ملخص
أسهم التحسن الكبير في مستوى السيولة الدولارية لدى البنك المركزي المصري، وتأمين حاجات البلاد من الواردات لأشهر عدة مقبلة، في استقرار سوق الصرف.
منذ بلوغه أعلى مستوى منتصف الشهر الماضي، يواصل الدولار الأميركي موجة قاسية من الخسائر في مقابل الجنيه المصري.
ويعود تحسن أداء العملة المصرية في مقابل الورقة الأميركية الخضراء لأسباب عدة، أهمها تجاوز عملات الأسواق الناشئة للضغوط التي تعرضت لها في ذروة التوترات الجيوسياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط.
لكن بصورة مباشرة، أسهم التحسن الكبير في مستوى السيولة الدولارية لدى البنك المركزي المصري، وتأمين حاجات البلاد من الواردات لأشهر عدة مقبلة، في زيادة استقرار وهدوء سوق الصرف في مصر.
في التعاملات الأخيرة، وفيما جاء أعلى سعر لصرف الدولار الأميركي لدى البنك الأهلي الكويتي عند 48.71 جنيه للشراء، و48.81 جنيه للبيع، فقد سجل أقل سعر لصرف الدولار في البنك المركزي المصري عند 48.59 جنيه للشراء، في مقابل 48.73 جنيه للبيع.
وفي بنوك الأهلي المصري وبنك مصر و"ميد بنك" وبنك قناة السويس بلغ سعر صرف الدولار 48.67 جنيه للشراء، في مقابل 48.77 جنيه للبيع.
ويتوقع عدد كبير من المصرفيين وبنوك وشركات الاستثمار أن يرتفع سعر الجنيه المصري قليلاً في الأسابيع المقبلة، مدعوماً بالتدفقات القوية من العملات الصعبة.
لماذا يواصل الدولار خسائره أمام الجنيه المصري؟
في تعليقه، قال المتخصص في الشأن الاقتصادي الدكتور أشرف غراب إن "سعر صرف الدولار في مقابل الجنيه يشهد تراجعاً ملاحظاً خلال الأيام الماضية، إذ يجري تداول الورقة الأميركية الخضراء تحت مستوى 49 جنيهاً".
مشيراً إلى أن "هذا يؤكد توافر العملة الأجنبية وتحسن سيولة العملة النقدية الأجنبية داخل السوق المصرفية، نتيجة الإصلاحات التي اتخذها البنك المركزي المصري وأسهمت في توحيد سعر الصرف، الذي أسهم في زيادة تدفقات النقد الأجنبي"، موضحاً أن استقرار وتراجع سعر الصرف خلال الفترة الماضية هو إنجاز اقتصادي يعكس تحسناً ملاحظاً في المؤشرات النقدية.
أوضح أن هناك عوامل أسهمت في تراجع سعر صرف الدولار في مقابل الجنيه، منها زيادة تحويلات العاملين بالخارج التي بلغت نحو 32.8 مليار دولار خلال 11 شهراً من العام المالي 2024/2025، إضافة إلى زيادة الاحتياط النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي الذي بلغ نحو 48.7 مليار دولار بنهاية يونيو (حزيران) الماضي، إضافة إلى زيادة حجم الصادرات المصرية خلال الأشهر الماضية محققة طفرة غير مسبوقة.
يضاف إلى ذلك زيادة إيرادات مصر من السياحة التي من المتوقع أن تحقق خلال نهاية عام 2025 أكثر من 17 مليار دولار، إضافة إلى أن إيرادات قناة السويس بدأت في الزيادة، موضحاً أن زيادة الحصيلة الدولارية زادت من المعروض النقدي الأجنبي ولم يصبح هناك ضغط على الدولار، مما أسهم في تراجع سعر الصرف.
حرب التجارة عمقت خسائر الدولار عالمياً
ولفت غراب في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إلى أن هناك عوامل خارجية ساعدت في ارتفاع قيمة العملة المحلية، منها تراجع الدولار عالمياً، وما حققه من خسائر نتيجة السياسة التجارية الأميركية، إضافة إلى تراجع سعر النفط العالمي فانعكس بالسلب على قوة الدولار، مع انخفاض الطلب المحلي الأميركي.
وهذا بخلاف عوامل محلية أخرى منها دخول استثمارات قصيرة الأجل في أدوات الدين، إضافة إلى تحرك الحكومة لتوسيع مبادرة مبادلة الديون باستثمارات وإبرام عقود للاستيراد بالعملات المحلية مع دول تجمع "بريكس" كالصين وروسيا والهند ودول أفريقيا، وأخيراً إعلان عدد من الصفقات مع الكويت وقطر خلال الأيام الماضية بمليارات الدولارات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتوقع أن يستمر تراجع سعر صرف الدولار خلال العام الحالي ليستقر إلى ما بين 48 إلى 47 جنيهاً، تزامناً مع توقعات بعض المؤسسات والبنوك العالمية، خصوصاً مع اقتراب دخول مصر استثمارات خليجية مباشرة من الكويت وقطر تقدر بأكثر من 10 مليارات دولار خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى تزايد حجم الصادرات وتحويلات المصريين بالخارج وإيرادات السياحة تدريجاً وبصورة مستدامة، إضافة إلى تمويل الاتحاد الأوروبي الذي يقدر بنحو 4 مليارات يورو، الذي من المتوقع أن تتم الموافقة نهائياً على صرفه خلال الفترة المقبلة، موضحاً أن التوقعات تشير إلى تراجع سعر صرف الدولار في مقابل الجنيه الفترة المقبلة لو استمر الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، واستمرت زيادة حصيلة النقد الأجنبي من مصادره الرئيسة.
تحسن كبير في تدفقات النقد الأجنبي
ودفع تحسن تدفقات النقد الأجنبي وزيادة المعروض من السيولة الدولارية الجنيه للتعافي أمام الدولار، إذ تترقب السوق المصرية تدفقات تتراوح بين مليار و1.2 مليار دولار جديدة في أدوات الدين، مع صعود مستويات الفائدة واستقرار منطقة الشرق الأوسط وتراجع حدة التوترات، مما جذب التدفقات الأجنبية مجدداً إلى سوق الدين المحلي.
وأسهمت الإيرادات السياحية في التعافي الاقتصادي، إضافة إلى ارتفاع تحويلات المصريين العاملين في الخارج، إذ ساعد ذلك في تعويض خسارة إيرادات قناة السويس بسبب هجمات الحوثيين ضد الملاحة في البحر الأحمر.
وارتفعت تحويلات المصريين المقيمين بالخارج بنسبة 24.2 في المئة على أساس سنوي لتصل إلى 3.4 مليار دولار في مايو، وهو الشهر الـ15 على التوالي الذي تسجل فيه التحويلات نمواً على أساس سنوي.
ووفق بيانات البنك المركزي المصري، ارتفعت التحويلات المرسلة بين يوليو 2024 ومايو (أيار) 2025 بنسبة 69.6 في المئة على أساس سنوي لتصل إلى 32.8 مليار دولار، بينما قفز الرقم بنسبة 59 في المئة على أساس سنوي في الفترة بين يناير ومايو 2025 ليصل إلى 15.8 مليار دولار.
وشهد العام المالي 2024/2023 وصول التحويلات إلى مستوى 22.1 مليار دولار فحسب، انخفاضاً من ذروتها التي بلغت 31.4 مليار دولار في العام المالي 2021/2020.
ومن المتوقع أن تكون الأموال المرسلة من الخارج شكلت نحو ثمانية في المئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد في عام 2024، صعوداً من خمسة في المئة في عام 2023، و6.1 في المئة خلال عام 2022.
وفي ما يتعلق بتدفقات الحساب الجاري، من المتوقع أن تكون تحويلات المصريين بالخارج شكلت نحو 35 في المئة من التدفقات في عام 2024، صعوداً من 25 في المئة المسجلة في العام السابق، لكنها لا تزال بعيدة تماماً من نسبة 45 في المئة المسجلة في عام 2020.