Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سوق سوداء للرفات البشرية: تجارة بملايين الجنيهات خارج رقابة بريطانيا

المزادات الإلكترونية حولتها إلى سلع والجدل يهدد سمعة البلاد الثقافية

مخاوف من سرقة القبور في بريطانيا وسط تزايد بيع الرفات البشرية. (أ ف ب)

ملخص

وسائل التواصل الاجتماعي تسهم في تعزيز تجارة الجماجم والعظام ومنتجات الجلد، إذ ينذر الفراغ القانوني في المملكة المتحدة بعهد جديد من "سرقة الجثث".

في المملكة المتحدة، لا يعد بيع الرفات البشرية أمراً غير قانوني بشكل عام، مما يضع كثيراً من عمليات شراء وبيع الجماجم والعظام ضمن منطقة قانونية رمادية.

في حين يثير هذا الفراغ القانوني القلق بين الخبراء، مثل سو بلاك، أحد أبرز علماء الطب الشرعي في المملكة المتحدة، التي تدعو إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد تجارة الرفات البشرية.

ويعد تدنيس القبور جريمة في المملكة المتحدة، لكن البقايا ليست ملكاً فعلياً، لذا لا يمكن قانونياً "امتلاكها" أو "سرقتها"، وهذا يعني أن حيازة أو بيع بقايا بشرية تاريخية لا يعد جريمة بالضرورة، حتى لو استخرجت بشكل غير قانوني.

في مقابلة حديثة على "يوتيوب" قال هنري سكراج من متجره "فيفث كورنر" في إسيكس، "عندما يتعلق الأمر بالأشياء البشرية، أقبل أي شيء تقريباً. طالما أنها من مصادر أخلاقية".

خلال اللقاء، بدا سكراج مرتدياً قبعة بولر رثة، وشعره ولحيته الحمراء المنسوجة إلى ثلاث ضفائر، ووشوم على وجهه بأسلوب قبلي، مما أضفى على المشهد طابعاً غريباً ومألوفاً في آن واحد.

خلفية متجره تشبه تصويراً مستوحى من قصة خيالية من العصر الفيكتوري، إذ يتوسط المتجر جنيناً لتوأمين ملتصقين يطفو في جرة طبية، ورفوفاً مكدسة بالجماجم البشرية، وهيكلاً عظمياً لحيوان هجين بارز في الزاوية.

عروض لبيع أجزاء بشرية محنطة

علاوة على ذلك، يسوق موقع المتجر اشتراكاً شهرياً يرسل فيه للمشتركين جمجمة مختارة من المتجر كل شهر، إلى جانب عروض لبيع أجزاء بشرية محنطة، رؤوس مصغرة (shrunken heads)، وأقنعة ومحافظ مصنوعة من جلد بشري.

نشاط سكراج يكشف عن زاوية مظلمة من سوق "الغرائب" الحديثة، إذ يتداخل القانون والفضول والـ"ميتافيزيقا" (فرع من الفلسفة يبحث في جوهر الوجود، والواقع، والأسئلة الأساسية حول الكينونة والوجود) لجعل المتجر مساحة مأسوية مثيرة للتأمل.

تنسق الدكتورة تريش بايرز، من قسم الأنثروبولوجيا بجامعة كامبريدج، فريق عمل في الجمعية البريطانية للأنثروبولوجيا البيولوجية وعلم الآثار العظمية (BABAO)  يحقق في بيع وتجارة البقايا البشرية.

وقالت بايرز لصحيفة "الغارديان"، إنه كانت هناك زيادة كبيرة في المبيعات في المملكة المتحدة في الأعوام الأخيرة. في الأعوام الخمسة الماضية، منعت الجمعية البريطانية للأنثروبولوجيا البيولوجية أكثر من 200 عملية بيع، بما في ذلك من دور المزادات والمتاجر وبائعين عبر الإنترنت.

وفي مارس (آذار) الماضي، ناقش البرلمان البريطاني مطالب مجموعة من أعضائه بوقف عرض أي قطع من الرفات البشرية في متاحف المملكة المتحدة، والسماح ببيع أجزاء الجسم البشرية في دور المزادات.

وأصدرت المجموعة البرلمانية الإنجليزية متعددة الأحزاب تقريراً يدعو إلى حظر بيع وعرض بقايا الأجداد، بما في ذلك المومياوات المصرية.

وقدم التقرير 14 توصية، منها تجريم بيع الرفات البشرية، وتعديل قانون الأنسجة البشرية لعام 2004 ليشمل رفات الأشخاص الذين ماتوا قبل أكثر من 100 عام.

وأثارت هذه القضية جدلاً واسعاً، إذ وصف بعض الخبراء استمرار عرض المومياوات المصرية في المتاحف البريطانية بأنه "أمر مسيء ويجب إيقافه"، مؤكدين ضرورة إعادة الرفات التي جلبت إلى بريطانيا كجزء من الاستعمار إلى بلدانها الأصلية.

كيف تغيرت سوق الرفات البشرية؟

في حين أن السوق كثيراً ما هيمنت عليها جماجم طبية سابقة ومعروضات متاحف سابقة، أشارت بايرز إلى زيادة في بيع الجماجم التي توصف بأنها "أثرية"، والتي يتوافق مظهرها مع كونها مستخرجة من الأرض أو من التوابيت.

وقالت "غيرت وسائل التواصل الاجتماعي السوق تماماً، الأمر غير قانوني، وهذه هي المشكلة".

من جانبه أثار ماتيوس بول، وهو تاجر "فنون وغرائب ​​مرعبة" من ريدينغ، مخاوف مماثلة في مارس الماضي، وأعلن أخيراً أنه لم يعد يتاجر بالرفات البشرية.

وقال في منشور على "إنستغرام"، "أصبحت الأمور موحلة للغاية بسبب القطع المسروقة، والقطع التي نهبت من القبور، وكثير من الأشياء غير الصحيحة... ويعتقد الناس أنني أتاجر في ذلك، بينما أنا لست كذلك". ورفض بول إجراء مقابلة مع الصحيفة.

وعرضت "الغارديان" صوراً لـ10 جماجم عثر عليها معروضة للبيع على "إنستغرام" ومنتديات إلكترونية أخرى في المملكة المتحدة على ثلاثة خبراء في الطب الشرعي.

وعدت كثير من الجماجم بمثابة جماجم تدريس تشريحية سابقة، لكن بعضها الآخر بدا مغطى بالتراب أو بآثار أنسجة بشرية، مما قد يشير إلى حفريات حديثة.

أظهرت إحدى الجماجم، التي بيعت مقابل 995 جنيهاً استرلينياً (1345 دولاراً) على موقع إلكتروني في بلفاست، علامات تلف في الجذور، مما يشير إلى أنها دفنت في التربة.

وحدد أحد الخبراء "بقعاً مما قد يكون مادة عضوية داكنة، وجذوراً صغيرة محتملة في خيوط العظام ومداراتها، وربما قضم القوارض لها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وصرح صاحب الموقع بأن الجذور والقوارض ليست سبب التلف، وأبلغت الصحيفة أن جمجمة أخرى، مفقودة عدة أسنان، ومسوقة مقابل 795 جنيهاً استرلينياً (1000 دولار) على موقع إلكتروني لمتجر في المملكة المتحدة، بدت عليها بقع أكسيد المنغنيز، وهو ما يتوافق مع تلك التي شوهدت في الجثث المستخرجة من القبور القديمة.

وأظهرت ثلاث جماجم في الأقل أدلة على حدوث ليونة، وهو ما يحدث عندما تغمر العظام في المادة الحمضية الناتجة من التحلل داخل التابوت، ويبدو أن إحدى هذه الجماجم مصابة بتلف حديث حول الوجه، وطبقة داكنة رقيقة ومتقشرة، كما قالت بلاك.

وأضافت "هذا ما رأيته في الجماجم المأخوذة من التوابيت. وتشير المناطق البيضاء إلى أنها تلف حديث، إذ تكشف عن العظم غير الملون أسفلها".

وقال عالم الأنثروبولوجيا الشرعية في جامعة كرانفيلد، الدكتور نيكولاس ماركيز-غرانت، إنه بناء على السمات التشريحية، يحتمل أن تكون بعض الجماجم نشأت من خارج المملكة المتحدة، بما في ذلك آسيا وأفريقيا، وقد يعود تاريخها إلى القرن الـ19.

هل تقنن بريطانيا تجارة الرفات البشرية؟

في ضوء هذه التطورات، يتوقع أن تشهد المملكة المتحدة تغييرات قانونية تهدف إلى تنظيم تجارة الرفات البشرية وضمان احترام حقوق الأفراد والمجتمعات الأصلية.

وأعرب بول بواتينغ، الذي سيلتقي وزيرة الثقافة ليزا ناندي الشهر المقبل للمطالبة بتغيير القانون، عن مخاوف محددة في شأن الاتجار ببقايا أسلاف السكان الأصليين. وقال "إن استمرار الاتجار بالبشر حتى بعد الوفاة، واستمرار إضفاء الصفة المادية عليهم، أمر مقزز للغاية ومصدر عار على بلدنا".

وتتجاوز معظم عمليات الاتجار الخاصة بالبقايا البشرية نطاق قانون الأنسجة البشرية لعام 2004، الذي صدر بعد فضيحة ألدر هاي التي نزعت فيها أعضاء أطفال وخزنت في المستشفى من دون موافقة.

ويغطي هذا القانون، الذي يرسخ المتطلبات القانونية المتعلقة بالموافقة والتخزين والاستخدام، البقايا التي يقل عمرها عن 100 عام فحسب، ويطبق فقط على استخدامات محددة، بما في ذلك زراعة الأعضاء والبحث العلمي و"العرض العام"، الذي يشمل المتاحف، ولكن الخبراء يقولون إنه لا يفسر عادة على أنه ينطبق على الصور التي ينشرها البائعون على وسائل التواصل الاجتماعي.

وهذا يعني أنه في حين أن البحث الطبي يخضع لرقابة صارمة، يتمتع جامعو وبائعو الرفات البشرية بحرية شراء وبيع وتعديلها، شريطة ألا يكونوا قد حصلوا عليها بشكل غير قانوني وألا يستخدموها في عمليات الزرع.

وقالت الدكتورة تريش بايرز، من قسم الأنثروبولوجيا بجامعة كامبريدج، "يجب أن أحصل على ترخيص لجمع الرفات. لا يسمح بالتقاط صور لأي رفات بشرية يقل عمرها عن 100 عام إذا ذهبت إلى قسم علم الأمراض في مستشفى بارتس. لكن لا بأس بتحويل عمود فقري لطفل إلى مقبض حقيبة يد. لا أفهم هذا".

وتسلط تصريحات أستاذة القانون بجامعة ليدز، إيموجين جونز، الضوء على ثغرة قانونية في المملكة المتحدة تتعلق بالاستخدام الشخصي للرفات البشرية، معتبرة أن هذا الاستخدام يمثل "فراغاً قانونياً".

وتشير إلى أن القوانين الحالية لا تعكس التوقع العام بضرورة معاملة الجثث وأجزاء الجسم "بمستوى أساس من احترام الكرامة في جميع القطاعات".

وفي مقابلة، أقر هنري سكراج، أحد بائعي الرفات البشرية، بأن بعض الجماجم القديمة ربما تكون استخرجت أخيراً، إما لإفساح المجال لمقابر جديدة أو بطرق قانونية أخرى.

وأضاف أن بيع جمجمة "لأشخاص سيعتنون بها ويقدرونها ويضعونها على رف ويحبونها"، يمكن اعتباره "أكثر احتراماً من دفنها تحت الأرض بمترين تقريباً".

من جهة أخرى وصف بائعون آخرون على الإنترنت حيازة عظام عثر عليها مقاولو بناء أو صرف صحي، على رغم أن قلة منهم صرحوا بمصدرها الدقيق. ورفض سكراج التعليق على هذه الادعاءات.

في هذا السياق، أكدت وزارة الثقافة والإعلام والرياضة البريطانية ضرورة معاملة جميع الرفات البشرية باحترام وكرامة.

وأشارت إلى أنه يجب على دور المزادات التدقيق في أنشطتها، ومن أي شخص يتاجر بالرفات البشرية أن يدرس بعناية الآثار الأخلاقية لهذا النشاط، الذي يجده الكثر، وهو أمر مفهوم، مثير للقلق الشديد.

من جانبه أكد مصدر في الوزارة أن سرقة أي رفات ستكون "تدنيساً بغيضاً"، وأنهم يتوقعون من الشرطة أن تتصرف "بكل قوة القانون" في مثل هذه الحالات.

أما هيئة الأنسجة البشرية، فشددت على أن تصرفات أي شخص يباشر أنشطة تستخدم الأنسجة البشرية التي تقع ضمن نطاق اختصاصها التنظيمي يجب أن تسترشد بمبادئ "الموافقة والكرامة والجودة والصدق والانفتاح".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات