Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أجبرت هجمات المسيرات أربيل على الرضوخ لبغداد؟

يرى مراقبون أن طهران تعلم كردستان أنها باقية بأذرعها وتتحكم بالقرار العراقي

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مستقبلاً رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني في بغداد، في 15 يوليو الحالي (حساب السوداني على فيسبوك)

ملخص

تتخطى الأزمة بين أربيل وبغداد النطاق المحلي، ما دام الأمر يتعلق بشؤون الطاقة إنتاجاً وتصديراً، الواقعة ضمن أولويات كل من الإدارتين الأميركية والإيرانية.

بعد سلسلة هجمات شنتها طائرات مسيرة وتصاعدت وتيرتها أخيراً ضد منشآت إقليم كردستان النفطية، وفي موازاة تمسك بغداد بشروط تسليمها إنتاج الإقليم النفطي ونسبة من عائداته المحلية، سارعت حكومة أربيل إلى الإعلان عن مصادقتها على تفاهم "موقت" جديد مع حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وذلك بعد ساعات من محادثات أجراها معه زعيم "الاتحاد الوطني الكردستاني" بافل طالباني.
جاء هذا التحول بعدما وجدت حكومة الإقليم نفسها واقعة تحت ضغط متزايد من اتجاهين، أحدهما كان مع تصاعد وتيرة هجمات الطائرات المسيرة على منشآت كردستان النفطية، فيما ظهر الاتجاه الآخر في ارتفاع مستوى الغليان الشعبي مع بدء خروج احتجاجات متفرقة إثر عجز الحكومة عن دفع المرتبات لنحو ثلاثة أشهر نتيجة استمرار الخلاف مع بغداد.
وتعرضت مختلف مناطق الإقليم منذ منتصف يونيو (حزيران) الماضي إلى منتصف يوليو (تموز) الجاري إلى نحو 30 هجوماً بالطائرات المسيرة، قبل أن تشتد وتيرتها خلال الأيام الثلاثة الماضية، وسجلت منذ الخميس الماضي نحو 13 هجوماً، استهدفت بشكل أساس منشآت نفطية حيوية، بما في ذلك حقل "خورمالة" النفطي في محافظة أربيل، وقرب مطار أربيل الدولي، وحقل سرسنك في محافظة دهوك.

من المستفيد؟

وعلى رغم خطورة هذه الهجمات وتأثيرها في البنية التحتية الاقتصادية للإقليم، فإن الغموض لا يزال يكتنف الجهات التي تقف وراءها. ففي حين لم تعلن أي جهة مسؤوليتها رسمياً، وجهت وسائل إعلام مقربة من الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، أصابع الاتهام إلى فصائل شيعية موالية لطهران، مثل "سيد الشهداء" و"أنصار الله الأوفياء"، في وقت رجحت فيه أصوات في أربيل وبغداد أن يكون الهدف من الهجمات تعطيل إنتاج وتصدير النفط الكردي، وسط تساؤل عن هوية الجهة المستفيدة من التعطيل؟ وذهب بعض المتابعين إلى الشك في أن تكون تلك الهجمات مقصودة من طرف في الإقليم بغية عدم تسليم النفط إلى بغداد.
ويفرز إعلان أربيل تساؤلات حول العوامل التي دفعتها إلى التكيف مع شروط بغداد، وعن دور القوى الشيعية الموالية لطهران ضمن استراتيجية للحد من نفوذ الإقليم الكردي، وعلاقة حرب الاستقطاب الجارية تحضيراً للانتخابات البرلمانية الاتحادية المقبلة؟
وجاء التفاهم الموقت عقب اجتماع عقده الحزبان على مستوى قيادات الصف الأول بخلاف الاجتماعات السابقة التي كانت تقتصر على مستوى أدنى من القيادات واللجان، بعد تداول معلومات كانت تذهب باتجاه احتمالات اتخاذ أربيل قراراً بالانسحاب من العملية السياسية في بغداد.

خيار اضطراري

ويرى مراقبون وسياسيون أن الحزبين الكرديين الحاكمين وصلا إلى قناعة مفادها أن الوهن الذي أصاب السلطة في الإقليم ناجم عن الفجوة بينهما، مما قد يدفعهما إلى خيار إعادة اللحمة للبيت الكردي ضمانة لمصالحهما المشتركة، وتذهب قراءات إلى أن الخيار المحتمل لتجاوز هذه المرحلة يكمن في الاتفاق مع بغداد حول أزمة المرتبات في إطار مصلحة متبادلة ما دامت الظروف والمعطيات لا تخدمهما في حال استمرار خيار التصعيد، والخيار الثاني هو في التلويح بالانسحاب من الحكومة الاتحادية، وهو ما زال مستبعداً لما له من تبعات سلبية على الطرفين، فأربيل قد لا تتحمل أزمة إضافية تصعد حال الغليان الشعبي، فيما ستواجه بغداد مشكلة على مستوى الانتخابات والشرعية وانعكاسات ذلك على مكانة العراق الإقليمية والدولية.
وبناءً على هذه المعطيات توجه زعيم "الاتحاد الوطني" بافل طالباني الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع القوى الشيعية وإيران إلى بغداد لإيجاد مخرج للأزمة.

أزمة عابرة للحدود

وتتخطى الأزمة بين أربيل وبغداد النطاق المحلي، ما دام الأمر يتعلق بشؤون الطاقة إنتاجاً وتصديراً، الواقعة ضمن أولويات كل من الإدارتين الأميركية والإيرانية، وفي هذا الجانب يقول المحلل الأمني والاستراتيجي أحمد الشريفي إن "السؤال هو هل الأزمة محلية أم وافدة نتيجة التوازنات الإقليمية؟ كل المعطيات تدل على أنها عابرة للحدود وتحديداً الدور المباشر لطهران. ولا يخلو الأمر من دور تركي، والمحرك مرتبط بمخاوف الدولتين من طبيعة نموذج الإقليم الكردي وإمكان امتداده ليمس أمنهما القومي، بمعنى أنه قد يتمدد كخيار سياسي يجري فرضه دولياً من قبل واشنطن". وأردف "ومن هذا المنطلق تأتي المحاولات لإجهاض تلك التجربة عبر استهداف بنية الإقليم الاقتصادية وعلاقته مع بغداد، وهناك مطالبات على سبيل المثال من ’الإطار التنسيقي‘ المقرب جداً إلى إيران تقول بأن الفيدرالية لا تصلح للعراق".
وكانت وزارة داخلية الإقليم نفت في وقت سابق مزاعم إيرانية بتعرض "قاعدة إسرائيلية" إلى هجوم بمسيرة قرب أربيل، واتهمت فصائل تابعة لـ"الحشد الشعبي" الموالية لطهران بالوقوف وراء الهجوم.
ويذهب الشريفي إلى القول إن "الهجمات ليست ردود فعل شخصية أو نتيجة تباينات سياسية بين أطراف المعادلة السياسية بقدر ما هي نتاج لرؤى إقليمية تنفذ محلياً من طريق الأذرع أو الحلفاء، في ظل هاجس إيراني من أن يعوض غاز كردستان الغاز الإيراني المتدفق إلى بغداد. كما أن روسيا وإيران متفقتان على زج سوق الغاز في إدارة الصراع مع الولايات المتحدة واستهداف نفوذها، وتراهنان على التقارب مع قطر وتركيا، في قضية إيجاد أوراق ضغط، وواضح أن استهداف منشآت الطاقة في كردستان هو تحصيل حاصل للفيدرالية، لذا فإن المستهدف هو الكيان". وأنهى الشريفي حديثه قائلاً إن "المشكلة تكمن في أن الإملاءات الإيرانية نتيجة تحكمها بالغالبية الوهمية أثرت مباشرة في اختزال القرار بحلفاء طهران وهؤلاء ماضون بعيداً من التوجهات الوطنية، ويجب التنويه بأن التصعيد الحاصل مرتبط مباشرة بقرب الانتخابات، وهي دائماً ساحة تنافس للاستقطاب".

تنسيق غير معلن

من جانبه يشير المحلل الكردي علي باغ إلى أنه "على رغم عدم تبني أية جهة الهجمات، لكن غالب الظن أن هناك تنسيقاً تجريه الميليشيات العراقية وحتى الحكومة العراقية مع الإيرانيين حول نقطة منع تصدير الإقليم نفطه بشكل مستقل، وستعمل كل شيء لمنعه من الاستقلال اقتصادياً، وعلى رغم أن العلاقة أساساً كانت متأزمة بين بغداد وأربيل، فإن ما صب الزيت على النار كان في إعلان أربيل أخيراً إبرام عقد ضخم مع شركتين أميركيتين بقيمة 110 مليارات دولار". ولفت إلى أن "تكثيف هجمات المسيرات هي رسالة لإلزام أربيل بالتماهي مع سياسة بغداد وقراراتها، في حين أن سياسة الحاكمية الشيعية هي في الوقت نفسه سياسة موالية للإيرانيين". ويضيف باغ أن "نخبة من قادة وسياسيي الإقليم كانوا قد استعدوا لسيناريو مرحلة ظهور إيران جديدة مع احتمال سقوط نظامها على وقع الحرب مع إسرائيل، لكن طهران الآن تقول لأربيل إنها ما زالت باقية بأذرعها وتتحكم بالقرار العراقي، وعليها إعادة حساباتها في مسألة صادراتها النفطية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خطوط إيرانية حمراء

 وكانت تسريبات أشارت إلى أن حزب طالباني (الاتحاد) رفض في اجتماع قمة طلباً من نظيره حزب بارزاني (الديمقراطي) بالانسحاب من بغداد، وربما وجدها "الاتحاد" فرصة لتقويض "الديمقراطي" الذي احتكر القرار الكردي واستقوى عليه، ووفقاً لباغ فإن "ما يجري مرتبط مباشرة بالانتخابات المقبلة"، وأن "عقود الإقليم الأخيرة مع الشركات الأميركية جعلت من الحاكمية الشيعية في بغداد وطهران في صف واحد ضد الإقليم وتحديداً ضد حزب بارزاني، وحتى نظيره ’الاتحاد‘ الذي وافق على إبرام العقود، بعدما كان وضع في الحسبان احتمال تراجع النفوذ الإيراني بعد سقوط النظام في سوريا ومن ثم الحرب مع إسرائيل".
ويتفق المحلل دلشاد أنور مع باغ في وجود مصلحة لـ"الحشد" والإيراني من وراء شن الهجمات، إذ يرى أن "المسيرات تطلق من مناطق كركوك والموصل من قبل الحشد الشعبي، وفيما كان الانطباع في البداية يشير إلى عدم رضا رئيس الحكومة العراقية عن الهجمات، لكن وفقاً لمعلومات فإن إفشال خيار حزب بارزاني بالاتفاق مع تركيا لتصدير النفط يريد السوداني من خلاله إيصال رسالة للشارع الشيعي بوقوفه ضد الإقليم بغية استقطاب الناخب، ناهيك بأن أصل الفعل تقف خلفه إيران". وحول تقييمه فحوى التفاهم قال أنور إنه "جاء وفق ما أرادته بغداد وقد يمثل خضوعاً من قبل الإقليم، لإدراكه بعدم توفر الظروف لخوض التحدي"، مبيناً أن "الاتفاق موقت ويمكن القول إنه أساس لاتفاق دائم، فلا خيار للإقليم".

ضغط احترازي

ويمكن وصف التفاهم المعلن بهدنة قصيرة في إطار صراع قد يتوسع لاحقاً في حال لم يضع الطرفان حلولاً جذرية لمشكلة تقاسم الثروات وتحديد الصلاحيات بين الحكومتين، وقد تتجدد الهجمات والضغوط، ويلفت المحلل في الشؤون الكردية، سنكر قادر إلى أن "موقف أربيل جاء إثر الهجمات، والتفاهم سيكون موقتاً من أجل عبور مرحلة الانتخابات، ومن الخطأ أن يكون تفاهماً بل اتفاقاً، وأن يكون مكتوباً ويوقعه ممثلو شركات النفط، لأن الإقليم قد يتراجع. وستقع على الشركات حينها مسؤولية قانونية، وعلى بغداد أن تأخذ ذلك في نظر الاعتبار وبخلافه سنعود إلى المربع الأول، وقد تم تحذير السوداني من هذه الأخطار".
ولا يستبعد أن يكون الضغط الشيعي المتصاعد ضد الأكراد مرتبطاً بتداعيات الخسائر التي لحقت بالأذرع الإيرانية في المنطقة على يد تل أبيب، ووفقاً للصحافي الكاتب دلشاد مجيد فإن "ساسة الشيعة في العراق لن يتنازلوا كما في السابق وباتوا أكثر تشدداً ضد الأكراد والسنة، إثر ما حصل من استهداف للشيعة في سوريا وما يتعرضون له من ضغط لحل قوات الحشد الشعبي، لذا باتوا مقتنعين الآن بأنهم مصيرهم مرتبط تماماً بمصير النظام في إيران، ومن هنا نرى كيف أن حكومة الإطار التنسيقي الراعية لحكومة السوداني تصر على عدم تسليم دينار واحد للإقليم من دون أن يسلم النفط وجزءاً من الإيرادات المحلية، وعليه فإن المرحلة المقبلة ستكون صعبة على حكومة أربيل وحتى على القوى السنية المرتبطة بتركيا". وختم بالقول إن "ما زاد من مخاوف الشيعة تجاه كردستان يكمن في ورود اسمها ضمن مشروع اتفاقات أبراهام الرامي إلى تطبيع علاقات دول عربية وإسلامية مع إسرائيل".  

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير