Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"واقعة الشورت" عنوان جديد لمعركة الملابس والأخلاق في مصر

نقاشات دينية حامية بين الحلال والحرام وحوارات اجتماعية ساخنة ترفع راية الالتزام جرت بعدما تجادل رئيس قطار مع أحد الركاب بسبب ارتدائه "شورت" في المواصلات

اللوائح والقواعد الخاصة بالملابس بعضها معروف في مصر والبعض الآخر مجهول (رويترز)

ملخص

السؤال في الشارع المصري عن "كود الملابس" أو "قواعد الملابس" عادة يقابل إما بتجهم رافض للفكرة، أو بسؤال عن المقصود بالكود. المتجهمون الرافضون يعتبرون مصاعب الحياة وغلاء الأسعار وضغوط العمل ومشكلات الأبناء وطلبات الزوجات، وغيرها في قائمة "المنغصات" أموراً تشفع لهم عدم التقيد أو التزام مظهر لائق. ومنهم من يعتبر المظهر غير اللائق، من ارتداء شبشب أثناء تأدية العمل أو ملابس غير مناسبة أو ما شابه، لائقاً.

فيديو قصير لجدال ساخن بين راكب يرتدي "شورت" ورئيس قطار يتجادل معه حول ما بدا أنه "الشورت". وبين إسراع الراكب بتصوير الواقعة ورد مسؤول القطار بكلمات غير مسموعة في المقطع، ومحاولة الراكب دفعه إلى القول أمام كاميرا الهاتف أن "يكرر" ما أخبره به من أن ركوب القطار بـ"الشورت" ممنوع، ثم تحميل للفيديو على الـ"سوشيال ميديا"، ليحصد ملايين المشاهدات وملايين التعليقات، تحول "الشورت في القطار" إلى كرة ثلج رهيبة، فيها نقاشات دينية حامية وحوارات اجتماعية ساخنة وتجاذبات قانونية ثاقبة، تكللت بخبر تكريم هيئة السكك الحديد للمفتش "عدو الشورت"، ونفي رسمي لمنعه بسبب الشورت، بل لأسباب أخرى.

انتشار الفيديو في الدقائق الأولى جاء تحت عنوان "السكك الحديد تمنع راكباً من السفر لارتدائه شورت". الساعات والأيام التالية شهدت تفاصيل مغايرة، بدءاً برد من السكك الحديد يفيد بأن الشاب وسيدة في صحبته وضعا ملاءة سرية كساتر يحجب رؤية الآخرين لهما، وهو ما اعترض عليه رئيس القطار. لم تكتف الهيئة بذلك، بل كرمت رئيس القطار، واحتفت به أمام الإعلام على رغم أنف الشورت وصاحب الشورت.

قطار و"شورت" ومسؤول

وبعيداً من الجدل الآني الذي ثار حول إذا ما كان السبب في اعتراض مسؤول القطار الرئيس "شورت" الراكب أم الملاءة التي اختفى وراءها مع الراكبة، وإذا كان المخطئ هو المسؤول والمصيب هو الراكب، أم العكس، فإن ما جرى هو تفجر حديث "كود الملابس" في مصر، وهو الكود الأشبه بالقنبلة الموقوتة التي تختلط فيها جزئيات "المجتمع المتدين بالفطرة"، بالحد غير الفاصل بين القانون والعرف، والهوة السحيقة بين الدولة المدنية من جهة، ودولة العادات والتقاليد أو دولة الصحوة السبعينياتية أو دولة الحرام والحلال من جهة أخرى. وفي قنبلة الكود ذاتها، يختلط حابل الشبشب والجلباب والعباءة السوداء القاتمة، بنابل الحذاء والبنطلون والـ"دِرس" (الفستان) الملون المبهج.

ومنذ تاريخ الواقعة، تدور دوائر المناقشات حول "الشورت" وما كشفته هوامش النقاش والخلاف عما يدور في المجتمع في غفلة من الرصد الاجتماعي والثقافي، وفي ظل رعاية وهيمنة دينية يتساءل بعض المواطنين عن حجم توغلها على الهيمنة المدنية.

منذ الدقائق الأولى التي انتشر فيها الفيديو على الـ"سوشيال ميديا"، والمصريون انقسموا ثلاث مجموعات: الأولى منددة بالراكب مهللة لمسؤول القطار، والثانية منددة بمسؤول القطار مهللة للراكب، والثالثة متسائلة: هل هناك كود ملابس في مصر؟ وإذا كانت الإجابة بـ"نعم"، فما هو؟ ومن سنه؟ ومن يحق له الاعتراض عليه؟

تعليقات المتابعين للواقعة على منصات الـ"سوشيال ميديا" جاءت كاشفة. قاعدة عريضة أثنت على مسؤول القطار، جزء من الثناء احتكم إلى العادات المحافظة التي تمنع الملابس الكاشفة والتقاليد الريفية التي تنظر بشك وريبة إلى ما قد يحمل شبهة "غربية". ويظل غالب الثناء مغلفاً بإطار ديني، حيث الـ"شورت" حرام"، والجلوس أمام نساء وفتيات بـ"الشورت" مكروه، وغيرها لدرجة أن بعضهم نصحه بأن موقفه كان من الممكن أن يكون أقوى لو أخبر الراكب على الملأ أن "الشورت" حرام، مع توضيح مقاييس الـ"شورت الشرعي" الذي ينتهي تحت ركبة الرجل، بدلاً من سطحية الـ"عيب" وضحالة الـ"ممنوع". آخرون اقترحوا عليه أن يخبر من يتطاول على الدين بعد ذلك بـ"شورت" أو "تي شيرت" من دون أكمام أن ينصحه بالحسنى، مخبراً إياه بمواصفات الـ"شورت" الشرعي والتيشيرت الساتر.

 

الطريف أن خبر تكريم رئيس القطار جاء مصحوباً باسمه الثلاثي: صبحي غورغي جرجس، وهو ما أصاب فريق الـ"شورت الشرعي" في مقتل لا يخلو من طرافة.

الفريق الثاني انتفض غضباً من وصول قطار التديين وفرض سطوة تفسيرات دينية متطرفة وهيمنة نسخة تفسير ديني تختلط فيها عادات وتقاليد المجتمعات القروية المحافظة بالتفسيرات الدينية المتشددة وتفرضها أينما حلت، على راكب اختار أن يرتدي "شورت"، أما الفريق الثالث فبحث في ما وراء الشورت والمعركة وتساءل: وهل هناك كود ملابس يمكن الاحتكام إليه أصلاً؟

غالب البحث في الـ"دِرس كود" المصري يتركز حول ما ينبغي أن يرتديه الأجانب لدى زيارتهم مصر. أدلة سياحية، ومجموعات عنكبوتية تتبادل النصائح والمعلومات حول السفر والترحال والشعوب والمجتمعات وغيرها اجتمعت على أن المجتمع المصري صار أكثر محافظة، وأنه يجب على النساء ألا يرتدين ملابس كاشفة أو قصيرة أو لافتة، أما الرجال فالقيود أقل كثيراً، ويبقى الـ"شورت" لا غبار عليه، لا سيما في أثناء الزيارات السياحية.

وفرة المعلومات المتاحة حول "كود ملابس" السياح يقابلها شح المتاح حول "كود" أهل البلد. بعض المتابعين يقول إن المسألة ليست في حاجة إلى "كود"، انطلاقاً من معرفة ما يصح وما لا يصح حيناً، والحلال والحرام أحياناً، وبعض آخر يرفع راية "كُلْ ما يعجبك والبس ما يعجب الناس" من منطلق "الباب الذي تأتي لك منه الريح، سده واسترح".

مبدأ الراحة في الملابس غائب إلى حد كبير في "كود" الملابس في ما يختص بالنساء، وإلى حد ما بالنسبة إلى الرجال. قانون الشارع يحتم على الأنثى المصرية التزام "كود" الاحتشام، وهو الكود الذي يبدأ بالنقاب، ويمر بالخمار والحجاب، وينتهي عادة عندهما. وفي القلة القليلة من الإناث غير الملتزمات بـ"الكود" المملى من قبل نسخة تدين السبعينيات الضاربة في الجذور، فإن حدوداً دنيا من التغطية مطلوبة بأمر الشارع.

وداعاً للفستان

بأمر أمن الجامعة، جرى توقيف طالبة ومنعها من الدخول العام الماضي، لأنها كانت ترتدي فستاناً اعتبره موظفو الأمن "غير ملائم". وعلى رغم أن الفستان كان يعتبر "عادياً بمقاييس الماضي، فإن الأمن كان له رأي آخر، "قصير ومكشوف" هذا ما قالوه.

الطالبة صعدت المسألة إلى الجهات المتخصصة، ونائبة البرلمان سميرة الجزار التي طالبت رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير التعليم العالي والبحث العلمي أيمن عاشور بالتدخل والتحقيق. وقالت إن منع الطالبة من دخول الجامعة لأنها ترتدي فستاناً يخالف القانون، والمادة 54 من الدستور التي تنص على "الحرية الشخصية حق طبيعي ومصونة لا تمس". وتساءلت "هل الفستان ممنوع ارتداؤه للطالبات في كلية السياحة والفنادق؟ هل هناك زي موحد لم تلتزم الطالبة ارتداءه؟ هل جرى وضع معايير أو محظورات لزي الطلاب والطالبات؟ وما المعايير والمحظورات إن وجدت؟" وأضافت مربط الفرس، ألا وهو أن تباين آراء الناس حول مدى مناسبة ملابس الطالبة من عدمها أمر طبيعي بحسب التربية والفكر والثقافة والبيئة، وهو ما يضع الجميع تحت رحمة ثقافة ومزاج موظف الأمن، ووكيل الكلية، وقناعاتهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قبلها بثلاثة أعوام، كانت هناك "طالبة فستان" أخرى، لكن هذه المرة، لم تمنع الطالبة من دخول الحرم الجامعي، بل دخلت وبينما تؤدي الاختبار، تعرضت لتنمر رهيب من المراقبين والمراقبات.

أثناء تأدية الاختبار، لاحظت نبرات وتعليقات وهمهمات من المراقبين عنها. وبعد انتهاء الاختبار، ذهبت لتسترد بطاقة هويتها كما هو متبع، ففوجئت بالمراقب يسألها هل أنت مسيحية أم مسلمة؟ (خانة الديانة مذكورة في البطاقة) وحين أبدت دهشتها من السؤال، طلب منها أن تخرج من القاعة. وما إن خرجت حتى فوجئت بمراقبتين، واحدة ترتدي النقاب والأخرى الخمار، وقالت إحداهما للأخرى: تعالي لتري ماذا ترتدي الطالبة؟ فما كان من الثانية إلا أن سألتها: هل نسيت أن ترتدي البنطلون؟ واستمر الحديث بين المراقبتين عن فستان الطالبة، وهو بالمناسبة نصف كم وتحت الركبة ببضعة سنتيمترات، وقالت إحدى المراقبتين للأخرى، إن الطالبة مسلمة وخلعت الحجاب، وقررت أن تكون غير محترمة وقليلة الأدب".

واقع الحال يشير إلى أن "كود ملابس الإناث" يحدده الشارع، تحديداً الغالبية المسيطرة على مزاج الشارع وتوجهاته ومعتقداته. ليس هذا فحسب، بل إن مزاج الشارع حين يتعارض مع نصوص القانون أو الدستور فإن الغلبة على الأرجح تكون للشارع.

 

"الملابس الخليعة" يرفضها الشارع. يبدأ الرفض بإمعان النظر وإطلاق التعليقات الجارحة أو الساخرة، وتمر بالتحرش العقابي بدرجاته، وتنتهي بقرار يأخذه أحدهم بمنع "الخليعة" من الوجود في "الشارع المحترم". يشار إلى أن تعريف الملابس الخليعة يتسع ليشمل كل ما كانت ترتديه الجدات والأمهات في زمن ما قبل السبعينيات، وكذلك الفساتين العادية، ما دام الرأس غير مغطى بطرحة، وبالطبع الملابس الحديثة الكاشفة والقصيرة.

"كود الرأس" يشغل البال كثيراً، وفي الأعوام الماضية، تنامت ظاهرة "إجبار" طالبات المدارس إعدادية وثانوية، وأحياناً ابتدائية، لا سيما الحكومية، على ارتداء طرحة رأس بيضاء. ولأن "الإجبار" غير مكتوب، إذ يقتصر على السؤال عن ديانة الطالبة، على رغم العلم المسبق بالديانة، مع النصح اللفظي باللين مرة والشدة مرة، من دون أدلة مكتوبة، فإن الأمر يمضي من دون محاسبة. ويضاف إلى ذلك أن غالبية معتبرة باتت تعتبر تغطية شعر الأنثى تحصيل حاصل، والاستثناءان هما المسيحيات والمسلمات "غير الملتزمات".

وحيث إن العام الدراسي الجديد اقترب، فإن تنويهات على صفحات كثير من المدارس الحكومية على الـ"سوشيال ميديا" تنص على "بخصوص الزي المدرسي للطالبات، الزي يتكون من طرحة بيضاء وفستان طويل وواسع، أو بدلة واسعة وجاكيت طويل، أو تنورة واسعة وجاكيت طويل باللون الأزرق".

