Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"خصلة شعر" بين القمع والحرية... من يفرض الأخلاق؟

ما زال كثيرون يؤمنون بدور الدولة الأبوي في ضبط السلوكيات عبر مؤسسات للمراقبة لا على أساس القانون بل العرف

مراقبو الفضيلة ومدققو الأخلاق ورعاة الآداب في كل مكان حولنا وكلهم "شرطة أخلاق" بأشكال مختلفة (أ ف ب)

يستوقف الضابط سيارة فيها شاب وشابة. بعد التمحيص في رخصتي القيادة والسيارة يسأل الشاب عن طبيعة علاقته بالشابة. يخبر الشاب الضابط أنها زميلته. يضيق الضابط الخناق على "المجرم" كي يعترف: زميلتك أم صديقتك؟

يدخل "الموظف" محلاً تجارياً. يرى بعينيه جسم الجريمة: ثلاثة موظفين يعملون بينما المؤذن قد أذن لصلاة العصر. يأمرهم الموظف بترك ما بين أيديهم والتوجه لأداء الصلاة في المسجد.

تسير سيدة في الشارع وجانب من شعرها تدلى من تحت غطاء الرأس. يكتشف أفراد من شرطة الأخلاق هذا الخرق الرهيب في قواعد الحجاب، فيتم احتجازها بعد ضربها ثم تموت في مستشفى إما متأثرة بعملية جراحية خضعت لها قبل 13 عاماً (بحسب الرواية الرسمية) أو بسبب ما تعرضت له ضرب مبرح على رأسها من قبل الشرطة المنوط بها عملية ضبط السلوكيات.

شرطة الأخلاق "البطلة"

شرطة الأخلاق في إيران هي "بطلة" الأحداث والحوادث هذه الأيام، بسبب مقتل الشابة مهسا أميني (22 سنة) عقب تعرض "دوريات التوجيه" أو ""غشتي إرشاد" لها بسبب حجابها الذي اعتبره أفراد الشرطة "غير مطابق للمواصفات" التي تضمن الأخلاق الحميدة، لكن شرطة الأخلاق فكرة، والفكرة ليست حكراً على دولة واحدة، أو جهاز شرطي بعينه، أو حتى ثقافة من دون غيرها، بالتالي فإن مهمة الدولة في فرض أو تطبيق أو التأكد من "جودة" أخلاق الشعب فكرة تطرح نفسها سؤالاً تارة، وتنديداً تارة، وإعجاباً وانبهاراً بل ورغبة في نقل التجربة حتى تعم الفائدة في البلاد وتنتشر الأخلاق بين العباد.

شرطة الأخلاق في إيران ليست وليدة الأحداث المحتدمة حالياً، بل إن عمرها تعدى أربعة عقود. ويمكن القول إنها ولدت من رحم "الثورة الإسلامية" في أواخر سبعينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من اسمها الذي يحمل معاني مفتوحة، حيث الأخلاق منظومة قيم يصعب حصرها وليست حكراً على نوع أو عرق أو دين أو شعب، فإن عبارة "شرطة الأخلاق" في إيران تستدعي صورة المرأة.

تمثل المرأة الإيرانية محور عمل "غشتي إرشاد"، الوحدة التابعة للشرطة الإيرانية، التي تتكون من جنود عاديين يؤدون مهام تبدو غير عادية للدول التي تحترم حق مواطنيها البدائي والبديهي في ارتداء ملابسهم، لكنها صارت في إيران (ودول أخرى بأشكال وتسميات مختلفة) مهام عادية ومعروفة ومتوقعة.

المتوقع في إيران منذ "الثورة الإسلامية" هو أن ترتدي الإناث الحجاب. وللحجاب أو بمعنى أدق "الشادور" المفروض مقاييس ومعايير صارمة. وصرامة المعايير أدت بالطبع إلى محاولات من قبل النساء للتخفيف من حدتها، مرة بارتداء ملابس عادية تحت الشادور، وأخرى بإزاحة غطاء الرأس كثيراً أو قليلاً إلى الوراء، وأخرى بوضع مساحيق تجميل وغيرها.

النساء في المقدمة

وعلى الرغم من أن عمل "شرطة الأخلاق" يقوم على التأكد من أن الرجال والنساء يرتدون "ملابس محتشمة"، فإن الواقع يقول إن التأكد ينحصر على النساء بكل الأعمار في المقام الأول والأخير، حتى إن صغيرات دون سن الثامنة يرتدين شكلاً من أشكال الحجاب.

"الحجاب" له عديد من التعريفات والمقاييس التي تختلف من شخص لآخر، وما يعتبره أحدهم حجاباً ملتزماً يحافظ على الأخلاق ويحمي القيم ويصون المجتمع، هو في نظر آخر ليس كافياً ويطالب بتغطية مزيد أو منع الكائن المستهدف من الخروج من البيت أصلاً.

لذلك فإن الأصل في عمل أفراد "شرطة الأخلاق" هو المعيار الشخصي، هذا "المعيار" المطبق على مدار نحو أربعة عقود عرض آلاف النساء والفتيات في إيران للضرب أو المهانة أو الاحتجاز أو سماع الخطب والمواعظ المطولة للالتزام بالمعايير الساكنة والكامنة في عقل فرد الشرطة وتركيبته.

"بي بي سي" أجرت قبل أيام مقابلة مع أحد أفراد "شرطة الأخلاق" الإيرانية وبالطبع لم يذكر اسمه. ملخص الحوار هو أن عمل وحدات هذه الشرطة عادة يكون في الأماكن المزدحمة حيث ترتفع احتمالات اعتقال أكبر عدد ممكن النساء والفتيات. وهو يرى أن عمله يقوم على "حماية النساء لأنهن إن لم يرتدين ملابس مناسبة، فإن ذلك يستفز الرجال الذين يعتدون عليهن".

متى بدأ الإكراه؟

على الرغم من أن "شرطة الأخلاق" تأسست في أوائل تسعينيات القرن الماضي، فإن "إكراه" الإناث على ارتداء الحجاب لم يبدأ في هذا التوقيت بل قلبه بكثير. تصريحات وتدوينات إيرانيين وإيرانيات في داخل إيران وخارجها على مدار الأسبوعين الماضيين، أي منذ اندلاع أحداث التظاهر والعنف التي فجرها مقتل الشابة مهسا أميني، تشير إلى أن الإكراه بدأ عقب "نجاح" الثورة الإسلامية من قبل مواطنين عاديين في الشارع تحمسوا للدولة الدينية الجديدة أو من أفراد شرطة. في الوقت نفسه، تطوع آخرون بتوقيف النساء والفتيات في الشارع وتقديم الحجاب لهن باعتباره هدية حب ومودة.

لكن الحب والمودة تحولا إلى قانون صارم ومرسوم نافذ في السابع من مارس (آذار) عام 1979. يومها أصدر قائد الثورة الإسلامية آية الله الخميني المرسوم الذي جعل من الحجاب فرضاً على كل النساء في أماكن العمل حيث "غير المحجبات عاريات".

وبين محاولات متفرقة للمقاومة وأخرى للخروج ببدائل تصاعد الإجبار من قبل الدولة الدينية ليصبح نافذاً لا رجعة فيه ولا مناص منه، وذلك مرة في عام 1981 بإجبار الإناث على ارتداء "الشادور" وغطاء للرأس بالكامل بحكم القانون، ومرة في عام 1983 حيث تم سن قانون ينص على جلد من لا تغطي شعرها في الأماكن العامة 74 جلدة، ثم أضيفت لعقوبة الجلد عقوبة إضافية بالسجن مدة تصل إلى شهرين.

استراتيجيات تنمية العفة

مرت الأشهر والسنوات والنساء في إيران يتأرجحن بين التسليم بالأمر الواقع ومحاولة التخفيف من حدة الإجبار والتجرؤ باختبار الأجواء عبر خلع جزء من الحجاب. وحتى القرار الصادر عن مجلس النواب في عام 2005، والموافق عليه من "المجلس الأعلى للثورة الثقافية" في عام 2004 عن "الحجاب والعفة" الذي صدر تحت مسمى "استراتيجيات تنمية ثقافة العفة" لم يتم تطبيقه بشكل صارم لحين وصول الرئيس المحافظ الذي يوصف بـ"المتشدد" إبراهيم رئيس إلى منصب رئيس الجمهورية في أغسطس (آب) الماضي، وذلك بحسب موقع "إيران إنترناشيونال" (مقره لندن).

يشير الموقع إلى تراوح تنفيذ هذا القرار منذ صدوره لأسباب سياسية، تارة بالضغط وأخرى باللين وثالثة بغض الطرف، لكن "عقيدة" نشر الأخلاق والتأكد من عفة المجتمع ظلت طاغية حتى إن الشرطة الإيرانية كانت قد أعلنت من قبل "ضم سبعة آلاف عناصر شرطة لا ترتدي الزي الشرطي ونشرهم في الشوارع بهدف (النهوض بخطة الأمن الأخلاقي)، ليس فقط في الشوارع، بل في داخل السيارات إن تجرأت امرأة على خلع الحجاب أو ارتداء حجاب سيئ من شأنه أن يهدم الأخلاق".

وضمن جهود حماية الأخلاق ما جاء في "إيرنا" (وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية) في أبريل (نيسان) الماضي نقلاً عن رئيس "لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في محافظة كردستان غرب إيران محمود الله مرادي من أن "جميع الجهات الحكومية ملزمة بطرد كل من لا ترتدي الحجاب أو ترتديه بطريقة سيئة"، وذلك ضمن تنفيذ خطة شاملة للحجاب والعفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واعتبر مرادي أن الدول الغربية تشن مخططات لغزو الشعب الإيراني ثقافياً منذ سنوات، وأن "العدو" بدأ حرباً شاملة ضد إيران عبر التدمير السياسي والبيئي والثقافي والاجتماعي. وقال إن الحرية المنشودة هي التحرر من أسر القوى المهيمنة التي سيطرت على حياة الإيرانيين الاجتماعية والثقافية والسياسية منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية على أساس القيم الإسلامية ومنها الحجاب.

الحجاب في إيران وارتباطه في ذهن النظام بالأخلاق هو عنوان الساعة، لكن الأخلاق في إيران ترتبط بقواعد الملابس بشكل عام سواء للنساء أو الرجال، وإن كانت النساء في القلب والعقل بشكل أكبر.

وبحسب مقال منشور في موقع "صدى" التابع لـ"برنامج الشرق الأوسط" في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" تحت عنوان "الحجاب في إيران: من رمز ديني إلى سياسي"، أكتوبر (تشرين الأول) 2022، فإن "قواعد اللباس التي فرضتها الدولة ربطت، منذ عام 1979، بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأساسية مثل التوظيف والتعليم والدخول إلى الأماكن العامة، كما شملت قواعد اللباس الرجال الإيرانيين الذين منعوا من ارتداء القمصان ذات الأكمام القصيرة، وسراويل الجينز والألوان الزاهية في أماكن العمل والجامعات. واستخدمت الدولة سلطتها لفرض إجراءات للسيطرة على مختلف جوانب الحياة العامة والخاصة للمواطنين. وباتت جميع الخيارات الشخصية مثل الزيجات المختلطة وحفلات أعياد المولد والاستماع إلى الموسيقى ومشاهدة الأفلام الأجنبية واقتناء الكلاب خاضعة لتدخل الدولة".

تدخل الدولة في الأخلاق ومسؤولية الدولة عن أخلاق الشعب ودور الدولة في الحفاظ على الأخلاق أو غرسها حال عدم وجودها وعلاقة الدين بالأخلاق طروحات انفتحت أبوابها بفعل وبفضل أحداث إيران، ولكن على استحياء.

فشرطة الأخلاق فكرة. ويمكن القول إنها موجودة في عديد من دول العالم ولكن تحت تسميات مختلفة، ومن دون شرط الوجود كهيئة معروفة أو كيان واضح. مراقبو الفضيلة ومدققو الأخلاق ورعاة الآداب حولنا في كل مكان. الراكب في الباص العام الذي يتوجه بالنصح إلى آخر بأن ألوان القميص الذي يرتديه غير لائقة، والسيدة التي تطالب شابة بتغطية شعرها أو خفض صوتها أو تقليل مكياجها أو تخفيف عطرها حتى لا تتسبب في إضافة ذنوب إلى الذكور في الشارع، والصديق الذي يؤنب صديقه لأنه لا يصلي في المسجد أو الكنيسة، والجار الذي ينصح جاره بعدم ترديد تحية العلمانيين "صباح ومساء الخير" واستبدالها بـ"السلام عليكم"، واتحاد الشاغلين في قرية شاطئية الذي يطالب بمنع النساء من ارتداء ملابس البحر الكاشفة، وغيرهم شرطة أخلاق بمقاسات وأشكال مختلفة.

وحين تتصاعد هذه التصرفات وتتزايد أعداد ممارسيها ولا تتدخل الدولة بوقف هذا "التطفل" وفي أقوال أخرى هذا "النشر الشعبي للأخلاق"، فإن الدولة تكون متواطئة أو متوافقة في فكرها مع فتح باب الجهاد والاجتهاد في غرس الأخلاق في المجتمع، كل بحسب أولوياته وأفكاره وأيديولوجياته المرتكزة في أغلبها على أرضية دينية بحتة.

نموذج الدولة الراعية للأخلاق

لكن يظل هناك نموذج الدولة الراعية للأخلاق، سواء بالنصح أو بالقانون أو بالعنف. في مناظرة نظمها موقع "دقائق" الخبري عام 2020 تحت عنوان "هل حماية الأخلاق العامة واجب الدولة أم تغول منها على حياة المواطنين؟"، قال أستاذ الفلسفة حسن حماد، إن الدولة الدينية والدول التسلطية والقمعية تمارس الوصاية على الأخلاق العامة والخاصة، وتجعل نفسها حارساً على ميراث القيم والتقاليد والموروثات، وتجعل من هذه الوصاية ذريعة للتدخل في كل كبيرة وصغيرة في حياة أفرادها، والعكس صحيح. فالدول الليبرالية تمنح أفرادها مساحة أكبر من الحريات ويصبح كل فرد قادراً على صياغة وصناعة قيمه الخاصة بالطريقة التي تروق له من دون خرق القوانين.

ويرى حماد أن "مقولات مثل الأخلاق العامة والحياء العام والقيم المجتمعية تمثل شعارات ديماغوغية وغوغائية ترسخ للطغيان ولقمع الحريات"، مشيراً إلى أن أغلب المجتمعات العربية تختزل القيم والأخلاق في الرغبة الجنسية والأمور المتعلقة بالجنس.

في المقابل، يرد أستاذ العلوم السياسية معتز عبدالفتاح على سؤاله الذي طرحه في مقال عنوانه "هل الدولة مسؤولة عن أخلاق مواطنيها؟" بالإيجاب بقوله إن الدولة مسؤولة عن أخلاق وقيم وسلوكيات مواطنيها، مستشهداً بما كتبه الفلاسفة ورجال الدولة من عهد أفلاطون وأوراليوس والأنبياء والحكماء حتى العصر الحالي.

ويقول إن "الدولة الحديثة تحرص على وجود رؤية استراتيجية لتربية وتنشئة المواطنين على القيم المدنية التي تجعلهم قادرين على التعايش والتفاعل والعمل المشترك وصولاً إلى النهضة والتقدم".

ويضيف أن معظم الدول أنشأت وزارات ومؤسسات لتنتج خمسة خطابات: الخطاب السياسي والمسؤول عنه هم السياسيون، والإعلامي ممثلاً في أجهزة الإعلام والصحافة، والتربوي والتعليمي وهو مسؤولية المؤسسات التعليمية، والثقافي وهو مهمة المؤسسات الثقافية والفنية، والخطاب الديني والمسؤول عنه المؤسسات الدينية.

وعلى الرغم من أن رؤية عبدالفتاح عن مسؤولية الدولة عن أخلاق مواطنيها تدور في أغلبها حول قيم العمل والعلم والرقي والنظافة، فإنه يظل مؤمناً بدور الدولة كراعية للأخلاق.

مجتمع يستنسخ أفراده

الكاتبة الجزائرية هاجر حمادي قالت ضمن مشاركتها في مناظرة "هل حماية الأخلاق العامة واجب الدولة؟" إن تحديد مفاهيم ثابتة ومتطابقة لدى جميع أفراد المجتمع "شمولية فكرية وقمع اجتماعي". وترى أن عديداً من المجتمعات في المنطقة تعمل على توحيد الفكر والمذهب والدين والأعراف عند كل أفرادها، وذلك على أمل خلق نسخ متطابقة. ومن يرفض ذلك ليس أمامه سوى طريقين: الأول النفاق وإخفاء مفاهيمه المختلفة عن السائد، والثاني الجهر باختلافه ومواجهة ديكتاتورية المجتمع التي ترفض الخروج من القطيع.

وترى حمادي أن المجتمع نفسه كثيراً ما يرغم النظام على سن قوانين لحماية مفاهيمه الثابتة عن القيم ومعاقبة كل من يخرج عنها. وترى في ذلك "إيماناً سطحياً هشاً يتزعزع أو ينتابه الخوف الشديد ما إن تظهر فكرة جديدة أو قيمة مغايرة.

وتنتقد إيمان كثيرين بضرورة حماية الفكرة بالسيف، إذ إن هؤلاء، بحسب ما تؤكد، لا يرون أن الفكرة التي تحتاج إلى السيف لحمياتها تسقط بسقوط السيف، مطالبة بأن تكون الدول "دول مواطنين" لا "دول مؤمنين".

ثالوث الإيمان أو الدين والأخلاق والدولة ومدى ترابط الأضلع الثلاث أو انفصالها يطرح نفسه بشدة، لا سيما في عصر المراجعات التي تفضي إلى تصحيح وتحديث.

نموذج السعودية التي قلصت صلاحيات "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" منذ عام 2016 يقدم نفسه بقوة على ساحة دولة سلطة القانون ومرجعيته.

قد تحوي القوانين نصوصاً خاصة بمراعاة الآداب العامة أو قواعد الذوق العام أو قيم تتعلق بالعادات والتقاليد، لكن يبقى الخط رفيعاً وأحياناً غائباً بين تعريف الآداب والأخلاق وتعريف الحريات والحقوق والخصوصية، لا سيما في المجتمعات التي تجد صعوبة أو مقاومة أو عدم رغبة في الانتقال إلى مرحلة الدولة المدنية الخالصة.

الدين والأخلاق والوطنية

المادة العاشرة من الدستور المصري تقول إن "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها". وقبل أيام أطلقت "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" مبادرة "أخلاقنا الجميلة" في محاولة لإعادة القيم الأخلاقية والسلوكية التي عبر كثيرون عن افتقادها في العقود القليلة الماضية. وعلى الرغم من أن المبادرة ليست دينية، فإن عشرات من رجال الدين اعتبروا أنفسهم جزءاً لا يتجزأ منها من منطلق أن الدين هو الأخلاق والأخلاق هي الدين.

اللافت أن أصوات المطالبين بفك الاشتباك بين الأخلاق والدين والدولة والفرد في أغلب الدول العربية بالغة الخفوت. وفي بعض الأحيان، هي لا تصدر سوى في السر. فاتهامات كراهية الدين ومعاداة المتدينين غالباً تكون جاهزة للتصويب جهة من يطالب بأن يكون القانون هو الحكم بين الجميع، لا سيما أن الجميع يحتوي على مسلمين ومسيحيين وغيرهم، كما يحتوي على سنة وشيعة وأرثوذكس وبروتستانت وغيرهم، كما يحتوي على رجال ونساء لكل منهم تركيبة فكرية وأولويات مختلفة.

من جهة أخرى، ما زال كثيرون يؤمنون بدور الدولة الأبوي في نشر الأخلاق والتأكد من أخلاقيات المواطن، من خلال مؤسسات للمراقبة والمحاسبة وضبط السلوك العام، لا على أساس القانون بل العرف الثقافي أو الديني أو مزيج بينهما.

اللافت أيضاً أن جيشاً جراراً من المراهقين والشباب، يشكل أكثر من نصف تعداد العرب، تشيع بينه نظرية النسبية فيما يتعلق بالقيم والقواعد والأخلاق. فما هو عيب وحرام عند مواطن هو نسبي بشدة لدى مواطن آخر، حتى لو التزم الأخير الصمت في الفضاء العام أو تظاهر بالانصياع للمواطن الأول، سواء أكان فرداً أو جهازاً شرطياً أو هيئة أخلاقية أو سلطة سياسية. وما يجري في إيران ليس إلا جزءاً من سيناريو محتمل وليس كل السيناريو أو ما تسميه الإنجليزية (Sneak preview).

المزيد من تحقيقات ومطولات