ملخص
مراقبون اعتبروا الإجراء الحوثي ضد نجل صالح الذي يتردد اسمه بين الشخصيات المرشحة لقيادة البلاد في المرحلة المقبلة، رداً على خطابه الأخير المندد بـ"الحملة الشرسة وغير المبررة التي يتعرض لها الحزب من قبل الحوثيين"، خصوصاً أنه ذكر خلال كلمة له في مناسبة الذكرى السنوية لتأسيس الحزب أن "اعتقال الأمين العام غازي الأحول ومدير مكتبه ومرافقيه، فضلاً عن الحملات الإعلامية الموجهة ضد الحزب وقياداته تكشف حقيقة أن الحوثيين لا يؤمنون بالشراكة الوطنية ولا بالحوار والتعدد والديمقراطية". واعتبر أن السلوك الحوثي "ينسف كل جهود السلام التي يقودها المجتمع الدولي".
يستمر التصعيد الحوثي ضد حزب "المؤتمر الشعبي- جناح صنعاء" على رغم التظاهر بأنهما شريكا حكم سياسي، في وقت تظهر الخلافات من تحت رماد المداراة السياسية بين طرفي الحكم في العاصمة اليمنية.
وبطلب وضغط من الحوثيين، أصدرت قيادة حزب "المؤتمر الشعبي العام" في العاصمة صنعاء قراراً يقضي بفصل السفير أحمد علي صالح، نجل الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، من عضوية الحزب ومن منصبه كنائب للرئيس صادق أبو راس في إجراء عده مراقبون تأكيداً جديداً على مدى التدخل والوصاية التي تمارسها الجماعة على قيادة الحزب في محاولة لإفراغه من مضامين قواه التاريخية.
ويأتي القرار بعد أيام من اعتقال الجماعة الحوثية الأمين العام للحزب غازي أحمد و12 آخرين من قياداته واقتيادهم إلى جهة مجهولة في إجراء غير مسبوق في تاريخ الصراع السياسي اليمني.
وكانت محكمة حوثية أصدرت مطلع الشهر الجاري حكماً بإعدام نجل صالح ومصادرة ممتلكاته ومنع الحزب في صنعاء من الاحتفال بذكرى تأسيسه، وفرضت المحكمة ضمن أحكامها حصاراً على منزل رئيس الحزب صادق أبو راس بعد يوم واحد من إصدار بيان أعلن خلاله الحزب إلغاء أية فعاليات للاحتفال بالذكرى الـ43 لتأسيس الحزب الذي أنشئ في الـ24 من أغسطس (آب) 1982 على يد الرئيس صالح.
وفي تغريدة على منصة "إكس"، قال عضو الأمانة العامة للحزب الموالي للحوثيين حسين حازب إن اللجنة العامة صادقت بالإجماع على تقرير الرقابة التنظيمية الذي أوصى بإلغاء قرار تصعيد أحمد علي إلى منصب نائب ثالث لرئيس الحزب، إضافة إلى فصله من الحزب.
غلق الملعب السياسي
كشفت مصادر سياسية يمنية عن تزايد حدة الضغوط التي تمارسها ميليشيات الحوثي على حلفائها في حزب المؤتمر الشعبي العام "جناح صنعاء"، والتهديد بحلّه إذ لم يستجِب للمطالب المتزايدة.
ووفقاً لمصدر في حزب المؤتمر بصنعاء، فإن القرار جاء ملبياً لضغوط شديدة مارسها على مدى الأسابيع الماضية الحوثيون المتشددون في عدائهم لأسرة الرئيس السابق علي عبدالله صالح داخل المؤسسات الحزبية والسياسية في مناطق سيطرتهم.
وأكد المصدر لـ"اندبندنت عربية" أن قيادات الصف الأول في الحزب "محاصرون منذ أيام في منازلهم وتحت الرقابة الحوثية المشددة، ناهيك عن مراقبة هواتفهم وكل من يزورهم"، وقال إن "هذه التطورات تعني إغلاق المشهد السياسي والتجربة الديمقراطية والمدنية وتسليم اليمن إلى جماعات الإسلام السياسي".
و"المؤتمر الشعبي" هو أحد أكبر الأحزاب اليمنية، تأسس بقيادة علي عبدالله صالح وعبدالله بن حسين الأحمر وسيطر على الحياة السياسية اليمنية رسمياً حتى عام 2011، إذ كان يفوز في جميع الانتخابات ويشكل زعيمه صالح الحكومة ويضم خليطاً من التيارات القبلية والعسكرية والتجارية وذوي النفوذ، ويفتقد بحسب محللين إلى برنامج سياسي واضح.
نهج مستمر
من جانبه قال عضو اللجنة الدائمة للحزب فيصل الشبيبي إن الحملة ضد العميد أحمد علي وحزب المؤتمر ممنهجة وكبيرة وليست وليدة اليوم.
وأوضح الشبيبي لـ"اندبندنت عربية" أن المساعي الحوثية لإزاحة حزبهم "استعرت منذ احتلالهم صنعاء عام 2014 لأنها ترى في الكيان وكل القوى الوطنية حجر عثرة أمام مشروعها العنصري الطائفي لما يشكلانه من جماهيرية كبيرة في اليمن، إضافة إلى نهجه الجمهوري الوطني ورفضه عودة الإمامة".
وعلى رغم الشراكة المبرمة بين مؤتمر صنعاء مع الجماعة المدعومة من إيران، فإن الحوثيين وفقاً للشبيبي "لا يرون إلا أنفسهم ولا يريدون صوتاً غير صوتهم السلالي الطائفي، لذلك يعملون على محاولة إزاحة قيادات المؤتمر التي من بينها ما جرى قبل أيام عندما اعتقلوا الأمين العام للحزب غازي أحمد ومرافقيه في العاصمة صنعاء".
ويفسر لجوء الحوثيين إلى هذه الإجراءات بأنه "نابع من خوف الجماعة الشديد من الشعب اليمني لأنها مدانة وكما يقال في المثل اليمني ’السارق ذليل‘ وهو تجسيد لحالهم بعدما نهبوا أموال الناس ومقدراتهم".
وأضاف أن "اليمنيين اليوم موحدون أكثر من أي وقت مضى بعدما صبروا طويلاً على هذه العصابة وهي تنهب أموال الناس بالباطل واليوم هناك حراك شعبي ضد هذه السلالة تؤكد أنها إلى زوال".
كواليس القرار
يكشف الشبيبي عما وصفه بـ"كواليس اجتماع اللجنة العامة بصنعاء الذي عقد اليوم بضغط وتهديد من قبل الميليشيات الحوثية"، إذ إن رئيس الحزب صادق أمين أبو راس اقترح تجميد نشاط المؤتمر في مناطق سيطرة الميليشيات، فوافقته غالبية من حضروا، ورفض جناح موالٍ للحوثيين، مؤكداً أن النقاشات احتدمت "عند طلب التصويت على قرار فصل العميد أحمد علي لأنه جاء تحت الضغط والإكراه، إضافة إلى أن اللجنة العامة غير مخولة بذلك وأن مثل هذا القرار من صميم اختصاص اللجنة الدائمة التي يبلغ قوامها 1400 عضو أو عقد مؤتمر عام ثامن قوام أعضائه يزيد على 7 آلاف عضو من جميع محافظات البلاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم شعبية "المؤتمر"، خصوصاً بعد المتغيرات السياسية الكبيرة التي شهدها اليمن خلال الأعوام الماضية، فإن خلافات قياداته تهدد مستقبله على أحقية كل طرف في الرهان على ما بقي من جسده المنهك الذي يتهدده الشتات والتلاشي.
ومنذ عام 2012 خلال المرحلة التوافقية التي تلت تنحي الرئيس صالح وتسلم الرئيس عبدربه منصور هادي مقاليد السلطة، انشطر "المؤتمر" لكيانات عدة، واحد في صنعاء موالٍ للحوثيين، وكيانان في الأقل خارج اليمن أحدهما يوالي الحكومة الشرعية والآخر يقف على الحياد، وتتباين جميعها حول مسائل تنظيمية وأخرى تخص مستقبله السياسي، وتأتي نقطة رئاسة الحزب في مقدمتها.
رد عملي
مراقبون اعتبروا الإجراء الحوثي ضد نجل صالح الذي يتردد اسمه بين الشخصيات المرشحة لقيادة البلاد في المرحلة المقبلة، رداً على خطابه الأخير المندد بـ"الحملة الشرسة وغير المبررة التي يتعرض لها الحزب من قبل الحوثيين"، خصوصاً أنه ذكر خلال كلمة له في مناسبة الذكرى السنوية لتأسيس الحزب أن "اعتقال الأمين العام غازي الأحول ومدير مكتبه ومرافقيه، فضلاً عن الحملات الإعلامية الموجهة ضد الحزب وقياداته تكشف حقيقة أن الحوثيين لا يؤمنون بالشراكة الوطنية ولا بالحوار والتعدد والديمقراطية". واعتبر أن السلوك الحوثي "ينسف كل جهود السلام التي يقودها المجتمع الدولي".
وتأتي خلفيات اعتقال الجماعة الحوثية للأمين العام لجناح الحزب في صنعاء غازي الأحول، مع مرافقيه ومدير مكتبه عقب أنباء تحدثت عن معارضته ضغوط الحوثيين لإعادة هيكلة الحزب تهيئة لحظر نشاطه.
خلاف متجدد
واعتبر مراقبون الإجراء الذي جاء بضغط حوثي، تصعيداً جديداً تجاه من بقي من شركائهم في حزب المؤتمر، ربما يعيد تحريك كرة ثلج الخلافات بين الطرفين كالذي جرى خلال ديسمبر (كانون الأول) عام 2017، وانتهى بمقتل زعيم الحزب ومؤسسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وتنفرد الجماعة الحوثية بمقاليد السلطة في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها، مما جرت قراءته في سياق المحاولات الحوثية لاجتثاث ما بقي من شركائهم في "المؤتمر"، مما ينذر بانتهاء الشراكة التي جمعت الطرفين عام 2014 عقب تشكيلهما كياناً تشاركياً ضمن ما سمي "حكومة الإنقاذ الوطني"، ضد الرئيس الجنوبي السابق عبدربه منصور هادي في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2016، وشملت عدداً من الوزراء المنتمين لحزب المؤتمر بلا صلاحيات حقيقية، واتخذتهم وفقاً لمراقبين واجهة شكلية لـ"الشراكة الوطنية" في مسعى لإضفاء شرعية على سياساتها المستمدة من النظام الإيراني، في حين تتركز الصلاحيات المدنية والعسكرية كافة في قبضة قادة الميليشيات وارتباطها المباشر بزعيم الجماعة وطهران، وفي طليعتها مؤسستا الرئاسة والمجلس السياسي (أعلى هيئة إدارية تشاركية)، إضافة إلى القوات الميليشياوية والاستخبارات وغيرها.
وتسعى الجماعة الحوثية منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات عام 2014، إلى تقديم نفسها للمجتمع اليمني والإقليم والعالم على أنها تنتهج خيار الشراكة الوطنية في صناعة القرار، إلا أن واحداً من أهم أسباب الخلاف الماضي والحالي بين الجماعة وشركائها يتمثل في سياسات الإقصاء والتهميش ومصادرة حق التعبير والرأي والعيش بحرية في مناطق سيطرتها، وفق كل القيادات المؤتمرية التي غادرت صنعاء.
الابن المنكفئ
على رغم رفع العقوبات الدولية عن الرجل الذي شغل منصب سفير لدى دولة الإمارات من قبل لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن في الـ31 من يوليو (تموز) عام 2024، توقعت قواعد وكوادر حزب المؤتمر أن يحمل النجل الأكبر للرئيس الأطول حكماً في اليمن راية والده، ولكنه آثر الاستمرار بالصمت والنأي بنفسه من دون أن يحدد موقفاً معيناً حتى من الجماعة الحوثية التي قتلت والده ونكلت به في الرابع من ديسمبر 2017، كما لا تُعرف له وجهة سياسية واضحة ومعلنة، ولهذا يحاط بكثير من الروايات التي تتحدث عن انكفائه بعد مقتل والده وتراجع أية بوادر لطموحاته السياسية، في حين تتحدث روايات أخرى عن اختياره النهج التوافقي من دون تحديد موقف معلن من طبيعة الصراع الجاري، بعد مرحلة والده التي اشتهرت خلال آخر عهدها باقتراب تجهيزه لخلافته في حكم البلاد، خصوصاً أنه شغل لأعوام طويلة منصب قيادة قوات "الحرس الجمهوري" أعتى الفصائل اليمنية المسلحة التابعة لصالح، قبل أن تأتي أحداث عام 2011 وتعمل على تفكيك هذه القدرة المتطورة عداً وعتاداً وإقالته بقرار الرئيس هادي وتعيينه سفيراً لدى دولة الإمارات عام 2012، قبل عزله عام 2015.
ومع ذلك لا تزال أسرة الرئيس الراحل صالح تراهن على رصيد والدها للحصول على نصيب سياسي مستقبلي يخولها العودة لقصر الحكم عبر الابن الأكبر، سواء في إطار أية تسوية سياسية مقبلة أو عبر الحسم العسكري، إضافة إلى ما حققه العميد طارق محمد صالح (نجل شقيق الرئيس الراحل وقائد حراسته السابق)، فهو اليوم عضو مجلس القيادة الرئاسي، وما حققه من وجود عسكري وتنموي داخل المناطق الساحلية غرب اليمن، علاوة على تجهيزه قوة قتالية ضاربة لها ثأر وجودي مع ميليشيات الحوثي، باتت تتحين الفرص للقضاء عليها واستعادة الدولة، فيما تتفاوت حظوظ بقية الأبناء الأصغر سناً والأقل خبرة.