إنه الـ"كود" المتعارف عليه لا المنصوص عليه في القانون أو الدستور أو حتى قواعد المدارس، لكنه صار عرفاً غير قابل للنقاش أو السؤال عن مدى قانونيته من عدمها.

المادة 54 من الدستور المصري تنص على الحرية الشخصية، باعتبارها حقاً طبيعياً مصوناً لا يمس إلا وفقاً لضوابط قانونية محددة. وعلى رغم ذلك فإن فكرة الحديث عن خرق دستوري أو قانوني بـ"إجبار" شخص على ارتداء زي ما، أو منعه من ارتداء آخر، قلما يسمع عنها، باستثناء محاولات صارت قليلة لمنع النقاب في الجامعات أو بين الطواقم الطبية في المستشفيات، وعادة تنتهي بترجيح كفة النقاب على حساب اللوائح والقواعد.

لوائح وموظفون

اللوائح والقواعد الخاصة بالملابس بعضها معروف، والبعض الآخر مجهول، ويبقى حبيس الأرشيف. ظاهرة ارتداء "الشبشب" بين البعض من سائقي باصات النقل العام والميكروباصات والبعض من سيارات الأجرة وتطبيقات النقل متفشية، إضافة إلى موظفين حكوميين يقدمون خدمات للجمهور، ومعلمين وإداريين في المدارس، وطواقم تمريض وعمال نظافة وغيرهم، تمضي في الغالب من دون أن تلتفت إليها "حراس الكود". قلة قليلة تعتبر "الشبشب الحكومي" أو "الخدمي" نوعاً من القبح وانعدام اللياقة، وشكلاً من صور الاستهانة بالعمل والاستهتار بالجمهور والطلاب والمرضى والركاب ومتلقي الخدمة.

الطريف أن محاولات نفي ارتداء بعض المعلمين للشباشب، وهو ما يتعارض و"كود" اللياقة وكذلك عادات المدارس وتقاليد التعليم، قوبلت بحادثة تعدي بالشبشب اقترفته مديرة مدرسة في القاهرة العام الماضي ضد أعداد كبيرة من الطلاب، مما أدى إلى هربهم من المدرسة خوفاً من تصويب "شبشب المديرة" جهتهم.

يشار إلى أن المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة أكدت قواعد وتعليمات عدة واجبة النفاذ على "الموظف العام"، بينها ما يتعلق بمظهره الذي ينبغي أن يتفق والقانون واللوائح، والحفاظ على كرامة الوظيفة وحسن سمعتها، والظهور بالمظهر اللائق بالوظيفة، ومراعاة آداب اللياقة في التصرف مع الجمهور والرؤساء والمرؤوسين، وجميعها منصوص عليها تفصيلاً في "مدونة السلوك وأخلاقيات الخدمة المدنية".

 

وعلى رغم عدم الإشارة إلى "الشبشب" بصورة صريحة في المدونة، فإنها نصت على "وجوب مراعاة الموظف المظهر اللائق، سواء في هيئته أو ملبسه" و"التقيد بالزي الرسمي لمن تلزمهم جهاتهم بارتدائه خلال ساعات العمل، وأن يحافظ عليه وعلى نظافته دائماً"، وجميعها أمور تخضع للتقييم النسبي من جهة، ولحجج تبرر خرقها من جهة أخرى.

السؤال "السخيف" في الشارع عن "كود الملابس" أو "قواعد الملابس" عادة يقابل إما بتجهم رافض للفكرة، أو بسؤال عن المقصود بالكود. المتجهمون الرافضون يعتبرون مصاعب الحياة وغلاء الأسعار وضغوط العمل ومشكلات الأبناء وطلبات الزوجات، وغيرها في قائمة "المنغصات" أموراً تشفع لهم عدم التقيد أو التزام مظهر لائق. ومنهم من يعتبر المظهر غير اللائق، من ارتداء شبشب أثناء تأدية العمل أو ملابس غير مناسبة أو ما شابه، لائقاً.

كل ما سبق ليس جديداً، الجديد هو وصول قطار "كود الملابس" رافع راية الالتزام الأخلاقي، والحلال والحرام، والحشمة والعفة إلى الرجال، وهم الذين ظلوا بعيدين من "كود الشارع".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات