ملخص
مصادر تتوقع تعديلاً وزارياً يشمل وزير التعليم العالي في ضوء ما عد تصعيداً غير محسوب في ملف حساس، بخاصة أن التعليم العالي كان على مدى عقود محط إشادة إقليمية ودولية.
أثارت تصريحات أدلى بها وزير التعليم العالي الأردني عزمي محافظة جدلاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية والسياسية، بعدما كشف عن ممارسات وصفها بـ"المضللة" ونسبها إلى جامعات أردنية للحصول على تصنيفات أكاديمية متقدمة مقابل مبالغ مالية، ملمحاً إلى وجود انتحال وسرقة أبحاث علمية ضمن تلك العمليات.
وقال محافظة إن "بعض الجامعات الأردنية تدفع أموالاً من أجل الظهور في تصنيفات عالمية بطريقة لا تعكس واقعها الأكاديمي"، مضيفاً أن "هناك حالات من انتحال الأبحاث وسرقتها تستخدم لتحسين ترتيب هذه الجامعات دولياً، مما يفقد التصنيفات صدقيتها".
ردود غاضبة
في أعقاب تلك التصريحات توالت ردود الفعل الغاضبة، إذ عد البعض أن الوزير وجه اتهامات علنية خطرة من دون تقديم أدلة واضحة، بينما رأى آخرون أن ما قاله يعكس أزمة حقيقية في قطاع التعليم العالي كثيراً ما تم تجاهلها، ويفتح الباب واسعاً أمام الحديث عن تدني مستواه بعد عقود من التميز.
ووسط هذا الجدل، تحدثت مصادر سياسية مطلعة عن احتمالات لتعديل وزاري قريب في الحكومة الأردنية قد يشمل وزير التعليم العالي، في ضوء ما عد تصعيداً غير محسوب في ملف حساس، بخاصة أن التعليم العالي كان على مدى عقود، محط إشادة إقليمية ودولية، وأحد أبرز إنجازات الأردن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودافع مراقبون عن تصريحات الوزير باعتبارها اعترافاً رسمياً بفشل منظومة التعليم العالي الأردنية، بينما قالت تقارير محلية إن التصريحات أثارت غضب رئيس الوزراء جعفر حسان، بخاصة مع اقتراب العام الدراسي الجديد واستقبال الطلبة العرب والأجانب.
وقد فتحت التصريحات الباب واسعاً أمام نقاش عام حول تراجع مستوى التعليم الجامعي في الأردن، بعدما كان يصنف لأعوام كمركز إقليمي متميز. بموازاة ذلك تواجه الجامعات الأردنية تحديات تتعلق بضعف التمويل وتدني البحث العلمي وهجرة الكفاءات.
30 جامعة و400 ألف طالب
يضم الأردن أكثر من 30 جامعة حكومية وخاصة، ويبلغ عدد طلبة التعليم العالي نحو 400 ألف طالب. ويبلغ عدد أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية نحو 14 ألف أستاذ جامعي، فيما بلغت موازنة وزارة التعليم العالي للعام الماضي نحو 100 مليون دولار. وشهدت الأعوام الماضية زيادة لافتة في عدد الطلبة الدوليين في الجامعات الأردنية.
وتظهر دراسات محلية أن استخدام الذكاء الاصطناعي واسع بين الكادر الأكاديمي في الجامعات الأردنية في البحوث وبنسبة 46.7 في المئة.
فيما يلجأ طلاب الدراسات العليا أحياناً إلى بيع الرسائل أو اعتماد جامعاتهم على "عناصر خارجية" لإنجازها.
انتقادات نيابية
طاولت الوزير الأردني انتقادات نيابية بسبب تصريحاته، إذ قالت كتلة إرادة والوطني الإسلامي في مجلس النواب إن وزير التعليم والتعليم العالي والبحث العلمي أدلى بتصريحات تناول فيها ملف نزاهة البحث العلمي في الجامعات الأردنية بطريقة اتهامية وتحمل في طياتها استخفافاً بمكانة المؤسسات الأكاديمية الوطنية وجهود الباحثين الملتزمين معايير البحث العلمي.
وقال النواب إن تعميم الوزير بهذه الصورة يشوه صورة الجامعات الأردنية ومجتمعها الأكاديمي، ويطعن في منظومة البحث العلمي بأكملها، من دون الاستناد إلى بيانات دقيقة أو تقارير محايدة. وأكدت الكتلة أن محاربة الفساد الأكاديمي وتعزيز النزاهة في البحث العلمي مسؤولية مؤسسية تكاملية، تبدأ من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، التي يفترض أن تضطلع بدور رقابي وتوجيهي لا أن تكتفي بإلقاء اللوم على الجامعات من دون تقديم حلول عملية.
في السياق ذاته يؤكد رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس الأعيان، الدكتور وجيه عويس، ضرورة مراجعة منظومة التعليم العالي، وقال إن هناك شغفاً كبيراً للحصول على الشهادات العليا بين الأردنيين مما أسهم في خلق ممارسات سلبية تمس جودة التعليم، منوهاً بأن الهدف الأساس للجامعات هو تحسين مستوى التعليم ورفع تصنيفها الأكاديمي عالمياً، مع وجود رقابة على البحث العلمي.
سمعة على المحك
كان وزير التعليم العالي الأردني عبر عن قلقه البالغ إزاء نتائج مؤشر النزاهة البحثية الأخير، الذي صنف جميع الجامعات الأردنية في مستويات مقلقة، كاشفاً عن انتشار ممارسات غير نزيهة في مجال البحث العلمي، كسرقة وتزوير الأبحاث واللجوء إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي، معرباً عن خشيته من تأثير ذلك سلباً في سمعة التعليم العالي في البلاد.
الوزير أشار أيضاً إلى وجود ممارسات أخرى مقلقة، كقيام بعض الجامعات بدفع أموال للاشتراك في مؤتمرات وأبحاث دعائية، أو منح تسميات شرفية وتعيينات فخرية لباحثين أجانب فقط ليتم نسب إنتاجهم العلمي للجامعة، بهدف تعزيز رصيدها البحثي في التصنيفات العالمية.
وقال الوزير إن جميع الجامعات الرسمية الأردنية جاءت بمؤشرات سلبية على مقياس النزاهة، إذ صنفت معظمها في اللون الأحمر (وضع سيئ جداً).
وخلافاً لكثير من الدول العربية لا يحظى الطلبة الجامعيون في الأردن بتعليم مجاني، إذ يبلغ متوسط كلفة الدراسة في الجامعات الحكومية ما بين سبعة و15 ألف دولار، بينما يتضاعف هذا الرقم في الجامعات الخاصة ويصل إلى 50 ألف دولار.
وبدأت مسيرة التعليم الجامعي بالبلاد عند تأسيس الجامعة الأردنية في 1962 كأول جامعة، في حين كانت جامعة عمان الأهلية أول جامعة خاصة عام 1989.
مؤشرات مقلقة
يقول نائب رئيس الجامعة الأردنية فالح السواعير إن "المؤشر الذي تم الاعتماد عليه هو نزاهة البحث العلمي كاجتهاد من شخص في جامعة عربية ووضع فيه مقياسين لقياس نزاهة البحث العلمي في الأردن، أحدهما عدد الأبحاث التي تم سحبها من المجلات المحكمة والثاني هو عدد الأبحاث. وهي ليست ذات علاقة مباشرة بالنزاهة الجامعية". وأضاف أن "هذه المؤشرات استندت إلى تصنيف صادر عن موقع غير رسمي وقوبلت بتحفظ أكاديمي كبير، لا سيما أنها تفتقر إلى الاعتماد العلمي أو الاعتراف المؤسسي الدولي". وشكك السواعير في صدقية المؤشر، مضيفاً أنه لا يعكس بالضرورة خرقاً للنزاهة.
بينما رأى رئيس جامعة البلقاء السابق، عبدالله الزعبي، أن تصريحات الوزير كان من المفترض أن تتضمن خطة إصلاح واضحة بدلاً من المكاشفة، مؤكداً أن التحديات التي تواجه النزاهة الأكاديمية موجودة في جامعات العالم كافة، وأن السكوت عن تقارير غير دقيقة قد يضر بالسمعة الوطنية.
وأضاف أن الباحثين ينقسمون إلى ثلاث فئات: متميزين، ونزيهين لكن غير محترفين، وفئة ثالثة تمارس الانتحال بهدف الترقية الأكاديمية، داعياً إلى رقابة صارمة على هذه الفئة، بخاصة إن تسللت إلى مواقع قيادية.
أما الرئيس السابق للجامعة الأردنية، خليف الطراونة، فدعا إلى ثورة بيضاء في التعليم العالي، مؤكداً أن الوزير ربما لم يقصد الإساءة، بل أطلق جرس إنذار تأخر كثيراً. وأكد ضرورة التمييز بين الاستخدام المشروع للذكاء الاصطناعي في البحث، وإساءة استعماله، كما دعا إلى إنشاء هيئة وطنية للبحث العلمي.
مؤشر النزاهة
يشرح الدكتور أمجد الفاهوم من جامعة اليرموك أثر مؤشر النزاهة في تصنيف الجامعات بالقول إنه يأتي في خضم الجهود العالمية الرامية إلى تحسين جودة التعليم العالي وتعزيز مكانة الجامعات في ميادين البحث العلمي، وهو أداة تحليلية حديثة طورت عام 2025 من قبل الدكتور لقمان مهو في الجامعة الأميركية في بيروت.
ويهدف المؤشر إلى تقييم أخطار النزاهة في المؤسسات الأكاديمية من خلال تحليل معدل سحب المقالات ونسبة النشر في مجلات أزيلت من قواعد بيانات علمية مرموقة.
ويضيف أنه على المستوى العالمي لم يحظ المؤشر حتى الآن باعتراف من الجهات المانحة أو منظمات الاعتماد الأكاديمي، وينظر إليه كمبادرة فردية. مشيراً إلى أن المؤسسة الجامعية لا تقاس فقط بعدد المجلات التي نشرت فيها أبحاثها، بل بما تنتجه من معرفة.