ملخص
منذ تأسيس المركزية النقابية عام 1946، خاض قادة الاتحاد صدامات عدة مع المستعمر الفرنسي وخلال فترة حكم الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي وصولاً إلى ثورة 2011.
دخل الرئيس التونسي قيس سعيد في مواجهة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية في البلاد، وهو ما يعده محللون تهديداً لأبرز منظمة مستقلة وأحد أركان الديمقراطية داخل تونس.
فخلال السابع من أغسطس (آب) الجاري رفعت تظاهرة شعارات تتهم قادة الاتحاد التونسي للشغل بـ"الفساد"، وأطلقت المواجهة بين المنظمة التي لعبت دوراً مهماً في مرحلة الانتقال الديمقراطي بعد ثورة 2011 وحازت جائزة نوبل للسلام عام 2015، وبين الرئيس الذي يحتكر السلطات منذ عام 2021.
وجاءت التظاهرة أمام مقر الاتحاد في العاصمة غداة تصريحات لسعيد عبر فيها عن غضبه من إضراب نفذته المنظمة لثلاثة أيام في قطاع النقل. ووصفت قيادة الاتحاد المتظاهرين بأنهم "أنصار سعيد"، وقالت إنهم حاولوا "اقتحام" المقر.
"الشعب يطالب بالمحاسبة"
لم ينتظر سعيد طويلاً، فخرج ليل أمس الجمعة مرة ثانية وبنبرة غاضبة، قائلاً "لم تكن في نية المحتجين لا الاقتحام ولا الاعتداء كما تروج لذلك ألسنة السوء"، مضيفاً "هناك ملفات يجب أن تفتح لأن الشعب يطالب بالمحاسبة... لن تكون هناك حصانة لأي كان إذا تجاوز القانون، والقانون يطبق على الجميع".
ويقول نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش" بسام خواجا، "بعدما كثفت السلطات هجماتها ضد الأحزاب السياسية والجمعيات، يبدو أن النقابات العمالية أصبحت الآن هدفاً للسلطات، وهي واحدة من آخر أعمدة الديمقراطية في تونس". ويضيف "التهديدات المبطنة من الرئيس ضد المركزية النقابية تشكل انتهاكاً جديداً للمؤسسات التي يسعى سعيد إلى تفكيكها".
ويرى أستاذ التاريخ المعاصر في جامعات تونسية عبداللطيف الحناشي أن ما حدث "يأتي في سياق متواصل لمشروع الرئيس قيس سعيد الذي له موقف من الأجسام الوسيطة، ومنها منظمات المجتمع المدني"، مضيفاً أن "الخوف كل الخوف ألا يتحكم الطرفان في ردود الفعل، مما قد يؤدي إلى مواجهات لن تخدم البلاد".
ورأى أن الرئيس عبر عن موقفه بنوع من "التحدي الحاد" الذي سيدفع الاتحاد إلى "التفاعل باتجاه التصعيد والدخول في معركة كسر العظم".
إضراب عام
وعقد الاتحاد اجتماعاً لهيئته التنفيذية بصورة عاجلة الإثنين الماضي، ورد الأمين العام نور الدين الطبوبي على سعيد بالقول "لسنا من الذين سيحكم عليهم بتكميم الأفواه، صوتنا عال"، منتقداً ما اعتبره "سيفاً مصلتاً" على النقابيين باتهامهم بـ"الفساد"، وداعياً إلى اللجوء إلى القضاء في حال توافر ما يثبت الاتهامات.
وأعلن في أعقاب ذلك تنظيم تظاهرة ومسيرة الخميس المقبل "للدفاع عن الاتحاد"، ولعودة المفاوضات الاجتماعية المعطلة مع الحكومة ولوح بتنفيذ إضراب عام.
ومنذ عام 2022، نفذت السلطات حملات توقيف وملاحقات قضائية طاولت معارضين لسعيد، من المنتمين إلى أحزاب سياسية أو من الناشطين والحقوقيين والصحافيين والقضاة، مما دفع عدداً من المنظمات الحقوقية التونسية والدولية إلى التنديد مراراً بتراجع الحريات في البلاد.
في المقابل، يؤكد سعيد أن الحريات مضمونة في بلاده ومكفولة ضمن دستور 2022، وأنه لا يتدخل في عمل القضاء.
إلغاء "التفرغ النقابي"
وقررت الحكومة أول من أمس الخميس وفي خطوة تصعيدية أخرى، إلغاء "التفرغ النقابي" الذي كان موظفون في القطاع الحكومي يحصلون بموجبه على تراخيص استثنائية لممارسة نشاطهم النقابي والتفرغ له.
ومنذ تأسيس المركزية النقابية عام 1946 خاض قادة الاتحاد صدامات عدة مع المستعمر الفرنسي، وخلال فترة حكم الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي وصولاً إلى ثورة 2011.
وللاتحاد تجربة واسعة في تعبئة المنخرطين فيه (700 ألف في الأقل)، بخلاف المعارضة التي تراجعت قدراتها بصورة كبيرة منذ 2021.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان للاتحاد التونسي للشغل دور ريادي في حل أزمة 2013 السياسية، حين كانت البلاد في حال استقطاب سياسي حاد بعد الثورة التي أطاحت حكم زين العابدين بن علي خلال عام 2011، ونال إثرها جائزة نوبل للسلام مع ثلاث منظمات أخرى.
غير أن طيفاً من الرأي العام ومن التونسيين أثنوا على انتقادات سعيد للمنظمة، معللين ذلك بأن من بين أبرز أسباب تراجع الوضع الاقتصادي الإضرابات المتكررة منذ 2011، والتي نفذتها النقابات في قطاعات حيوية ومنها إنتاج الفوسفات.
تحريض ضد النقابيين
وأصدرت ائتلافات حزبية معارضة ومنظمات حقوقية بيانات نددت بما حصل أمام مقر الاتحاد. وعدت "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" أن التظاهرة لا يمكن فصلها عن "سياق عام من التحريض والتجييش ضد العمل النقابي والمنظمات المستقلة"، لافتة إلى أنها "محاولة مكشوفة لتجفيف منابع التعبير الحر وإضعاف الفضاء المدني، عبر التخويف والتخوين والتشويه".
ودعم الاتحاد قرارات الرئيس الاستثنائية التي أقرها عام 2021، من تجميد أعمال البرلمان ثم حله لاحقاً وإقالة رئيس الحكومة، من دون أن يمنحه "صكاً على بياض". لكن دعمه سرعان ما تراجع، واتخذ موقفاً ناقداً لمسار قيس سعيد.
ويرى الحناشي أن ما تقوم به السلطة "هو توسيع لجبهة الأعداء وتقليص لجبهة الأصدقاء".
ويتزامن تطور الأزمة بين سعيد والاتحاد مع تراكم خلافات داخلية داخل الاتحاد مما يهدد بإضعافها. وبرز جناح من النقابيين يطالب بوضع حد لحال "الوهن والارتباك والانقسام".
وأقر الطبوبي الإثنين الماضي بوجود "خلافات داخلية" وصفها "بالظاهرة الصحية"، مضيفاً أنها "تحسم بالآليات الديمقراطية، وليس لنا الرجل الأوحد".