقها نحو كسب ثقة التونسيين.